على ضفاف نهر النيل، حيث تلتقي الرمال الذهبية بالمياه المتدفقة، يروي التاريخ قصة أمة ضاربة جذورها في أعماق الزمن إنهم النوبيون، شعب أصيل يحمل في طياته تراثًا ممتدًا لآلاف السنين، ولغةً نيليةً صحراويةً تنطق بأصداء حضارة لم تندثر.
أصل النوبيين وامتدادهم الجغرافي
يعود أصل النوبيين إلى السكان الأوائل الذين استوطنوا وادي النيل الأوسط منذ فجر التاريخ، ويُعَدّون من السكان الأصليين لشمال السودان وجنوب مصر، لقد كشفت الأدلة الأثرية عن مستوطنات نوبية تعود إلى 7000 عام قبل الميلاد، حيث يُعتقد أن وادي حلفا كان أول معقل لهم، شاهداً على نشأة واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية.
لم تكن النوبة مجرد بقعة جغرافية، بل كانت أرض المحاربين المهرة، الذين أتقنوا فن القتال، خاصةً استخدام القوس والسهم، مما جعلهم قوة لا يُستهان بها في العصور القديمة.
من الوثنية إلى المسيحية ثم الإسلام
عبر القرون، شهدت النوبة تحولات دينية كبرى، فمع دخول المسيحية في العصور الوسطى، أسس النوبيون ثلاث ممالك عظيمة: نوباتيا، والمقرة، وعلو، لكن مع تقدم الزمن وانتشار الإسلام في المنطقة، انضمت النوبة إلى ركب الحضارة الإسلامية، حيث أصبح الإسلام جزءًا لا يتجزأ من هوية أهلها.
النوبيون في البشارة الإلهية
ليس غريبًا أن يكون لهذا الشعب مكانة خاصة في الروايات الإسلامية، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) حديث يبشّر فيه بعودة النوبيين إلى نور الهداية:
عن أبي الربيع الشامي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): "لا تشتر من السودان أحدًا، فإن كان لا بد، فمن النوبة، فإنهم من الذين قال الله عز وجل: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة: 14]. أما إنهم سيذكرون ذلك الحظ وسيخرج مع القائم منا عصابة منهم."
تلك الكلمات حملت معها وعدًا بأن النوبيين سيكونون من أنصار الإمام المهدي، وهو ما بدأ يتحقق اليوم، حيث نرى انتشار التشيّع في القارة الأفريقية، وخاصة في غربها، الكثير من طلبة العلم الأفرقة، الذين فتحوا قلوبهم للحق، ساروا في درب المعرفة، ملتحقين بالدراسات الحوزوية والمعاهد الإسلامية.
رسالة ودعم للمستقبل
لكن، ورغم هذه الصحوة، لا تزال الحاجة ماسة إلى دعم هذه الشعوب الفقيرة، فمع قلوبهم الطاهرة واستعدادهم الفطري لتقبل الحق، يحتاجون إلى لغة القرآن، كما كان الحال في دار الإسلام، حيث تأسست معاهد لتعليم اللغة العربية هناك، مستلهمةً تجربة التجار المسلمين الأوائل الذين حملوا الإسلام إلى هناك.
لقد نجح الاستعمار في ترسيخ اللغات الأوروبية في أفريقيا، لكننا اليوم أمام فرصة عظيمة لإعادة ترسيخ لغة القرآن، تحقيقًا للبشارة التي حملها الإمام الصادق (عليه السلام) قبل 1300 عام، والتي سيكتمل تحققها مع ظهور الإمام المهدي المنتظر.
إنها قصة شعب لا يزال يُكتب فصله الأخير، ومسيرة ممتدة من أعماق التاريخ نحو مستقبل ينتظره النور والعدالة.







وائل الوائلي
منذ 3 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN