الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أسباب ازمة التعليم العام / المناهج
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 345 ــ 350
2025-07-13
18
إن الله - جل وعلا - أكرم أمة الإسلام بالرسالة الخاتمة التي حوت من النصح والإرشاد وتبيين الأمور ما يشكل كل الخطوط العريضة لصلاح الإنسان ونجاحه، لكن ذلك لا يغني الإنسان المسلم عن الاجتهاد في تحديد المناهج والأساليب التربوية التي تحقق غاية الشريعة في حياة بني البشر، وتساعد على تكوين الناشئة، وإعدادهم للعيش في حياة كريمة آمنة ومنتجة، ولكن ذلك لا يعدو أن يكون اجتهاداً، يخطئ ويصيب؛ وكل ما يقال الآن وغداً عن المناهج المثلى التي ينبغي أن نصير إليها هو الآخر اجتهاد؛ ولذا فإننا حين نوجه انتقاداً للمناهج الحالية، لا نعني تزكية المناهج التعليمية التي كانت سائدة قبل خمسة قرون، وأنها كانت ملائمة فالجذور لأزمات المنهج قديمة، وذيولها ستظل ممتدة، وواجب أهل كل مؤسسة تربوية أن يدخلوا من التحسينات والتطويرات على مقدار ما يستطيعون.
لا يخفى أن تفاقم أزمة مناهجنا الحديثة، قد بدأ يوم أن أرسلت أوروبا جيوشاً من الإرساليات التعليمية والتبشيرية إلى بلاد المسلمين، وخصصت مؤسسات كثيرة لتقديم المعونات الفنية والمادية لبناء المدارس. والكليات، ورسم المناهج والخطط الدراسية. وقد بعث الانبهار بالغرب على أن تقوم الدول الإسلامية بإرسال عشرات الألوف من أبنائها إلى البلدان الغربية، ليتلقوا الفلسفة الغربية في التعليم، وليتدربوا على إدارة المدارس وبناء المناهج، وتصميم الاختبارات عند عودتهم إلى بلادهم. ومع أن ذلك لم يخل من بعض الفوائد، إلا أنه أحدث الكثير من الفوضى والتشويش والتشويه في رؤية الأمة للمناهج التربوية والتعليمية التي تحتاج إليها فعلاً، كما أنه أوجد نوعاً من الصراع داخل كل المؤسسات التربوية، ولا أظن أننا سنشهد نهاية قريبة لذلك. وقد كان هذا ضريبة التقصير والقصور الذي أصاب جهودنا التربوية عبر قرون سلفت!.
إن ما سنذكره من خلل في المناهج لا يمكن تعميمه على جميع البلدان الإسلامية، لا من حيث الكيف ولا من حيث الكم، ولكن يمكن القول: إنه ما من بلد إسلامي إلا وله حظ منه.
من ملامح تأزم المناهج:
1- نحن نعتقد أن المناهج الجيدة هي التي تصدر عن رؤية شاملة ومتكاملة لوظيفة الإنسان في الحياة، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يحتاجه بناؤه الشخصي من مبادئ ومفاهيم ومعلومات ومهارات، والانتباه كذلك إلى متطلبات الاندماج في الحياة العامة، والمحافظة على النسيج الاجتماعي بالإضافة إلى تكوين الانتماء لديه إلى الدائرة الأوسع دائرة الإنسانية، وتكوين الانسجام مع الكون والبيئة الطبيعية، وهذا كله لن يتم إلا إذا كان هناك نوع من التوحد في رؤية واضعي السياسات التربوية لهذه القضايا، وهذا ما نفتقده في كثير من الأحيان!
لقد ابتلي العالم الإسلامي بالتبعية الثقافية التي أربكت رؤيته لذاته ومحيطه، وقبل ذلك لأهدافه وغاياته العليا. ولذا فإننا نرى أن المناهج في بعض البلدان لا ترتبط بأهداف تحقيق العبودية لله - تعالى - والولاء له ولأمة الإسلام، وإنما تؤسس لدى الطالب الانتماء إلى الإقليم أو العنصر أو القوم. وبعضها يؤسس لديه روحاً تجارية نفعية كتلك التي يتشبع بها موظفو العلاقات العامة ومندوبو المبيعات، فنشأ لديها جيل أناني ضيق الأفق، حامد العاطفة، عاجز عن الانفتاح على الدوائر الأوسع.
على المستوى الفلسفي والاقتصادي تأثرت بعض الدول بالاتجاه الاشتراكي، ودول أخرى بالاتجاه الليبرالي الرأسمالي، وقد انعكس ذلك على مناهجها جميعاً، بل وعلى نوعية العلاقات الاجتماعية والمؤسسات التربوية، وقد كان لذلك آثار سلبية عديدة على وحدة الأمة وتجانس فكر شبابها!.
2- الحصيلة التي يخرج بها الطالب في كثير من البلاد الإسلامية هي الشعور بأن بلده هو بلد الانتصارات العظيمة في كل مجالات الحياة والشعور بأن تاريخه الوطني سلسلة من القفزات النوعية في مراقي التقدم والازدهار. وحين تضطر كتب التاريخ إلى ذكر واقعة هزيمة أو نكسة، فإن من النادر تفسير ذلك بالقصور الذاتي أو الاجتهاد الخاطئ وغالباً ما يعزى ذلك إلى تآمر الأعداء أو خيانة شخص من الداخل.
الدافع إلى هذا غالباً ما يكون خيرا، حيث يأمل واضعو المناهج أن يغرسوا في نفوس الناشئة وعقولهم الانتماء لأوطانهم، والثقة بالنفس والاعتزاز بالتاريخ لكن هذا يزود الناشئة بالسذاجة، ويجعلهم لقمة سائغة للإعلام الأجنبي المعادي، كما يزعزع ثقتهم بكل ما تعلموه ولقنوه حين يزداد وعيهم، وتنمو خبراتهم. أضف إلى هذا أن رؤيتهم للأشياء تصبح مشوهة وغير واقعية، وربما أدت المبالغة في تمجيد الذات إلى تكوين نزعة عنصرية لديهم، على نحو ما صنعت النازية بالألمان، إن مهمة المناهج في هذه القضية دقيقة جداً، وأعتقد أن من الخير لنا ولأبنائنا أن يروا الأشياء كما هي مع فهم ظروف الأحداث وملابساتها الموضوعية، فذاك يزودهم بالرؤية الصحيحة، كما يزودهم بالحصانة والمناعة ضد الإعلام المعادي، ويجعلهم في مأمن من الزيف والنكوص على الأعقاب.
3- من المشكلات الكبرى التي تعوق المناهج عن بلوغ أهدافها مصادمة ما يعرف بـ (المنهج المستتر) لها. ويعرف المنهج المستتر بأنه مجموعة المعتقدات والقيم والعادات غير المدونة التي يتم تسريبها إلى الطلاب من خلال القوانين والإجراءات التي تنظم عمل المدرسة والعلاقات الاجتماعية فيها (1).
إن الدراسات تثبت أن تأثر الطلاب بالمنهاج المستتر أكثر من تأثرهم بالمنهاج المدرسي المكتوب لأن الأول يتجسد فيما هو كائن من سلوك القائمين على المدرسة وأخلاقهم وعاداتهم. أما الثاني، فإنه يتحدث عما ينبغي أن يكون أية فائدة ترتجى من درس في العدل أو اللطف أو الإحسان أو الدقة أو الأمانة أو أضرار التدخين ... إذا كان الطلاب يرون في تصرفات الإداريين أو المعلمين أو الآباء أو الوجهاء... ما يناقض ذلك وينفيه على نحو تام؟!.
إن صحة المناهج أمر ضروري وحيوي، لكن لا ينبغي أن يظن أن تأثر الطلاب بها يفوق تأثرهم بسلوكات مربيهم أو بوسائل الإعلام وهذا يلقي على المربين مسؤولية كبرى، ويدعوهم إلى التفكير في عواقب كل تصرف من تصرفاتهم أو موقف من موافقهم.
4- إن أكثر مناهج التعليم في البلاد الإسلامية يشكو انفصاماً واضحاً بين الدلائل الشرعية والدلائل الكونية، فنجد المواد الدينية شبه خالية من الاستدلال بآيات الله - تعالى - في الآفاق والأنفس، والتي تكشف عنها علوم الفلك والكيمياء والفيزياء والأحياء وعلوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وما يتبدى فيها كل يوم من سنن ربانية ماضية.
ونجد في المقابل أن المناهج والمواد الطبيعية والعلمية والاجتماعية، تكاد تكون خالية من الاستدلال بالآيات والأحاديث والأحكام والأفكار والرؤى الإيمانية مع وفرتها في مصادرنا الإسلامية المختلفة.
ولو أن الأمر وقف عند هذا الحد إذن لهان الخطب، لكن واقع الحال أن في بعض المناهج نزعة علمانية، وبعضها ينطلق من نظريات، تتعارض مع جوهر الإسلام، وهذا يؤدي إلى تشويش عقيدة الطالب وفكره، وتمزيق كيانه المعرفي، ويدفعه دفعاً إلى الإحساس بانحسار المنهجية الإسلامية عن جوانب فكرية ومعرفية كثيرة. وهذا في الحقيقة أسوأ ما يمكن أن تقدمه إلى مجتمع، يسعى إلى تحقيق التجانس والتعاضد بين جميع أفراده لمواجهة التحديات والمخاطر الكبيرة!.
5- إن واضعي المناهج، يهدفون إلى إعطاء الطالب معرفة منظمة في كل فرع من فروعها الأساسية بغية إعداده لخوض غمار الحياة بكفاءة واقتدار. ومن الواضح اليوم تسارع وتيرة التغير في كل شيء، فالمعارف والخبرات التي يحتاجها سوق العمل متغيرة والدراسات التربوية المكثفة التي تتم في سائر أنحاء المعمورة، توجب إعادة النظر في الكثير من المقولات والنظريات العلمية وأساليب تصميم المناهج ... لكن الملاحظ أن استجابة كثير من المناهج لدينا لكل ذلك بطيئة للغاية، وذلك بسبب خوف خفي من التجديد حيناً، وبسبب ضعف المتابعة للجديد في الحقل التربوي حيناً، وبسبب ضعف الإمكانات المادية والتطويرية أحياناً أخرى. وحين يتخرج الطالب، ويذهب إلى بلد متقدم لمتابعة الدراسة هناك، يدرك اتساع الهوة بين ما كان يدرسه في بلده، وبين ما يدرسه في البلد الجديد. وتكون النتيجة النظر بازدراء إلى الحصيلة العلمية التي جناها من وراء دراسة السنوات الطويلة في بلده ويكون ذلك بالنسبة إليه الخطوة الأولى على طريق الاستلاب الثقافي!.
إن أجهزة التقويم التربوي ضعيفة جداً في كثير من البلاد الإسلامية، ولذا فإن هناك جهلاً عريضاً لدى واضعي المناهج بمدى التأثير الذي تحدثه مناهجهم في التكوين المعرفي والفكري للناشئة؛ وذلك بسبب ضآلة البحوث والدراسات التي يتم إجراؤها من أجل اكتشاف فاعلية المناهج وطرق التدريس المختلفة.
إن هناك الكثير مما يمكن قوله في شأن المناهج خاصة وأزمة التعليم عامة، لكننا لم نعقد هذا الكتاب للاستقصاء، وإنما لتكوين بعض الرؤى حول قضية التربية والتعليم ذات الأهمية الاستثنائية لدى كل أمة تريد تجاوز واقعها نحو ما هو أكرم وأفضل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مناهج التربية الإسلامية: 42.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
