تُعتبر السموم الحيوانية مزيجاً معقداً من المركبات الكيميائية التي طورتها الكائنات الحية على مر العصور كآلية دفاعية أو لضمان الحصول على الغذاء. تمتلك هذه المركبات الكيميائية الحيوية القدرة على التسبب بأضرار جسيمة أو توفير علاجات واعدة للأمراض. هذه السموم تختلف بشكل كبير في تركيبتها وطريقة عملها، مما يجعلها موضوعاً فاتناً للدراسة الكيميائية. و تُعد السموم الحيوانية من بين أكثر المواد الكيميائية تعقيدًا وتنوعًا في الطبيعة. حيث تتسم هذه السموم بتركيباتها المتنوعة وآليات تأثيرها الفريدة، ما يجعلها موضوعًا مثيرًا للدراسة في علم الكيمياء الحيوية.
يهدف هذا المقال إلى مقارنة وتسليط الضوء على سم الافاعي والعقارب من ناحية الاهمية والتركيب الكيميائي واليات عمل تلك السموم والتأثيرات المشتركة
الأهمية الطبية والبحثية .
أهمية دراسة السموم الحيوانية :
• الفهم الأعمق للعمليات البيولوجية: تساعد دراسة السموم على فهم أعمق للعمليات البيولوجية الأساسية مثل نقل الإشارات العصبية، وتجلط الدم، وتفاعلات الإنزيمات.
• تطوير أدوية جديدة: العديد من المركبات الموجودة في السموم الحيوانية لها خصائص علاجية محتملة، ويمكن استخدامها لتطوير أدوية جديدة لعلاج مجموعة واسعة من الأمراض، مثل الأمراض العصبية، والأورام، والأمراض القلبية الوعائية.
• حماية الإنسان والحيوان: فهم سموم الحيوانات يساعد في تطوير مضادات السموم وتوفير الرعاية الطبية الفورية في حالات لدغات أو لسعات الحيوانات السامة.
التركيب البيوكيميائي لسموم الأفاعي :
سموم الأفاعي هي مزيج معقد من البروتينات، الببتيدات، والإنزيمات التي تؤدي وظائف متعددة. تشمل مكوناتها الأساسية:
1. الإنزيمات المحللة للدهون: مثل فوسفوليباز A2، الذي يدمر أغشية الخلايا ويسبب الالتهابات والنخر.
2. الإنزيمات المضادة للتخثر: مثل الميتالوبروتيناز، التي تهاجم الأوعية الدموية وتمنع تخثر الدم، ما يسبب نزيفًا داخليًا.
3. الببتيدات العصبية: تُعطل النقل العصبي، ما يؤدي إلى شلل العضلات، كما هو الحال مع سم أفعى الكوبرا.
4. البروتينات السامة للقلب: تُؤثر على خلايا القلب وتؤدي إلى اضطرابات في ضرباته.
الخصائص المميزة لسموم الأفاعي :
• تُظهر سموم الأفاعي تنوعًا كبيرًا بناءً على البيئة ونوع الفريسة.
• تُستخدم بشكل أساسي لشل حركة الفريسة ولتسهيل عملية الهضم.
التركيب البيوكيميائي لسموم العقارب :
على غرار الأفاعي، تحتوي سموم العقارب على مكونات متطورة، لكنها تُظهر خصائص فريدة:
1. الببتيدات العصبية قصيرة السلسلة: مثل بوتوكسينات العقارب، التي تؤثر على قنوات الصوديوم والبوتاسيوم في الخلايا العصبية، مما يسبب شللًا أو تقلصات عضلية.
2. البروتينات المناعية: تُستخدم للدفاع ضد الكائنات المفترسة أو الفريسة.
3. الإنزيمات المحللة للبروتينات: تساعد في تعزيز الانتشار الموضعي للسم وتقليل فعالية الجهاز المناعي للفريسة.
الخصائص المميزة لسموم العقارب :
• غالبًا ما تكون تأثيرات سموم العقارب عصبية، حيث تهاجم الجهاز العصبي المركزي أو المحيطي.
• تعتمد فاعلية السم على نوع العقرب وبيئته.
آليات عمل سموم الأفاعي :
تتميز سموم الأفاعي بتأثيراتها المتنوعة على عدة أنظمة داخل جسم الكائن المستهدف، حيث تشمل:
1. تأثيرات على الجهاز الدوري تثبيط أو تعزيز تخثر الدم:
• تحتوي بعض سموم الأفاعي على بروتينات مثل الميتالوبروتيناز وفوسفوليباز A2 التي تؤدي إلى نزيف داخلي عبر تحطيم جدران الأوعية الدموية وتعطيل عوامل التخثر.
• على العكس، يمكن لبعض مكونات السم تحفيز تكوين الجلطات الدموية.
خفض ضغط الدم:
• تعمل الببتيدات المثبطة للإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE) على توسيع الأوعية الدموية وخفض ضغط الدم، مما يضعف تدفق الدم إلى الأعضاء الحيوية.
2. تأثيرات على الأنسجة والخلايا التحلل النسيجي:
• تحتوي السموم على إنزيمات محللة للبروتينات والدهون تعمل على تدمير الخلايا والأنسجة المحيطة بموقع اللدغة.
• تسبب هذه التأثيرات الألم والتورم والالتهاب وقد تؤدي إلى نخر الأنسجة.
3. تأثيرات على الجهاز العصبي
تعطيل النقل العصبي: تستهدف الببتيدات العصبية مستقبلات الناقلات العصبية أو قنوات الأيونات، مما يسبب شلل العضلات. على سبيل المثال، سم أفعى الكوبرا يمنع ارتباط الأستيل كولين بمستقبلاته، مما يؤدي إلى شلل تنفسي.
آليات عمل سموم العقارب :
تتميز سموم العقارب بتركيزها الكبير على الجهاز العصبي للكائن المستهدف، مما يجعل تأثيرها سريعًا وشديدًا.
1. تأثيرات على قنوات الأيونات :
استهداف قنوات الصوديوم والبوتاسيوم:
• تحتوي السموم على ببتيدات صغيرة تتداخل مع فتح وإغلاق قنوات الأيونات في الخلايا العصبية.
• تؤدي هذه التأثيرات إلى تعطيل التوازن الكهربائي في الأعصاب، مما يسبب تقلصات عضلية أو شللًا.
2.تحفيز الألم :
التأثير على النهايات العصبية:
تعمل بعض مكونات السموم على تحفيز النهايات العصبية المسؤولة عن الألم، مما يؤدي إلى استجابة دفاعية قوية من الكائن المستهدف.
3.تثبيط الجهاز المناعي
إضعاف الخلايا المناعية:
تحتوي السموم على بروتينات تمنع نشاط الخلايا المناعية، مما يسمح للسم بالانتشار بشكل أسرع في جسم الضحية.
التأثيرات المشتركة بين سموم الأفاعي والعقارب :
على الرغم من الاختلافات في التركيب وآليات العمل، إلا أن هناك بعض التأثيرات المشتركة:
1. الشلل العصبي: تؤدي سموم الأفاعي والعقارب إلى تعطيل الجهاز العصبي من خلال استهداف قنوات الأيونات أو مستقبلات الناقلات العصبية.
2. انتشار السم بسرعة: تحتوي السموم على إنزيمات تعزز اختراق السم للأنسجة، مثل الهيالورونيداز.
3. التسبب في ردود فعل التهابية حادة: تحفز السموم إطلاق وسائط التهابية مثل الهيستامين، مما يسبب تورمًا وألمًا شديدين.
الأهمية الطبية والبحثية :
دراسة سموم الأفاعي والعقارب لها أهمية بالغة في عدة مجالات:
• تطوير مضادات السموم: فهم التركيب الكيميائي للسموم يساعد في تطوير مضادات سموم أكثر فعالية وخصوصية.
• اكتشاف أدوية جديدة: يمكن استغلال المركبات الموجودة في السموم لتطوير أدوية جديدة لعلاج الأمراض المختلفة، مثل الأمراض العصبية والأورام.
• فهم التطور: تساعد دراسة السموم على فهم آليات التطور والتكيف لدى الكائنات الحية.
• الحفاظ على التنوع البيولوجي: تساعد دراسة السموم على فهم أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي.
في الختام تعتبر السموم الحيوانية كنزا من المعرفة العلمية، وتوفر لنا فرصة فريدة لفهم العمليات البيولوجية الأساسية وتطوير أدوية جديدة. ومع ذلك، فإن دراسة السموم الحيوانية تتطلب توخي الحذر الشديد، حيث أن هذه المواد شديدة السمية ويمكن أن تسبب أضرارًا جسيمة للإنسان والحيوان.







د.فاضل حسن شريف
منذ 9 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN