الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
فلسفة التربية ووظيفتها
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 27 ـ 31
2025-07-31
30
كلمة (فلسفة) كلمة مولّدة، وهي تعني: دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيراً عقلياً. ويقولون: فلسف الشيء: فسّره تفسيراً فلسفي (1).
والكلمة يونانية الأصل، وهي تعني في اليونانية حب الحكمة (2). وقد ذكروا تعريفات كثيرة لها، وحاولوا الكشف عن معناها، من خلال مقارنتها مع (العلم) ومن خلال بيان وظائفها. وهذا في الحقيقة ما نسلكه حيال التعامل مع المبهمات من أجل الخروج من أسر العماء و(اللاتكوّن).
يرى بعض الباحثين أن الفلسفة هي: فن تشكيل وابتكار و(فبركة) المفاهيم (3). ويقول: (ويل ديورانت): إن الفلسفة هي - جوهرياً - إنجاز العلم في تركيب الحكمة (4).
إن العلم يرغب في أن يحلل الكل الغامض إلى أجزاء، وأن يحيل الغامض إلى معلوم، وهو لا يبحث في قيم الأشياء وإمكاناتها المثالية، ولا في مغزاها الكلي والأخير.
أما الفيلسوف فإنه لا يقنع بوصف الواقعة، حيث يرغب في توكيد علاقتها بالخبرة بصورة عامة، وهو يربط بين الأشياء في تركيب توضيحي أو تأويلي، وهو يحاول أن يجمع بصورة أفضل مما قبل بين أجزاء ساعة الكون العظيمة التي فككها العالم الفضولي.
إن العلم يعطينا معرفة، لكن بمقدور الفلسفة وحدها أن تعطينا حكمة (5). لعل هذه المقارنة بين وظائف العلم ووظائف الفلسفة، تجلو شيئاً من الغشاوة عنها.
هل للتربية فلسفة؟
الفلسفة تبحث في الكليات، والعلم يفكك الكليات إلى جزئيات؛ كي يستطيع العقل استيعابها، وما شرع فلاسفة الغرب في بحث قضية كلية إلا تفرقت بهم السبل، وصاروا يدورون في حلقة مفرغة؛ وما ذاك إلا لأن (العقل) مخلوق مصمم للعمل ضمن إطار توجيهي، يؤمن له معطيات ثابتة يتحرك في ثناياها.
والإلحاد الذي يخترق الفلسفة الغربية اختراقاً تاماً - حرم العقل الغربي من الأرض الصلبة التي يحتاجها في عمله، بل إن ذلك العقل صار يخاف من أي شيء ثابت، أو مقرر بصورة سابقة أو أولية والصراع مع المعسكر الاشتراكي كان يرتكز في الأساس على النفور والرفض الشديدين لأية (عقيدة موجهة) يتم إقرارها وفرضها على العقل باعتبارها ثوابت ومسلمات.
ولذا فإن في الغرب من رفض البحث في فلسفة التربية على نحو قاطع، ومنهم من لا يرى داعياً إلى وجود فلسفة للتربية، ويكفي أن يكون هناك منهاج دراسي مثل فلسفة اللغة أو فلسفة التاريخ (6).
من وجهة النظر الإسلامية فإن لدينا نوعين من الفلسفة: فلسفة عامة تشكل الإطار النظري والفكري لكل جوانب الحياة، وفلسفة خاصة بكل علم من العلوم.
ويمكن تعريف فلسفة التربية تعريفاً إجرائياً شاملاً بالقول: إنها (علم يوفر إطاراً عقدياً وفكرياً للتربية، ويحدد غاياتها، ويضع معايير نجاحها ويضفي نوعاً من التوحد على أنشطتها، ويولد مفاهيمها، ويحلل عملياتها، ويعالج مشكلاتها) وسيتضح معنى هذا التعريف من خلال الحديث عن وظيفة فلسفة التربية.
وظيفة فلسفة التربية:
إن التربية هي الأداة التي تستخدم في نقل العقائد والمعارف والآداب من جيل سابق إلى جيل لاحق، ولكن لا يستطيع أحد أن يفعل شيئاً من ذلك دون أن يضفي على ما ينقله شيئاً من تصوراته وثقافته الخاصة، وهذا يمثل مصدراً كبيراً للخلاف بين المربين، كما أنه قد يشوه العملية التربوية وحين تكون فلسفة التربية مبلورة وواضحة على النحو المطلوب؛ فإنها تخفف من آثار هذا، وتسهل انسياب الأعمال التربوية، وتساعد قبل هذا وذاك على إحداث تجديدات تربوية جريئة.
ويمكن إيجاز وظيفة فلسفة التربية في أمرين اثنين هما:
1- استكناه خطة بعيدة المدى للتربية
لا يستطيع كل مربٍ أن يعرف نوع التربية التي ينبغي أن يقدمها للناشئة الذين يعتني بهم؛ فالخيارات التربوية كثيرة جداً، ورؤية الناس للأولويات متنوعة إلى حد بعيد، ومن ثم فإن فيلسوف التربية هو الذي يحدد ملامح التربية الملائمة خلال ربع قرن من الزمان - مثلاً - وذلك لأن إدراك ما هو مطلوب لسد حاجات الأمة يعتمد على إحراز (رؤية تركيبية) مشكلة من عناصر ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية كثيرة منها على سبيل المثال: عقائد الأمة، ومدى فاعليتها في حياتها، ومنها البنى الثقافية والفكرية العميقة لديها، إلى جانب الإمكانات المتاحة، والعقبات التي تواجه التقدم التربوي ومتطلبات الأمة وحاجاتها على الصعد كافة، والقضايا التي يجب أن تعطى الأولوية في المعالجة والإصلاح والموازنة الدقيقة بين كل ذلك. وعلى سبيل المثال حين تكون معرفة الناشئة بعقائدها ضعيفة أو مشوهة، فإن التركيز على تقديم تربية عقدية جيدة، يصبح ذا أولوية. وإذا كانت الأمة تعاني من الكبت والانغلاق؛ فإنه لا يكون من الحكمة آنذاك أن تخوف الناس من مشكلات الحرية والتفلت، وإنما نربي الناشئة على الشجاعة الأدبية والجرأة في قول الحق والانفتاح.
وإذا كان المجتمع يعاني من البطالة في صفوف المثقفين، فإن الصواب آنذاك أن تركز على القيم التي تمجد العقل اليدوي والمهني، وهكذا.
إن طبيعة الفلسفة الاشتغال على القضايا الكلية ورسم الخطط الكبرى والبعيدة المدى لا يتم بنجاح إلا إذا تولاه من يملك رؤية كلية قائمة على الدراسات والإحصاءات والشفافية الكاملة والملاحظات الذكية، وهذا كله لا يتوفر إلا بوساطة فلسفة تربوية ناضجة ونامية.
إنه ليس لدينا خطط تصلح لكل زمان ومكان، بل ولأبناء أمة واحدة ولذا فإن على كل مجتمع إسلامي أن يتدبر ويفكر فيما يصلح له من الأنشطة والخطط التربوية، وهذا لا ينفي على أية حال وجود العديد من القواسم المشتركة.
2- قيادة التغيير الاجتماعي:
إن فلسفة التربية هي التي تساعد الناس على قبول التغيير ومواكبته، بل إنها هي التي تمكن القيادات الفكرية والتربوية من التخطيط للتغيير؛ وإن هذا العصر يشهد إيقاعاً متسارعاً في التحولات المختلفة؛ والناس يخافون في العادة من الجديد باعتباره فرعاً من المجهول وليست مهمة فلاسفة التربية أن يمهدوا السبيل أمام التغييرات المطلوبة فحسب، وإنما التبشير والمطالبة بها من خلال تفكيرهم الدائم في وضع المجتمع، وتلمسهم لما يصلح شؤونه، إن المؤسسات التربوية على اختلاف مستوياتها وأنواعها تميل إلى أن تكون تقليدية محافظة إلى درجة أن تبدو وكأن مهمتها هي المحافظة على الوضع الراهن وتثبيته، وهي مستعدة لأن تخوض معارك جدلية حامية عقوداً من الزمان من أجل تغيير كتاب يدرس أو تحديث منهج أو تغيير أسلوب ... وهذا كله بسبب غموض ملامح الفلسفة التربوية الخاصة بنا لدى كثير من المربين.
إن المناهج والأساليب والأدوات التربوية تهدف جميعاً إلى تحقيق الأهداف العليا للأمة، وإن تطويرها سيعتمد على وضوح الرؤية لنوعية أدائها الحالي، ولما يجب أن تكون عليه، وهذا لا يتم إلا من خلال الرؤية الشاملة التي توفرها فلسفة التربية.
إني أعتقد أن أحوالنا العامة ستظل متأزمة ما دامت مؤسساتنا التربوية مشغولة بترقيع ما مزقه التغير الاجتماعي الذي أحدثه تضخم النظم التجارية واختلاف المناخات العالمية، وتغير متطلبات العصر على مقتضى ما تفرضه الدول الغربية التي تمسك بناصية الحضارة؛ ولن تستطيع أبداً أن ترتقِ تلك الفتوق، وسوف تتسع عليها باستمرار، ما لم تقم المؤسسات التربوية نفسها بالمبادرة إلى إحداث التغييرات المطلوبة في أذهان طلابها ونفوسهم، في إطار عقيدة الأمة ومبادئها ومصالحها، وبما يواكب روح العصر الذي تعيش فيه، وهذا ما على فلسفة التربية أن توضحه بجلاء .
إضاءة:
الطفل الذي يعيش في جو من الأمن يتعلم حسن الظن. والطفل الذي يعيش في جو من الانتقاد، يتعلم الشجب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ المعجم الوسيط، ج 2، 700.
2ـ المنهاج الدراسي: 36.
3ـ ما هي الفلسفة: 12.
4ـ قصة الفلسفة: 28.
5ـ المصدر السابق، 35.
6ـ انظر: فلسفة التربية الإسلامية: 31 ـ 35.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
