Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم: دعوة للوعي والابتكار في العراق

منذ 6 شهور
في 2025/06/15م
عدد المشاهدات :14768
الملخص:
في عالم تُقاس فيه الجودة الطبية بمدى القدرة على التدخل المبكر، تبقى تشوهات خلقية مثل حنف القدم عائقاً صامتاً في حياة الكثيرين، خصوصًا في البيئات محدودة الموارد.
وُلدت بهذه الحالة، وخضت ثلاث عمليات جراحية لم تنجح، وانتهى بي الأمر بزرع بلاتين في قدمي. هذه التجربة لم تتركني حبيس المعاناة، بل دفعتني لأن أتحول من متلقٍ للعلاج إلى مهندس يسعى لفهمه، تطويره، وتمكين غيري من تجاوزه.
تتناول هذه المقالة حنف القدم من زوايا متقاطعة: السرد الشخصي، التحليل العلمي، التقييم البحثي، وتحديات تطبيق العلاج في السياق العراقي. وهي دعوة لاعتبار الألم الشخصي منطلقاً لحراك علمي، ومصدر إلهام لتغيير الواقع الطبي للأطفال في مجتمعاتنا.

مدخل شخصي: حين يولد الإنسان مختلفًا
منذ لحظة الوعي الأولى، لم تكن قدمي فقط منحنية بل كانت حياتي كلها تميل باتجاه مختلف. ثلاث عمليات جراحية، لا تُنسى آلامها، ولا تُمحى تفاصيلها، فشلت في تصحيح الوضع، وتركتني ببصمة بلاتينية لا تفارق جسدي. لكن ما لم تنجح فيه العمليات الجراحية، نجح فيه شيء آخر: تحويل الإحباط إلى دافع، والقصور إلى التزام.
حنف القدم، لمن لا يعرفه، ليس مجرد انحناء في الطرف السفلي بل انحناءة في نظرة المجتمع، في فرص الحركة، وفي خريطة الطفولة. لكن بإمكان الوعي والعلم أن يُعيد رسم هذه الخريطة.

الأساس العلمي للحالة:
حنف القدم (Clubfoot CTEV) هو أحد أكثر التشوهات الولادية شيوعاً، إذ يصيب حوالي 1 من كل 1000 مولود، بنسبة أعلى لدى الذكور. تُعرف الحالة بانحراف القدم للداخل والأسفل نتيجة قصر غير طبيعي في العضلات والأوتار المحيطة، وتغير في محور العظام.
الأسباب متعددة: بعضها جيني مثبت، كما في الدراسات المنشورة في Nature Genetics حول جينات PITX1 وTBX4، وبعضها غير معروف تمامًا، ما يزيد من صعوبة الوقاية.
إن لم تُعالج الحالة في الشهور الأولى من الولادة، فإنها تتحول من تشوّه بسيط إلى إعاقة دائمة تؤثر على المشي والنمو النفسي والاجتماعي.

النهج العلاجي الحديث: بين الطب والهندسة
لم يعد علاج حنف القدم مقتصرًا على المداخلات الجراحية أو الجبائر التقليدية، بل أصبح يمثل مساحة تفاعلية بين تخصصات متعددة من ابرزها الهندسة الطبية. فالمقاربة الحديثة اليوم تقوم على التكامل بين التشخيص الإكلينيكي، والتصميم الهندسي، والتقويم الحركي.
تعتمد الطريقة الأشهر عالميًا، وهي طريقة بونسيتي، على مبدأ بسيط لكنه فعّال: تصحيح تدريجي لوضعية القدم عبر تجبير أسبوعي، يتبعه قطع بسيط في وتر العرقوب، ومن ثم مرحلة طويلة من التثبيت بأحذية خاصة تمنع الانتكاس. وما يجعل هذه الطريقة فريدة هو بساطتها، وقلة مضاعفاتها، وقدرتها على تجنب الجراحة المفتوحة في أكثر من 90 من الحالات عند التطبيق المبكر.
لكن خلف هذه البساطة يقف دور حاسم للهندسة الطبية. إذ أصبح بإمكاننا اليوم تصميم أجهزة تثبيت خفيفة الوزن، قابلة للتعديل مع نمو الطفل، ومصنوعة بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد.
كما بات تحليل المشي باستخدام تقنيات Gait Analysis يوفر أداة قوية لتقييم فاعلية العلاج، ومراقبة أية عودة غير مرئية للتشوه. وأخيرًا، بدأت أدوات الذكاء الاصطناعي بالدخول إلى المجال، للمساعدة في التشخيص المبكر وتوقع حالات الانتكاس بناءً على تحليل صور الأشعة وبيانات الحركة.
في هذه البيئة المتطورة، أصبح علاج حنف القدم ليس فقط وسيلة للتصحيح التشريحي، بل نموذجًا على كيفية تلاقح المعرفة الطبية بالحلول الهندسية لخدمة الإنسان.

الواقع العراقي: تشخيص متأخر، رعاية محدودة، ونظام غير مهيأ
حين ننتقل من المختبرات المتطورة إلى العيادات العامة في العراق، نصطدم بواقع مؤلم حيث ان أغلب حالات حنف القدم لا تُشخّص بالشكل الصحيح في الأيام الأولى من الولادة، وأحيانًا يُكتشف التشوّه بعد أشهر، وربما سنوات، من دون تدخل حقيقي.
هذا التأخير غالبًا ما يكون نتيجة لثلاثة أسباب مترابطة:
أولًا، نقص الوعي لدى الأهل، الذين قد يظنون أن التواء القدم مجرد أمر مؤقت.
ثانيًا، ضعف التدريب السريري في المراكز الصحية على اكتشاف الحالة وتمييزها عن غيرها من التشوهات.
وثالثًا، غياب بروتوكولات متابعة للأطفال حديثي الولادة، مما يؤدي إلى فقدان النافذة الزمنية الذهبية للعلاج.
أما في جانب العلاج، فإن طريقة بونسيتي رغم بساطتها، لا تزال غير مطبقة بشكل منهجي في معظم المحافظات، ويفتقر كثير من الأطباء والممرضين إلى التدريب العملي عليها. وحتى في الحالات التي تُطبق فيها، فإن ضعف توافر الجبائر والأحذية الطبية المناسبة، وغياب المتابعة الطويلة، يؤدي إلى فشل العلاج أو انتكاسه.
ولا يمكن الحديث عن الواقع العراقي من دون الإشارة إلى ضعف التصنيع المحلي للأجهزة المساعدة، وغياب أي دعم حقيقي للشركات الناشئة التي يمكن أن تُنتج هذه الأجهزة بتكلفة منخفضة، وبجودة مخصصة لبيئتنا.
في ظل هذه التحديات، يصبح التكامل بين الطب والهندسة ليس رفاهًا، بل ضرورة. فنقل المعرفة العالمية إلى الواقع المحلي يتطلب شراكة مؤسسية بين كليات الطب والهندسة، وبرامج تدريب مهنية، وتمويل حكومي أو دولي لمشاريع تستهدف هذه الفجوات.
حنف القدم في العراق ليس مجرد حالة سريرية، بل نموذج لاختبار قدرة نظامنا الصحي على التفاعل مع الأمراض القابلة للعلاج، وعلى تحويل الألم الفردي إلى مشروع مجتمعي للتغيير.
الحلول موجودة، لكنها تتطلب إرادة مؤسسية وشراكات بين التعليم الطبي والهندسة. وقد أظهرت تجارب دول مثل أوغندا والهند أن نتائج مذهلة يمكن تحقيقها بموارد متواضعة عند تفعيل هذا التكامل.

من التجربة إلى الرؤية: صوت من الداخل
إن من مرَّ بالعجز الجسدي في طفولته، يدرك أن العلم ليس ترفًا أكاديميًا، بل حق إنساني. اليوم، بعد أن أصبحت مهندسًا في الطب الحياتي، أجد أن تجربتي لم تكن مجرد معاناة، بل كانت بحثًا طويل الأمد، غير منشور، لكنه محفور في العظام.
من هنا، أدعو إلى:
إدراج فحص القدم في برامج الكشف المبكر.
إطلاق برامج تدريبية للأطباء والممرضين حول طريقة بونسيتي.
دعم الشركات الناشئة في تصنيع جبائر محلية مرنة ومنخفضة التكلفة.
دمج المهندسين الطبيين في مراكز التأهيل والتشخيص الحركي.

الخاتمة: الألم حين يتحول إلى معرفة
ليست كل العلل مرئية، لكن حنف القدم حالة يمكن رؤيتها، ويمكن تغيير مسارها بالكامل إذا امتلكنا المعرفة والإرادة. إن قصتي ليست استثناءً، بل صورة لطفل من كل ألف، ربما يولد اليوم، وربما لن يحظى بالعلاج إلا إذا قررنا أن نكون الفرق.
هذه المقالة ليست فقط رواية ذاتية، بل دعوة علمية ومجتمعية لنستثمر في كل قدم صغيرة تحتاج أن تقف، تمشي، وتجري نحو مستقبلٍ أفضل.

المهندس الطبي/ محسن حسنين مرتضى السندي باحث في التقنيات الحيوية والهندسة الطبية

اعضاء معجبون بهذا

الغرفة الزجاجية بين الصخب الإعلامي وظلال الحقيقة
بقلم الكاتب : وائل الوائلي
في زمنٍ صار فيه الضوء يُسلَّط حيث الضجيجُ أعلى، لا حيث الحاجةُ أعمق، بتنا نشهد مشاهد إنسانية تُقدَّم على هيئة عروضٍ استعراضية، غرفٌ زجاجية تُشيَّد كأنها معابد عصرية للترند، لا يُعرَف من يديرها، ولا إلى أين تذهب الأموال التي تُسكَب عند عتبتها، ولا بأي روحٍ تُستثمر دموعُ الفقراء على منصاتها... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...


منذ 4 ايام
2025/12/05
هي أنهار تجري على السطح ثم تدخل إلى شقوق أو فتحات موجودة في الصخور، فتغوص داخل...
منذ 6 ايام
2025/12/03
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء التاسع والسبعون: اللحظة التي لا تعرفها الفيزياء:...
منذ اسبوعين
2025/11/28
الضمير: قراءة علمية في ماهية صوت الإنسان الداخلي الأستاذ الدكتور نوري حسين نور...