علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة)
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
طرائق معرفة الحديث الموضوع
المؤلف:
أبو الحسن علي بن عبد الله الأردبيلي التبريزي
المصدر:
الكافي في علوم الحديث
الجزء والصفحة:
ص 260 ـ 263
2025-06-08
140
وأمّا معرفة كون الحديث موضوعًا:
فإمّا بإقرار واضعه (1) كما بيَّنَّا في حديث أبي عِصْمَة نوح بن أبي مريم.
وإمّا بما يتنزّل منزلة إقراره، كالحديث الطَّويل الذي يروى عن أبيّ بن كعب، عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ في فضائل القرآن سورة فسورة، بحث باحث عن مخرجه حتَّى انتهى إلى من اعترف أنه وجماعة وضعوه، وإنَّ أثر الوضع لبيّنٌ عليه.
وكثير من المفسّرين مثل الثَّعلبيّ (2)، والواحديّ (3) أفردوها في "تفاسيرهم"، والحال ما ذكرناه.
وقال قاضي القضاة تقي الدين: "قول واضعه ليس بقاطع في أنّه وضعه، لجواز أن يكون كاذبًا في هذا الإقرار" (4).
قلت: لكن بعد التّوبةِ يُعتمَدُ قولُهُ في سائر الإخبارات (5)، والله أعلم.
الثاني: بقرينة حال الراوي، كالأحاديث الطويلة، مثل ما روي في وفاة النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ قدر نصفِ كُرَّاسٍ (6)، وكحديث يُروى في حدِّ عمر ابنه (7)، وغير ذلك، شهد بوضعها ركاكةُ ألفاظِهَا ومعانِيهَا.
الثالث: أن يكون بخلاف العقل، ولا يقبل التأويل (8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال مُغُلْطاي في "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق 26/ ب) متعقّبًا هذا الكلام: "لقائل أن يقول: إذا كذب الإنسان على سيّدنا رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ الذي ليس الكذب عليه كالكذب على غيره، فجائز أن يكذب على نفسه، إمّا للتنفير عن ذلك الحديث المرويّ أو لنوعٍ آخر؛ لتحصل لغيره الريبة والشكّ فيه، والذي يظهر [أنّ] ذلك إنّما يعرفه غالبًا علماء المُحدِّثينَ الذين صار الحديث لهم ملكة نفسانيّة لكثرة مزاولتهم له، ولكونهم يعرفون غالب ما يقوله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ من أمر ونهي وشبه ذلك من قيامه وقعوده إلى ما لا ينحصر، فإذا رأوا شيئًا ليس عندهم فيه أصل أنكروه. مثاله: إنسان خدم إنسانًا سنين عديدة وعرف محبوبه من مكروهه، فجاء إنسان ادّعى عليه أنّه يكره شيئًا يعلم ذلك أنّه يحبّه؛ بمجرّد سماعه له ينكره ويكذب الذي قاله، والله أعلم". وينظر "محاسن الاصطلاح" (282)، "تدريب الراوي" (1/ 275)، "توضيح الأفكار" (2/ 95) كتابي "البيان والإيضاح" (ص 96) وجواب المصنّف الآتي، والتعليق عليه.
(2) في "تفسيره" المسمّى "الكشف والبيان"، أورد فيه فضائل كلّ سورة قبل الشروع في تفسيرها، فقال – مثلًا - في (4/ 5) في (أوائل) تفسير (سورة المائدة): "أبو أمامة عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ :"مَن قرأ سورة المائدة أُعطِيَ من الأجر بعددِ كلِّ يهوديٍّ ونصرانيٍّ يتنفّس في الدنيا عشر حسنات، ومُحِيَ عنه عشر سيّئات" وهكذا.
(3) في "تفسيره" المسمّى "الوسيط في تفسير القرآن المجيد" أورد فيه فضائل كل سورة قبل الشروع في تفسيرها أيضًا، فقال – مثلًا - فيه (1/ 411) في (أوائل) تفسير (سورة آل عمران) وأورد إسناده إلى أبيّ رفعه: "مَن قرأ سورة آل عمران أعطي بكلِّ آية منها أمانًا على جسر جهنّم".
قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 239 - 240): "وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثَّعلبي في "تفسيره" فذكر عند كلّ سورة منه ما يخصّها، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، ولا أعجب منهما؛ لأنّهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنّما عجبت من أبي بكر بن أبي داود، كيف فرّقه في كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن، وهو يعلم أنّه حديث محال". ونقل العقيلي في "ضعفائه" (1/ 156 - 157) عن ابن المبارك قوله عنه: "أظنّ الزنادقة وضعته". وأفاد العراقي في "التبصرة والتذكرة" (1/ 282): "أنّ من أبرز إسناده فهو أبسط لعذره، إذ أحال ناظره على الكشف عن سنده، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيانه، وأمّا من لم يبرز سنده، وأورده بصيغة الجزم فخطؤه أفحش، كالزمخشري". قلت: فرّق الزمخشري في "كشّافه" فذكره في (آخر) كلّ سورة ما يخصّها منه فقال فيه (4/ 235) – مثلًا - في آخر سورة (الشورى): "عن رسول ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ: "من قرأ {حم * عسق} كان ممّن تصلّي عليه الملائكة ويستغفرون له ويسترحمون له" وتبعه في صنيعه هذا البيضاوي في "أنوار التنزيل" وأبو السعود في "إرشاد العقل السليم"! وينظر لوضع هذا الحديث: "الكفاية" (567 - 568)، "مقدّمة في أصول التفسير" لابن تيمية (ص 76) "التّقييد والإيضاح" (134)، "اللآلئ المصنوعة" (1/ 226 - 227)، "تنزيه الشريعة" (1/ 285)، "الفوائد المجموعة" (296)، "تذكرة الموضوعات" (ص 81)، "توضيح الأفكار" (2/ 83)، "الأسرار المرفوعة" (453)، "فتح المغيث" (4/ 114 - ط المنهاج).
(4) الاقتراح (ص 234)، باختصار شديد.
(5) نقله السخاوي في "فتح المغيث" (2/ 236 - ط المنهاج) عن بعض المتأخّرين، ولعلّه يريد المصنّف، ونقل عن أحمد والحميدي عدم قبول خبره مطلقًا، سواء المكذوب فيه وغيره، ولا نكتب عنه شيئًا. ويتحتّم جرحه دائمًا، وإن يتب، وتحسن توبته، تغليظًا لما ينشأ عن صنيعه من مفسدة عظيمة، وهي تصيير ذلك شرعًا، قال: "نعم توبته - كما صرّح به الإمام أحمد - فيما بينه وبين الله تعالى". قال: "ثُمَّ إنَّ أحمد والحميدي لم ينفردا بهذا الحكم؛ بل نقله كلّ من الخطيب في "الكفاية" [190 - 192] والحازمي في "شروط الأئمّة الستّة" [ص 40] عن جماعة، والذهبي عن رواية ابن معين وغيره، واعتمدوه". قلت: نقله الحازمي عن الثوري وابن المبارك ورافع بن أشرس وأبو نعيم، وانتصر النووي في "شرح صحيح مسلم" (1/ 70) إلى قبول التوبة، وقبول روايته بعدها، وقال: "فهذا هو الجاري على قواعد الشرع، وقد أجمعوا على صحّة رواية من كان كافرًا فأسلم".
(6) هذه الكراريس ما زالت تُبَثُّ بين الناس بين الفَينة والفَينة، وكلّما ماتت أحياها من لا حياء له من الله. ومثلها: محادثة إبليس للنبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ، وظفرت بنسخة خطيّة منها في الظاهريّة! وهو "كذب مختلق" كما في "مجموع فتاوى ابن تيمية" (18/ 350) في أشياء تظهر على هيئة (نشرات) وبعضها - يا للأسف - يعلّق في (المساجد) وينشر في الشبكة العنكبوتيّة (الإنترنت)، وجمعت هذه النشرات في كتاب سمّيتُه "التنبيه والتنويه على ما في النشرات والأوراق المبثوثة بين الناس مِنَ الدَّجل والكذب والتمويه".
(7) ذكره ابن الجوزي في آخر "الموضوعات" (كتاب المستبشع من الموضوع على الصحابة) (4/ 155 - ط مؤسّسة النداء)، وقال: "هذا حديث موضوع، وضعه القصّاص، وقد أبدوا فيه وأعادوا، وقد شرحوا وأطالوا" وقال (4/ 160): "وضعه جُهّال القصاص ليكون سببًا في تبكية العوام والنساء، فقد أبدعوا فيه، وأتوا بكلِّ قبيح، ونسبوا إلى عمر ما لا يليق به، ونسبوا الصحابة إلى ما لا يليق بهم، وكلماته الركيكة تدلّ على وضعه، وبُعدَهُ عن أحكام الشرع يدلّ على سُوء فَهم واضعه وعدم فقهه".
(8) إذا كان الراوي كاذبًا، ولا توجد قرينة دالة على الوضع، فلا يقال في الحديث موضوع، وإنّما: واهٍ، وساقط، وما يشير إلى كونه شديد الضعف لا يصلح في الاعتبارات والشواهد، ولذا لا بُدَّ في الموضوع من التركيز على مخالفته للقواعد العامّة، والنصوص المستفيضة، والمقاصد الكليّة، أو يصادم الحسّ، أو يناقض الإجماع، وما تعورف عليه من الدين بالضرورة، وهذه القرائن تتفاوت، فمنها الظاهر، ومنها الخفيّ. والقرائن التي يعرف بها الموضوع المذكور آنفًا ينبغي أن تقرّر بعقل المحدّث، القائم على المعرفة للقواعد، ومتى تقع النكرة، وكيف تقوم، وعلى أيّ الأسس تبنى، من خلال النظر في كلام النقّاد، وضوابطهم التي نصّصوا عليها، وجمع منها ابن القيّم في "المنار المنيف" جملة حسنة، وهي مهمّة للطالب المبتدئ، ولا غُنيةَ للمتأخّرين عن أحكام السابقين، وللنابهين من طلبة علم الحديث المتمكّنين أن يبنوا عليها إن قامت الأهليّة عندهم، ولا سيما عند الوضع الجديد الذي انبهر به (المسقطون) للأحاديث على الأحداث الجسام، وبلونا الكذب الصراح على بعضهم، فاخترع من رأسه أسماء مخطوطات لا وجود لها في الخارج، ونقل منها نصوصًا مكذوبة، فعاد (الوضع) في زمن الفتنة التي تضيع فيها العقول، وساعد على الانتشار القصّاص وجماعة التبليغ، وإلى الله المشتكى من غربة العلم وأهله. ومن القرائن التي تخصّ حال المرويّ وألفاظ الحديث ويعرف منها الوضع، أن يروي الراوي حديث "لا تؤكل القرعة حتّى تذبحها"! فالقرع نبات وليس بحيوان، فهو ممّا لا يذبح، أسند الرامهرمزيّ في "المحدّث الفاصل" (316) والخطيب في "الجامع" (2/ 257) رقم (1779) عن عبد الجبّار بن عبد الله قال: قيل لشعبة: من أين تعلم أنّ الشيخ يكذب؟ قال: إذا روى عن النبي ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ :"لا تأكلوا القرعة حتّى تذبحوها" علمت أنّه يكذب.