الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
المناهج والمقررات
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 251 ــ 256
2025-07-24
37
لا يستطيع المرء في قضية كثيرة التشعيبات والتفاصيل كهذه أن يقدم ما تستحقه من أفكار وتشخيصات ومقترحات، لكن لا نستطيع في المقابل أن نتجاوزها دون وضع بعض النقاط على الحروف في بعض شؤونها.
يقولون: إن عناصر العملية التعليمية ثلاثة الأستاذ والكتاب والطالب.
والكتاب هو الصيغة التنفيذية لمنهج ولرؤية تربوية ومعرفية. وعلى هذا فإن المأمول أن يتسم كل عنصر من هذه العناصر الثلاثة بخصائص تساعد في تحقيق الأهداف التي أنشئت الجامعة من أجلها. ونظراً لكثرة التخصصات وتنوع المعارف التي تقدمها الجامعات المختلفة، فإن من العسير الحديث عن المناهج والمقررات التي ينبغي أن تدرس، ولكن من الممكن أن نذكر ما نراه من السمات المشتركة التي يجب أن تنطوي عليها المناهج والمقررات الجامعية. ولعلنا نذكر أربعاً منها على نحو مختصر.
1- تدعيم الثقافة الأساسية .
لا نعني بالثقافة الأساسية هنا ما تقدمه المراحل التعليمية الدنيا من معلومات، ولا ما تقدمه الأجهزة الإعلامية المختلفة من معارف وخبرات فحسب، وإنما نعني قبل ذلك المفردات التي تشكل البنية العميقة لكل ذلك، وهي مفردات رمزية أكثر من أي شيء آخر. ولعل من أهم تلك المفردات الإيمان بالله - جل وعلا - والإيمان باليوم الآخر، إلى جانب ترسيخ عدد من القيم الخلقية، مثل الرحمة والعدل والإخاء والإيثار، بالإضافة إلى عدد من المبادئ والأحكام العقلية مثل الإنصاف والموضوعية، واعتماد التجريب وفهم كنه القصور الذاتي والإقرار بالجهل. مما يعد من مكونات الشخصية الإسلامية السوية والذي يقلب النظر في كثير من المناهج الجامعية يجد أنها تقدم رؤية علمانية دنيوية مادية للأشياء، وبعضها يقدم رؤية مرقعة مشوشة، وقل منها تلك التي تستند إلى فلسفة إسلامية صافية. ليس المقصود من كلامنا أن تلتزم بالاستشهاد بالآيات والأحاديث في كل درس أو موضوع يُطرق، وإنما المقصود أن يسري روح ثقافتنا الأساسية في مناهجنا كما يسري الماء في العود الأخضر، ليشكل الحيوية المشتركة بينها جميعاً.
2- الطلاقة:
كلما كان الطالب أصغر سناً، كانت حاجته إلى التلقين وتلقي المعارف (المقفلة) أشد. أما طالب الجامعة، فإنه لا يُعد على نحو أساسي للاطلاع على المعلومات، وإنما لينميها، ويضيف إليها، ويزيد في تأصيلها وتفريعها؛ ولذا فإن حاجاته إلى (التمدرس) وتلقي المعلومات الجاهزة أقل. هذا يعني أن على المناهج الجامعية أن تعكس الوضعية التي تعد الجامعة طلابها لها. ونقصد بطلاقة المنهج البعدين التاليين:
أ- في كل العلوم والتخصصات الإنسانية والطبيعية معارف هي موضع قبول واتفاق، وأخرى حولها خلاف و نزاع وتفسيرات متنوعة والطالب الجامعي حتى تتشكل معارفه وعقليته على نحو صحيح بحاجة ماسة إلى أن يكوّن صورة واضحة عنها جميعاً؛ فالمعارف والعلوم التي لم تنل التكون النهائي تمثل بالنسبة للطالب مداخل لتفتيق الذهن وللاجتهاد وإجراء البحوث، فهي باب مهم من أبواب تكوين الشخصية العلمية المستقلة ويجب أن تكون المناهج والكتب المقررة والمراجع ثرية بتلك المعارف، كما يجب التخلص من الملخصات والمذكرات التي تعرض الهيكل العظمي للمعرفة، والذي لا يكون في النهاية سوى محصلة معرفية ضئيلة.
إن من الأسباب الرئيسة لانتشار عقلية البعد الواحد في الماضي والحاضر، وانتشار روح التعصب والتحزب الفقهي والسياسي والمذهبي ـ العرض الأحادي للمسائل، والعرض غير المنصف لوجهات نظر المخالفين دون نقد وتمحيص جاد ومهمة الأستاذ الجامعي في هذا حيوية للغاية، حيث إنه هو الذي بإمكانه أن يضفي على المنهج صبغة المقارنة والموازنة كما أن بإمكانه أن يقزم المنهج، ويحيله إلى معلومات (مدرسية) صماء!
ب- طلاقة المناهج تقتضي أن تصمم على نحو يراعي بعدها الزمني؟ فهناك حقيقة كثيراً ما تغيب عنا هي أننا لا نبلغ أعماق تخصص من التخصصات، أو علم من العلوم ما لم نفهم على نحو جيد تاريخه: نشأته وأطواره والمنعطفات الحادة التي مر بها، والمشكلات التي واجهها، والآفاق التي تنتظره ... هذه الطلاقة بتجلياتها المختلفة، هي التي تساعد في وضع الطالب على بداية طريق البحث العلمي وتكوين الرؤية المعرفية الخاصة.
3- المرونة وعكس متطلبات التطور الحضاري
إن من الظواهر الحضارية والمعرفية المتكررة أن متطلبات الحياة، تدفع باستمرار نحو تطوير المعرفة، وإيجاد تنظيمات جديدة لها (1). وفي غالب الأحيان كانت المؤسسات والدوائر العلمية تحاول - في أحسن أحوالها - تأمين استجابات لذلك، ولكن كانت هناك معاناة من مشكلة التنظير والتنهيج للمسائل والآراء الفرعية، وإلحاقها بالمقاصد العامة والقواعد الكلية، على نحو ما حدث في الفقه الإسلامي. الجامعات اليوم هي الجهة التي تطالب بتلبية الحاجات المعرفية والمهنية التي يمليها التطور الحضاري وحل المشكلات التي يعاني منها الناس؛ وهذا يتطلب مرونة في نظم الجامعات وجاهزية جيدة لتقرير المواد والمناهج، ووضع البرامج التي تفي بالمطلوب. وتقوم الجامعات الأمريكية والأوربية بتغيير مناهجها على نحو سريع؛ لتلاحق عالم الصناعة المتسارعة، وترسل بعض أساتذتها إلى المصانع والشركات من أجل تحسس نوعية الإعداد العلمي والمهني الذي يتطلبه العمل فيها حتى تحقق الاستجابات الملائمة لذلك (2). وقد قدمت إحدى الجامعات الأمريكية برنامجاً خاصاً عبر نظام هاتفي، يمكن الأطباء وهيئات التمريض من خلال الاتصال، والاستماع إلى أحدث المعلومات الطبية، كل في مجال تخصصه الأمر الذي يؤدي إلى اتساع آفاق مهنة الطب وتجددها باستمرار في أذهان العاملين؛ ليكون عطاؤهم للمجتمع أكثر أمنا (3).
وقام أعضاء هيئة التدريس في بعض الجامعات السويدية بإعداد المقررات المطلوبة لمواجهة انخفاض العاملين في الزراعة من 18 % إلى 8 % وتحولهم إلى قطاعات أخرى.
وفي ألمانيا أضافت بعض الكليات مقررات، تتناول حياة المواطن في الأسرة والمنزل والسياسة والفنون والبيئة وتقدم هذه المقررات بمرونة مناسبة لحاجات المجتمع (4).
أما جامعاتنا فإن شفافية أكثرها لمثل هذه المسائل، ما زالت ضعيفة أو معدومة، وبعضها يعيش خارج العصر، لأن القائمين عليها لم يفكروا في يوم من الأيام في إعادة صياغة رسالتهم التعليمية، أو في تطوير أدائهم بما يلبي واقع الحياة من حولهم. ولذا فإنها قد فرضت على نفسها عزلة طوعية، وهمشت اهتمام المجتمع بها، بل إن كثيراً من طلابها يشعرون بقلة جدوى كثير من العلوم التي يتعلمونها فيها!
إن جامعاتنا بحاجة إلى إيجاد درجة من التوتر في علاقتها بالناس وفي علاقتها بالتطور الحضاري الجاري، وفي علاقتها بالجامعات ذات الخبرة في الاستجابة لتداعيات الوسط الذي تعمل فيه.
إن المنهاج ينبغي أن يظل محافظاً على علاقة متوازنة بالنظريات والحقائق المعرفية ورؤانا الحضارية الكلية من جهة وبالتغييرات والمقتضيات التي يفرضها الارتقاء الحضاري والتعايش الاجتماعي من جهة أخرى. والخلل في هذه العلاقة، قد يؤدي إلى الجمود، أو الانحراف عن الأهداف الكلية.
4- الانفتاح المعرفي:
المعرفة تتضاعف اليوم بسرعة فائقة، وحتى تستوعبها العقول البشرية ويمكن التحكم فيها، فإنه يجري تقسيمها إلى فروع دقيقة، وينمو كل فرع بسرعة أيضاً لينقسم إلى فروع عدة، وهكذا ... وعلى سبيل المثال فإن السجل الأمريكي للعاملين في المجالات العلمية والفنية، يقدر عدد التخصصات في العلوم الطبيعية وحدها بألف تخصص، على حين كانت قبل خمسين سنة ثلاثين تخصصاً فقط (5)!.
في مقابل هذا فإن تعقيدات الحياة الحديثة، توجب على كل شخص أن يطلع على كميات كبيرة من المعلومات المتعلقة بصحته ومهنته وشخصيته وبيئته ... وتشعب العلم يفرض على كل متخصص أن يهتم على نحو أدق وأعمق في مجال أكثر ضيفاً وتحديداً، حتى يستطيع أن يضيف شيئاً جديداً لما هو سائد في تخصصه هذه الوضعية أوقعت الجامعات في حيرة من أمرها هل تهتم بالتخصص أو تهتم بإعطاء معلومات وخبرات يحتاجها الطالب في حياته العامة على نحو ما ذكرنا؟
في اعتقادي أننا ما دمنا نعد الطالب ليحيا (الحياة الطيبة) وليكون أكثر كفاءة ومشاركة في الحياة العامة - فإنه لا سبيل أمام جامعاتنا سوى أن تتفحص بعمق المواد والمقررات التي يحتاج إليها أصحاب التخصصات (العلمية) مما يشكل البعد الفلسفي والأخلاقي والإنساني لتخصصاتهم كما أن عليها أن تتعرف على حاجات أصحاب التخصصات (الإنسانية) من العلوم الطبيعية والبحتة من أجل تجسير التفاهم المعرفي والانسجام القيمي بين أصحاب التخصصات المختلفة، وعلى سبيل المثال فإن دارس علوم الدعوة بحاجة إلى الاطلاع على بعض المقررات في العلوم الإعلامية والسياسية والنفسية والاجتماعية ودارس الطب بحاجة إلى دراسة مادة في الشريعة لمعرفة بعض الأحكام والآداب المتعلقة ببعض المسائل الطبية، كما أنه بحاجة إلى دراسة مقرر في علم النفس الاجتماعي. ودارس الهندسة المعمارية بحاجة إلى دراسة مادة في الاقتصاد وأخرى في العادات والتقاليد السائدة في البيئة من أجل مراعاتها في تصاميم البناء.
بالإضافة إلى كل ما سبق فإن على جامعاتنا أن تقدم لطلابها بعض المقررات التي تعزز التفاهم حول التغيرات الاجتماعية والسياسية الجارية، وحول آفاق الإصلاح والارتقاء المتاحة، وتلك المطلوبة؛ فطلابنا بحاجة إلى معارف حول سنن الله - جل وعلا - في الأنفس والآفاق والمجتمعات وحول علاقة الاقتصاد بالأخلاق والسياسة بالاجتماع، وحول المتطلبات الأخلاقية والمهنية للتحول الاجتماعي والنهوض الصناعي ... حتى لا تكون هذه المواد الثقافية العامة على حساب التمكن في التخصص فإن علينا أن نغير في أساليب التعليم، وأن نتجه إلى أن يشتغل الطالب أكثر فأكثر، ويعلم نفسه بنفسه، أي استثمار الأوقات الضائعة، والطاقات الكامنة في ذوات طلابنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ العلم هو عبارة عن معرفة منظمة.
2ـ أنظر مقدمات في البعث الحضاري: 70.
3ـ التنمية المهنية لأعضاء هيئة التدريس: 53.
4ـ المصدر السابق: 52.
5ـ التعليم والتعلم في الجامعات: 13.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
