في السادس والعشرين من أبريل عام 1986، شهد العالم واحدة من أعظم الكوارث النووية في التاريخ، حادثة مفاعل تشيرنوبل. وقعت هذه الكارثة في المفاعل الرابع من محطة تشيرنوبل للطاقة النووية، الواقعة بالقرب من مدينة بريبيات في أوكرانيا، التي كانت آنذاك جزءًا من الاتحاد السوفيتي. لم تقتصر آثار هذه الكارثة على المنطقة المحيطة فحسب، بل امتدت إلى مساحات شاسعة من أوروبا، محدثة تأثيرات بيئية وصحية واجتماعية طويلة الأمد.
كان مفاعل تشيرنوبل يعتمد على تصميم مفاعل الماء المغلي السوفيتي (RBMK)، والذي كان معروفًا بمزاياه الاقتصادية ولكن بعيوب كبيرة من حيث الأمان. في الليلة الفاصلة بين 25 و26 أبريل 1986، كان المهندسون يقومون باختبار سلامة لقياس مدى استجابة المفاعل عند فقدان الطاقة الكهربائية. إلا أن سلسلة من الأخطاء التشغيلية والتصميمية أدت إلى ارتفاع كبير في درجة الحرارة وضغط البخار داخل المفاعل، مما أدى إلى انفجارين متتالين دمروا المفاعل الرابع بالكامل.
أدى الانفجار إلى انبعاث كميات هائلة من المواد المشعة إلى الغلاف الجوي، حيث تشكلت سحابة نووية انتشرت بسرعة عبر الحدود، محملة بمواد خطرة مثل اليود والسيزيوم والسترونتيوم. تم إجلاء سكان بريبيات والقرى المجاورة بعد مرور يومين على الحادث، مما تسبب في تعرض العديد منهم للإشعاعات قبل إخلائهم.
استغرق الاتحاد السوفيتي بعض الوقت للاعتراف بحجم الكارثة وتقديم المساعدة اللازمة. وقد شارك آلاف العمال، المعروفين بـ "الليكويديتورز"، في عمليات احتواء وتنظيف المنطقة. شملت هذه العمليات دفن المفاعل المتضرر تحت هيكل خرساني ضخم يعرف بـ "الساركوفاج"، والذي تم استبداله لاحقًا بـ "القبة الآمنة" في عام 2016.
تركت كارثة تشيرنوبل آثارًا صحية هائلة، حيث تضاعفت حالات السرطان وأمراض الغدة الدرقية، خاصة بين الأطفال والمراهقين. كما أدت إلى تشوهات خلقية واضطرابات صحية أخرى بين الأجيال اللاحقة. بيئيًا، تسببت الكارثة في تلوث التربة والمياه والغابات بمستويات خطيرة من الإشعاعات، مما أثر على الحياة البرية والزراعية في المناطق المتضررة.
أثارت كارثة تشيرنوبل العديد من التساؤلات حول أمان الطاقة النووية ومستقبلها. تم تحسين معايير الأمان والتدابير الوقائية في المفاعلات النووية حول العالم. كما أدت إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال السلامة النووية والاستجابة للطوارئ.
تبقى كارثة تشيرنوبل تذكارًا دائمًا على المخاطر المرتبطة بالطاقة النووية وأهمية الالتزام الصارم بمعايير الأمان. ورغم التقدم الكبير في التكنولوجيا النووية، يبقى درس تشيرنوبل حاضرًا في الأذهان، مشددًا على الحاجة إلى الحذر والاحترام للطبيعة وقوتها التدميرية.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN