معنى الامامة (لغة واصطلاحا)
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 7 - 11
2025-10-20
90
المقام الأول: في معنى الامامة لغة:
وهو بحسبها تقدم شخص على الناس بنحو يتبعونه ويقتدون به، فالإمام هو المقتدى به والمتقدم على الناس.
قال في المفردات: والامام المؤتم به انسانا كان يقتدى بقوله او فعله او كتابا او غير ذلك، محقا كان أو مبطلا، وجمعه أئمة، انتهى موضع الحاجة منه. وعن الصحاح: الإمام الذي يقتدي به وجمعه أئمة، ويشهد له الاستعمال القرآني كقوله عز وجل: " وجعلنا هم أئمة يهدون بأمرنا " (1) وقوله تبارك وتعالى: " وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار " (2) إذ الظاهر أنه ليس مستعملا في هذه الموارد إلا في معناه اللغوي. ثم إن الإمام إن كان إماما في جهة خاصة يقيد بها، ويقال: إنه إمام الجماعة أو إمام الجمعة أو إمام العسكر ونحوها وإلا أطلق وعلم أنه إمام في جميع الجهات، كقوله تعالى في حق إبراهيم الخليل - عليه السلام -: " إني جاعلك للناس إماما " (3).
ومما ذكر يظهر أيضا أن الإمام لغة أعم من الإمام الأصل وغيره، كما أنه أعم من الإمام الحق وغيره، وإن كان في بعض المقامات ظاهرا في الإمام الأصل في تغفل.
ثم إن النسبة بين الأمام بالمعنى المذكور والنبي - سواء كان بمعنى المخبر عن الله تعالى بالإنذار والتبشير كما هو الظاهر أو بمعنى تحمل النبأ من جانب الله كما يظهر عن بعض - هي العموم من وجه فيمكن اجتماعهما في شخص واحد كما قد يجتمع عنوان الإمام مع عنوان خليفة الرسول أو وصي الرسول.
المقام الثاني: في معنى الإمامة اصطلاحا:
ولا يذهب عليك أن جمهور العامة فسروها بما اعتقدوه في الإمامة من الخلافة الظاهرية والإمارة، وقالوا: إن الإمامة عند الأشاعرة هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة بحيث يجب اتباعه على كافة الأمة (4) ومن المعلوم أن مرادهم منها هي الخلافة الظاهرية التي هي إقامة غير النبي مكانه في إقامة العدل، وحفظ المجتمع الإسلامي، ولو لم ينصبه النبي - صلى الله عليه وآله - للخلافة بإذنه تعالى، ولذا حكي عن شرح المقاصد أنه قال: إن قيل الخلافة عن النبي - صلى الله عليه وآله - إنما تكون فيما استخلفه النبي - صلى الله عليه وآله -، فلا يصدق التعريف على إمامة البيعة ونحوها، فضلا عن رياسة النايب العام للإمام.
قلنا: لو سلم فالاستخلاف أعم من أن يكون بواسطة أو بدونها (5)، ولذا لم يشترطوا فيها العصمة، بل لم يشترط بعضهم العدالة، كما قال شارح المقاصد على المحكي: إن من أسباب انعقاد الخلافة القهر والغلبة، فمن تصدى لها بالقهر والغلبة من دون بيعة الأمة معه فالأظهر انعقاد الخلافة له، وإن كان فاسقا (6)، ونسب ذلك أيضا إلى الحشوية وبعض المعتزلة (7)، كما لم يشترطوا فيها العلم الإلهي، بل اكتفوا فيها بالاجتهاد ولو كان اجتهاد ناقصا قال الفضل بن روزبهان: ومستحقها أن يكون مجتهدا في الأصول والفروع ليقوم بأمر الدين (8) وهذا مع ذهابهم إلى عدم وجوب كون الامام أفضل الأمة (9)، بل جواز اشتباهه في الأحكام كما يشهد لذلك ما ورد عن عمر بن الخطاب أنه قال مكررا: لولا علي لهلك عمر.
وكيف كان فمعنى الإمامة عند العامة هي الخلافة الظاهرية مع أنها لو كانت واجدة لشرائطها لكانت شأنا من شؤون الإمامة عند الشيعة، فإن الإمامة عند الشيعة هي الخلافة الكلية الإلهية التي من آثارها ولايتهم التشريعية التي منها الإمارة والخلافة الظاهرية، لأن ارتقاء الإمام إلى المقامات الإلهية المعنوية يوجب أن يكون زعيما سياسيا لإدارة المجتمع الإسلامي أيضا، فالإمام هو الإنسان الكامل الإلهي العالم بجميع ما يحتاج إليه الناس في تعيين مصالحهم ومضارهم، الأمين على أحكام الله تعالى وأسراره، المعصوم من الذنوب والخطايا، المرتبط بالمبدأ الأعلى، الصراط المستقيم، الحجة على عباده، المفترض طاعته، اللائق لاقتداء العام به والتبعية له، الحافظ لدين الله، المرجع العلمي لحل المعضلات والاختلافات وتفسير المجملات، الزعيم السياسي والاجتماعي، الهادي للنفوس إلى درجاتها اللائقة بهم من الكمالات المعنوية، الوسيط في نيل الفيض من المبدأ الأعلى إلى الخلق، وغير ذلك من شؤون الإمامة التي تدل عليها البراهين العقلية والأدلة السمعية وستأتي الإشارة إلى بعضها إن شاء الله تعالى.
وينقدح من ذلك أن ما ذكره جماعة من علماء الإمامية تبعا لعلماء العامة في تعريف الإمامة من أنها رياسة عامة في أمور الدين والدنيا ليس تعريفا جامعا للإمامة وإنما هو إن تم شأن من شؤون الإمامة ولعل علماءنا ذكروه في قبال العامة من باب المماشاة، وإلا فمن المعلوم أن هذا التعريف ليس إلا تعريفا لبعض الشؤون التشريعية للإمام، وهو الزعامة السياسية والاجتماعية ولا يشمل سائر المقامات المعنوية الثابتة للإمام كما أشرنا إليه في تعريف الإمام، والعجب من المحقق اللاهيجي - قدس سره - حيث ذهب إلى تطبيق التعريف المذكور على الإمامة عند الشيعة مستدلا بأن الرياسة في أمور الدين لا يتحقق إلا بمعرفة الأمور الدينية (10)، مع أن المعرفة بالأمور الدينية أعم من العلم الإلهي، ويصدق مع الاجتهاد في الأمور الدينية إن لم نقل بكفاية التقليد في جلها هذا، مضافا إلى خلوة عن اعتبار العصمة.
وكيف كان فالأمر سهل بعد ما عرفت من ماهية الإمامة عند الشيعة، فالاختلاف بيننا وبين العامة اختلاف جوهري لا في بعض الشرائط، ولذلك قال الأستاذ الشهيد المطهري - قدس سره -: لزم علينا أن لا نخالط مسألة الإمامة مع مسألة الحكومة ونقول: إن العامة ماذا تقول؟ ونحن ماذا نقول؟ بل مسألة الإمامة مسألة أخرى، ومفهوم نظير مفهوم النبوة بما لها من درجاتها العالية، وعليه فنحن معاشر الشيعة نقول بالإمامة، والعامة لا تقول بها أصلا، لا أنهم قائلون بها، ولكن اشترطوا فيها شرائط أخرى (11).
ثم لا يخفى عليك أن الإمامة بالمعنى المختار والنبوة قد يجتمعان كما في إبراهيم الخليل - عليه السلام - كما نص عليه في قوله بعد مضي مدة من الزمن لنبوة: " إني جاعلك للناس إماما " (12) بل في عدة أخرى من الأنبياء كما يشهد له قوله تعالى: " وجعلنا هم أئمة يهدون بأمرنا " (13) ولا سيما نبينا محمد - صلى الله عليه وآله وقد يفترقان إذ بعض الأنبياء كانوا يأخذون الوحي ويبلغونه إلى الناس وأطاع عنهم من أطاع فيما بلغ إليهم، ولكن مع ذلك لم يكونوا نائلين مقام الإمامة، واقتداء الخلق بهم وقيادة الناس، وسوقهم نحو السعادة والكمال، كما أن أئمتنا - عليهم السلام - كانوا نائلين مقام الإمامة، ولكن لم يكونوا أنبياء فالنسبة بين الإمامة والنبوة عموم من وجه (14).
ثم إن المقصود من البحث في الإمامة حيث كان هو الإمام الذي يكون خليفة عن النبي قيدت الإمامة في التعاريف بالنيابة عن النبي - صلى الله عليه وآله - كما يظهر من تعاريف القوم، بل أصحابنا ومنهم العلامة - قدس سره - حيث عرفوها بأنها رياسة عامة في أمور الدنيا والدين لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي، وعليه فيصدق على كل واحد من أئمتنا عنوان الإمام وعنوان خليفة الرسول أو وصي الرسول، كما يصدق عليه عنوان خليفة الله أيضا ولا مانع من اجتماع هذه العناوين فيه كما لا يخفى.
_____________
(1) الأنبياء: 73.
(2) القصص: 41.
(3) البقرة: 124.
(4) دلائل الصدق: ج 2 ص 4 نقلا عن الفضل بن روزبهان الأشعري المعروف.
(5) گوهر مراد: ص 329.
(6) گوهر مراد: ص 329.
(7) اللوامع الإلهية: ص 258 - 259.
(8) دلائل الصدق: ج 2 ص 4 نقلا عن الفضل.
(9) سرمايه ايمان: ص 116 الطبع الجديد.
(10) راجع گوهر مراد: ص 329.
(11) امامت ورهبرى: ص 163.
(12) البقرة: 124.
(13) الأنبياء: 73.
(14) راجع: امامت ورهبرى: 28، شيعه در اسلام: ص 252.
الاكثر قراءة في الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة