شؤون الإمامة ومنزلتها
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 11- 15
2025-10-22
58
لا يخفى عليك أن الإمام حيث كان خليفة الله في أرضه فليكن مظهر أسمائه وصفاته، كما أنه يتصف بصفات النبي أيضا، لكونه خليفة له فإن كان النبي معصوما فهو أيضا معصوم، وإن كان النبي عالما بالكتاب والأحكام والآداب فهو أيضا عالم بهما، وإن كان النبي عالما بالحكمة فهو أيضا عالم بها وإن كانا لنبي عالما بما كان وما يكون فهو أيضا عالم به، وهكذا فالإمام يقوم مقام النبي في جميع صفاته عدا كونه نبيا.
وبالجملة فالأئمة هم ولاة أمر الله، وخزنة علم الله، وعيبة وحي الله، وهداة من بعد النبي، وتراجمة وحي الله، والحجج البالغة على الخلق، وخلفاء الله في أرضه، وأبواب الله عز وجل التي يؤتى منها، و... فهذه منزلة عظيمة لا ينالها الناس بعقولهم أو بآرائهم.
ثم إن أحسن رواية في تبيين هذه المنزلة هو ما نص عليه مولانا علي بن موسى الرضا - عليهما السلام - حيث قال:...
إن الإمامة أجل قدرا، وأعظم شأنا، وأعلا مكانا، وأمنع جانبا، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم أن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل - عليه السلام - بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد (1) بها ذكره فقال: " إني جاعلك للناس إماما " فقال الخليل - عليه السلام - سرورا بها: " ومن ذريتي " قال الله تبارك وتعالى: " لا ينال عهدي الظالمين " فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " (2) فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتى ورثها الله تعالى النبي - صلى الله عليه وآله - فقال جل وتعالى: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " (3) فكانت له خاصة فقلدها - صلى الله عليه وآله - عليا - عليه السلام - بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى: " وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث " (4) فهي في ولد علي - عليه السلام - خاصة إلى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وآله - فمن أين يختار هؤلاء الجهال؟!
إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين - عليه السلام وميراث الحسن والحسين - عليهما السلام - إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين، إن الإمامة أس الإسلام النامي، وفرعه السامي (5)، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفئ والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف، الإمام يحل حلال الله ويحرم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذب عن دين الله، ويدعوا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة، الإمام كالشمس الطالعة المجللة (6) بنورها للعالم وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر (7)، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى (8)، وإجواز (9) البلدان والقفار، ولجج (10) البحار، الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى، والمنجي من الردى، الإمام النار على اليفاع (11)، الحار لمن اصطلى به، والدليل في المهالك، من فارقه فهالك، الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل (12)، والشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة (13)، والغدير والروضة، الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق (14) والأخ الشقيق (15)، والام البرة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد (16)، الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله، الإمام المطهر من الذنوب، والمبرأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم، نظام الدين، وعز المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين، الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضل فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام أو يمكنه اختياره هيهات هيهات، ضلت العقول وتاهت الحلوم (17)، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت (18) البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، ويغني غناه، لا كيف وأني وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين فأين الاختيار من هذا، وأين العقول عن هذا، وأين يوجد مثل هذا؟ - إلى أن قال -: والقرآن يناديهم: " وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون " (19) - إلى أن قال -: فكيف لهم باختيار الإمام؟ والإمام عالم لا يجهل، وراع لا ينكل (20)، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول ونسل المطهرة البتول، لا مغمز (21) فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب (22)، فالبيت من قريش والذروة (23) من هاشم والعترة من الرسول - صلى الله عليه وآله والرضا من الله عز وجل، شرف الإشراف، والفرع (24) من عبد مناف نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع (25) بالإمامة عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله عز وجل، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله، إن الأنبياء والأئمة - صلوات الله عليهم - يوفقهم الله، ويؤتيهم من مخزون علمه، وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى: " أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي فما لكن كيف تحكمون " (26) - إلى أن قال -: فهو معصوم مؤيد موفق مسدد، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار، يخصه الله بذلك، ليكون حجته (البالغة) على عباده، وشاهده على خلقه " وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه؟. أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه... الحديث (27).
_____________
(1) أي رفع بهذه ذكره.
(2) الأنبياء: 72.
(3) آل عمران: 68.
(4) الروم: 56.
(5) أي العالي.
(6) بكسر اللام أي المحيطة.
(7) أي المضي.
(8) الغياهب: جمع الغيهب وهو الظلمة الشديدة والدجى جمع الدجية وهي الظلمة، وعليه فالإضافة بيانية وقد يعبر بالدجية عن الليل، وعليه فليست الإضافة بيانية.
(9) الإجواز: جمع الجوز وهو وسط كل شئ.
(10) اللجج: جمع اللجة وهي معظم الماء.
(11) أي ما ارتفع من الأرض مثل الجبل.
(12) أي المتتابع.
(13) أي كثيرة الماء.
(14) الذي لا يريد بك إلا خيرا.
(15) الأخ من الأب والأم.
(16) الداهية: الأمر العظيم أو المصيبة والنآد كسحاب الداهية، وإنما وصفت الداهية به للمبالغة في عظمتها وشدتها.
(17) أي ضلت الحلوم أي العقول.
(18) بكسر الياء الأولى أي عجزت.
(19) القصص: 68.
(20) أي لا يمتنع ولا يضعف ولا يجبن.
(21) المغمز: اسم مكان من الغمز أي الطعن، ويأتي بمعنى العيب.
(22) الحسب الشرف بالإباء وما يعده الإنسان من مفاخره.
(23) بضم الذال أي أعلى الشئ.
(24) والفرع من كل قوم هو الشريف منهم والفرع من الرجل أول أولاده وهاشم أول أولاد عبد مناف وأشرفهم.
(25) أي قوي على حمل أثقال الإمامة.
(26) يونس: 35.
(27) الأصول من الكافي: ج 1 ص 198.
شض
الاكثر قراءة في الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة