رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم
لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ كالشموس، بينما توارت في حنايا الظل أسماءٌ أُخر، لوّحتْ أقلامُها بمِدادٍ من لهيبٍ لا يقلُّ حممًا عن دماء السيوف في ساحات الوغى. أولئك كانوا حَمَلَةَ هَمِّ آل البيت الكرام، فكانت قصائدُهم صرخةَ حقٍّ تُردِّدُها الأفواهُ إذا خُرسَت، ولسانَ إمامةٍ ينبضُ بين الضلوع إذا حُوصِر، ودمعةً أبيةً تنسابُ على مُحراب الإمام الحسين السليب.
غير أنَّ رياح السياسة العاتية، تحالفَتْ مع هوى الانتقاء، فحجبتْ شموسًا وأقمارا وبين طَيِّ الصفحات وتحريف السطور، ظلَّتْ قصائدُ إخلاصٍ وولاءٍ تئنُّ في صمت، قلَّ أن تجدَ لها صدًى في المجالس، أو ذِكرًا في مناهج الأدب، أو ترديدًا على المنابر.
في هذا المطواف الفريد، ننفُضُ غبار القرون، من فجر الدولة العباسية إلى مشارف القرن العشرين، نستحضرُ شعراء شيعةً، وقفوا في الصف الأول، يذودون عن حِمَى الإسلام الأصيل، فحُرِموا - ظلمًا - أن ترفرفَ أسماؤهم في سماء الشهرة التي هي حقُّهم. ولن نكتفي باستحضار الذوات، بل سنرشفُ من نمير كلماتهم، ونغوصُ في بحور بلاغتهم، ونستعيدُ نبضَ قلوبهم التي خطّتْ سطورَها بمدادِ الودِّ والوفاء.
الشاعر الأول: السيد الحميري.. نجمٌ في سماء البصرة
هو إسماعيل بن محمد بن يزيد الحميري، البصريُّ المولد (105 هـ)، وشرفُ النسبِ منحه لقب "السيد" تاجًا على مفرقيه.
بدأ رحلته كيسانيًّا (مواليًا لمحمد بن الحنفية)، حتى أشرقت عليه شمسُ الهداية، فاهتدى إلى مذهب التشيُّع الإماميِّ بعد رحابة علمٍ ومناظرات فذةٍ كشفت له جوهر حديث العترة الطاهرة.
كان عَلَمًا من أعلام الشعر في عصره، وفارسًا من فرسان القريض، يمتطي صهوة البيان، سيّال اللسان في المدح والهجاء، ترك أثرًا عميقًا في تثبيت دعائم عقيدة الإمامة في النفوس.
ذاق مرارة التضييق من سلاطين بني العباس، لأن شعره كان صاعقةً تزلزل عروش الباطل، يُذِيعُ فضائلَ عليٍّ وذريته، ويُشهرُ سيفَ نقده في وجه خصومهم بلا مواربة .
من روائع شعره: أنشودةٌ في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام)
أَلا أبلِغْ لديكَ أبا حَفِيصٍ
مَقَالَةَ نَاصِحٍ لَكَ لا يُمارِي
بِأَنَّكَ لَوْ وُزِنتَ مَعَ البَرَايَا
رَجَحْتَ، وَلَمْ تُزَنْ بِالمُخْتَارِ
وقال الحميري أيضًا في فضلَ الإمام عليٍّ (عليه السلام):
فَإِنْ تَنْسَ القَبَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَنْ يَنْسَى الهَزَبْرُ بْنَ أَبِي طَالِبِ
سَيفٌ مِنْ سيُوفِ اللهِ مَاضِي غُضَارَتُهُ لَدَى الكُتْبِ الكَاتِبِ
على الرغم من معاصرة الحميري لأقرانه ممن حفظ التاريخُ دواوينَهم كاملةً، فإن صولاتِه الشعريةَ الصارخةَ بفضائل أهل البيت (عليهم السلام)، وجرأتَه في نقدِ خصومِهم، جعلتْ سِهامَ البغضاءِ تُنهالُ على تراثه. فأُحرِقت دواوينُه، وحُجِبت أشعارُه، وما نجا منها إلا شذراتٌ متناثرةٌ، كجمراتٍ متوهجةٍ تكفي لإضاءةِ طريقِ الولاءِ، وشهادةٍ على عمقِ رسالتهِ التي كتبها بقلبه قبل قلمه.
فالسيد الحميري، وغيره من نجوم هذه المدرسة الولائية، هم شُهَداءُ المعنى، وقُديسِو الكلمة، تستحقُّ أسماؤهم أن تُكتَبَ بماءِ الذهبِ في سجلِّ العِظَمِ الأدبيِّ والدينيِّ.







وائل الوائلي
منذ 4 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN