في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا في سماء الأدب العربي المعاصر. فمن تربة الكاظمية الطاهرة، المباركة بنور الإمام الكاظم عليه السلام، انبثقت موهبة شعرية فذة، تشربت من معين القداسة والروحانية.
لم تكن نشأة جابر الكاظمي وليدة الصدفة، بل ثمرة طبيعية لأسرة عريقة جمعت بين الورع والعلم، وتتوارث الشعر أبًا عن جد. نشأ وسط إخوته الشعراء أمثال عبد الستار الكاظمي وعادل الكاظمي، فكان البيت مدرسة للأدب ومحضنًا للموهبة.
درس في المدارس الأكاديمية حتى 1976، ثم ارتشف من معين العلوم الإسلامية على أيدي علماء أجلاء كالشيخ حامد الواعظ والشيخ عبد الكريم والشيخ محمد صادق الخالصي. فكان تعلمه للفقه والنحو والمنطق الأساس المتين لشخصيته الأدبية، ولاحقًا تعمق في دراسة الأدب العربي.
بدأ رحلته الشعرية عام 1972 بالشعر الوجداني، قبل أن يجد ضالته المنشودة في الشعر الحسيني عام 1974. وكان عرضه لقصائده على كبار الشعراء أمثال كاظم المنظور بمثابة التزكية النقدية لشاعريته الناشئة.
شاءت الأقدار أن يخوض تجربة الغربة والمنفى، فهاجر عام 1980 إلى سوريا، ثم إلى إيران عام 1982، حيث ترأس جمعية الشعراء الشعبيين، وقدم برنامجًا في إذاعة طهران العربية حتى 1988. وأخيرًا استقر في لندن، حيث يقيم حاليًا.
لم تبق قصائد جابر الكاظمي حبيسة الدواوين، بل انطلقت تحلق في فضاء الشعائر الحسينية. وكان من أهم العوامل في انتشارها الثنائية المباركة مع الرادود باسم الكربلائي، حيث التحمت الكلمة الشاعرة مع الصوت الشجي.
قدم للمكتبة العربية مجموعة من الدواوين المتميزة، أبرزها:
- "الدموع الناطقة" - موسوعة شعرية حسينية في 26 جزءًا
- "ألف بيت في تاريخ أهل البيت" - ملحمة شعرية تؤرخ لسيرة أهل البيت
- "الأغاريد في المدح والمواليد" و "كليم الحسين" و "أبوذية جابر الكاظمي"
ومن روائع شاعريته هذه الأبيات التي تجسد عمق علاقته بالإمام الحسين:
مـزمـارُ داودَ مِـرآةٌ لـقـافـيـتـي
فصارَ مرآة شِعر الخلق مزماري
لو كنتُ أحيـا زمـانـاً فيـه عنترة
لَـعُلِّقتْ حولَ بيتِ اللهِ أشعاري
وفي وصف الحسين عليه السلام يقول:
لــه ذاتُ حُـسْـنٍ تـحـيـطُ الـذّواتْ
وفـــي كــلِّ عـيـنٍ لـهـا مـمـكناتْ
عـجيبٌ وأعْـجَبُ مـا فـي الـحياةْ
مــحـيـطٌ يــشــحُّ عــلـيـه فــــراتْ
شـهـابٌ لــه فــي الـقـلوبِ نـزول
زهـــا فـتـخـطّـى إلــيــه الأفــول
حبيبي حسينٌ...
هذه الأبيات تكشف عن شاعرية متدفقة تجمع بين قوة اللفظ وعذوبة المعنى، وتُظهر كيف يرسم جابر الكاظمي صورة شعرية آسرة للإمام الحسين، مستخدمًا استعارات بصرية قوية مثل "شهاب له في القلوب نزول" و"محيط يشح عليه فرات".
يتميز بقدرته على الكتابة بالفصحى والعامية العراقية، مما مكنه من الوصول لجمهور واسع. وُجِّه معظم إنتاجه لتسليط الضوء على أهل البيت، فكان شعره نهرًا متدفقًا من المحبة والولاء.
تتجلى عبقريته في استخدام الصور الشعرية المبتكرة والاستعارات القوية، فهو يصف نفسه بقوله: "مـزمـارُ داودَ مِـرآةٌ لـقـافـيـتـي فصارَ مرآة شِعر الخلق مزماري"، مما يُظهر وعيه بقيمة شعره ومكانته في التراث الأدبي الحسيني.
يتميز شعره بثراء المعجم وعمق المضمون وكثافة التصورات، فهو يملك ناصية اللغة العربية ويتصرف في ألفاظها تصرف الماهر المتمكن. كما في وصفه للحسين: "شـهـابٌ لــه فــي الـقـلوبِ نـزول زهـــا فـتـخـطّـى إلــيــه الأفــول"، حيث يجمع بين الجمال اللفظي والعمق الروحاني.
يبقى جابر الكاظمي شاعرًا استثنائيًا في المشهد الأدبي العربي المعاصر، جمع بين أصالة التراث وجدة المعاصرة، وبين عمق المضمون الديني وجمال الشكل الفني. إنه شاعر تجاوز حدود المكان والزمان، فأشعاره تُقرأ في المحافل الأدبية وتُتلى في المجالس الحسينية، وتتردد على ألسنة المحبين في شتى أنحاء العالم.







وائل الوائلي
منذ 4 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN