الصديقة الزهراء سلام الله عليها -محور القرآن الكريم

م.م زينب علاء الأعسم
بسم الله الرحمن الرحيم
((الحمدلله المتجلي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجته))1 (( لئلا تجب الحجة لهم بترك الإعذار إليهم ))2 ، ((ليبلوهم أيهم أحسن عملا))3، والصلاة والسلام على ((شجرة النبوة ومحط الرسالة ومختلف الملائكة))4، أهل بيت العصمة ورحمة الله بركاته.

لا يخفي على أحدٍ مدى محورية السيدة الزهراء عليها السلام في خلقة الكون، الذي كانت هي وأبوها وبعلها وبنوها أساسه، بدليل قوله تعالى لجبرائيل في حديث الكساء عند سؤاله من الله عزوجل عمن هم تحت الكساء، بقوله: (( يارب، ومن تحت الكساء فقال الله عزوجل: هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ))5، وذلك بعد أن قال الله عزوجل بما أوردته لنا السيدة الزهراء عليها السلام نقلًا عنه سبحانه بقولها: (( فقال عزوجل: يا ملائكتي ويا سكان سماواتي إني ما خلقت سماءًا مبنية ولا أرضًا مدحية ولا قمرًا منيرا [ إلى أن يقول ] إلا لمحبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء))6، وكذلك ما ورد من روايات عن الرسول ص وأهل بيته ع وعنها خاصة، تبين أصل خلقة الكون لهم عليهم السلام ، وبذلك يكونوا هم أساس امتحان الخلق كذلك في دار الدنيا كما كانوا أساس خلقتها، بدليل قوله تعالى: (( إلا لمحبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء ))7 .
ولما كانت هي وأبوها وأهل بيته صلوات الله عليهم محور الكون وأساس امتحان الخلق [ فاطمة و أبوها ..] كان من اللازم أن تكون وصايا القرآن وآياته مبينة ومستدلة بهم في الآيات والنصوص القرآنية الدالة على الجانب المستقيم المؤدي إلى النجاح في الإمتحان الذي وضعه الله في قرآنه الكريم ، بقوله تعالى : { وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُم } آل عمران : 154، حيث يبين في نصٍ آخر بأنه بين للإنسان طريق الحق المستقيم من خلال كتبه ورسله وعليهم الإختيار، { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا } الإنسان: 3.
ولذلك نجد حتى الرسل والأنبياء من آدم ع إلى نبينا الخاتم ص قد توسلوا بهم ع، إذ نجد في تفسير قوله تعالى : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ} البقرة : 37، ما يؤكد ان الكلمات التي تاب الله بها على آدم ع عندما أخرج من الجنة هي أسمائهم ع ، - والتي كانت الزهراء من ضمنها - ، إذ ورد عن رسول الله ص قوله: (( لما نزلت الخطيئة بآدم و أخرج من الجنة أتاه جبرئيل ع فقال : يا آدم أدعُ ربك ، فقال : حبيبي جبرئيل ما أدعو قال : قل ربي اسئلك بحق الخمسة الذين هم تخرجهم من صلبي آخر الزمان إلا ما تبت علي ورحمتني، فقال له آدم ع: يا جبرئيل، سمهم لي، قال قل: رب اسئلك بحق محمد نبيك و...وبحق فاطمة بنت نبيك وبحق ... الا ما تبت علي ورحمتني ))8 ، و في آية أخرى نجده تعالى قد عرفه بهم كذلك، في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} البقرة : 31، حيث ورد عن ابي عبدالله الصادق ع في بيانه للمقصود من الأسماء، قوله : ((ان الله تبارك و تعالى كان ولا شيء [ غيره ]، فخلق خمسة من نور جلاله،.. الى أن يقول : فلما خلق الله تعالى آدم ...نظر إليهم عن يمين العرش، فقال: يارب من هؤلاء قال: يا آدم هؤلاء صفوتي و خاصتي ...، قال: يارب فبحقك عليهم علمني أسمائهم، قال : يا آدم فهم عندك أمانة ..ثم علمه أسماءهم ثم عرضهم على الملائكة ولم يكن علمهم باسمائهم ..))9
وهكذا فيما ورد مع الأنبياء كالنبي إبراهيم ع في قوله تعالى:{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }البقرة : 124، حيث كان المقصود من الكلمات هم ع، فيما ورد عن المفضل عند سؤاله عن من الامام الصادق ع عن المراد بالكلمات، إذ أجاب ع : ((هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو إنه قال: يارب اسئلك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين الا تبت علي))10 .
ولذلك عند الرجوع الى القرآن الكريم وآياته نجد ان كل آية في القرآن وردت في تبيان تجسيد القيم القرآنية ومجسديه من المؤمنين الذين جسدوا القيم بأعلى الدرجات منطبقةً عليهم، تشملهم وتتحدث عنهم ع، لما جسَّدوه بكافة قيمه ووصاياه حتى كانوا عدلًا للقرآن ووصِفوا بالقرآن الناطق.
بل إن هناك آياتٍ اختصت ونزلت بهم خاصة، كسورة الكوثر والمباهلة وغيرها، وهناك آيات أخرى لم تتبين عند الأغلبية، بأنها خاصة بهم ع ، والذي بُيِنت من قبل أهل بيت العصمة بأحاديثٍ واضحة، بأنها نازلة فيهم أو في شخصية أحدهم صلوات الله عليهم، [ كما بينا في الأسماء التي تلقاها آدم ع .. ] ، وكذلك في قوله تعالى { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ }
آل عمران : 95، حيث نزلت في علي وفاطمة صلوات الله عليهما والفواطم اللواتي كن معهم في طريقهم من مكة الى المدينة عندما أمر الرسول ص الإمام علي ع أن يلتحق به ومعه الفواطم بعد مبيته في فراش الرسول ص، و ذلك فيما أشار اليه عمار بن ياسر بقوله: (( فالذكر علي و الانثى فاطمة ))11 ، وأشار الشيخ الطوسي الى ذلك بقوله في نزول الآية بحقهم قبل وصولهم للمدينة، إذ يقول: (( حتى قدموا المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم، بقوله تعالى: { الذين يذكرون الله قيامًا و قعودا }))12 ، وذلك نتيجةً لتجسيدهم لوصايا القرآن وقيمه وذكرهم لله اثناء الطريق، الذي وصفته الآية بقولها: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} آل عمران:191، وكذلك اختصاص نزول آية {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } المؤمنون : 1-2 بهم ع، فيما ورد عن الامام موسى بن جعفر ع بقوله فيها: (( نزلت في محمد رسول الله ص وفي امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ))13 .
وهناك آيات خاصة بالسيدة الزهراء صلوات الله عليها، حيث نزلت فيها اوقصدت إياها ع، كقوله تعالى: { إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } القدر : 1، إذ فسرت عن الإمام ابي عبدالله الصادق ع بقوله: (( الليلة : فاطمة، والقدر: الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر))14، أي من عرف الليلة فقد أدرك القدر، وكذلك ورد عن الإمام أبي الحسن الكاظم ع في قوله تعالى : { إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } الدخان :3 ،حين سئله النصراني عن تفسيرها الباطن، قوله ع: (( الليلة المباركة فهي فاطمة )) 15.
وبين الإمام الباقر ع كذلك مدى عظمتها صلوات الله عليها في بيانه لمعنى قوله تعالى : { إنَّها لَإحدى الكُبَر نذيراً لِلبَشَر } المدثر : 35 ، حيث قال : (( يعني فاطمة ع ))16 .
لكن مع كل هذا البيان نجد بعض الناس بل اكثرهم كما بين القرآن لا يتبعون الحق، ولايرضون به، فعادوا أهل البيت ع بعد الرسول ص بل حتى في حياته، والذين اظهروا له ص النفاق ايضًا، ولذلك نجد القرآن يورد قوله تعالى: { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } الطارق :15، الذي فسره وبينه الامام الصادق ع بقوله: (( كادوا رسول الله ص وكادوا عليًا ع وكادوا فاطمة ))17، والكيد كما هو معلوم، إرادة مضرة الغير خفية 18، مع علمهم بأن رضاهم ع هو رضا الله عزوجل والنجاح في امتحانه، اذ نجد القرآن الكريم يشير الى جزاء من آذاهم، حتى انزل آية تتعلق بغصب خلافة علي ع وأذى فاطمة صلوات الله عليها، حيث تقول الآية: { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا }الأحزاب: 57، إذ نجد في تفسير القمي يشير الى انها نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين ع حقه وأخذ حق فاطمة ع و آذاها 19، وقد قال رسول الله ص: (( من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه عزّ وجل ))20 .
لكنه عزوجل لا يترك ذلك سدى، وقد وعد المؤمنين والناجحين بالإمتحان بنصرهم، ولو بعد حين، حيث قال في كتابه الكريم: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ } الروم:4، والذي فسرها الامام الصادق ع : بنصر فاطمة ع ولذلك سميت في السماء المنصورة 21 .
ويشير كذلك الامام الصادق ع عن أبيه عن رسول الله ص الى الجزاء الذي سيحصلون عليه، بقوله في تفسير قوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }الأنبياء : 102-103، الى انه (( اذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش يا معشر الخلائق غضوا ابصاركم حتى تمر بنت حبيب الله الى قصرها ..[ الى ان تقول الرواية ] فتدخل ابنتي الجنة وذريتها ومن أولاها معروفًا ممن ليس من شيعتها، فهو قول الله عزوجل: { لا يحزنهم الفزع الأكبر } [أي يوم القيامة]، { وهم فيما اشتهت انفسهم خالدون } )) 22.
ثم بعد ان تنتصر صلوات الله عليها، من كانت ووصفت من الله عزوجل هي و زوجها في ليلة قرآنهما ب { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } السجدة : 16 ؛ لأنشغالهما بذكر الله تعالى واستغفاره 23 ، ونزلت في حقها آية { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى }الضحى : 5 ، الذي نزلت عندما دخل النبي ص عليها وهي تطحن وعليها كساء من الأبل24 .
يشير رسول الله ص الى انتصارها صلوات الله عليها، بعد ان يأخذ الله بحقها يوم القيامة، ثم يقول لسلمان: (( فإذا دخلت الجنة ونظرت الى ما أعده الله لها من الكرامة، قرأت بسم الله الرحمن الرحيم {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ إنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أحَلَّنا دارَ المُقامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ ولا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ }فاطر : 34)) 25.

نسأله تعالى أن يجعلنا من محبيها والمتمسكين بها وأن يرزقنا رضاها وشفاعتها انه سميع عليم ، والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

1. نهج البلاغة. الشريف الرضي. تحقيق د. صبحي الصالح. دار الكتاب اللبناني. بيروت: لبنان. د.ت، ص155.
2. المصدر نفسه، ص200.
3. المصدر نفسه، ص201.
4 . المصدر نفسه، ص162.
5. الأسرار الفاطمية. محمد فاضل المسعودي. مؤسسة الزائر في الروضة المقدسة ـ لحضرة فاطمة المعصومة عليه السلام للطبعة والنشر. قم: ايران، ص183.
6 . المصدر نفسه.
7 . المصدر نفسه.
8 . تفسير فرات الكوفي. فرات الكوفي، ص57.
9. المصدر نفسه، ص56.
10. معاني الأخبار. الشيخ الصدوق. د.ط. دار المعرفة للطباعة والنشر. د.ت، ص126.
11. مستدرك عوالم العلوم والمعارف. عبدالله البحراني. د.ط. د.ت ،ج11، ص97.
12. الامالي. الشيخ الطوسي. تحقيق مؤسسة البعثة. ط1. قم: إيران 1414هـ، ص471.
13 . تأويل الآيات. شرف الدين الاسترابادي. تحقيق حسين استاد ولي. ط1. مؤسسة النشر الإسلامي. قم: إيران 1409هـ، ج1، ص352.
14 . تفسير فرات الكوفي. فرات الكوفي، ص652.
15. تأويل الآيات. شرف الدين الاسترابادي، ج2، ص573.
16. تفسير القمي. علي بن إبراهيم القمي. تحقيق طيب الجزائري. ط3. دار الكتاب. قم: إيران 1403هـ، ج2، ص396.
17 . المصدر نفسه، ج2، ص416.
18 . التعريفات. الجرجاني. د.ط. ناصر خسرو. د.ت، ص82.
19. تفسير القمي. علي بن إبراهيم القمي، ج2، ص196.
20. اعلام الورى. الطبرسي. تحقيق مؤسسة آل البيت. ط1. مؤسسة آل البيت. قم: إيران 1417هـ، ج1، ص294.
21. تفسير فرات الكوفي. فرات الكوفي، ص322.
22. المصدر نفسه، ص437.
23. ينظر: مناقب آل أبي طالب. ابن شهر آشوب. تحقيق محمدحسین آشتیانی وهاشم رسولی. ط1. انتشارات علامة. قم: ايران 1379ق، ج3، ص356.
24. ينظر: المصدر نفسه، ج3، ص342.
25 . مستدرك عوالم العلوم والمعارف. عبدالله البحراني، ج11، ص1159.