Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
حين تصبح البيانات حدودًا جديدة للوطن قراءة ثقافية في معنى الأمن السيبراني

منذ 3 ساعات
في 2025/12/22م
عدد المشاهدات :28
حين تصبح البيانات حدودًا جديدة للوطن
قراءة ثقافية في معنى الأمن السيبراني
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
22/12/2025
لم يعد الأمن السيبراني مجرد تقنية، بل أصبح قضية ثقافية ومعرفية تمس استقرار الوطن والمجتمع. يستعرض هذا المقال كيف أصبح الفضاء الرقمي جبهة جديدة لحماية حقوق المواطنين والمؤسسات، وما يفرضه ذلك من وعي أكاديمي ومؤسسي.
يشهد العالم المعاصر تسارعًا غير مسبوق في وتيرة التحول الرقمي، لم يعد يقتصر أثره على تحديث وسائل الاتصال أو تسهيل الخدمات، بل أعاد تشكيل البنى العميقة للدولة والمجتمع والاقتصاد. وفي قلب هذا التحول، لم يعد الأمن السيبراني مسألة تقنية هامشية تُعالج في نطاق ضيق أو تُحال إلى اختصاصات فنية معزولة، بل غدا أحد المرتكزات الاستراتيجية للاستقرار الوطني والسيادة الحديثة. فمع انتقال وظائف الدولة الحيوية إلى الفضاء الرقمي، وتزايد الاعتماد على البيانات في صنع القرار وإدارة الموارد، باتت قدرة الدول على حماية فضائها السيبراني جزءًا لا يتجزأ من قدرتها على حماية أمنها القومي واقتصادها وثقة مواطنيها بمؤسساتها.
لقد أسهم هذا التحول في إعادة تعريف مفهوم السيادة ذاته، إذ لم تعد الحدود الجغرافية وحدها كافية لضمان الأمن، في عالم تتداخل فيه الشبكات العابرة للحدود مع البنى التحتية الوطنية، وتتحول فيه البيانات إلى مورد استراتيجي لا يقل قيمة عن النفط أو رأس المال. وضمن هذا السياق، أصبحت الهجمات السيبرانية قادرة على إحداث أضرار واسعة النطاق قد تعادل في آثارها هجمات عسكرية تقليدية، سواء من حيث تعطيل الخدمات الحيوية، أو تقويض الثقة بالأنظمة المالية، أو التأثير في القرار السياسي.
وفي خضم هذا المشهد العالمي المتغير، يبرز واقع العراق بوصفه حالة إشكالية مركبة في التعامل مع مفهوم الأمن السيبراني. فعلى الرغم من التوسع الملحوظ في استخدام الأنظمة الرقمية داخل مؤسسات الدولة، واعتماد التقنيات الحديثة في قطاعات التعليم والمصارف والاتصالات، ما يزال العراق يعاني فجوة واضحة في بناء منظومة وطنية متكاملة للأمن السيبراني. وتتجلى هذه الفجوة في ضعف الإطار التشريعي المنظم، وهشاشة البنى التحتية الرقمية، وغياب استراتيجية وطنية شاملة تنظر إلى الأمن السيبراني بوصفه امتدادًا مباشرًا للأمن القومي، لا مجرد ملف تقني يُعالج بصورة جزئية أو ردّ فعل ظرفي عند وقوع الأزمات.
ولا يمكن تفسير هذا الواقع بإشكالية الموارد وحدها، بقدر ما يرتبط بغياب رؤية مؤسسية طويلة الأمد تجعل من الأمن السيبراني مشروع دولة متكامل الأبعاد. فالأمن في العصر الرقمي لم يعد مسألة أجهزة وبرمجيات فحسب، بل منظومة متشابكة تشمل التشريع، والتعليم، وبناء القدرات البشرية، وتكامل الأدوار بين المؤسسات الأمنية والأكاديمية والاقتصادية.
وتظهر هذه الإشكالية بوضوح أكبر في القطاع الأكاديمي، الذي يُفترض أن يكون الرافد الأساسي لبناء الكفاءات السيبرانية. فقد شهدت الجامعات العراقية في السنوات الأخيرة استحداث أقسام وبرامج تحمل مسميات حديثة مثل “الأمن السيبراني” و“الذكاء الاصطناعي”، غير أن هذا التوسع الشكلي لم يُرافقه في كثير من الأحيان تطور نوعي في البنية العلمية والمناهج التعليمية. إذ لا تزال غالبية هذه البرامج أسيرة مقاربات تقليدية مستمدة من علوم الحاسبات العامة، من دون استيعاب الطبيعة المركبة لتخصص الأمن السيبراني بوصفه حقلًا متعدد التخصصات يتقاطع فيه البعد التقني مع البعد القانوني والإداري والاستراتيجي.
ويُلاحظ أن غياب التخصصات الداعمة، مثل أمن الشبكات المتقدم، وتحليل البرمجيات الخبيثة، والأدلة الجنائية الرقمية، وحوكمة أمن المعلومات، وإدارة المخاطر السيبرانية، أدى إلى إفراغ كثير من هذه البرامج من مضمونها الحقيقي. كما أن هيكلية الكوادر التدريسية، في بعض الحالات، لا تعكس التنوع المعرفي المطلوب لهذا التخصص، ما يفضي إلى تكييف المناهج وفق الخلفيات المتاحة لا وفق متطلبات التخصص ذاته. ونتيجة لذلك، يُخرَّج طلبة يحملون تسميات أكاديمية حديثة، لكنهم يفتقرون إلى التأهيل المعرفي والعملي الذي يمكّنهم من التعامل مع بيئة سيبرانية شديدة التعقيد وسريعة التحول.
ولا يقتصر أثر هذا الخلل على الجانب الأكاديمي أو فرص التوظيف فحسب، بل ينعكس مباشرة على قدرة الدولة على حماية مؤسساتها وبناها التحتية الرقمية. فضعف التأهيل الأكاديمي يعني ضعفًا في الموارد البشرية القادرة على تصميم السياسات، وإدارة المخاطر، والاستجابة الفعالة للحوادث السيبرانية، في وقت تتصاعد فيه التهديدات الرقمية بوتيرة متسارعة.
ويُعرَّف الأمن السيبراني، وفق الاتحاد الدولي للاتصالات، بوصفه منظومة شاملة تضم الأدوات والسياسات وإجراءات إدارة المخاطر والتدريب وآليات الضمان والتقنيات المستخدمة لحماية البيئة السيبرانية وأصول المؤسسات والمستخدمين. ويكشف هذا التعريف عن البعد المؤسسي والمجتمعي للأمن السيبراني، باعتباره ممارسة مستمرة تتجاوز الحلول التقنية المباشرة، لتشمل بناء ثقافة أمنية قادرة على التكيّف مع التحولات المتسارعة في طبيعة التهديدات الرقمية.
ويرتكز هذا المفهوم على ثلاثية أمن المعلومات المتمثلة في السرية والتكاملية والتوافرية، وهي الأسس التي يقوم عليها أي نظام أمني فعّال. فالسرية تضمن حماية البيانات من الوصول غير المصرح به، والتكاملية تحافظ على سلامة المعلومات من التلاعب أو التشويه، في حين تضمن التوافرية استمرار الوصول إلى البيانات والخدمات في الوقت المناسب، ولا سيما في القطاعات الحيوية التي قد يؤدي تعطلها إلى شلل واسع في الحياة العامة.
وقد ازدادت أهمية الأمن السيبراني بصورة غير مسبوقة مع التوسع الهائل في استخدام الأنظمة الرقمية لإدارة المعاملات المالية والتجارية، وتشغيل شبكات الاتصال الحكومية، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية، والتحكم بالبنى التحتية الحيوية مثل الطاقة والمياه والنقل. ففي هذا السياق، لا تمثل الهجمات السيبرانية مجرد أعطال تقنية، بل تهديدات مركبة قادرة على زعزعة الاستقرار الاقتصادي، وتقويض الثقة بالمؤسسات، وفتح المجال أمام أشكال جديدة من الابتزاز السياسي والاقتصادي.
وتعكس المؤشرات الاقتصادية حجم هذا التحدي المتنامي، إذ تشير التقديرات إلى أن الخسائر العالمية الناجمة عن الجرائم الإلكترونية بلغت نحو 945 مليار دولار عام 2020، مع توقعات بوصولها إلى ما يقارب 10.5 تريليون دولار سنويًا عام 2025، بحسب تقارير Cybersecurity Ventures وتكشف هذه الأرقام عن تحوّل الجرائم السيبرانية إلى أحد أكبر مصادر الخسائر الاقتصادية عالميًا، متقدمة على العديد من القطاعات التقليدية.
ومع تعقّد بيئة التهديدات، تطور الأمن السيبراني من نماذج دفاعية بسيطة تركز على حماية الأجهزة الفردية إلى استراتيجيات شمولية تشمل تأمين الشبكات، وحماية الحوسبة السحابية، وأنظمة إنترنت الأشياء، وتطبيقات الأعمال الحساسة. وأصبح الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي عنصرين محوريين في هذا التحول، إذ تُستخدم هذه التقنيات لتحليل أنماط السلوك الرقمي، ورصد التهديدات بصورة استباقية، والتنبؤ بنقاط الضعف قبل استغلالها، بما يسهم في رفع كفاءة أنظمة الحماية مقارنة بالأساليب التقليدية.
وتتنوع مصادر التهديدات السيبرانية بين فاعلين أفراد يسعون لتحقيق مكاسب مالية، وجماعات إجرامية منظمة تستهدف سرقة البيانات وابتزاز المؤسسات، وصولًا إلى هجمات ترعاها دول لأغراض التجسس أو تعطيل البنى التحتية الحيوية. وتشير بيانات FBI إلى أن الخسائر المالية المرتبطة بالجرائم السيبرانية بلغت مستويات غير مسبوقة في السنوات الأخيرة، ما يعكس الطابع العابر للحدود لهذه الجرائم وصعوبة مواجهتها بالأدوات التقليدية.
وفي ضوء هذا الواقع، لم يعد الاستثمار في الأمن السيبراني خيارًا تقنيًا يمكن تأجيله، بل ضرورة وجودية تفرضها طبيعة العصر الرقمي. فالدول التي تفشل في بناء منظومات سيبرانية متماسكة، تستثمر في الإنسان بقدر ما تستثمر في التقنية، وتربط التعليم الأكاديمي باحتياجات الأمن الوطني، تجد نفسها عرضة لهشاشة استراتيجية قد تقوض منجزاتها الاقتصادية والسياسية.
وفي المحصلة النهائية، يمثل الأمن السيبراني حجر الزاوية في إدارة العالم الرقمي الحديث، لا بوصفه أداة حماية تقنية فحسب، بل باعتباره عاملًا استراتيجيًا يؤثر بعمق في الاقتصاد والسياسة والمجتمع. ومع تسارع الابتكار في أدوات الهجوم والدفاع، ستتحدد مكانة الدول وقدرتها على الاستقرار والتقدم بمدى وعيها الاستراتيجي بالأمن السيبراني، واستثمارها الرشيد في بناء منظومات معرفية ومؤسسية قادرة على صون الفضاء الرقمي بوصفه أحد أهم مجالات السيادة في القرن الحادي والعشرين.
وانطلاقًا من هذا الواقع، تبرز أهمية الدور الذي يمكن أن تضطلع به وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في إعادة توجيه المسار الأكاديمي للأمن السيبراني في العراق، لا بوصفه تخصصًا تقنيًا معزولًا، بل باعتباره حقلًا معرفيًا مركبًا يتقاطع فيه العلم بالتشريع، والتقنية بالإدارة، والتعليم بالأمن الوطني. فالتوسع في استحداث أقسام تحمل مسميات حديثة، على أهميته الظاهرية، يحتاج إلى مراجعة نوعية تركز على مضمون البرامج ومناهجها، ومدى قدرتها على استيعاب الطبيعة المتغيرة والمعقدة لهذا التخصص، بدل الاكتفاء بإعادة إنتاج مقاربات تقليدية في علوم الحاسبات تحت عناوين جديدة.
كما أن الارتقاء بتعليم الأمن السيبراني يستدعي اهتمامًا أعمق بتكامل التخصصات داخل البرامج الجامعية، وبناء توازن حقيقي بين الجوانب التقنية والبعد التحليلي والإداري، إلى جانب ربط الدراسة النظرية بتجارب تطبيقية تلامس واقع التهديدات الرقمية التي تواجه الدولة والمؤسسات والمجتمع. وفي هذا السياق، يغدو الاستثمار في الإنسان—عبر تطوير المناهج وتأهيل الكوادر التدريسية—الشرط الأهم لبناء قدرة سيبرانية وطنية مستدامة، تتجاوز منطق الاستجابة المؤقتة إلى أفق التخطيط طويل الأمد.
إن التعامل مع الأمن السيبراني بوصفه مشروعًا معرفيًا وثقافيًا بقدر ما هو مشروع تقني، يفتح المجال أمام الجامعات العراقية لتكون شريكًا فاعلًا في حماية الفضاء الرقمي، لا مجرد ناقل لمسميات عصرية. وهو مسار، إن أُحسن توجيهه، يمكن أن يحوّل التعليم العالي من موقع التلقي إلى موقع الفعل، ويعيد للمعرفة دورها بوصفها خط الدفاع الأول في عصر لم تعد فيه السيادة تُقاس بالسلاح وحده، بل بالوعي، وبالقدرة على فهم المخاطر الرقمية وإدارتها ضمن رؤية ثقافية وطنية شاملة.
وصايا أمير المؤمنين نماذج حيّة لمعالجة التحديات المعاصرة
بقلم الكاتب : حسن الهاشمي
حسن الهاشمي ان وصايا الإمام علي (ع) مدرسة متكاملة لبناء الإنسان: إيمانا، وعقلا، وأخلاقا، وسلوكا، وهي صالحة لكل زمان ومكان، وليست مقتصرة على زمانه عليه السلام فحسب، اذ ان الوجدان الإنساني يتقبّلها بقبول حسن ويتلقّاها المتلقّي برغبة إنسانية جامحة توّاقة الى كل ما هو جديد في العلاقات الإنسانية... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان هناك رجل يُدعى سامر، يعمل موظفًا في دائرة الأراضي. كان سامر معروفًا بنزاهته... المزيد
لغة العرب لسان * أبنائك تميز بالضاد لغة العرب نشيدك غنى * حتى البلبل الغراد لغة... المزيد
في زاوية خافتة من بيت بسيط، جلس يوسف يحدق في شجرة الليمون التي غرستها يداه قبل... المزيد
يا هادي الخير لقبت أنت * وأبنك بالعسكرين النجباء يا هادي الخير نشأت على * مائدة... المزيد
الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد يصف قومه...
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها شاهقٌ، وعينيها...
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ...
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان...


منذ يومين
2025/12/20
* البذور (Seed): - النباتات أحادية الفلقة (Monocots): تحتوي بذور النباتات أحادية الفلقة...
منذ 3 ايام
2025/12/19
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الرابع الثمانون: فيزياء بلا يقين: هل حان وقت إعادة...
منذ 5 ايام
2025/12/17
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثالث والثمانون: حين تختبر الفيزياء فرضياتها: هل...