الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
مبادئ وأساليب تربوية / التربية الأسرية هي الأساس
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 67 ــ 71
2025-07-30
54
إن الجهات الأساسية التي تتولى عملية التربية، هي الأسرة والمدرسة والمجتمع، فأيها أبقى وأعظم أثراً في شخصية الطفل؟
لا يكاد علماء النفس وعلماء التربية يختلفون في أن الأسرة هي التي تقود عملية التربية الأساسية؛ حيث تثبت دراسات كثيرة أن الخطوط الأساسية في شخصية الطفل يتم رسمها في السنوات السبع الأولى من عمره، وأن ما يأتي بعد ذلك من مؤثرات تربوية مختلفة، إنما هو تعميق وتفصيل وتكميل وهذا يعني أن الأسرة هي صاحبة التأثير الأكبر في شخصيات الناشئة.
سيكون من المفيد هنا أن تتساءل عن أبرز سمات الأسرة التي توفر الوسط الذهني لنمو أبنائها نمواً صحيحاً، لكن ينبغي أن يكون واضحاً أن كل ما سنقوله هنا لا يعدو أن يكون مقاربة أولية اجتهادية، فالدراسات والملاحظات المتوفرة، تتعلق غالباً بفئات محدودة، والمؤشرات التي تعطيها، قد لا تكون دقيقة، إذا ما تم التعامل مع عينات كبيرة، كما أن التنوع الثقافي السائد يعبر أحياناً عن تباين في (القواعد القيمية) التي تقوم عليها التربية وهذا يجعل نتائج الدراسات عسيرة التعميم. ومع هذا فستظل هناك أمور مشتركة كثيرة، ومؤشرات عديدة ذات دلالة، ولعلنا نوجز ذلك في الآتي:
1- إن الخلفية التاريخية للأسرة، تترك آثارها في حياة أبنائها أجيالاً عديدة. وقد كانت العرب تتغنى بأمجاد الآباء والأجداد وبطولاتهم، ومجمل الصفات الكريمة الموافقة للطباع السليمة، مثل الشجاعة والكرم والوفاء بالعهد وإغاثة الملهوف. وقد كانت تلك الممادح تشكل مواد تربوية يسردها الآباء على الأبناء، كما كانت تمثل مثلاً عليا، تتعشقها النفس البشرية فتحجزها عن ارتكاب بعض الأعمال المخلة بالأدب والشرف والمروءة. وربما كان يظن الناس أن ذلك نوع من قبالة الدماء وتفوق الأعراق، على حين أن المسألة تربوية ثقافية في المقام الأول. وقد سئل (صلى الله عليه وآله) عن معادن العرب، فقال: (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) (1).
فالأشراف في الجاهلية أشراف في الإسلام إذا حازوا الخصال المحمودة شرعاً، فكأن شرف المحتد والمنبت لا يكتمل إلا إذا كان هناك واقع كريم شريف يكمله، ويكون استمراراً له.
والذي نريد أن نصل إليه من وراء هذا أن ما يرتجى في كثير من الأحيان من أبناء البيوتات أكبر مما يرتجى من غيرهم، وأن الرجل الصالح الكريم النبيل قد يتعدى نفعه إلى أجيال قادمة بمشيئة الله ـ تعالى ـ.
وبما أن النبل ثقافة، فبإمكان من قصر به نسبه أن يستدرك، ويشيّد لأبنائه وأحفاده ما يمثل تأسيساً لصلاحهم ونجاحهم.
ب- إن الطفل أشبه شيء بنبتة غضة، ومع احتفاظ كل نبتة بخصائصها الذاتية، إلا أنها تتأثر تأثراً بالغاً بالظروف البيئية والمناخية التي تنمو فيها.
وإن مما ينبغي إدراكه على نحو دقيق أن شروط العيش بكرامة تزداد صعوبة عاماً بعد عام، وهذا يستلزم أن تكون ظروف التنشئة لأطفالها أفضل من الظروف التي نشأنا فيها؛ إذا ما أردنا أن نؤهلهم للعيش في قابل الأيام على نحو مقبول ما عاد ملائماً أن يحشر سبعة من الأولاد في حجرة واحدة، ولا أن يكون البيت خالياً من حاسب آلي أو مكتبة، ولا أن تعيش بيوتنا في فوضى تامة دون أدنى رعاية للوقت، ولا أن نستهلك ما يقع تحت أيدينا دون حساب للمستقبل.
إن مما صار ثابتاً أن الفقر والسكن الضيق والزحام السكاني، ما زالت تؤثر في عدد كبير من الأطفال على نحو يعوق أداءهم التربوي. وقد أفاد أحد التقارير أن متوسط سن القراءة لدى أطفال السنة الرابعة المقيمين في مناطق فقيرة يتأخر (17) شهراً عن أطفال الأسر الميسورة، وأوضحت دراسة لأحد مراكز تنمية الطفل أن أطفال العمال اليدويين غير المهرة، يعانون من نقائص عضوية، مثل (الحول) و(التهتهة) ومشكلات سلوكية، مثل قضم الأظافر وتبليل الفراش. وفي الوقت نفسه فإن أطفال هذه العائلات، ليسوا محصنين، ولا يترددون على الأطباء، وكثير من الخدمات المقررة لهم، لا يقوم الآباء باستغلالها (2).
واستناداً إلى بعض الدراسات الأمريكية فقد وجد أن الآباء من الطبقة العاملة، لا يهتمون كثيراً أن يبقى أبناؤهم في المدرسة، أو بأن يحصلوا على شكل من أشكال التعليم العالي (3)، هذا يدل على أن الفقر، لا يسبب المضايقة للأسرة في حياتها المعيشية فحسب، وإنما يؤثر أيضاً على التربية فيها ولذا فإن مشكلات الأمم الفقيرة، مشكلات ممتدة، تنتقل من جيل إلى جيل!
ج- كثرت الدراسات الغربية التي تخرج بنتائج، تمجد الطبقة الوسطى، وتنسب إليها كثيراً من الفضائل، ومع تحفظنا على التعميم والإطلاق، إلا أن المبدأ يبدو غير بعيد عن الصواب، وينطبق على أعداد هائلة من البشر؛ حيث إن الفقر الشديد والتدني في المستوى الثقافي، لا يوفران العتبة المطلوبة من الوعي والإمكانات التي تتطلبها الأعمال الجليلة، والنظر إلى المستقبل بجدية، واستغلال الفرص المتاحة.
كما أن وجود الثراء، ومواتاة الظروف، قد يؤديان إلى ترهل المشاعر وضعف الحوافز نحو بذل الجهد؛ إذ من المعروف أن (الإبداع) كثيراً ما يتطلب شيئاً من معاكسة الظروف.
في سياق التربية الأسرية، تؤكد بعض الدراسات أن الآباء الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى، يتفاعلون مع أبنائهم، ويناقشونهم أكثر. أما في منازل الطبقة العاملة، فيدار (التلفاز) مدداً طويلاً، كما يقضي أبناء هذه الطبقة مدداً طويلة أيضاً في اللعب خارج المنزل. كما أن طفل الطبقة العاملة، يكاد يبني واقعه بمفرده (4).
وتبين دراسة أخرى أن أطفال الإنجاز العالي، كانوا يتميزون عن أطفال الإنجاز المنخفض بأنهم أتوا من منازل تتميز باستخدام أسلوب تنظيم عقلاني، إلى جانب اتصاف آبائهم بالاهتمام بهم مع النظر إلى الطفل على أنه شخصية مستقلة (5).
د- أسلوب تعامل الأسرة مع أبنائها، ذو أثر بالغ في مشاعرهم وتكوينهم العقلي، وانفعالهم بالقيم التي تحملها أسرهم، وذو أثر في نجاحهم في الحياة أيضاً. وقد قام أحد الباحثين بإجراء دراسة على مجموعة من الأسر، وتبين له أن الأمهات اللواتي تشابهت قيم أطفالهن مع قيمهن، كن يستخدمن أساليب تربوية، يسودها الحب، مثل إظهار الحنان والإقناع والتمسك بالمبادئ، إلى جانب تدريب أبنائهن على الاعتماد على النفس (6).
وفي دراسة أخرى حول العلاقات العائلية لأطفال الإنجاز العالي، وأطفال الإنجاز المنخفض، من واقع وجهة نظر الأطفال أنفسهم - وجد أن الأطفال ذوي الإنجاز العالي، كانوا يصفون أسرهم على أنها تشاركهم في قضاء أوقات الفراغ، كما تشاركهم في الأفكار، وتمنحهم الحنان والثقة، وتشجعهم، وتظهر استحساناً لما يقومون به، ولا تفرض عليهم قيوداً ثقيلة. كما أن تلك الأسر تستخدم أساليب شفهية، لا بدنية عند المحافظة على النظام (7).
هذه المؤشرات التي سقناها جديرة بالاهتمام، ويظل المهم في مثالية الأسرة اجتماع أمرين صلاح الوالدين واستقامتهما، ثم تحليهما بالوعي الكافي الذي يمكنهما من حسن التعامل مع طفلهما، والموازنة بين الأساليب التربوية المختلفة؛ ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ رواه البخاري.
2ـ اجتماعيات التربية: 96، 97.
3ـ المصدر السابق: 99.
4ـ المصدر السابق: 128.
5ـ المصدر السابق: 134.
6ـ المصدر السابق: 133.
7ـ المصدر السابق: 131، 132.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
