يعتقد الكثيرون أن تعريف المادة أمر سهل يسير، فإذا سألتهم: ما هي المادة ؟ قالوا: إنها صورة من صور الطاقة، وإذا قلت لهم: وماهي الطاقة؟ حَكُوا رؤوسهم حيرة، ولم يستطيعوا جوابا.
بقي المتعلمون مغرورين بما تعلموه من علوم حديثة؛ إذ يتصورون أنهم استوعبوا كل أسرار العلم، وتمكنوا من حل جميع مشاكله، ولم يبق إلا القليل؛ فيأخذهم العجب والخيلاء، يتحذلقون بأفانين الكلام وترديد المصطلحات العلمية.
إنهم يعتقدون أن المادة لا تحتاج إلى تعريف؛ فهم اعتادوا على رؤيتها؛ فأصبحت عندهم من البديهيات التي لا تحتاج إلى السؤال عنها يرونها يوميا، وهم لا يعترضون. ما يزال العلم عاجزا عن معرفة ماهية المادة، وما يزال العلماء في حيرة من أمرهم ، وظلوا في هرج عظيم، وسيبقون في هرج عظيم إلى يوم يبعثون.
 خلص علماء القرن العشرين إلى أنّ المادة هي كل شيء يشغل حيزا في الفراغ، ووقفوا عند هذا الحد الذي تتهشم عليه الرؤوس والأفكار. اعتاد الإنسان منذ نشأته على أن العالم المادي الذي يعيش فيه هو كل شيء، ويكبرالإنسان على ما اعتاد عليه، ويبني حياته كلها وفق نظرته هذه، لكن ما يقوله العلم الحديث أظهر حقيقة مهمة جدًا مختلفة عما كان سائدا؛ فجميع المعلومات بشأن العالم الخارجي تصلنا عن طريق الحواس الخمسة هذا العالم هو ما رأته العين وسمعته الأذن، وشمه الأنف، وذاقه اللسان، ولمسته اليد، والإنسان منذ ولادته مرتبط بهذه الحواس؛ ولذلك فهو لا يدرك العالم الذي يحيط به إلا بالشكل الذي تعرفه له هذه الحواس، لكن البحوث العلمية التي أجريت حول ما تلقاه بشأن ما سميناه العالم الخارجي أظهرت حقائق مختلفة تماما ، عما كان يعتقد إلى يومنا هذا، وأوضحت شيئًا مهما جدا حول المادة التي يتكون منها العالم الخارجي. ولنأت على ذلك بمثال من واقعنا المرير، فلنفرض أنك في يوم من الأيام زرت موظفا يشغل منصبا مهما في إحدى مؤسسات الدولة في مكتبه ، وطلبت منه توظيف أحد أبنائك العاطل عن العمل المتخرج من كلية الهندسة قبل ست سنوات، وربما هذا الموظف كان زميلاً لك أيام الدراسة الابتدائية ، أو الثانوية، لكن شاء القدر أن يشغل منصبا مهما من مناصب الدولة ، ولحسن الحظ أو لسوته ، أصبحت حاجتك عنده، ودار الحديث بينكما، ومن طبيعة كل موظف يشغل منصبا مهما في مؤسسات الدولة في مجتمعنا أن يتحدث في البداية بأنه ما كان يرغب بهذا المنصب، ولكن حاجة البلد إليه هي التي دفعته الى أن يقبل هذا المنصب، وأن هذا المنصب سوف يسبب له المتاعب ويصدع له رأسه، ولكن حاجة البلد فوق كل شيء ، وكان الله يحب المحسنين.
بينما هو يتحدث لك بهذا الحديث أنت تنظر منبهرًا إلى أثاث مكتبه الفخم والتحفيات الثمينة فيه ومنضدته العاجية، وأنت تنظر إلى هذه الأشياء تذكر أولاً معلوماتك حول الرؤية التي هي إحدى حواسك، والتي تعطيك أهم المعلومات عن هذه الأشياء. تتحقق الرؤية على مراحل، فحزمة الضوء الصادر عن هذه الأشياء، التي يطلق عليها فوتونات تنعكس من هذه الأشياء، وتصل إلى عدسة عينك، وتتمركز في الشبكية الموجودة في الجهة الخلفية للعين، هنا تتنقل الأشعة التي تحولت إلى إشارات كهربائية عن طريق عصب الرؤية إلى مركز الرؤية في الدماغ، الذي تتحقق فيه الرؤية، وأنت جالس في مكتب الموظف كل لقطة شاهدتها، وكل حادثة مرت بك في الحقيقة هي تحيا في هذا الجزء الصغير المظلم، وهو الدماغ، فهذا الكتاب الذي بين يديك الآن والكلمات التي تقرؤها فيه تحيا ، أو تنطبع في مكان لا تتجاوز مساحته بضعة سنتمترات في الدماغ، لنتأمل في هذه المعلومة بدقة أكبر ، فعندما تقول: إني أرى شيئًا ما في الحقيقة أنت لا ترى إلا التأثير الذي أحدثته الأشعة التي وصلت إلى عينيك من الشيء، وتحولت إلى إشارات كهربائية في دماغك، فعندما يقول أحدنا: إني أرى في الحقيقة هو يرى الإشارات الكهربائية المتكونة في دماغه في هذا السياق، هناك ملاحظة أخرى علينا أن نقف عندها، فالدماغ محجوب عن الضوء، وفي داخله ظلام دامس ؛ ولذلك لا يمكن أن يكون الدماغ هو المخاطب من الضوء نفسه إطلاقا، ولكي نوضح هذا الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب، دعنا نعود إلى مثالنا السابق، فلو نظرت إلى المصباح المزخرف المضيء بالألوان الزاهية في مكتب الموظف، ورأيت ضوءه ، ففي أثناء مشاهدتك لضوء المصباح هناك داخل الدماغ والجمجمة ظلام دامس، فضوء المصباح لم يضئ مركز رؤيتك ، ولا دماغك، ولكنك مع ذلك ترى غرفة الموظف الملونة ، والمضيئة إلى أقصى حد في هذا الدماغ المظلم، والأمر نفسه ينطبق على مداركنا الأخرى السمع ، واللمس ، والذوق ، والشم كل واحدة لا تدرك بالدماغ إلا بإشارة كهربائية، ولهذا فإن دماغنا طوال حياتنا لا يواجه أصل المادة التي هي خارج ذواتنا ، وإنما يواجه نسختها الكهربائية فقط، وإن كان يعتقد أن هذه النسخ هي مواد حقيقية.
هذه الحقائق الفيزيائية توصلنا إلى نتائج لا تقبل الجدل، فكل ما شاهدناه، أو سمعناه، أو لمسناه أطلق عليه اسم المادة، أو العالم، أو الكون. هذه المصطلحات ليست إلا تأويلات للإشارات الكهربائية في دماغنا، وكل شيء نراه هو عبارة عن صورة في الدماغ إننا تحدثنا عن العالم الخارجي وهو المتكون في دماغنا عن طريق الحواس، ولا يمكن لنا التوصل اليه إلا عن طريق هذه الحواس، ونحن لا نستطيع أن نعرف وجود مثل هذا العالم حقيقة، ذلك لأننا خوطبنا بحقيقة واحدة، وهي عالم الحواس يقول الفيلسوف جورج بوليتزر: " نحن نصدق بوجود الأشياء؛ لأننا نراها ونلمسها، وحواسنا هي التي أعطتنا إياها، ولكن حواسنا فقط هي الأفكار الموجودة في أذهاننا وما دامت كل هذه الأشياء موجودة في أذهاننا فقط، فمن الخطأ الكبير إذا تخيلنا أن الكون والمادة موجودات خارج أفكارنا  فالحقيقة بالنسبة للإنسان هي ما يمسك باليد، ويرى بالعين ؛ فهو يعتقد أن هذه حقيقة مادام يمسك الشيء بيده، ويراه بعينه، وقد أثبت العلم الحديث خطأ هذه القاعدة. فالنائم مثلاً يرى نفسه، وهو يتنقل من بلد الى آخر، وهو في الحقيقة لم يفارق فراشه أبدا، فهو في منامه يذهب إلى أماكن مختلفة، ويقابل أصدقاءه، ويتحدث معهم، ويأكل ويشرب، في هذه الأماكن كلها، وإن كانت لا مكان لها في العالم المادي، ولكنه يعايشها بتفاصيلها الدقيقة، ولا يدرك الشخص ما رآه إلا بعد استيقاظه من النوم، فالعالم الخيالي في المنام هو نفسه العالم الحقيقي الذي نام فيه، ولا يوجد أي سبب منطقي يعوق تفكيرنا أن نقول عند استيقاظنا : إننا بمنام طويل نسميه الحياة الحقيقية، وإنما سبب اعتقادنا بأن الدنيا حقيقية، والأحلام خيال ؛ هو الحكم المسابق المتداول لدينا بالذي اعتدنا عليه، فنحن نألف كل شيء اعتدنا عليه، ونستغرب ، أو ننكر كل شيء يخالف مألوفاتنا التي نشأنا عليها، فإذا حدثنا أحد بأمر لم نألفه، نسبنا له السفه والبلادة ، وربما اتهمناه بالجنون ، وحجتنا في ذلك أن ما يقوله غير معقول ولا منطقي، وليس بعيدًا بعد استيقاظنا من النوم أن نستيقظ من الحياة الدنيا التي نعيش فيها الآن، يقول النبي محمد (صلى الله عليه وآله) : ((الناس نيام، فاذا ماتوا انتبهوا)).
وأنت جالس في مكتب الموظف الكبير تنظر إلى الأشياء في مكتبه الفخم، ليست هذه الأشياء في العالم الخارجي فقط، بل هي في دماغك، ففوتونات الضوء المنعكسة عن هذه الأشياء تصل إلى عينك كما قلنا، ثم تنتقل عبر عصب الرؤية إلى الدماغ ؛ فتتكون صورة تلك الأشياء، ومن وظائف الدماغ أنه يحفظ كل شيء يراه الإنسان ، أو يسمعه ، أو يلمسه ، أو يشمه ، أو يتذوقه بواسطة الحواس، وتبقى محفوظة في جزء صغير من الدماغ تسمى الذاكرة فعندما تخرج من غرفة الموظف تستطيع أن تتذكر كل ما رأيته ، أو لمسته ، أو سمعته ، و تستطيع أن ترويه لأصدقائك؛ لأن كل حدث قد حفظ بالدماغ، ويمكن أن تعود إليه في أي وقت تشاء، فالتعريف التقليدي للمادة في الفيزياء هو أنها كل شيء تستطيع أن تراه، وتلمسه بطول ، وعرض ، وارتفاع ، وهي مكونة من جسيمات صغيرة، تسمى ذرات، والذرات مكونة من نواة، وتدور حولها إلكترونات، والنواة مكونة من بروتونات ، ونيوترونات ، والبروتونات ، والنيوترونات مكونة من جسيمات أولية ، تسمى (كواركات) ، وسنأتي على ذكرها بشيء من التفصيل تباعا.
كان علماء القرن التاسع عشر ينكرون كل ظاهرة لا يمكن تفسيرها ماديًا. ومشكلتهم هي أن المادة بنظرهم لا يمكن تفسيرها على أساس غير مألوف آنذاك؛ حيث إنهم كانوا يفهمون المادة على غير حقيقتها التي بدأ العلم يكشف ماهيتها، ويصورها بصورة تختلف عما كانت سابقا.
إنهم لم يأتوا بشيء جديد، فرأيهم هذا لا يختلف عن رأي رجل الشارع لها، ووصل اعتقاد العلماء القدماء في إيمانهم بالمادة، وفي تكذيبهم بما سواها، إنهم كانوا سريعين إلى إنكار كل ظاهرة لا يمكن تفسيرها تفسيرًا ماديًا.
أصدر (بوخنر) في منتصف القرن العشرين كتابا حاول فيه أن يفسر الكون كله على أساس المادة وصار هذا الكتاب مرجعًا للماديين يتفاخرون به في محافلهم، ومدارسهم، ونواديهم، والغريب أن نرى البعض اليوم ما يزالون يتفاخرون بهذا المرجع متناسين ان تلك الأفكار العتيقة أصبحت ساذجة يكاد يضحك منها علماء الفيزياء.
دخلت فكرة المجال في الفيزياء وصارت نظرية أساسية فيها يستند اليها معظم علماء الفيزياء في تفسير الظواهر الطبيعية أصبح تخيل علم الطبيعة على أنه مبني على اساس المادة فقط صعب جداً ؛ حيث كان علماء القرن التاسع عشر يفسرون معظم الظواهر الطبيعية على اساس المادة فقط ، فتعمق علماء القرن العشرين إلى ما بعد المادة حيث المجال والمجال هو الفضاء الذي تظهر فيه تأثيرات المادة مثل الجاذبية والكهربائية والمغناطيسية ، واستطاعوا تفسير معظم الظواهر الطبيعية على اساس المادة والمجال ، وصياغتها بقوانين تربط الزمان بالمكان، أصبح المجال والمادة شيئين متلازمين فلا توجد مادة الا ومعها مجالها، ولا يوجد جسيم مشحون الا ومعه مجاله الكهربائي ، ولا يوجد مادة مغناطسية الا ومعها مجالها المغناطيسي ، وأصبح لا يمكن فصل المادة عن مجالها في صياغة نظرية صحيحة.
يمثل المجال طاقة؛ ولذلك تنبأت بعض النظريات بأن المادة هي خزين كبير من الطاقة؛ وبذلك أصبحت المادة طاقة، والطاقة مادة، وأصبح التفريق بين المادة، والمجال مبنيا على اساس تركيز الطاقة، فالمادة هي طاقة مركزة والمجال هو طاقة اقل تركيزاً، أو بعبارة أخرى يمكن القول إن المادة توجد حينما يكون تركيز الطاقة كبيراً، والمجال يوجد عندما يكون تركيز الطاقة ضئيلا نسبياً.
إن الكون الذي نعيش فيه هو عبارة عن مادة وطاقة والمادة مكونة من جسيمات اولية الالكترونات وهذه الجسيمات تسلك سلوكين سلوكًا ماديًا وسلوكًا موجيا، ومن هنا نستطيع القول أيضا ان المادة موجة والموجة مادة.
أسست معظم النظريات الفيزيائية على فرض وجود المادة ، والمجال معاً ؛ وبهذا الفرض نجحت معادلات ماكسويل في النظرية الكهرومغاطيسية نجاحا كبيراً في وصف الظواهر الكهربائية ، والضوئية ، ونجحت نظرية النسبية في توحيد المادة والطاقة في قانون أدت هذه الفكرة الى ظهور طائفة من الناس يسمون بالماديين ينكرون أي شيء لا تدركه حواسهم.
إن هذه الفكرة أصبحت سخيفة وساذجة ؛ فقد استطاع العقل البشري أن يبتكر أجهزة تدرك ما لا تدركه حواسنا ، وتستطيع هذه الأجهزة أن تتحسس مثلاً الأشعة النووية غير المرئية، وتقيم مخاطرها باللحظة. إن الإلكترون الذي يعد أهم مكونات المادة لا نراه ، ولا تدركه حواسنا الأخرى، لكنه يُعَدُّ أساس الإضاءة في المصابيح الكهربائية والأجهزة الالكترونية.
فالماديون يفكرون بأسلوب القرن العاشر، بينما هم يعيشون في القرن الواحد والعشرين.
إننا عندما ننظر إلى الأجسام من حولنا نراها عبارة عن أجسام فيزيائية، لكنها في الحقيقة هي موجات كثيفة معبئة في حيز ضيق ، كما قلنا ؛ ولذلك فإن فيزياء الكم لا تدرس الجسيمات، بل تدرس الأمواج؛ فالأجسام مكونة من ذرات وما الذرات في الفيزياء سوى حقل من الموجات الكهرومغناطيسية.
إن جميع الكائنات الحية اليوم تتواصل عبر الذبذبات وفيزياء الكم تدرس سلوك الذبذبات الفيزيائية، ولا تدرس سلوك الأجسام، فجهاز التخطيط المغناطيسي مثلاً لا يلمس الدماغ، بل يقرأ نشاط الدماغ، بمجرد لمس أقطابه الجلد الرأس، فالأفكار ليست حبيسة الرأس، بل تنطلق خارج نطاقه.
بدأ البحث الفعلي عن المادة بسؤال فلسفي منذ زمن الإغريق، وهو: ما أصل المادة؟ وهل يمكن لنا تقسيمها إلى أجزاء صغيرة غير قابلة للانقسام، أو سنستمر بالتقسيم إلى ما لانهاية؟ أي إننا لو أخذنا قطعة من الخشب، على سبيل المثال، وقطعناها إلى نصفين، ثم أخذنا أحد النصفين، وقطعناه إلى نصفين آخرين وكررنا العملية مرات، ومرات، هل سنصل إلى جزء غير قابل للانقسام، أو سنستمر بالتقطيع إلى ما لا نهاية؟
وهذا السؤال حير فلاسفة الإغريق لسنوات وأطلق على فلاسفة الإغريق الأوائل تسمية فلاسفة الطبيعة؛ لأنهم كانوا يهتمون بشكل أساسي بالطبيعة، وظواهرها. كثيرون اليوم يعتقدون أن شيئاً قد انبثق من العدم في لحظة معينة، لكن هذه الفكرة لم تكن سائدة لدى الإغريق، فهم كانوا يعتقدون أن شيئًا ما كان موجودًا منذ الأزل. كان الإغريق يتساءلون كيف أمكن للماء أن يتحول إلى سمكة حية؟ وكيف تنبت الأرض الجامدة شجرة كبيرة؟ وكيف يلد رحم المرأة انسانا؟ فهم يشاهدون أمام أعينهم التغيرات المستمرة للطبيعة، وظلوا يتساءلون كيف يمكن للمادة أن تغير طبيعتها، وتصبح شيئًا مختلفا تماما؟
كان الفلاسفة الأوائل يعتقدون بوجود مادة أولية كامنة وراء كل شكل يتخلق في الطبيعة، ويجب أن يكون في أصل كل شيء شيء آخر تعود إليه الأشياء، فقد كانوا يتساءلون عن التغيرات المرئية داخل الطبيعة ويحاولون صياغة بعض القوانين الطبيعة الأبدية، ويريدون أن يفهموا الأحداث التي تحصل في الطبيعة دون العودة إلى الأساطير.
وكان الفيلسوف الإغريقي الأول (طاليس) يعتقد بأن الماء أساس كل الكائنات الحية، وكان يعتقد أن الأرض مليئة ببذور حية صغيرة غير مرئية، لكن الفيلسوف الإغريقي (اناکسیمانس: 570-526 ق.م) كان يدعي أن الهواء، والضباب هما أصل الأشياء. ويرى (اناكسيمانس) أن الماء ما هو إلا هواء، مركز، وعندما يضغط الماء أكثر يصبح ترابا، ويرى أن النار ماهي إلا هواء مخفف: أي: إن للماء والتراب والنار أصلاً واحدا هو الهواء، بحسب رأيه، وكان (اناكسيمانس) يلتقي مع (طاليس) في الاعتقاد بأن مادة واحدة تقع في أصل الأشكال المختلفة، وكان بعض فلاسفة الإغريق يعيشون في مستعمرة (إيلي) اليونانية، وكان هؤلاء الفلاسفة الإيليون يخوضون في هذا النوع من الأسئلة، وكان الأكثر شهرة من بينهم يدعى (بارمينيدس : 540-480 ق.م)، إذ كان يرى أن كل كائن هو موجود منذ الأزل، وكانت هذه الفكرة منتشرة بقوة لدى اليونان، فلا يوجد شيء من لا شيء، برأي (بارمينيدس)، وما ليس موجودا لا يمكن أن يصبح شيئًا، لكن (بارمينيدس) مضى إلى أبعد مما ذهب إليه الآخرون، فليس هناك تحول حقيقي برأيه؛ لأن ما من شيء يستطيع أن يصبح شيئا أخر غير ما هو عليه فيلسوف آخر عاش في الحقبة نفسها التي عاش فيها (بارمينيدس) هو (هيراقليطس :480-540 ق.م) كان يعتقد أن كل الأشياء في الطبيعة تغير شكلها باستمرار، وكان يقول: إن كل شيء متحرك، وليس هناك ما هو أبدي، وركز (هيراقليطس) على التناقضات المتلازمة في العالم ، فلا يعرف الشيء إلا بنقيضه، فلا نعرف الصحة إلا بالمرض، ولا نعرف الشبع إلا بالجوع، ولا نعرف السلام إلا بالحرب، ولولا قساوة الشتاء لما شعرنا بجمال الربيع، وبحسب رأيه : إن للشر مكانه الطبيعي كما للخير مكانه الطبيعي في نظام الأشياء، وبرأي (هيراقليطس) بدون هذه اللعبة الإلزامية لا يعود للعالم وجود.
وراء كل هذه التحولات، والتناقضات في الطبيعة كان (هيراقليطس) يرى وجودًا واحدا كليا، وهذا الشيء الذي يقع في أصل جميع الأشياء، وكان يسميه ((الله)) أو ((لوغوس)).
كان (بارمينيدس) و (هيراقليطس) يتبنيان فرضيتين متناقضتين تماما ؛ فـ(بارمينيدس) يرى أنه لا شيء يتغير، بينما (هيراقليطس) يقول: إن الطبيعة في تحول دائم، هنا جاء الفيلسوف (امفيدوكلس ( 494-434 ق.م) المولود في (سيسيلي) ليخرج ) الفلسفة المأزق، فهو يرى أن كلا من الاثنين على حق في نقطة ما، فهو يرى أنه لا يمكن للماء أن يصبح سمكة، أو فراشة أي لا يمكن أن تتغير طبيعة الماء إلى طبيعة أخرى، وبهذا فهو يؤيد بارمينيدس) على أن لا شيء من هذا يمكن أن يتغير إلى شيء أخر، ومن جهة أخرى توصل (امفيدوكلس) إلى استنتاج أخر، إذ رفض وجود مادة واحدة وراء كل شيء، فهو رفض فكرة وجود مادة واحدة، فبحسب رأيه من المستحيل أن تقوم الطبيعة على عنصر واحد. 
كان (امفيدو كلس) يعتقد أن الطبيعة تمتلك أربعة عناصر أساسية أطلق عليها مصطلح الجذور ، وهي التراب ، والماء ، والنار ، والهواء ، وسميت هذه النظرية بنظرية العناصر الأربعة، وكل ما يتحرك في الأرض يعود إلى اندماج هذه العناصر الأربعة وانفصالها ؛ وذلك أن كل شيء مكون من ماء ، وتراب ، ونار وهواء، وما اختلاف مادة عن أخرى إلا اختلاف بنسب تلك العناصر، وما موت إنسان أو حيوان، أو نبات إلا هو انفصال تلك العناصر بعضها عن بعض، أما الماء ، والهواء ، والتراب ، والنار فتبقى غير متغيرة بذاتها؛ لأنها عناصر أولية حسب رأيهم آنذاك، وكل ما يحصل هو أن أربعة عناصر تتحد ، وتنفصل قبل أن تتحد من جديد، إلا إن (أرسطو) أضاف عنصرًا خامسًا، وهو الأثير الذي يكون السماء حسب  رأيه.
إن رأي (امفيدوكلس) لم يأتِ من فراغ، فقد اعتمد آراء فلاسفة سبقوه وحجتهم في ذلك أنه عند حرق أي مادة، فإنها سوف تتحول إلى العناصر الأولية هي النار، والدخان الذي يمثل الهواء، والرماد الذي يمثل التراب، وما الصوت الذي نسمعه عند الاحتراق إلا
ماء، وفسر اتحاد، وانفصال العناصر الأربعة بقوتين مختلفتين تعملان في الطبيعة هي الحب، والكره، فما يوحد الأشياء هو الحب، وما يفرقها هو الكره.
فيلسوف آخر لم يستطع أن يتخيل فكرة تمكن مادة أولى واحدة، نستطيع من خلالها أن نری تنوع الأشياء من حولنا وهو (انكزاغورامس : 50-428 ق.م)، ولم يتقبل الكلمة إلى يومنا هذا، وكان ( ديمقراطس) يريد أن يؤكد أن العناصر التي يتركب منها الكون لا يمكن أن تستمر في الانقسام على نفسها إلى ما لانهاية ، وحجتهم في ذلك هي أننا لو استمر الانقسام، فسوف تفقد المادة كثافتها، وتصبح أكثر ميوعة، ولصارت الأرض كلها كرمل الصحراء.
وأيده في ذلك الفيلسوف (بارمينيدس) وآخرون. فبحسب رأيهم لا بد من أن تكون الذرات صلبة، وكثيفة وغير متماثلة، مما يؤدي إلى تنوع المواد من حولنا، وهذا ما أيده العلم الحديث.
كان (ديمقراطس) يعتقد بوجود عدد غير متناه من الذرات في الطبيعة بعضها مستدير ، وأملس، وبعضها الآخر خشن ، ومعقوف ، وهي تستطيع أن تتجمع في كيانات مختلفة لا حد لها؛ لأنها تحديدا تمتلك أشكالاً مختلفة، لكنها رغم كونها غير محدودة العدد تجتمع في كونها كلها أبدية غير قابلة للتلف ، والزوال، وغير قابلة للتجزئة، وعندما يموت حيوان، فإن ذرات جسده تتفكك و تتبعثر، ويمكن ن أن تعود ، فتتجمع لتشكل أجسادًا جديدة ، واعتقد أيضًا أن الذرات تطوف في الفضاء، وبعضها يمتلك أسنانا مما يجعلها تشتبك بعضها ببعض، وتشكل الأشياء المحيطة بنا.
لم يلجا (ديمقراطس) إلى قوة ، أو روح لتفسير الظواهر الطبيعية، فكل ما يميل إليه هو الذرة ، والفراغ، ولم يكن يؤمن الا بما هو مادي، ولا توجد أية نية في حركة الذرات، بل إن كل ما في الطبيعة يتم بطريقة ميكانيكية، لكن هذا لا يعني أن الأمور تحدث مصادفة، بل تتبع القوانين الحتمية في الطبيعة، فيرى ديمقراطس) أن وراء كل هذه الظواهر سببًا طبيعيًا كامنا في الأشياء نفسها، وقد أكد مرة أنه يفضل أن يكتشف أحد القوانين الطبيعية على أن يصبح ملكا للفرس .
ظل فلاسفة الإغريق قابعين في أبراجهم العاجية لا يختلطون بالعامة ؛ فهم يعدون ذلك من باب التسافل، فبحسب رأيهم أن الفيلسوف يجب أن يترفع عن العامة، وإلا فليس هناك ما يميز الفيلسوف عن العامي، فكل همهم أن يفكروا ، ويفكروا ، ويفكروا ، فاذا تبلورت فكرة في أذهانهم سارعوا إلى طرحها على الناس دون أن يقفوا لحظة ؛ ليتبينوا هل هي ممكنة التطبيق أو لا ؟ والناس آنذاك لا يجرؤون على الاعتراض أو حتى مناقشتهم ؛ ولذلك بقيت هذه الأفكار سائدة مئات السنين لم تتقدم خطوة واحدة.
لم يكتف فلاسفة الإغريق بتفسير المادة فقد تطرقوا الى الروح، فبرأي (ديمقراطس) إن الروح مؤلفة من بضع ذرات مستديرة وملساء أسماها ذرات الروح، وعند موت الإنسان تهرب هذه الذرات في كل الاتجاهات، وربما تعود من جديد، وهكذا شطب (ديمقراطس) بنظريته حول الذرة شطبا نهائيًا فلسفة الطبيعة عند الإغريق، وقد كان يعتقد كـ(هيراقليطس) أن كل شيء يجري في الطبيعة، لكن وراء هذه الأجسام المتغيرة باستمرار يوجد عنصر أبدي ودائم لا يجري أبدا، هذا ما كان يسميه (الذرة).
بقيت هذه المفاهيم لا يجرأ أحد على دحضها، أو انتقادها إلا في عام 1803م إذ اثبتت الكيميائي والفيزيائي (جون دالتون) حقيقة أن المركبات الكيميائية تتحد دائما بنسب معينة يمكن تفسيرها بتجمع الذرات معا؛ لتشكل وحدات تسمى الجزيئات، وفسر (دالتون) اختلاف المواد كالحديد، والخشب باختلاف وزن، وحجم الذرات، واستمر هذا النموذج سنوات.
استندت نظرية (دالتون) الى أفكار العلماء العرب عن الذرة أمثال: جابر بن حيان الذي يعد من أوائل مؤسسي علم الكيمياء، وأبي بكر الرازي عندما بينوا أن الاختلاف بين عنصر وآخر يعود إلى اختلاف المادة الأولية لها، وأطلقوا على هذه المادة الأولية اسم (الجوهر الفرد) أي: ما يقابل اسم الذرة عند الإغريق.
ونظرية الجوهر الفرد مؤداها أن المادة مؤلفة من ذرات غاية في الصغر، وأن هذه الذرات لا تختلف في نظرهم عن أية قطعة مادية أخرى إلا من حيث صغرها، فهي صغيرة في نظرهم، لا تقبل التجزئة، واذا اجتمعت عدة ذرات من بعضها صارت مادة ملموسة، ومرئية. لا يمكن أن ننكر أنهم استفادوا، وأفادوا من نظريتهم هذه حيث استطاعوا أن يفسروا بعض الظواهر الكيميائية، أما من حيث سر المادة وماهيتها فلم تكن تنفعهم تلك النظرية قليلاً أو كثيراً.
إن العلماء العرب كان أغلبهم مسلمين، فإذا عجزوا عن تفسير أية ظاهرة تفسيرًا علميًا، قالوا: إنها من أمر ربي وما أوتينا من العلم إلا قليلاً، والناس آنذاك يقفون عند الحد الذي يقف عنده العلماء إذ هم لا يبحثون في شيء عجز العلماء عن تفسيره، والإنسان العامي مهما أتى بفكرة جديدة قابله العلماء بالسخرية، ولووا أعناقهم عنها استكبارًا، وغرورا، وبذلك يميتون فيه نزعة النبوغ؛ وهذا من أهم الأسباب التي جعلت العرب يراوحون في أماكنهم، أو يرجعون إلى الوراء.
 في عام 1897 حدثت قفزة علمية كبيرة في تركيب الذرة، حين اكتشف الفيزيائي البريطاني (تومسن : J.J.Thmson (1940-1856) الإلكترون حينما كان يجري تجارب على الأشعة الكاثودية، حيث استخدم جهازًا يشبه أنبوبة الصورة في التلفزيون، وكان هنالك خيط معدني ساخن حتى الاحمرار يبعث أشعة كاثودية، ولما كانت هذه ذات شحنة كهربائية سالية، فبالإمكان استخدام مجال كهربائي لتعجيلها في اتجاه حاجز مغطى بالفسفور، وعندما تصطدم الأشعة الكاثودية بالحاجز تتولد ومضات من الضوء، وسرعان ما تبين أن هذه الأشعة لا بد من أنها تأتي من داخل الذرات نفسها. أثبت ثومسن أن هذه الأشعة هي سيل من الدقائق الكهربائية الصغيرة غير القابلة للانقسام، وأطلق عليها اسم الكترونات (جمع الكترون) أي: الكهيرب، واشتق هذه الكلمة  من كلمة الكتريستي (electricity) التي تعني باللغة العربية الكهربائية وقال: (ثومسن): إن الالكترون لا بد من أن يكون هو أحد مكونات الذرة، وأن شحنته الكهربائية سالبة، وفي ضوء ذلك وضع نموذجًا ذريًا جديدا، يوصف هذا النموذج بأن الذرة هي جسم كروي الشحنة تتخلله الكترونات سالبة الشحنة بصورة متجانسة، وأن مجموع
منتظم موجب شحنات الالكترونات السالبة تساوي الشحنة الموجبة للذرة؛ ولذلك تكون الذرة متعادلة كهربائيا طالما أن الشحنات السالبة تساوي الشحنة الموجبة وأنها ذات مجال الكهربائي ضعيف طالما أن الالكترونات موزعة بصورة متجانسة داخل حيز الذرة.
حصل ثومسن على جائزة نوبل؛ تثمينا لما قدمه في نظريته هذه، وعلى الرغم من فشل نظريته لاحقا الا إنها تعد نظرية علمية رائعة؛ ذلك لأنها أعطت الذرة صفة كهربائية، وحفزت العلماء على أن يدرسوا الذرة وفق الصفة الكهربائية، ومنهم ردفورد (Rutherford) تلميذ (تومسون).
درس رذرفورد) تركيب الذرة من خلال الجسيمات المشحونة كهربائيا. وأعطى نموذجا رائعا عن الذرة من خلال تجربته الشهيرة؛ للتأكد من صحة نموذج (ثومسن) للذرة، حيث قام بوضع ماده مشعة تبعث جسيمات الفا، وهي ذات شحنة موجبة، وكتلة كبيرة نسبياً، وقام بوضع إطار دائري، وطلاه من الداخل بمادة تبعث وميضا عندما تسقط عليها جسيمات الفا، ثم قام بوضع صفيحة رقيقة جداً من الذهب في طريق جسيمات الفا، وكان رذرفورد) يتوقع أن معظم جسيمات الفا ستنفذ من هذه الصفيحة؛ بسبب كتلها الكبيرة، أو ستنحرف؛ بسبب شحنتها الموجبة، لكن هذا ما لم يحدث في الواقع.
حدث في بداية التجربة ـ كالمتوقع مرور أغلب جسيمات الفا من الصفيحة، لكن مع مرور الوقت ارتد عدد قليل من جسيمات الفا عن صفيحة الذهب، كان هذا امرا مذهلاً ل(رذرفورد)، وقد شبه ذلك بقوله: (الأمر بالضبط كأنك أطلقت قذيفة طولها 40 سنتمتر باتجاه منديل، وارتدت عليك القذيفة) مع ذلك كانت هناك أيضًا جسيمات أخرى قليلة العدد قد انحرفت بزوايا كبيرة ؛ وفسر ذلك بأنه : بما أن أغلب جسيمات الفاقد مرت من الصفيحة ، إذن سيكون معظم الذرة فراغا، حيث استطاعت جسيمات الفا المرور من هذا الفراغ، الأمر الذي يختلف مع نموذج (تومسون) بأن الذرة كرة صلبة تتخللها الالكترونات، كما فسر رذرفورد) ارتداد جسيمات الفا عن صفيحة الذهب بأن هناك كتلة ذات كثافة عالية جدا قادرة على صد جسيمات الفا، وأطلق على تلك الكتلة العالية الكثافة اسم النواة ؛ وبذلك يكون (رذرفورد) أول من أطلق تلك التسمية على نواه الذرة، وقال: إن شحنة النواة موجبة ؛ وذلك لأنها تسببت في انحراف جسيمات الفا الموجبة، واستند بذلك الى قانون (كولوم) في الكهربائية الذي يقول: إن الشحنات المتماثلة تتنافر، وقال رذرفورد) أيضًا: إن الالكترونات تدور حول النواة وإن معظم كتلة الذرة متمركزة في نواتها، وإن كتلة الإلكترون لا تساوي شيئًا أمام كتلة النواة.
شبه دوران الكترونات حول النواة بالمنظومة الشمسية، إذ تكون النواة بمثابة الشمس، والألكترونات التي تدور حول النواة تكون بمثابة الكواكب التي تدور حول الشمس. وأكد (رذ فورد أن ثبات الألكترون حول النواة يعود إلى قوتين الأولى: هي قوة التجاذب بينه ، وبين النواة ، بسبب اختلاف الشحنات، حيث إن الشحنات المختلفة تتجاذب، والثانية: هي قوة الطرد المركزي بين الالكترون ، والنواة ، مستندا بذلك الى قوانين (نيوتن) في القوة المركزية للحركة الدائرية، وهاتان القوتان متساويتان بالمقدار ومتعاكستان بالاتجاه ؛ مما يجعل الالكترون يسير في مسار دائري ثابت، ولا يسقط في النواة، لكن هذا النموذج واجه الكثير من الصعوبات بعد ظهور النظرية الكهرومغناطيسية التي تنص على أن أي جسيم متحرك مشحون يبعث إشعاعا كهرومغناطيسيا باستمرار، أي إن الالكترون خلال حركته الدائرية حول النواة يبعث إشعاعا كهرومغناطيسيا باستمرار، وهذا ما يجعل الالكترون يفقد طاقته باستمرار، ومن ثُمَّ يقترب من النواة إلى أن يسقط فيها ، أي : إن الالكترون سوف يدور بمدار حلزوني مقتربا من النواة إلى أن يسقط فيها، ومن ثم تنعدم المادة، أي: تختفي عن الوجود، وهذا غير حاصل في الواقع، فالمادة باقية لا تفنى ولا تستحدث ايضا، والصعوبة الثانية التي واجهت هذا النموذج كانت أن الذرة عندما تثار تصدر إشعاعات كهرومغناطيسية ذات شدة محددة، ويسمى الطيف الذري وله أهمية كبيرة ، حيث يميز الطيف الذري كل نوع من الذرات؛ لأنه يستحيل أن يتكرر الطيف نفسه لنوعين مختلفين من الذرات، حالها في ذلك حال بصمة اليد للإنسان، فلا يوجد في الكون إنسان يشابه تماما ببصمته بصمة إنسان آخر .
لم يستطيع (رذرفورد) تفسير هذه الصعوبات، لكن العلم يحمل المفاجآت ، فقد قام عالم الفيزياء ( نيلز بور) بتقديم نموذج أدى إلى قفزة كبيرة عن ماهية الذرّة.
يعد نموذج بور أول نموذج يستخدم التكميم في الذرة، وحاز على جائزة نوبل لهذا النموذج، وضع نليز بور) فرضیات استطاع من خلالها تفسير عدم استقرار الذرة، حيث كان أول من استخدام مبدأ التكميم لـ (ماكس بلانك) في إشعاع الجسم الأسود واستخدامه في تكميم مستويات الطاقة، واستخدام مفهوم الفوتون لـ(أينشتاين) والميكانيك الكلاسيكي لـ (نيوتن)، ونموذج (رذرفورد) للذرة، ونتائج الطيف الذري كان أمام (بور) أن يأتي بتفسير لكل هذا، وفعلاً قام بجمع. هذه الأمور، واستخدم حدسه الفيزيائي، ووضع فرضياته، وصاغ نموذجه الآتي:
	- تتركب الذرة من نواة موجبة الشحنة توجد في مركز الذرة.
- يدور حول النواة عدد من الكترونات سالبة الشحنة، وعدد شحنات الكترونات مساوية لعدد شحنات النواة.
- في حركة الالكترون حول النواة تؤثر فيه، قوتان هما: قوة الطرد المركزي، وقوة التجاذب بين الالكترون، والنواة.
- إلى هنا لم يأتِ (بور) بشيء جديد في هذه النقاط الثلاث؛ فقد قالها (رذرفورد) في نموذجه، لكنه أضاف الى نموذج رذرفورد الآتي:
- يدور الالكترون في مسارات دائرية محددة، ولا يمكن أن يوجد الألكترون بين هذه المسارات، وسماها مستويات الطاقة، وحددها بعلاقة رياضية مهمة.
- إن الذرة لا تصدر أي اشعاع في أثناء دوران الالكترون في هذه المستويات الطاقية، وهذا يخالف نظرية (ماكسويل) الكهرومغناطيسية، ولكن (بور) أوجد حلا لهذه الصعوبة بأن وضع مستوى طاقيًا، أسماء: المستوى الأرضي، ولا يمكن للالكترون أن يتجاوزه، مما يودي إلى استقرار الذرة.
- عندما يكتسب الالكترون طاقة ينتقل من مستوى الطاقة الأوطأ إلى مستوى الطاقة الأعلى، شرط أن تكون الطاقة التي يكتسبها الالكترون مساوية للفرق بين مستوى الطاقة الأوطأ، ومستوى الطاقة الأعلى.
- تبعث الذرة إشعاعًا فقط عندما ينتقل الالكترون من مستوى طاقة أعلى إلى مستوى طاقة أوطأ.
- المدارات المسموحة للألكترون هي فقط التي يكون فيها الزخم الزاوي للألكترون مضاعفات صحيحة من ثابت (بلانك)، مقسومة على مقدار (2π) وهذا يثبت أن الالكترون يدور حول النواة بموجة مستقرة.
استطاع (بور) أيضًا استنباط علاقة عامة لمستويات الطاقة وهي: E= ((-13.6) /n2)
وكلما ابتعد الالكترون عن النواة تقترب المستويات الطاقية فيما بينها، وكأنها تصبح مستمرة، وليست منفصلة، واستطاع أيضًا حساب فرق الطاقة بين كل مستويين وأنصاف أقطار هذه المستويات.
لكن من سلبيات هذا النموذج الذري لـ (بور) هو أنه لم ينجح في تفسير أطياف الذرات الأكثر تعقيدًا، وافترض أنه يمكن أن نحدد مكان الالكترون وسرعته بدقة عالية، ولكن هذا يستحيل كميّا كما افترض (بور) أن الالكترون يدور بمسار دائري؛ وبذلك تكون الذرة مسطحة، وليست كروية؛ ولتفسير كل ذلك ظهر نموذج ( شرودنجر) وهو النموذج الكمي للذرة، وهو أحدث نموذج لحد الآن، وسوف نتطرق اليه في فصل فيزياء الكم.
 اعتقد (دي برولي) أن نموذج (بور) غير صحيح، ووضع تصورات حول حركة الالكترون، وتوصل إلى فكرة مهمة جدًا؛ إذ اقترح دي برولي) أن حركة الالكترونات في مسارات ليست دائرية وإنما لها حركة موجية وهذا يعني أنه يستطيع إطلاق موجات وترددات ذات أطوال موجية وطاقة معينة، كما طور دي برولي) أفكاره حتى استطاع اشتقاق معادلة رياضية توضح فكرته، وهي أنه يمكن حساب طول موجه الإشعاع، ومن ثَمّ يتعامل مع الالكترون على أنه موجة، وعلى أنه جسيم إذن وفق تلك المفاهيم أصبح للذرة كيان كوكبي، حيث تمثل النواة مركز الذرة كما تمثل الشمس مركز المجموعة الشمسية، وتمثل الالكترونات التي تدور حول النواة الكواكب التي تدور حول الشمس والغريب أن النواة تمثل 99% من كتلة الذرة كما تمثل الشمس: 99% من كتلة المنظومة الشمسية. ولعلنا نعيش في ذرة كبيرة تمثل الأرض فيها الكترون والشمس نواة ويسيران بسرعة هائلة دون أن نشعر وممكن أن نطلق على هذه الذرة الكبيرة اسم ذرّة المجموعة الشمسية، نعيش على هذه الذرّة آمنين مطمئنين لا نرتبك ولا نقلق، وسبحان الذي أرقدنا في مهاد أمنه أمانه.
ولم يتوقف العلماء عند هذا الحد، فأخذوا يفتشون عن مكونات النواة العجيبة، ففي عام 1911م اكتشف (رذرفورد) أحد مكونات النواة، أسماه (بروتون)، واشتق اسمه من كلمة إغريقية تعني: (الأول)؛ لأنه كان يعتقد أنه الوحدة الأساسية التي تكون المادة، ثم توالت الاكتشافات، ففي عام 1932م أعاد عالم الفيزياء (شادويك) تجربة (رذرفورد) في إنجلترا، حيث قام بقصف النوى الخفيفة مثل نوى البورون ، والبريليوم، واكتشف إشعاعًا شديد النفاذية، في بداية الأمر افترضه إشعاعًا كهرومغناطيسيا، لكن فيما بعد اتضح له أن هذا الاشعاع له القدرة الكبيرة على اقتلاع البروتونات من المواد الحاوية على الهيدروجين ، وبناءً على ذلك لا بد أن يكون هذا الإشعاع جسيما، ولابد أن يكون متعادل الشحنة، وله كتله قريبة من كتلة البروتون، وأنه أحد مكونات النواة، وأطلق عليه تسمية (نيوترون)، واشتق هذا الاسم من كلمة نيوترال (neutral)، وتعني باللغة العربية متعادلا ويمر النيوترون من خلال المادة دون الكشف عن هويته ؛ نظرًا لعدم امتلاكه شحنة كهربائية، لذلك فإنه لا يسبب تأين المادة أثناء مروره من خلالها، وإن الحالة الوحيدة التي يفقدها جزءا من طاقته هي عند تصادمه مع نوى الذرات، لكن هذه التصادمات قليلة، ولهذا السبب يستطيع النيوترون أن يخترق سمكا هائلاً من المادة.
وحصل (شادويك) على جائزة نوبل؛ تثميناً لهذا الاكتشاف، أي: اكتشاف النيوترون، وبهذا الاكتشاف أصبح النموذج الجديد للذرة هو عبارة عن نواة مؤلفة من بروتونات ، ونيوترونات ، ويحيط بالنواة عدد من الألكترونات يساوي عدد البروتونات في النواة، وتدور الألكترونات حول النواة على مسافات شاسعة نسبيًا، ونظرًا لتساوي عدد البروتونات ذات الشحنة الموجبة مع عدد الألكترونات ذات الشحنة السالبة ؛ تكون الذرة متعادلة كهربائيا. بعد ذلك استطاع عالم الفيزياء البريطاني هنري موسيلي (Henry mosili)(1887 -1915) من خلال دراسته للأشعة السينية تصنيف العناصر حيث أثبت أن كل عنصر له عدد ذري خاص، وهو عدد البروتونات في النواة، وأن عدد البروتونات هو ا العدد المميز لتنوع المواد ، فمثلاً عدد البروتونات في نواة مادة الحديد يساوي 26 ، أما إذا زاد بروتونا واحدًا صارت المادة (كوبلت)، وإذا نقصت بروتونا واحدا صارت المادة (منغنيز)، وهذا أمر مذهل، فاختلاف العدد الذري بمقدار بروتون واحد ؛ يؤدي إلى اختلاف المادة، واختلاف خصائصها الفيزيائية والكيميائية .... وكل شيء خلقه الله بقدر. وهكذا تختلف المواد من نوع لآخر باختلاف عدد البروتونات فيها، واعتمادًا على ذلك وضع (هنري موسيلي) جدولًا لتصنيف العناصر حسب العدد الذري (عدد البروتونات) سمي بالجدول الدوري. ان العناصر في الجدول الدوري أشبه بالبيت الصغيرة ، وناطحات السحاب ؛ فكل منها يتكون من لبنات أساسية مشابهة ، والفرق بينهم هو فرق في عدد اللبنات المكونة لها ، فيمكننا ان نشبه الهيدروجين الخفيف بالبيت الصغير واليورانيوم الثقيل بناطحة السحاب .
وبهذه الاكتشافات اختفى عدد كبير من المشاكل التي كانت تواجه التركيب الذري، لكنها أدخلت العلماء في مفهوم جديد، وهو القوة النووية. بعدما توضحت الصورة بشكل كامل تقريبًا عن التركيب الذري ؛ أخذت اهتمامات العلماء تنصب حول النواة التي تتركز معظم كتلة الذرة فيها.
إن ما كان يحير العلماء آنذاك هو كيف تكون النواة متماسكة رغم وجود قوة التنافر الكهربائية بين البروتونات المكونة للنواة؛ لأن البروتونات تمتلك شحنات متماثلة، والشحنات المتماثلة تتنافر: أي تبتعد عن بعضها البعض، لكن ما الذي يجعلها قريبة من بعضها، إذن لا بد من وجود قوة أكبر من قوة التنافر الكهربائية بين البروتونات تستطيع أن تجمع البروتونات مع بعضها داخل النواة.
وأخذت اهتماماتهم تنصب حول طبيعة تلك القوة التي سميت فيما بعد بالقوة النووية، قال العلماء: إن هذه القوة لم تكن قوة كهربائية، ولا قوة تجاذب بين الجسيمات، إنها لا بد أن تكون قوة من نوع خاص تؤثر في الجسيمات النووية البروتونات ، والنيوترونات ، وعلى مسافات صغيرة جدا 10 فيرمي ، وهذه القوة هي التي تربط البروتونات مع بعضها داخل النواة، هذه القوة لا تعتمد على الشحنة الكهربائية معنى ذلك أن القوة بين بروتون ، وبروتون تساوي القوة بين نيوترون ، وبروتون، وهي نفسها بين نيوترون ، ونيوترون، قال العلماء: إن هذه القوة التي استطاعت التغلب على قوة التنافر بين البروتونات داخل النواة لا بد أن تكون أكبر من قوة التنافر؛ لأنها تغلبت على قوة التنافر بين البروتونات، وجعلت البروتونات مرتبطا بعضها ببعض داخل النواة، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك، وقالوا: إن هذه القوة لا بد أن تكون أعظم القوى الموجودة في الطبيعة، وهذه القوة هي القوة النووية، لكن الكثير من التساؤلات التي تخص طبيعة هذه القوة لم تتم الإجابة عليها آنذاك بشكل عام ، وحاسم ، وتم تحديد الصفات العامة لها فقط، وبقي هذا المفهوم ـ وهو أن الذرة مكونة من نواة مؤلفة من بروتونات ، ونيوترونات وتدور حولها الكترونات . سائدا حتى عام 1960م، وإلى هذا العام كان يُعتقد أن البروتونات، والنيوترونات هي جسيمات أولية، أي: إنها غير مؤلفة من جسيمات أصغر، وإنها أصغر جسيمات في الكون التي تشكل اللبنات الأساسية للمادة، لكن البحوث ، والابتكارات لم تنته إلى هذا الحد.
أثبتت تجارب تسريع البروتونات إلى سرعة مقاربة من سرعة الضوء ، واصطدامها مع بعضها ، وتحطيمها ، أن البروتونات مؤلفة في الحقيقة من جسيمات أصغر، وسميت هذه الجسيمات بالكواركات (quarks) ، وذلك بواسطة فيزيائي من معهد كاليفورنيا للتكنلوجيا هو (مواري جيل) ، وقد فاز بجائزة نوبل عام 1969؛ تثمينا لبحثه عن تلك الجسيمات.
وأصل اسم كواركات (جمع كوارك) هو اقتباس مبهم عن الأديب الإيرلندي الشهير (جيمس جويس) ثلاثة كواركات للسيد (مارك) ، وكلمة (كوارك) يفترض أنها تنطق مثل کوارت (quart)، ولكنها عاده تنطق مقفاة مع لارك (lark).
ثمة عدد من الأنواع المختلفة من الكواركات، ويُعتقد أن هناك على الأقل ستة أنواع من الكواركات، أطلق عليها نكهات (flavors هذه الكواركات الستة سميت: عال، ومنخفض، وغريب ، وساحر ، وقاع وقمة، وكل نكهة تكون في ثلاثة ألوان هي : أحمر ، وأخضر ، وأزرق، ولكن يجب أن تعلم أن هذه المصطلحات مجرد عناوين ؛ فالكواركات اصغر بكثير من الأطوال الموجية للضوء المرئي فليس لها أي لون بالمعنى العادي ، فبحسب الفيزيائيين المحدثين ، لديهم في ما يبدو أساليب من الخيال الأوسع لإطلاق الأسماء على الجسيمات والظواهر الحديثة الفهم ؛ إذ لم يعودوا بعد يقتصرون على استعارة من الإغريقية، وأصبح البروتون ليس جسيما أوليًا، وكذلك النيوترونات ، فالبروتون متكون من جسيمات أصغر، وهي الكواركات وأنه متكون من ثلاثة كواركات ، اثنان من العالي ، وواحد من المنخفض، والنيوترون متكون من ثلاثة كواركات أيضًا، لكن اثنان من المنخفض وواحد من العالي، وهذا الاختلاف بين الأنواع الكواركات في البروتون ، والنيوترون، وهو الاختلاف الجوهري الوحيد بينها، فاثنان من الكواركات نوع العالي وواحد من نوع المنخفض ، هو الذي يعطي للبروتون شحنته الكهربائية الموجبة واثنان من الكواركات نوع المنخفض ، واوحد نوع العالي هو الذي يلغي شحنة النيترون ، ويجعله متعادلا.
وهناك جسيمات مكونة من كواركات أخرى مثل غريب، وساحر، وقمة، وقاع، لكن هذه كلها لها كتلة أكبر بكثير، وتتحلل سريعًا إلى بروتونات ونيوترونات، وهكذا أصبحت الذرة بالمفهوم الجديد مكونة من نواة، وتدور حوله الكترونات، والنواة مكونة من بروتونات ، ونيوترونات ، والبروتونات ، والنيوترونات مكونة من جسيمات أولية هي الكواركات. الى هذا الحد من الاكتشافات بقي العلماء يتسائلون ماهي الجسيمات الأولية الحقة ، ووحدات البناء الأساسية التي يصنع منها كل شيء؟ أوصلنا إلى نهاية أم أن الكواركات مكونة بعد من جسيمات أصغر؟
وظلوا يسعون الى اليوم إلى استخدام شيء ما طول موجته أصغر بكثير من أبعاد الذرة، فمعرفة الجسيمات الأصغر تعتمد على قدر ارتفاع طاقة الجسيم التي تحت التصرف؛ فكلما كان الطول الموجي أصغر كلما زادت طاقته ومن ثم يستطيع أن يتغلغل أكثر في أعماق الذرة ليكتشف أسرارها العجيبة.
وهكذا صارت الجسيمات التي كانت تسمى أولية قبل عام 1960م لم تعد أولية الآن؛ حيث أصبحت هي الأخرى تتألف من جسيمات أصغر ولعل المستقبل يكتشف لنا جسيمات أصغر للجسيمات التي نعتبرها أصغر الى اليوم.
أيمكن أن نكتشف لو ذهبنا إلى طاقات عالية أن هذه الجسيمات تتألف من جسيمات أصغر ؟ يقول (ستيفن هوكنك) : من المؤكد أنّ هذا أمر ممكن ، على أن يكون لدينا بالفعل عدد قليل من أسباب نظرية تجعلنا نؤمن بأننا وصلنا ، أو اقتربنا جدًا من الوصول إلى معرفة وحدات البناء النهائية للطبيعة، والآن هل نعتقد أن كل جسيم له جسيم مضاد أي: نقيض جسيم، نعم ذلك ما أثبته (ديراك) عندما اكتشف البوزترون عام 1932م، والبوزترون: هو ضديد الالكترون، وحصل (ديراك) على جائزة نوبل عام 1933م؛ لاكتشافه أول ضديد جسيمي، فعندما يقترب الجسيم من ،ضديده فإنهما يفنيان معا، وتتحول كتلتهما إلى طاقة، فعندما يقترب الألكترون من البوزترون فإنهما سيفنيان، وقال العلماء: إن لكل جسيم ضديدًا، وتكون مضادات الجسيمات مماثلة لنفسها، يقول (ستيفن هو يكنغ): من الممكن أن توجد مضادات لعوالم ولأناس بأسرها، تتكون من مضادات الجسيمات، على أنك لو قابلت مضاد نفسك، فإياك أن تصافحه، فإنكما ستتلاشيان معا في ومضة ضوء هائلة.
لكن أثبت العلماء أنه يوجد حولنا جسيمات أكثر بكثير من مضادات الجسيمات، فلو كانت الأعداد متساوية كان سيفني أحدهما الآخر في الكون، ولأنتج كونا مليئًا بالإشعاع، ولا يحوي أي مادة، ووقتها لن تكون هناك مجرات ، أو نجوم ، أو كواكب يمكن أن تنشأ عليها حياة بشرية.
في عام 1964م صاغ (بيتر هيغز نظرية ضمن إطار النموذج القياسي سميت نظرية (بوزون هيغز) ، وهو جسيم مسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها، وفي عام 2011م تم رصد هذا الجسيم عمليا في مصادم الهادرونات الكبير في مختبر (سيرن) الذي يبلغ طوله 27 كم بين سويسرا، وفرنسا.
إن تفاعل الجسيمات الأولية مع مجال (هيغز) هو الذي يعطي الجسيمات كتلتها، حيث إن المقاومة التي يعانيها الجسيم في مجال ( هيغز ) تمثل كتلة ذلك الجسيم، فالبروتون مثلاً يكون تفاعله أكبر من تفاعل الالكترون مع مجال (هيغز) بـ 1837 مرة، ومن ثم تكون كتلة البروتون أكبر من كتلة الالكترون بـ 1837 مرة، وأطلق على جسيم (هيغز) اسم: جسیم الرب.
أخيرًا؛ فسرت نظرية الأوتار الفائقة أن الكواركات التي تكون البروتونات والنيوترونات والتي أيضا تمثل اللبنات الاساسية لكل مادة، هي عبارة عن أوتار حلقية من الطاقة وأن هذه الأوتار تتذبذب وتتحدد، وفقًا لطبيعة الجسيمات وخصائصها. تقول نظرية الأوتار الفائقة: إن الكون هو عالم ذو عشرة أبعاد مكانية، وبعد زماني واحد ملتفة حول نفسها في حيز صغير جدا.
استنادًا إلى هذه النظرية، فإن الكون ليس وحيدا، وإنما هناك أكوان متداخلة، ومتعددة، ومتصلة بعضها ببعض، ولكل كون قوانينه الخاصة به معنى هذا أن الحيز الواحد قد يكون مشغولاً بأكثر من جسيم، ولكن في عوالم مختلفة، وبحسب هذه النظرية فالكون هو أوتار من الطاقة ذات عزف موسيقي ليس إلا، ومن الممكن معرفة الكون، ومم يتكون؟ من خلال معرفة الأوتار، ونغماتها، فالكون يتصرف على نمط من العزف على الأوتار الطاقية. وأصبحت الطاقة هي الأصل بينما المادة وهما.
ان المادة لا يمكن الحصول عليها من اللاشيء ولا يمكن إضاعتها أيضاً، وهي تتحلل إلى عناصرها الأولية لكنها بالمجمل، فهي باقية في الكون محفوظة لا تزيد، ولا تنقص.
 
				
				
					
					 الاكثر قراءة في  تاريخ الفيزياء
					 الاكثر قراءة في  تاريخ الفيزياء					
					
				 
				
				
					
					 اخر الاخبار
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة