قد عرفت أن الإمامة بالمعنى الذي لها عند الشيعة هي كالنبوة فكما أن النبوة لطف ورحمة، كذلك الإمامة فإذا ظهر كونها لطفا، والمفروض أنه لا يقترن بمانع يمنع عنه، فهو مقتضى علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله وحكمته تعالى، وعليه فيصدر عنه تعالى، وإلا لزم أن يكون جاهلا بالنظام الأحسن، أو لزم عدم كونه تعالى كمالا مطلقا وحكيما، وهو خلف في كونه عليما ورحيما وحكيما بالأدلة والبراهين القطعية، وإليه يؤول ما يقال في تقريب لزوم الإمامة أنها واجب في حكمته تعالى، لان المراد من الوجوب هو اللزوم والمقتضي كما مر مرارا، لا الوجوب عليه فالأولى هو التعبير بالاقتضاء واللزوم كما عبر عنه الشيخ أبو علي سينا في الشفاء حيث قال في مقام إثبات النبوة بعد ذكر المنافع التي لا دخل لها في بقاء النوع الانساني، كإثبات الشعر في الحاجب والأشفار: فلا يجوز أن يكون العناية الأولى تقتضي تلك المنافع ولا تقتضي هذه التي هو أسها (1).
وهذا كله بناء على التقريب الفلسفي الذي ذهب إليه المصنف في إثبات النبوة والإمامة، وحاصله: أن النبوة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ورحيميته المطلقة وإلا لزم الخلف في كونه كمالا مطلقا كما لا يخفي، وأما بناء على التقريب الكلامي فتقريبه كالتقريب الذي مضى في النبوة وهو أن يقال:
إن ترك اللطف نقض الغرض، لان غرض الحكيم لا يتعلق إلا بالراجح وهو وجود الانسان الكامل وإعداد الناس وتقريبهم نحو الكمال، وهو لا يحصل بدون الامام، فيجب عليه اللطف، لان ترك الراجح عن الحكيم المتعال قبيح بل محال، إذ مرجع الترجيح من غير مرجح إلى الترجح من غير مرجح كما لا يخفى.
وكيف كان فلا بد في كل عصر من وجود إمام هو يكون إنسانا كاملا هاديا للناس والخواص، مقيما للعدل والقسط، رافعا للظلم والعدوان، حافظا للكتاب والسنة، رافعا للاختلاف والشبهة، أسوة يتخلق بالأخلاق الحسنة حجة على لجن والانس، وإلا كما عرفت لزم الخلف في كمال ذاته وهو محال، أو الاخلال بغرضه وهو قبيح عن الحكيم، بل هو أيضا محال كما عرفت، فإذا كان كل نوع من أنواع لطف وجود الامام من أغراضه تعالى فلا وجه لتخصيص نقض الغرض بنوع منها كما يظهر من بعض الكتب الكلامية، مع أن كل نوع منها راجح من دون اقتران مانع، فبترك كل واحد يوجب نقض الغرض، ولعل الاكتفاء ببعض الأنواع، من باب المثال فافهم. فالأولى هو عدم التخصيص ببعض تلك الأنواع، ولعل إليه يؤول ما في متن تجريد الاعتقاد حيث قال: الامام لطف فيجب نصبه على الله تعالى تحصيلا للغرض (2).
ثم إن مقتضى كون وجود الامام كالنبي لطفا مضاعفا ان كل واحد من أبعاد وجوده وفوائده يكون كافيا في لزوم وجوده، فإن طرأ مانع عن تحقق بعضها كالتصرف الظاهري بين الناس يكفي الباقي في لزوم وجوده وبقائه.
وينقدح مما ذكر أن ظهور الإمام للناس لطف زائد على وجوده الذي يقتضيه علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله، فإرشاده وتعليمه وتزكيته للناس لطف آخر، وهكذا بقية الشؤون التي تكون للامام.
هذا مضافا إلى أن إرشاده وتعليمه وتزكيته للجن أيضا لطف في حقهم فإنهم مكلفون ومحجوجون بالحجج الإلهية كما لا يخفى.
ثم بعد وضوح أن الإمامة كالنبوة اتضح لك أنها أمر فوق قدرة البشر، فلا تنالها يده ولا يمكن له تعيينها واختيارها، بل هي فعل من أفعاله تعالى فيجعلها حيث يشاء وهو أعلم بمن يشاء ومنه يظهر أنه لا مجال للبحث عن وجوب نصب الإمام على الناس وكيفيته، فإن ذلك من فروع الامارة الظاهرية مع عدم تعيين الخليفة الإلهية عن الله تعالى.
وأما مع تعيينها فلا مجال للبحث عنه إذ المعلوم أن الامارة له، كما أنه لا بحث مع وجود النبي المرسل عن وجوب نصب الأمير على الناس، لان الامارة من شؤون النبي المرسل كما لا يخفى.
الإمام الثاني عشر - أرواحنا فداه - وتصرفه فائدة من فوائد وجوده، لان فوائد وجوده كثيرة وإن كان غائبا، الأول: أنه قد ورد في الحديث القدسي عنه تعالى أنه قال: " كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف " (3) فيعلم منه أن الباعث على ايجاد الانسان هو المعرفة بالله تعالى، فليكن في كل وقت فرد بين آحاد الانسان يعرفه كما هو حقه، ولا تحصل المعرفة كما هو حقه في غير النبي والامام، فلابد من وجود الحجة في الأرض حتى تحصل المعرفة به كما هو حقه بين الناس.
والثاني: أن مجرد وجوده لطف وفيض في حق الناس ولو لم يكن ظاهرا، لان وجوده باعث نزول البركات والخيرات، ومقتض لدفع البليات والآفات، وسبب لقلة سلطة الشياطين من الجن والإنس على البلاد، فإن آثار الشيطان كما وصلت إلى البشر دائما كذلك لزم أن تصل آثار رئيس الموحدين وهو الحجة الإلهية إليهم، فوجود الحجة في مقابل الشيطان للمقاومة مع جنوده، فلو لم يكن للامام وجود في الأرض صارت سلطة الشيطان أزيد من سلطة الأولياء، فلا يمكن للانسان المقاومة في مقابل جنود الشيطان.
والثالث: أن غيبة الإمام الثاني عشر - أرواحنا فداه - تكون عن أكثر الناس، لا عن جميعهم، لوجود جمع يتشرفون بخدمته، ويأخذون جواب الغوامض من المسائل ويهتدون بهدايته، وإن لم يعرفوه. انتهى ملخص كلامه (4).
سؤال: وهو أن الامام يجب وجوده لو لم يقم لطف آخر مقامه كعصمة جميع الناس.
والجواب عنه واضح، لأن المفروض عدم إقامة هذا اللطف، وإلا فلا موجب لبعث الرسل والأنبياء أيضا كما لا يخفى فوجود الامام كوجود النبي واجب فيما إذا لم يكن الناس معصومين كما هو المفروض.
سؤال: وهو أن الامام يجب وجوده فيما إذا علم بخلوه عن المفسدة، وحيث لا علم به فلا يكون وجود الامام واجبا، ولا فائدة في دعوى عدم العلم بالمفسدة، لان احتمالها قادح في وجوب نصب الإمام كما لا يخفى.
وأجاب عنه المحقق اللاهيجي - قدس سره -: بأن الأمور المتعلقة بالامام على قسمين: الدنيوية والأخروية ومن المعلوم أن مفسدة وجود الامام بالنسبة إلى الأمور الدينية معلومة الانتفاء، فإن المفاسد الشرعية في الأمور الدينية معلومة شرعا، ولا يترتب شئ منها على وجود الامام، وهذا ضروري عند العارف بالمفاسد الشرعية، وحيث كان كل واحد منا مكلفون بترك المفاسد الشرعية، فلا يجوز أن لا تكون تلك المفاسد معلومة لنا، وإلا لزم التكليف بالمجهول وهو كما ترى.
وأيضا من الواضح أن نصب الإمام بالنسبة إلى الأمور الدنيوية لا مفسدة فيه إذ الأمور الدنيوية راجعة إلى مصالح العباد ومفاسدهم في حياتهم الدنيوية وحفظ النوع والاخلال به، وهي معلومة لكافة العقلاء، ولا يترتب من وجود الامام شئ من المفاسد فيها، بل العقل جازم بأن لا يمكن سد مفاسد أمور المعاش إلا بوجود سلطان قاهر عادل.
فإذا عرفت ذلك فنقول بطريق الشكل الأول نصب الإمام عن الله تعالى لطف خال عن المفاسد، وكل لطف خال عن المفاسد واجب على الله تعالى، فنصب الامام واجب عليه تعالى وهو المطلوب (5). وإلى ما ذكر من الشبهة والأجوبة عنها يشير قول المحقق الطوسي - في متن تجريد الاعتقاد -: والمفاسد معلومة الانتفاء وانحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء، ووجوده لطف، وتصرفه لطف آخر، وعدمه منا (6) وبالجملة لا شبهة في الصغرى في المقام، كما لا شبهة في كبرى لزوم اللطف فيما إذا كان خاليا عن الموانع والمفاسد، وأما ما يتراءى من بعض الشبهات حول قاعدة اللطف في بعض المقامات كاستكشاف رأي المعصوم عقلا بقاعدة اللطف من الاجماع كما ذهب إليه الشيخ الطوسي - قدس سره - فهو من ناحية الصغرى لا من ناحية الكبرى، وقد أشار إليه المصنف - قدس سره - في أصول الفقه فراجع (7).
هذا كله بحسب الأدلة العقلية وأما الأدلة السمعية التي تدل على لزوم وجود الامام للناس فكثيرة جدا ولا بأس بالإشارة إلى جملة منها.
فمن الآيات: قوله تعالى: " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون " (8) بتقريب: أن الخليفة حيث لم تكن مقيدة بالإضافة إلى مخلوق معين مما يؤكد أن الانسان خليفة الجاعل لا غيره، كما هو الظاهر من نظيره كقول رئيس الدولة: إني جاعل في هيئة الدولة خليفة، فإن العرف يفهمون منه أن المقصود هو خليفة نفسه لا غيره.
هذا مضافا إلى أن المقام الذي كان مطلوبا للملائكة هو مقام الخلافة الإلهية لا مقام خلافتهم عن الماضين من المخلوقات الأرضية فالمراد هو جعل الانسان خليفة له تعالى.
وحيث لم يذكر جهة الخلافة، كانت الخلافة ظاهرة في كون الانسان خليفة له في مختلف الشؤون وكافة الأمور، كما أن عدم ذكر ما استخلف عليه الإمامة في إبراهيم غير النبوة، كما يشهد تأخر جعلها عنها فإن جعله إماما بعد الابتلاء بالكلمات ومن ابتلاءاته ذبح إسماعيل، مع أنه لم يولد له ولد إلا في حال شيخوخيته وفي هذا الحال قد مضت من نبوته سنوات متعددة، فجعل الإمامة بعد جعل النبوة ثم سألها إبراهيم - عليه السلام - لذريته فأجيب بأن هذا المقام لا يناله الظالمون منهم، فالامامة منزلة بلوغ الانسان إلى غاية مقامات الانسانية بحيث يليق بأن يكون مقتدى لمن سواه من المخلوقين، ويمكن له أن يهديهم بهدايته الايصالية نحو سعادتهم في الدارين. مضافا إلى هدايتهم بالهداية الارشادية، كما قال العلامة الطباطبائي - قدس سره - من أن الامام وظيفته هداية الناس في ملكوت أعمالهم بمعنى سوقهم إلى الله سبحانه بإرشادهم وإيرادهم درجات القرب من الله سبحانه، وإنزال كل ذي عمل منزله الذي يستدعيه عمله (9).
ثم إن سؤال إبراهيم هذا المقام لذريته شاهد على عظمة هذا المقام، وجواب الله تعالى عن محرومية بعض ذريته عنه بكونها عهد الله، وهو لا يناله الظالمين أيضا شاهد على عظمة تلك المنزلة، كما أن هذا الجواب ظاهر في بقاء هذا المقام في ذريته حيث أخرج من ذريته جميع الظالمين فقط وبقي الباقي تحت الإجابة كما لا يخفى، فالآية تدل على بقاء الإمامة في نسله إجمالا، كما يؤيده ما جاء في الرواية من أن المراد من قوله تعالى: " وجعلها كلمة باقية في عقبة " (10) هو بقاء الإمامة في نسل إبراهيم إلى يوم الدين، على ما حكي عن المجمع، ويؤيده الروايات المتعددة التي وردت في بقاء الإمامة في نسل الحسين - عليه السلام - إلى يوم القيامة مستشهدا بالآية المذكورة.
منها ما عن أبي بصير قال: " سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن قوله الله عز وجل: " وجعلها كلمة باقية في عقبه " (11) قال: هي: الإمامة جعلها الله عز وجل في عقب الحسين - عليه السلام - باقية إلى يوم القيامة " (12). ذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في قوله: " وجعلها كلمة باقية " راجع إلى معنى كلمة التوحيد المستفاد من قوله تعالى: " وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين " ولكن قال في تفسير الميزان: ان التأمل في الروايات يعطي أن بناءها على إرجاع الضمير في قوله: " جعلها " إلى الهداية المفهومة من قوله: " سيهدين "، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: " إني جاعلك للناس إماما " أن الامام وظيفته هداية الناس في ملكوت أعمالهم، بمعنى سوقهم إلى الله سبحانه بإرشادهم وايرادهم درجات القرب من الله سبحانه وانزال كل ذي عمل منزله الذي يستدعيه عمله، وحقيقة الهداية من الله سبحانه، وتنسب إليه بالتبع أو بالعرض، وفعلية الهداية النازلة من الله إلى الناس تشمله أولا، ثم تفيض منه إلى غيره، فله أتم الهداية ولغيره ما هي دونها، وما ذكره إبراهيم - عليه السلام - في قوله: " فإنه سيهدين " هداية مطلقة تقبل الانطباق على أتم مراتب الهداية التي هي حظ الامام منها، فهي الإمامة وجعلها كلمة باقية في عقبه جعل الإمامة كذلك (13)، إلى غير ذلك من الآيات الكريمات.
وأما الروايات فمتواترة، وهي على طوائف، فمنها: ما يدل على أن الأئمة إثنا عشر إلى يوم القيامة، كما عن صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وآله - عن جابر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله - يقول: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش، وعن صحيح مسلم أيضا عن جابر أيضا أن هذا الامر لا ينقضي حتى يمضي فيهم إثنا عشر خليفة، وعن صحيح مسلم أيضا عن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله -: لا يزال هذا الامر في قريش ما بقي من الناس اثنان، وعن مسند أحمد بن حنبل عن مسروق قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرأنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمان هل سألتم رسول الله - صلى الله عليه وآله - كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك، ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله - صلى الله عليه وآله فقال إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل، ورواه ابن حجر في الصواعق وحسنه. ورواه البحراني بطرق عديدة من العامة والخاصة (راجع الباب العاشر والحادي عشر من غاية المرام).
قال العلامة الحلي - قدس سره -: والاخبار في ذلك أكثر من أن تحصى (14)، وكيف كان فالمراد من هذه الروايات حصر الإمامة الشرعية في اثني عشر من قريش ما دام الناس لا السلطة الظاهرية، ضرورة حصولها لغير قريش في أكثر الأوقات، فيكون قرينة على أن المراد منها حصر الخلفاء الشرعيين في اثني عشر إلى يوم القيامة، كما أن الخبر الأخير دال على أنهم خلفاء بالنص، لقوله - صلى الله عليه وآله - (15) كعدة نقباء بني إسرائيل فإن نقباءهم خلفاء بالنص لقوله تعالى: " ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا " (16) وبالجملة هذه النصوص تدل على عدم خلو الأمة الاسلامية عن الامام إلى يوم القيامة، وصرح بأنهم اثنا عشر.
ومنها: ما تدل على أنه لا تخلو الأرض عن الحجة كما رواه في الكافي عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا، قلت: يكون إمامان؟ قال: لا، إلا وأحدهما صامت، وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله - عليه السلام - قال: سمعته يقول: إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم وإن نقصوا شيئا أتمه لهم.
وعن أبي إسحاق عمن يثق به من أصحاب أمير المؤمنين - عليه السلام - أن أمير المؤمنين - عليه السلام - قال: اللهم إنك إنك لا تخلي أرضك من حجة لك على خلقك.
وعن أبي حمزة عن أبي جعفر - عليه السلام - قال: قال: والله ما ترك الله أرضا منذ قبض آدم إلا وفيها إمام يهتدي به إلى الله وهو حجته على عباده ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده.
وعن أبي حمزة أيضا قال: قلت لأبي عبد الله - عليه السلام -: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت، وعن حمزة بن الطيار قال:
سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: لو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة (17).
فهذه الروايات واضحة الدلالة على أن الأرض لا تخلو عن حجة الله على خلقه من لدن خلقه آدم إلى يوم القيامة.
ومنها: الروايات الدالة على أن أئمتنا لولا هم لما خلق الخلق، كما رواه في غاية المرام عن طرق الخاصة عن جعفر بن محمد - عليهما السلام - في ضمن حديث: أن محمدا وعليا - صلوات الله عليهما - كانا نورا بين يدي الله عز وجل قبل خلق الخلق بألفي عام وأن الملائكة لما رأت ذلك النور، رأت له أصلا قد تشعب منه شعاع لا مع، فقالت: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟ فأوحى الله عز وجل إليهم هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي، ولولاهما ما خلقت خلقي.
ومنها: الروايات الدالة على أن أئمتنا - عليه السلام - لولاهم لما عرف الله ولما عبد، كما رواه في غاية المرام عن طرق الخاصة عن موسى بن جعفر - عليهما السلام - في ضمن حديث قال: إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد من نور اخترعه من نور عظمته وجلاله - إلى أن قال -: قسم ذلك النور شطرين فخلق من الشطر الأول محمدا، ومن الشطر الاخر علي بن أبي طالب، ولم يخلق من ذلك النور غيرهما، إلى أن قال -: ثم اقتبس من نور محمد فاطمة ابنته، كما اقتبس نور (18) من نوره واقتبس من نور فاطمة وعلي والحسن والحسين كاقتباس المصابيح، هم خلقوا من الأنوار وانتقلوا من ظهر إلى ظهر، ومن صلب إلى صلب، ومن رحم إلى رحم، في الطبقة العليا، من غير نجاسة، بل نقلا بعد نقل - إلى أن قال -: بل أنوار انتقلوا من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، لأنهم صفوة الصفوة، اصطفاهم لنفسه، وجعلهم خزان علمه، وبلغاء عنه إلى خلقه، أقامهم مقام نفسه، لأنه لا يرى ولا يدرك، ولا تعرف كيفية انيته، فهؤلاء الناطقون المبلغون عنه المتصرفون في أمره ونهيه، فيهم يظهر قوته، ومنهم ترى آياته ومعجزاته، وبهم ومنهم عرف عباده نفسه، وبهم يطاع أمره، ولولاهم ما عرف الله ولا يدري كيف يعبد الرحمان، فالله يجري أمره كيف يشاء فيما يشاء لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
ومنها: الروايات الدالة على ثبوت الامرين المذكورين لائمة - عليهم السلام - كما رواه في غاية المرام عن علي بن موسى الرضا - عليه السلام - عن آبائه عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنه قال : ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني . قال علي - عليه السلام - : فقلت : يا رسول الله ، فأنت أفضل أم جبرئيل ؟ فقال : يا علي ، إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك ، فإن الملائكة من خدامنا وخدام محبينا يا علي ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ) بولايتنا يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ، ولا الجنة ولا النار ، ولا السماء ، ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا ، وتسبيحه وتهليله وتقديسه ، لان أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده ، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون ، وأنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة تسبيحنا ، ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلا الله ، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال وأنه عظيم المحلل ، فلما شاهدوا ما جعل الله لنا من العزة والقوة قلنا : لا حول ولا قوة إلا بالله " العلي العظيم " ، لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة ، قلنا : الحمد لله لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه ،
فقالت الملائكة : الحمد لله فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده - إلى أن قال - : لما عرج بي إلى السماء - إلى أن قال -: فنوديت: يا محمد ( إن ) أوصياءك المكتوبون على ساق العرش فنظرت - وأنا بين يدي ربي جل جلاله - إلى ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي. فقلت يا رب أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمد، هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحجتي بعدك علي بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح ولأذللن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي، حتى تعلو دعوتي، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة (19).
وغير ذلك من طوائف الاخبار فراجع جوامع الاخبار.
____________
(1) الهيات الشفاء: ص 557.
(2) شرح تجريد الاعتقاد: ص 362 الطبع الحديث.
(3) مصابيح الأنوار: ج 2 ص 405.
(4) أنيس الموحدين: ص 132 - 134.
(5) سرمايه ايمان: ص 108، وشرح تجريد الاعتقاد: ص 362 الطبع الحديث.
(6) شرح تجريد الاعتقاد: ص 362 الطبع الحديث.
(7) أصول الفقه: ج 2 ص 108.
(8) البقرة: 30.
(9) تفسير الميزان: ج 18 ص 111.
(10) الزخرف: 28.
(11) الزخرف: 28.
(12) تفسير نور الثقلين: ج 4 ص 597 نقلا عن معاني الأخبار.
(13) تفسير الميزان: ج 18 ص 111.
(14) راجع دلائل الصدق: ج 2 ص 314 - 316.
(15) راجع امامت ورهبرى: ص 163 - 169.
(16) المائدة: 12.
(17) راجع الأصول من الكافي: ج 1 ص 178.
(18) ولعل الصحيح نوره فالمراد هو اقتباس نور محمد - صلى الله عليه وآله - من نور عظمة الله سبحانه وتعالى.
(19) غاية المرام: ج 1 ص 26 الطبع الثاني.
الاكثر قراءة في الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة