اعلى الاعمال درجة الايمان بالله
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص198-204.
2025-10-13
244
اعلى الاعمال درجة الايمان بالله
قال تعالى : {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ } [التوبة : 124، 125].
قال أبو عمرو الزّبيري : قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : أيّها العالم ، أخبرني أيّ الأعمال أفضل عند اللّه ؟ قال : « ما لا يقبل اللّه شيئا إلّا به ».
قلت : وما هو ؟ قال : « الإيمان باللّه الذي لا إله إلّا هو ، أعلى الأعمال درجة ، وأشرفها منزلة ، وأسناها حظّا ».
قال : قلت : ألا تخبرني عن الإيمان ، أقول هو وعمل ، أم قول بلا عمل ؟ فقال : « الإيمان عمل كلّه ، والقول بعض ذلك العمل ، بفرض من اللّه بيّن في كتابه ، واضح نوره ، ثابتة حجّته ، يشهد له به الكتاب ، ويدعوه إليه ».
قال : قلت له : صفه لي - جعلت فداك - حتى أفهمه . قال : « الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التّامّ المنتهي تمامه ، ومنه الناقص البيّن نقصانه ، ومنه الراجح الزائد رجحانه ».
قلت : إنّ الإيمان ليتمّ وينقص ويزيد ؟ قال : « نعم ».
قلت : كيف ذاك ؟ قال : « لأن اللّه تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم ، وقسّمه عليها ، وفرّقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلّا وقد وكّلت من الإيمان بغير ما وكّلت به أختها ، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللّتان يبصر بهما ، وأذناه اللّتان يسمع بهما ، ويداه اللتان يبطش بهما ، ورجلاه اللّتان يمشي بهما ، وفرجه الذي الباه من قبله ، ولسانه الذي ينطق به ، ورأسه الذي فيه وجهه.
فليس من هذه جارحة إلّا وقد وكّلت من الإيمان بغير ما وكّلت به أختها ، بفرض من اللّه تبارك وتعالى اسمه ، ينطق به الكتاب لها ، ويشهد به عليها ، ففرض على القلب غير ما فرض على السّمع ، وفرض على السّمع غير ما فرض على العينين ، وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان ، وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين ، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرّجلين ، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه .
فأمّا ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والمحبّة والرّضا والتسليم بأن لا إله إلّا اللّه ، وحده لا شريك له ، إلها واحدا لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا ، وأنّ محمدا عبده ورسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، والإقرار بما جاء من عند اللّه من نبيّ أو كتاب ، فذلك ما فرض اللّه على القلب من الإقرار والمعرفة ، وهو عمله ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} [النحل : 106] ، وقال : {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28] وقال :
{الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ } [المائدة : 41] ، وقال : {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة : 284] ، فذلك ما فرض اللّه عزّ وجلّ على القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الإيمان .
وفرض اللّه على اللّسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقرّ به ، قال اللّه تبارك وتعالى : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة : 83] ، وقال : {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت : 46] ، فهذا ما فرض اللّه على اللّسان ، وهو عمله .
وفرض على السّمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم اللّه ، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له مما نهى اللّه عزّ وجلّ عنه ، والإصغاء إلى ما أسخط اللّه عزّ وجلّ ، فقال في ذلك : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء : 140] ، ثم استثنى عزّ وجلّ موضع النسيان ، فقال : {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام : 68] ، وقال : {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17، 18] ، وقال عزّ وجلّ : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون : 1 - 4] ، وقال : {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص : 55] ، وقال : {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } [الفرقان : 72] ، فهذا ما فرض اللّه على السّمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحلّ له ، وهو عمله ، وهو من الإيمان .
وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم اللّه عليه ، وأن يعرض عمّا نهى اللّه عنه ممّا لا يحلّ له ، وهو عمله ، وهو من الإيمان ، فقال تبارك وتعالى : {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] ، فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم ، وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ، ويحفظ فرجه أن ينظر إليه ، وقال : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] ، من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج أختها ، وتحفظ فرجها من أن تنظر إليها » . وقال : « كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزّنا إلّا هذه الآية فإنها من النّظر.
ثم نظم ما فرض على القلب واللّسان والسّمع والبصر في آية أخرى ، فقال : {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} [فصلت : 22] ، يعني بالجلود الفروج والأفخاذ ، وقال : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء : 36] ، فهذا ما فرض اللّه على العينين من غضّ البصر عمّا حرّم اللّه عزّ وجلّ ، وهو عملهما ، وهو من الإيمان.
وفرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم اللّه ، وأن يبطش بهما إلى ما أمر اللّه عزّ وجلّ ، وفرض عليهما من الصّدقة وصلة الرّحم والجهاد في سبيل اللّه والطّهور للصّلاة ، فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة : 6] ، وقال : {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد : 4] ، فهذا ما فرض اللّه على اليدين ، لأنّ الضّرب من علاجهما.
وفرض على الرّجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي اللّه ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي اللّه عزّ وجلّ ، فقال : {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء : 37] ، وقال : {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان : 19] ، وقال فيما شهدت الأيدي والأرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهم لما أمر اللّه عزّ وجلّ به ، وفرضه عليهما {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس : 65] فهذا أيضا ممّا فرض اللّه على اليدين وعلى الرّجلين ، وهو عملهما ، وهو من الإيمان.
وفرض على الوجه السّجود له بالليل والنّهار في مواقيت الصّلوات ، فقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرّجلين ، وقال في موضع آخر : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن : 18] ».
وقال فيما فرض اللّه على الجوارح من الطّهور والصّلاة بها ، وذلك أنّ اللّه عزّ وجلّ لمّا صرف نبيه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى الكعبة عن بيت المقدس ، وأنزل اللّه عزّ وجلّ : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة : 143] فسمّى الصلاة إيمانا ، فمن لقي اللّه عزّ وجلّ حافظا لجوارحه ، موفيا كلّ جارحة من جوارحه ما فرض اللّه عزّ وجلّ عليها لقي اللّه عزّ وجلّ مستكملا لإيمانه ، وهو من أهل الجنّة ، ومن خان في شيء منها أو تعدّى ما أمر اللّه عزّ وجلّ فيها لقي اللّه عزّ وجلّ ناقص الإيمان ».
قال : قلت : قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه ، فمن أين جاءت زيادته ؟
فقال : « قول اللّه عزّ وجلّ : { وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ }. وقال : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف : 13] ولو كان كلّه واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ، ولا استوت النّعم فيه ، ولا استوى الناس وبطل التّفضيل ، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند اللّه ، وبالنقصان دخل المفرّطون النّار » « 1 ».
وقال أبو جعفر عليه السّلام : {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة : 125]: « شكّا إلى شكّهم » « 2 ».
___________
( 1 ) الكافي : ص 28 ، ح 1 .
( 2 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 118 ، ح 164 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة