سلسلة مفاهيم في الفيزياء
الجزء الرابع الثمانون: فيزياء بلا يقين: هل حان وقت إعادة اختراع النظرية؟
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
19/12/2025
لقد تجولنا في رحلتنا، التي أراها علمية بامتياز، عبر أعماق النظرية الكمية. وكانت بدايتنا من موقفها الرافض لمبدأ الحتمية، واعتمادها في الأساس على مبدأ الاحتمالية. ثم أخذتنا هذه الرحلة بعيدًا، في ظل بحثنا عن حدود تطبيق هذه النظرية، وواجهنا فريقين متعارضين:
فريق يؤكد على محلية النظرية، وآخر يسعى لإثبات لا-محليتها، بل وتعميمها لتكون نظرية كونية شاملة.
كلا الفريقين حاول إثبات موقفه من خلال التجربة، لكن في كل مرة تنشأ صعوبة في الإجابة عن سؤال على طريق الإثبات، سرعان ما تقود الإجابة إلى أسئلة إضافية — وكأننا ندور في حلقة مفرغة. حتى رأى البعض أن النظرية محدودة وغير مكتملة، ويجب تطويرها لتغطي الإجابات عن كل تلك الأسئلة المتولدة.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "الوعي" هو جوهر المشكلة، فيما نسب آخرون المشكلة إلى القيود التقنية، مثل عدم كفاءة أجهزة القياس، وعدم قدرتها على بلوغ الدقة المطلوبة في أزمنة شديدة القصر.
أما دالة الموجة، التي تُعد حجر الزاوية في تفسير نتائج النظرية، فقد اتضح أنها مقيدة بدورها. فمسألة "الانهيار" لهذه الدالة لا تزال تُشكل معضلة حقيقية، والتفسيرات المقدمة بشأنها تُعد من أعقد المشكلات التي لا تزال تتطلب مزيدًا من البحث والنقاش.
كذلك فإن تلك الفرضيات التي تُعطي للجسيم حق "الاختيار" — سواء في المرور أو الانعكاس عن الحواجز الطاقية — بصرف النظر عن طاقته، أصبحت محل جدل واسع. فهي بين من يؤمن بها كمبدأ كمي مشروع، ومن يراها أقرب إلى القصص الغريبة.
كل هذا يدفعنا إلى الاستنتاج بأن النظرية الكمية، عندما نحاول توسيعها لتشمل البنية الكونية، تُظهر ارتباكًا واضحًا، وتبدو غير قادرة على الصمود أمام مستجدات الفيزياء الحديثة، خاصة في إطار نظريات الكون الكبرى. ومع ذلك، لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي لعبته في تفسير عدد هائل من الظواهر، ضمن حدودها "المحلية".
لقد لاحظنا أيضًا أن النظرية الكمية، رغم أن دالتها الموجية تعتمد على الزمن، لم تستطع التعامل مع الزمن كما نعيشه — لم تستطع التمييز بين الماضي والمستقبل، ولم تُجب على الأسئلة التي أثيرت حول الحاضر والزمن المتدفق. وهو ما يثير تساؤلًا محوريًا:
هل هذه النظرية هي نظرية ماضٍ؟ تفسر ما حدث فقط، لكنها غير قادرة على التنبؤ الدقيق بالمستقبل؟
البحث لا يزال مستمرًا لمحاولة المزاوجة بين النظرية الكمية والنسبية العامة، وإيجاد نظرية موحدة. ولعل هذا الجهد المتميز هو ما يُراد منه أن يحرر النظرية الكمية من قيود محليتها، ويمنحها طابعًا كونيًا أكثر شمولًا.
لكن رغم التقدم الكبير الذي أُحرز، فإن هذا الطريق ما يزال مقيدًا بهذا القيد نفسه — قيد محلية النظرية الكمية. ويبدو أن التحرر الحقيقي لن يحدث إلا إذا بدأ تفكيرنا يتجه إلى مناطق "محرّمة" أو غير تقليدية في البحث العلمي — مناطق حمراء، كما يسميها البعض — لنخترق حجبها، ونكشف عمّا تُخبئه من إجابات قد تكون كفيلة بإعادة صياغة فهمنا للكون والواقع من جديد.
يتبع في الجزء 85







وائل الوائلي
منذ 5 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN