x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

لمحات عن الكتابة والحديث ومراحل تدوينه.

المؤلف:  السيد هاشم معروف.

المصدر:  دراسات في الحديث والمحدّثين.

الجزء والصفحة:  ص 15 ـ 30.

2023-08-19

805

لا يخرج الباحث في احوال العرب وتاريخهم صفر اليدين من معرفة العرب للكتابة، وذلك لأنّ الدراسات العلميّة تؤكّد ان العرب ولاسيما سكان الاطراف الشمالية للجزيرة قد تعلّموا الكتابة واتقنوها قبل الاسلام بزمن بعيد، نتيجة لاتصالهم الوثيق بالفرس والرومان، وتدل المصادر التاريخية ان جماعات كثيرة من عرب الحيرة قد اتقنوا اللغة الفارسية وكتابتها، وتولّى بعضهم ادارة دواوين ملوك الفرس والترجمة لهم والاشراف على الكثير من شؤونهم، ومن هؤلاء عدي بن زيد وولده اللذان كانا من الصق العرب بقصور الفرس والامارات العربية بالحيرة وغيرها.

وجاء في فجر الاسلام لأحمد امين: انّ لعرب الحيرة وامرائهم وتاريخهم اثرا كبيرا في الادب العربي والحياة العقليّة للعرب عامة كما تدلّ على ذلك أحاديث جذيمة الابرش واساطير الزباء، والخورنق والسدير وما جاء حول سنمار باني الخورنق، ويوما النعمان، يوم بؤسه ويوم نعيمه وغير ذلك من القصص والاساطير التي احتلت الصدارة في شعر العرب وادبهم قبل ظهور الاسلام، وظلّت زمنا طويلا تحتل الصدارة في المدونات التاريخية والقصصية بعد ظهور الاسلام.

وجاء في الاعلاق النفيسة (لابن رسته): انّ عرب الحيرة علّموا قريشا الزندقة في الجاهلية والكتابة في صدر الاسلام، ولا يعنينا تقييم هذه النصوص من الناحية العلمية والتاريخية بل اوردناها كشاهد على انّ الامّيّة لم تكن متفشية بين العرب بالشكل الذي يتصوّره بعض الكتّاب والمستشرقين وبخاصة عرب الحيرة وبادية الشام؛ لانّهم عاشوا زمنا طويلا مع جيرانهم الفرس والرومان، وبحكم الظروف التي كانت تحيط بهم والمراحل التي مرّوا بها مع تلك الامم المتحضرة ليس من البعيد عليهم ان يتعلّموا الكتابة، وان يأخذوا عنهم العلوم والعادات التي تمس حياتهم وتسهل لهم سبل العيش والحياة الحرة الكريمة كما لا نستبعد ان يكون لعرب الحجاز ميزة على غيرهم من عرب الجزيرة من هذه النواحي ذلك لانّهم جعلوا مكة المكرمة قاعدة لتجارتهم التي كانت تسيطر على الاسواق في الشام ومصر، حيث كان الحجازيّون يشترون السلع من اليمنيين والاحباش، لتصديرها على حسابهم إلى اسواق الشام ومصر، وعلى تجارة المكيّين كان يعتمد الرومان قي اكثر الحاجيات وقد بالغ بعض المستشرقين فادعى انّهم اتخذوا من مكة نفسها بيوتا استخدموها للتجارة والتجسّس على العرب، وكانت قبيلة قريش من اشهر القبائل العربية التي كانت تتعاطى التجارة، وجاء في الكشّاف وغيره من كتب التفسير: انّ القرشيين كانوا يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، والذي سهّل لهم الاستيراد والتصدير، والاستيلاء على الاسواق، انّ العرب كانوا يعظّمون البيت ويحترمون جيرانه وخدّامه وقد امتازت بذلك قريش عن غيرها من سائر العرب لأنّها تحصّنت بجواره من غزو العرب وقطّاع الطرق (1).

وليس بالبعيد عادة ان تزوّدها هذه المرحلات المتتالية بسبب اتصالها المباشر بتلك الامم المتحضّرة ببعض المنافع بالإضافة، إلى الفوائد المادية التي كانت تدرها هذه الرحلات، ومن أيسر ما يمكن ان تجره على المكيّين هذه المهنة هي تعليم الكتابة والقراءة، هذا بالإضافة إلى ان يهود المدينة كانوا يحسنون الكتابة ويعلّمونها الصبيان قبل هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) إليها كما تؤكّد ذلك بعض النصوص التاريخية.

ومن مجموع ذلك تبيّن انّ الكتابة لم تكن بتلك الندرة بين المكيّين كما يدّعي البلاذري في (فتوح البلدان) حيث قال: «لقد ظهر الاسلام وبين القرشيين سبعة عشر رجلا يحسنون الكتابة لا غير وفي الاوس والخزرج سكان المدينة احدى عشر رجلا تعلّموها من جيرانهم اليهود».

وإذا صحّ انّ الذين كانوا يحسنون الكتابة لا يتجاوزون هذا العدد الضئيل فلابدّ وان تكون في غيرهم معدومة أو اقل من ذلك، وبعد ملاحظة الظروف التي احاطت بالمكيّين وبخاصة القرشيين منهم الذين كانوا على اتصال دائم بالأمم المتحضرة نستبعد كل البعد ان يكون هذا الاحصاء الذي ادّعاه البلاذري وغيره صحيحا وفي نفس الوقت لا نبالغ في تقديره، ولا ندّعي انتشارها بينهم كما كانت بين جيرانهم الفرس والرومان [...إلخ].

وممّا لا شك فيه أنّ الكتابة قد بدأت تنتشر في مكة وما حولها بظهور الاسلام على نطاق اوسع ممّا كانت عليه اولا بسبب التحول الذي طرأ على العرب نتيجة لاعتناقهم الدين الجديد الذي يدعو الى العلم ويحث عليه.

وتؤكد المصادر التاريخية ان مساجد المدينة التسعة كانت محط انظار المسلمين، يتعلمون فيها القران وتعاليم الاسلام والكتابة وغير ذلك مما تدعو إليه الا حاجة، والى جانب هذه المساجد انتشرت المكاتب لتعليم الصبيان ومحاربة الامية بأشكالها، وعندما نلاحظ موقف النبي من الاسرى الذين كانوا يحسنون القراءة والكتابة بعد نجاحه قي معركة بدر الكبرى واعفاءهم من الفدية التي فرضها على كل اسير حسب امكانياته مع العلم بانّه كان هو ودولته الفتية الناشئة في امس الحاجة إلى المال عندما نلاحظ ذلك وتتأكد بأنه قد اعفاهم منها، وفرض على كل اسير منهم ان يعلّم عشرة من الأمّيّين في مقابلها، ندرك مدى اهتمامه في محاربته الجهل والأمية حتى استطاع في خلال سنوات معدودات ان يهيئ عددا كبيرا يقرؤون ويكتبون، ويحسنون ادارة الاعمال وتصريف الامور، ومضت حركة التعليم تتسع بين المسلمين في انحاء الجزيرة، ويحث عليها بمختلف الاساليب والمناسبات، وقد بلغ به الحرص على توجيه الناس نحو التعليم، ان جعل طلب العلم من الفرائض، وقال كلمته المشهورة: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) وقال ايضا: (اطلبوا العلم ولو بالصين) والوصول إلى الصين في عصره اعسر من الوصول إلى القمر في عصرنا هذا، وكان من نتيجة تلك الجهود التي بذلها لمحاربة الامية ان اصبح المتعلّمون من المسلمين وابنائهم يعدون بالألوف، بعد ان كانوا لا يتجاوزون العشرات كما يظهر من احصاءات المؤلفين الذين كتبوا في هذه المواضيع.

ويؤيّد ذلك ما جاء عن ابي الدرداء انّه قال لبعض جلسائه: اعدُد مَن يقرأ عندي القران فعدّهم فبلغوا الفا وستمائة.

وكان لكل عشرة منهم مقرئ، (اي معلم) وابو الدرداء يشرف على الجميع (2).

ومن مجموع ذلك نستطيع ان نؤكد أنّ تأخير المسلمين عن تدوين الحديث والاثار الاسلامية لا يعود بالدرجة الاولى إلى ندرة وسائل التدوين وتفشّي الامية كما يدّعي بعض المؤلّفين من العرب والمستشرقين وذلك لانّ وسائل التدوين لم تكن بتلك الندرة حتى قبل ظهور الاسلام كما ذكرنا، ولو تعازلنا عن جميع الشواهد والادلة التي ذكرناها وقلنا ان العرب قبل الاسلام على اختلاف مناطقهم لا يحسنون الكتابة، لو افترضنا ذلك بالنسبة للعرب قبل الاسلام، فلا يصح هذا الافتراض بعد ظهور الاسلام وبعد تلك الجهود التي بذلها الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) لمحاربة الجهل والامية، فلا بد لنا والحال هذه من تلمس الاسباب التي صرفت المسلمين عن تدوين احاديث الرسول خلال القرن الاول من الهجرة، ومن خلال المصادر التى تعرّضت لهذا الموضوع قديما وحديثا نجد ان اكثرها تعزو ذلك إلى الرسول نفسه، اعتمادا على المرويات عنه، والى الخليفة الثاني الذي اشتهر بمعارضة فكرة التدوين، وتوعّد الناس بالعقاب عليها، فرووا عن الرسول (صلى الله عليه وآله) انّه قال: لا تكتبوا عنّي شيئا، ومن كتب عنّي غير القران فليمحه.

وقد اخذ الخليفة الثاني بهذا النص حينما راجت فكرة التدوين بين المسلمين كما يدعي بعض المؤلفين وعلله بان التدوين قد يؤدي إلى التباس القرآن بالحديث وانصراف المسلمين عن كتاب الله إلى اقواله وأحاديثه كما جرى ذلك بالنسبة الى الامم السابقة.

وفي مقابل الرواية التي تنص على انّ الرسول نهاهم عن تدوين اقواله وافعاله رووا عنه انّه رخّص لعبد الله بن عمرو بن العاص ان يكتب عنه ما يشاء فجمع من احاديثه الصحيفة المسمّاة بالصادقة، وانّه قال لرجل من الانصار: استعن على حفظك بيمينك، وقال لأنس بن مالك: قيّدوا العلم بالكتابة، إلى غير ذلك من المرويّات ونظرا لتعارض هذه الطائفة من المرويات عنه للروايات المانعة، رجح اكثر المحدثين بانّه نهى عنه اولا مخافة ان يختلط حديثه بالقران الكريم ولمّا تركّز القرآن في نفوسهم واحتلّ منها المكان اللائق به، واصبحوا يميّزونه عن غيره اباح لهم ان يكتبوا عنه ما يشاؤون، ونتيجة هذا الجمع بين هاتين الطائفتين من المرويات عنه (صلى الله عليه وآله) فقد توفّي والتدوين مباح للجميع، وامر عبد الله بن عمرو أبن العاص ان يكتب عنه في حالتي الرضا والغضب، كما يدّعون، انّه دوّن صحيفته المسمّاة بالصادقة من اقواله وافعاله مباشرة (3).

 ومن البعيد ان تخفى هذه النصوص على الخليفة، وإذا افترضنا بانّه كان على علم بها، فلماذا منع من التدوين في حين انّه لم برد عن الخليفة الاول ما يشير إلى انّه نهى عن ذلك.

وجاء في بعض المصادر التي تعرّضت لهذا الموضوع انّه منعهم عن تدوين الأحاديث حرصا على كتاب الله، وانّه احرق كتبا كانت لبعض الصحابة لهذه الغاية.

فقد روى عنه عروة بن الزبير، انّه اراد ان يكتب السنن، فاستفتى اصحاب رسول الله، (صلى الله عليه وآله) فأشاروا عليه ان يكتبها فطفق عمر يستخير الله شهرا، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال: إنّي كنت اريد ان اكتب السنن، وانّي ذكرت قوما قبلكم كتبوا كتبا فانكبّوا عليها وتركوا كتاب الله، وانّي والله لا اشوب كتاب الله بشيء.

وجاء عنه انّه لما حدّث ابي بن كعب عن بيت المقدس واخباره انتهره عمر بن الخطاب، وهم بضربه، فاستشهد ابي بجماعة من الانصار ولما شهدوا بأنّهم سمعوا الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وآله) تركه، فقال له ابي بن كعب: أتتهمني على حديث رسول الله؟، فقال يا ابا المنذر: والله ما اتهمتك، ولكنّي كرهت ان يكون الحديث عن رسول الله ظاهرا إلى غير ذلك من المرويات الكثيرة التي تؤكد أن الخليفة لم يعتمد على الرسول في منعه عن التدوين، وانه قد تفرد بهذا التصرف حرصا على كتاب الله، ولكن الرواية التي تنص على انه قد انتهر ابي بن كعب لما حدث عن بيت المقدس، وقوله فيها: انّي كرهت ان يكون الحديث عن رسول الله ظاهرا، هذه الرواية تدلّ على انّه كان حريصا على ان لا ينتشر الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، مع العلم بانّ حديث الرسول مكمّل للتشريع، ومبيّن لمجملات القرآن ومخصّص لعموماته ومطلقاته، وقد تكفّل لكثير من النواحي الاخلاقية والاجتماعية والتربوية، ولو تقصّينا الاسباب التي يمكن افتراضها لتلك الرغبة الملحة في بقاء السنة في طي الكتمان لم نجد سببا يخوله هذا التصرف، ولا نستبعد انّه كان يتخوّف من اشتهار احاديث الرسول في فضل علي وابنائه (عليه السلام) [...إلخ].

ولو افترضنا انّ الخليفة كان حسن النيّة في هذا الامر، وانّه لم يمنع الا بدافع الحرص على كتاب الله، فقد كان من نتائجه، ان اتسع المجال للكذّابين والمنحرفين عن المخطّط الاسلامي، والمرتزقة ان يضعوا من الأحاديث ما توحيه إليهم الاهواء والمطامع، بالإضافة إلى ما ضاع منها بسبب الحروب والغزوات، التي فتكت بالصحابة بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله).

على انّ الذين يحاولون ان يعتذروا عنه، ويقرّون المرويات التي تنصّ على انّه خاف ان يختلط الحديث بالقرآن، هؤلاء يسيئون إليه من حيث لا يقصدون؛ لانّه لم يكن قصير النظر ولا محدود التفكير ولا جاهلا بأساليب البيان وبلاغة القول، ويعلم جيدا انّ القرآن قد استولى على النفوس وتحكم بمشاعرهم واحاسيسهم، وكان له الاثر البالغ في سير الدعوة وانتشارها، هذا بالإضافة الى وجود الفوارق الكثيرة بين الاسلوبين التي لا تخفى على أحد منهم.

ومع التغاضي عن جميع ذلك، فقد كان بالإمكان لو كانت النوايا طيبة التفرغ الى جمع الحديث وتدوينه بعد تدوين القرآن الكريم والتثبت من احصائه في مجموعة واحدة بواسطة لجنة مختارة من الامناء المعروفين بالوثاقة والاستقامة، ولو فعلوا ذلك لقطعوا الطريق على كل افاك اثيم، وعلى المرتزقة الذين شوهوا معالم السنة وطمسوا من اضوائها النيرة وألصقوا فيها من الموضوعات التي جرت على المسلمين اسوأ انواع البلاء وفرقتهم شيع أو احزابا.

ومهما كانت الاسباب التي فرضت على الخليفة ان يقف من السنة هذا الموقف، فالنصوص التاريخية تؤكد بانه لم يكن موفقا فيه ولم ينجح كل النجاح في هذا التدبير، فقد ظهرت بعض المدونات الاسلامية في فترات متعاقبة من عصر الصحابة وبعده للشيعة وغيرهم، ومن ذلك (الجامعة) التي ألّفها علي (عليه السلام) وقد تناول فيها جميع ابواب الفقه، واليها كان يرجع الائمة (عليهم السلام) في احكامهم واقضيتهم في كثير من المناسبات، كما دوّن عبد الله بن العباس في الفقه والتفسير وغير ذلك من العلوم، وجاء في بعض المرويات انّه ترك حمل بعير من مدوّناته، وكان يحمل قسما منها الى مجالسه وحلقات التدريس، وكتب سعيد بن جبير احد تلاميذه كلّ ما املاه عليه.

 ومجمل القول انّ حركة التدوين بدأت تتّسع في الشطر الاخير من عصر الصحابة ولكنّها لم تنتشر بين المسلمين الا في اوائل القرن الثاني حينما امر عمر بن عبد العزيز ابا بكر محمد بن حزم بجمع الحديث وتدوينه، وجاء في المذكرة الي وجهها إليه. انظر ما كان من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو سنة ماضية فاكتبه فاني خفت، دروس العلم وضياعه، واكد عليه كما تنص بعض المرويات ان يدون ما روته عمرة بنت عبد الرحمن الانصارية والقاسم بن محمد بن ابي بكر (4) فهبّ الناس الى التدوين واحسّوا بخطر الركود الذي مرّ عليه في القرن الاول واصبح من الضرورات الملحة بنظر الجميع، لا سيما وقد ندب إليه عمر بن عبد العزيز المعروف بالاعتدال والحرص على الاثار الاسلامية ولكن التدوين الذي كان يوم ذاك لم يكن مرتّبا على ابواب الفقه وفصوله ولم يقتصر الكتاب على موضوع واحد، بل كان المؤلف يحشد في كتابه من جميع المواضيع والاصناف، بما في ذلك التفسير واللغة والادب ونحو ذلك من المواضيع اما التدوين المرتّب على الابواب الفقهية فلم يكن معروفاً قبل اواخر النصف الاول من القرن الثاني، ويدل على ذلك ما اورده الحافظ الذهبي في حوادث 143 قال: وفي هذا العصر شرع علماء الاسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير وغير ذلك من المواضيع، فصنّف ابن جريج المتوفى 150 تصانيفه الكثيرة في مكّة، وصنّف ابن ابي عروبة المكنّى بابي النظر العدوي، وفي خلال ذلك صنّف أبو حنيفة في الفقه والرأي، كما صنّف حمّاد بن سلمة وسفيان الثوري والاوزاعي، وعبد الله بن المبارك، وهشيم بن بشير، وغيرهم في فترات متعاقبة تتراوح بين سنة 150 و 175 عشرات الكتب في مختلف المواضيع وإذا لاحظنا ما انتجته مدرسة الامامين الباقر والصادق (عليه السلام) في هذه الفترة من القرن الثاني تقريبا من المدونات التي بلغت ستة آلاف كما احصاها اكثر المؤلفين في هذا الموضوع من الشيعة واشرنا الى مصادرها في كتابنا (المبادئ العامة في الفقه الجعفري) إذا لاحظنا ذلك تدرك اهمية هذا الدور من ناحية اتساع حركة التأليف وتدوين الآثار الاسلامية وغيرها من آثار الفرس واليونان في مختلف المواضيع، وقد احصى المؤلفون في احوال الرجال والتراجم عددا كبيرا لجماعة من اصحاب الائمة كصفوان بن يحيى، وشعيب بن اعين الحدّاد، وهشام بن الحكم، واسماعيل بن موسى بن جعفر (عليه السلام) وعبد الله بن المغيرة البجلي الكوفي، وعبد الله بن سنان مولى بني هاشم، ومحمد بن عمير ويونس ابن عبد الرحمن، واحمد بن محمد بن عيسى الاشعري، والفضل بن شاذان النيسابوري الى غير ذلك ممن تتراوح مؤلفاتهم بين العشرين والثلاثين كتابا.

وجاء عن محمد بن مسعود العياشي انّه أنفق على تدوين العلم ثلاثمائة ألف دينار، وانّ داره كانت تعجّ بالناس وهم بين ناسخ وقارئ ومقارن ولو كتب البقاء لمؤلفات الشيعة في القرنين الثاني والثالث، لكانت دور الكتب اغنى ما تكون بالآثار الشيعية، ولكن الظروف التي احاطت بهم، والحروب الدامية التي كانت قي الغالب تستهدف دمائهم وآثارهم كل ذلك قد ساهم في تبديد تلك الثورة الغنية بالكنوز والنفائس، وليس أدلّ على ذلك من اقدام الحكام والغزاة وبخاصة الايوبيّين منهم على حرق المكتبات الشيعية مباشرة. كمكتبة الطوسي، والوزير (نصر سابور بن أردشير) وزير بهاء الدولة، ومكتبة الازهر التي اسسها الفاطميون في مصر وحشدوا فيها مئات الالوف من المجلدات في مختلف مواضيع وبقيت أكثر من قرنين من الزمن منهلا كريما لرواد العلم من مختلف الأقطار إلى ان جاء صد الايوبيين الذي استهدف الشيعة وآثارهم وأكثر من اي شئ آخر ذلك العهد الذي مثّل فيه صلاح الدين وابناؤه الجريمة بأقبح صورها واشكالها الى غير ذلك من دور الكتاب التي كانت أكثر محتوياتها من كتب الشيعة وآثارهم.

ومهما كان الحال فلم يطرأ على التدوين تطور قبل نهاية القرن الثاني، وبنهايته شرع فريق من العلماء بتطويره فافردوا أحاديث الرسول عن آراء الصحابة واقضيتهم، ووزعوا الأحاديث على ابواب الفقه وفصوله حسب المناسبات ومضى العلماء على ذلك، فالف احمد بن حنبل جامعه، واسحاق بن راهويه وغيرهما عشرات الكتب وظلت حركة التدوين تتسع الى ان دخلت طورا جديدا، هو طور الاختيار والتنقيح، وكان اول من اتجه الى هذه الناحية من السنّة محمد بن اسماعيل البخاري.

قال الحافظ بن حجر في مقدمة فتح الباري على صحيح البخاري، ولمّا رأى البخاري هذه التصانيف ورواها وانتشق رياها واستجلى محياها وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت الصحيح وغيره والكثير منها يشمله التضعيف، حرك همته لجمع الحديث الصحيح، فالف كتابه المعروف بصحيح البخاري، كما الف كل من مسلم، وابو داود سليمان ابن الأشعث السجستاني، والترمذي والنسائي، وابن ماجة، ومحمد بن يزيد كتبهم الستة المعروفة بين اعلام السنة بالصحاح خلال القرنين الثالث واوائل القرن الرابع، وكان لمحمد بن اسماعيل البخاري الفضل الاكبر في هذا الاتجاه من التأليف؛ لانّه اوّل من حرّك همته لتحري الاحاديث الصحيحة ودونها في صحيحه سنة 250 تقريبا، وآخرهم النسائي احمد ابن شعيب المتوفى سنة 303 شهيداً في مكة كما قي رواية الذهبي وغيره.

وجاء في سبب وفاته: انّه خرج من مصر وافدا على دمشق فاجتمع عليه المحدّثون والقراء وغيرهم، وفي بعض مجالسه سأله بعضهم ايّهما أفضل علي ام معاوية؟ فقال: على الفور اما رضي معاوية ان يخرج رأسا برأس حتى يفضل، وجاء عنه انّه قال: والله لا اعرف له فضيلة الا قول النبي (صلى الله عليه وآله) له: (لا أشبع الله بطنك) فداسوه بأرجلهم واخرجوه من الشام مضرورا، فتوجّه نحو مكة المكرمة وتوفّي بها متأثرا بما اصابه، وجاء في ترجمته انّه قال: دخلت الشام، والمنحرف عن علي (عليه السلام) بها كثير فصنّفت كتاب الخصائص رجوت بذلك ان يهديهم الله (5).

وفي هذا الدور الذي ظهر فيه اصحاب الصحاح ودوّنوا صحاحهم، نجد بين المؤلفين من الشيعة من هو اكثر انتاجا واحسن تنقيحا من غيرهم، كما تؤكّد ذلك كتب الرجال والحديث التي تعرّضت لمؤلفات الشيعة في الفترة الواقعة بين عصر البخاري والنسائي، وبخاصة المؤلفات الفقهية الموزعة على ابواب الفقه وفصوله، واشتهر من بينهم القميّون بتصلّبهم وتشددهم على كل متهم بالانحراف عن العقيدة، كمحمد بن عيسى بن عبد الله الاشعري شيخ القميّين في القرن الثالث على حد تعبير علماء الرجال ومحمد بن احمد ابن ابي قولويه، ومحمد بن اسماعيل بن بشير البرمكي، ومحمد بن خالد الاشعري القمي، ومحمد بن علي بن محبوب احد الشيوخ الاجلاء في قم، وصاحب المؤلفات الكثيرة في مختلف المواضيع وقد احصى له النجاشي والمامقاني في تنقيح المقال نحوا من ثلاثين مؤلفا وفي كتابه الجامع تعرض لجميع ابواب الفقه من الطهارة الى الديات والحدود، ومن هذه الطبقة محمد بن الحسن بن فروخ الصفار المعروف بالوثاقة وحسن السيرة وسلامة العقيدة، والمعاصر للإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام)، كما عاصر البخاري وغيره من اصحاب الصحاح، الى غير ذلك من العشرات الذين اتجهوا الى تصفية الحديث وتصنيفه على ابواب الفقه وفصوله، وقد احصى النجاشي لبعضهم اكثر من تسعين كتابا. وجاء في الفهرست لابن النديم: انّ الفضل بن شاذان النيسابوري ترك نحوا من 180 كتابا من مؤلفاته قي مختلف المواضيع، وبلغ الحال بالقميّين وغيرهم انّهم كانوا يخرجون من قم كل متهم بالغلو والانحراف عن التشيّع السليم ويرفضون مروياتهم مهما كان نوعها. وبالتالي فقد اتجهوا الى التأليف في احوال الرواة، ووضعوا اصول علم الرجال والدراية حتى لا تختلط مرويات المنحرفين والمتهمين بمرويات الموثوقون من الشيعة المعتدلين في تشيعهم وعقائدهم، ومن هؤلاء علي بن الحسين ابن علي بن فضال؛ فقد جاء في الفهرست للشيخ الطوسي: انّه ممن يعتمد على قوله في الرجال، ويستند إليه في الجرح والتعديل، واكد هذه الحقيقة في منتهى المقال، واستنتج بعضهم انه من المؤلفين في الرجال.

ومنهم الفضل بن شاذان، فقد نص جماعة ان له كتبا في الرجال واحوال الرواة، ومنهم محمد بن احمد بن داود بن علي شيخ القميّين في زمانه كما نص على ذلك النجاشي، والعلامة في الخلاصة.

وجاء في الفهرست: انّه ألّف كتابا في الممدوحين، والمذمومين رجال الحديث.

ومنهم محمد بن الحسن أبو عبد الله المحاربي، قال النجاشي، والعلّامة في الخلاصة. انّه كان خبيرا بأحوال الرواة وألّف في هذا الموضوع كتابا عرض فيه احوالهم ومراحل حياتهم.

ومنهم نصر بن الصباح المكنى بابي قاسم من اهالي بلخ فقد ألّف كتابا في احوال الرواة والناقلين للحديث كما ألّف في العقائد وغيرها.

ومنهم محمد بن خالد البرقيّ ومحمد بن مسعود السمرقندي المعروف بالعيّاشي وغيرهم ممّن نص اصحاب الفهارس على انّهم قد ألّفوا في احوال الرجال ووضعوا اصول علم الدراية في القرن الثالث واوائل القرن الرابع، قد اكد ذلك الشيخ الطوسي قي العدة، وجاء فيها ان الطائفة ميّزت الرجال الناقلين لهذه الاخبار فوثّقوا الثقاة منهم، وضعّفوا الضعفاء، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد عليه، ومدحوا الممدوحين، وذمّوا المذمومين، وقالوا فلان متهم في حديثه: وفلان كذّاب، وفلان مخلط ومخالف في المذهب والاعتقاد الى غير ذلك من الطعون التي وصفوا بها الرواة والمحدثين، واضاف الى ذلك انهم صنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى إذا واحدا منهم إذا انكر حديثا نظر في اسناده وضعفه بروايته واصبحت هذه الطريقة عادة لهم لا تنخرم ولولا ان العمل بما يسلم من الطعون جائز، لا يكون فائدة لما شرعوا فيه من التضعيف والتوثيق (6) هؤلاء وغيرهم من المؤلفين في الحديث واحوال الرجال وشروط الرواية واقسامها الذين بذلوا كل ما لديهم من الامكانيات لتصفية الحديث من الموضوعات ومن المشتبهات هؤلاء وضعوا الاساس للمتأخرين، وكانوا الركيزة التي اعتمدها لمحمدون الثلاثة، محمد بن يعقوب الكليني، ومحمد بن بابويه الصدوق، ومحمد بن الحسن الطوسي في اختيار مجاميعهم الاربعة (7) تلك المؤلفات التي اعتمد مؤلفوها على كتب القميّين وغيرهم من اصحاب الائمة وتلاميذهم كالأصول الاربعمائة التي كانت بمجموعها محلاً لثقة الرواة والمحدثين، من حيث معرفتهم بمؤلفيها ووثوقهم بصحة ما فيها من المرويات، هذا بالإضافة الى القرائن الاخرى التي اعتمد عليها المحمّدون الثلاثة بالنسبة لبعض المرويّات، وان لم تكن من حيث اسانيدها مستوفية لشروط العمل بالرواية، ومن جملتها مطابقة مضمون الرواية للنص القرآني، أو للسنة الصحيحة، أو لما اجمعت الطائفة عليه، أو لموافقته لحكم العقل أو لغير ذلك من القرائن التي تؤكد مضمون الخبر وان رواه من لا يصح الاعتماد على مروياته (8).

ومجمل القول انّ المحدّثين من الشيعة نشطوا في تصفية الحديث من الموضوعات ومن مرويات المنحرفين في عقائدهم والمندسين بين صفوف الشيعة ووضعوا النواة الاولى لعلمَي الرجال والدراية وألّفوا فيهما، قبل ان يقوم البخاري ورفاقه من اصحاب الصحاح بمهمة تصفية الحديث وتصنيفه، واصبح علم الرجال والدراية من العلوم التي يتوقّف عليها استنباط الاحكام من الأدلة؛ لانّ الحديث هو المصدر الثاني للأحكام بعد كتاب الله، ولولاه لم يتم التشريع ولم يبلغ تلك المرتبة العالية من الاحاطة والشمول التي تناولت جميع المواضيع ووضعت الحلول لجميع لحياة على اختلاف تطورها ومراحلها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر فجر الاسلام لأحمد امين ص 13 و14.

(2) انظر السنة قبل التدوين، عن النهاية في طبقات القراءة، والتهذيب لابن عساكر.

(3) لقد تحدّثنا عن هذه الصحيفة المزعومة مفصلا في كتابنا تاريخ الفقه الجعفري، وأثبتنا بالأرقام انّها ليست من أحاديث الرسول، بل هي من الكتب التى استولى عليها المسلمون في معركة اليرموك، وكان هو يحدث عن تلك الكتب وينسبها الى الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد جمع فيها طائفة من الأحاديث وادعى بانه اخذها من الرسول.

(4) انظر تاريخ الفقه ص 176 والأضواء ص 224.

(5) انظر شذرات الذهب لابن العماد ج ـ 2 ص 240.

(6) ص 53 من العدة.

(7) الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي.

(8) العدّة للشيخ الطوسي ص 52.