الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
تعريف بتلمسان
المؤلف:
أحمد بن محمد المقري التلمساني
المصدر:
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة:
ص: 133-136
2025-08-21
41
تعريف بتلمسان
وتلمسان هذه هي مدينتنا التي علقت بها التمائم، وقد نزلها من سلفنا عبد الرحمن بن أبي بكر المقري بن علي صاحب السيخ ابن مدين، الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين، وهو الأب الخامس كما سبق في ترجمة أخبارهم، وهي من أحسن مدائن المغرب ماء وهواء، حسبما ق ابن مرزوق:
يكفيك منها ماؤها وهواؤها ... وقال الكاتب أبو زكريا يحيى بن خلدون في كتابه بغية الرواد في أخبار بني عبد الواد وأيام أبي حمو الشامخة الأطواد بعد كلام في شأن البربر، ما صورته (1) : ودار ملكهم وسط بين الصحراء والتل تسمى بلغة البربر تلمسن، كلمة مركبة من تلم ومعناه تجمع، وسن ومعناه اثنان: أي الصحراء والتل فيما ذكره شيخنا العلامة أبو عبد الله الآبلي، رحمه الله تعالى، وكان حافظا بلسان القوم، ويقال تلمشان، وهو أيضا مركب من " تلم " (2) ومعناه لها، وشان أي لها شأن، وهي مدينة عريقة في التمدن، لذيذة الهواء، عذبة الماء، كريمة المنبت، اقتعدت بسفح جبل، ودوين (3) رأسه بسيط أطول من شرق إلى غرب، عروسا فوق منصة، والشماريخ مشرفة عليها إشراف التاج على الجبين ويطل منها (4) على فحص أفيح معد للفلاحة تشق ظهوره الأسلحة عن مثل أسنمة المهاري، وتبقر في بطونه عند تدميث الغمائم بطون العذارى (5) ، وبها للملك قصور زاهرات اشتملت على المصانع الفائقة، والصروح الشاهقة، والبساتين الرائقة، مما زخرفت عروشه، ونمقت غروسه، ونوسبت أطواله وعروضه، فأزرى بالخورنق، وأخجل الرصافة، وعبث بالسدير. وتنصب إليها من عل أنهار من ماء غير آسن، تتجاذبه أيدي المذانب والأسراب المكفورة (6) خلالها، ثم ترسله بالمساجد والمدارس والسقايات بالقصور وعلية الدور والحمامات، فيفعم الصهاريج، ويفهق الحياض، ويسقي ريعه (7) خارجها مغارس الشجر ومناب الحب، فهي التي شحرت الألباب رواء، وأصبت النهى جمالا (8) ، ووجد المادحون فيها المقال فأطالوا وأطابوا، إلى أن قال: فأنا أنشد ساكنها قول ابن خفاجة لاستحقاقها إياه عندي (9):
ما جنة الخلد إلا في منازلكم ... وهذه كنت لو خيرت أختار
لا تتقوا بعدها أن تدخلوا سقرا ... فليس تدخل بعد الجنة النار وتوسطت قطرا ذا كور عديدة تعمرها أمشاج البربر والعرب، مريعة الجنبات، منجبة للحيوان والنبات، كريمة الفلاحة، زاكية الإصابة، فربما انتهت في الزوج الواحد منها إلى أربعمائة مد كبير؛ ثم أطال في ذلك ابن خلدون المذكور بما يوقف عليه في الكتاب المذكور.
ومما ينسب للسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى في وصفها ما صورته: تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف، ووضعت في موضع شريف، كأنها ملك على رأسه تاجه، وحواليه من الدوحات حشمه وأعلاجه، عبادها يدها وكهفها كفها، وزينتها زيانها، وعينها أعيانها، هواها المقصور بها فريد، وهواؤها الممدود صحيح عتيد، وماؤها برود صريد، حجبتها أيدي القدرة عن الجنوب، فلا نحول فيها ولا شحوب؛ خزانة زرع، ومسرح ضرع، فواكهها عديدة الأنواع، ومتاجرها فريدة الانتفاع، وبرانسها رقاق رفاع، إلا أنها بسبب حب الملوك، مطمعة للملوك، ومن أجل جمعها الصيد في جوف الفرا، مغلوبة للأمرا، أهلها ليست عندهم الراحة، إلا فيما قبضت عليه الراحة، ولا فلاحة، إلا لمن أقام رسم الفلاحة، ليس بها لسع العقارب، إلا فيما بين الأقارب، ولا شطارة، إلا فيمن ارتكب الخطارة؛ انتهى.
وقد كنت بالمغرب نويت أن أجمع في شأنها كتابا ممتعا أسميه بأنواء نيسان في أنباء تلمسان وكتبت بعضه، ثم حالت بيني وبين ذلك العزم الأقدار، وارتحلت منها إلى حضرة فاس حيث ملك الأشراف ممتد الرواق، فشغلت بأمور الإمامة والفتوى والخطابة وغيرها، ثم ارتحلت بنية الحجاز، وجعلت إلى الحقيقة المجاز، وها أنا ذا إلى الآن في البلاد المصرية، وفي علم الله تعالى ما لا نعلم، والتسليم لأحكام الأقدار أسلم، والله تعالى يختم لنا بالحسنى بجاه نبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم.
وبها ولدت أنا وأبي وجدي وجد جدي، وقرأت بها ونشأت إلى أن ارتحلت عنها في زمن الشبيبة إلى مدينة فاس سنة تسع وألف، ثم رجعت إليها آخر عام عشرة وألف، ثم عاودت الرجوع إلى فاس سنة ثلاث عشرة وألف، إلى أن ارتحلت عنها للمشرق أواخر رمضان سنة سبع وعشرين وألف، ودخلت مصر برجب من عام ثمانية وعشرين وألف، والشام بشعبان عام سبعة وثلاثين وألف، وأبت منها إلى مصر أواخر شوال من العام، وشرعت في هذا المؤلف بالقعدة من العام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بغية الرواد 1: 19/9.
(2) البغية: تل.
(3) البغية: ودون.
(4) البغية: تطل منه.
(5) البغية: العدارى. والعذارى: الأراضي التي لم توطأ.
(6) المكفورة: المستورة.
(7) البغية: بساتينها.
(8) جمالا: سقطت من البغية.
(9) ديوان ابن خفاجة: 364.
الاكثر قراءة في العصر الاندلسي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
