كون الإمامة لطفا ورحمة ولا سترة فيه
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 22- 24
2025-10-22
56
إن شؤون الإمامة عين شؤون نبوة نبينا عدا الوحي، فكما أن النبوة لطف ورحمة كذلك الإمامة.
قال الحكيم المتأله المولى محمد مهدي النراقي: إن رتبة الإمامة قريب برتبة النبوة إلا أن النبي مؤسس للتكاليف الشرعية بمعنى أنه جاء بالشريعة والاحكام والأوامر والنواهي من جانبه تعالى ابتداء، والامام يحفظها ويبقيها بعنوان النيابة عن النبي - صلى الله عليه وآله - (1).
ثم إن في الإمامة كالنبوة مراتب من اللطف والرحمة التي تقتضيها رحيميته تعالى، وكماله المطلق، فأصل وجود الامام لطف فإنه إنسان كامل كما أن تصرفه في الناس بهدايتهم وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة، وتدبير شؤونهم ومصالحهم، وإقامة العدل ورفع الظلم والعدوان من بينهم، وتزكيتهم وحفظ الشريعة عن التحريف والزيادة والنقصان، وإزالة الشبهات، وتفسير الكتاب، وتبيين المشتبهات، وغير ذلك ألطاف اخر، التي يقتضيها كماله المطلق ورحيميته المطلقة، ومن تلك المراتب الهداية الايصالية.
قال العلامة الطباطبائي - قدس سره -: إن الامام هاد يهدي بأمر ملكوتي يصاحبه، فالامامة بحسب الباطن نحو ولاية للناس في أعمالهم، وهدايتها إيصالها إياهم إلى المطلوب بأمر الله، دون مجرد إرائة الطريق الذي هو شأن النبي والرسول (2)، ولذا قال في ذيل قوله تعالى: " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا " (3):
إن الهداية المجعولة من شؤون الإمامة ليست هي بمعنى إرائة الطريق، لان الله سبحانه جعل إبراهيم إماما بعد ما جعله نبيا كما أوضحناه في تفسير قوله: " إني جاعلك للناس إماما " فيما تقدم ولا تنفك النبوة عن الهداية بمعنى إرائة الطريق، فلا يبقى للإمامة إلا الهداية بمعنى الايصال إلى المطلوب، وهي نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال ونقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر. وإذا كانت تصرفا تكوينيا وعملا باطنيا فالمراد بالامر الذي تكون به الهداية ليس هو الامر التشريعي الاعتباري، بل ما يفسره في قوله: " إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ " (4) فهو الفيوضات المعنوية والمقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ويتلبسون بها رحمة من ربهم وإذ كان الامام يهدي بالامر - والباء للسببية أو الآلة - فهو متلبس به أولا ومنه ينتشر في الناس على اختلاف مقاماتهم، فالامام هو الرابط بين الناس وبين ربهم في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها، كما أن النبي رابط بين الناس وبين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية، وهي الشرايع الإلهية تنزل بالوحي على النبي وتنتشر منه، وبتوسطه إلى الناس وفيهم، والامام دليل هاد للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبي دليل يهدي الناس إلى الاعتقادات الحقة والأعمال الصالحة (5)، ثم إن ما ذكره العلامة الطباطبائي - قدس سره - يكون في مقام الفرق بين الامام والنبي فلا ينافي ما أشرنا إليه من اجتماع وظائف النبي - صلى الله عليه وآله - عدا تلقي الوحي في الامام مع وظائفه، كما عرفت من أن أئمتنا - عليهم السلام - يقومون مقام النبي - صلى الله عليه وآله - في وظائفه وعليه فلا تنحصر وظائفهم في الهداية المعنوية كما لا يخفي.
وكيف كان فالامامة كالنبوة لطف مضاعف فإنها لطف في لطف من دون فرق بين كونه ممكنا أو مقربا أو أصلح، ومما ذكر يظهر ما في اقتصارهم على الزعامة السياسية في مقام بيان إثبات كون الإمامة لطفا كما في شرح تجريد الاعتقاد وشرح الباب الحادي عشر (6)، مع أنها شأن من شؤون الإمامة وشطر منها، كما يظهر أيضا مما ذكر، ما في اكتفاء بعض آخر على ذكر فائدة حفظ الشريعة الواصلة عن النبي - صلى الله عليه وآله - عن التحريف والتغير في مقام بيان فوائد وجود الامام مع أنه نوع من أنواع لطف وجود الامام فلا تغفل.
______________
(1) أنيس الموحدين: ص 127.
(2) تفسير الميزان: ج 1 ص 275، شيعه در اسلام، ص 253 - 260.
(3) الأنبياء: 73.
(4) يس: 82 - 83.
(5) تفسير الميزان: ج 14 ص 333.
(6) راجع شرح تجريد الاعتقاد: ص 362 الطبع الحديث، شرح الباب الحادي عشر: ص 40 الطبع الحديث.
الاكثر قراءة في الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة