

القانون العام

القانون الدستوري و النظم السياسية


القانون الاداري و القضاء الاداري

القانون الاداري

القضاء الاداري

القانون المالي


المجموعة الجنائية


قانون العقوبات

قانون العقوبات العام

قانون العقوبات الخاص

قانون اصول المحاكمات الجزائية

الطب العدلي

التحقيق الجنائي


القانون الدولي العام و المنظمات الدولية

القانون الدولي العام

المنظمات الدولية


القانون الخاص

قانون التنفيذ

القانون المدني


قانون المرافعات و الاثبات

قانون المرافعات

قانون الاثبات

قانون العمل

القانون الدولي الخاص

قانون الاحوال الشخصية


المجموعة التجارية

القانون التجاري

الاوراق التجارية

قانون الشركات


علوم قانونية أخرى

علم الاجرام و العقاب

تاريخ القانون

المتون القانونية
آثار التظهير الناقل للملكية
المؤلف:
بشار حكمت ملكاوي ، عماد الدين عبد الحي ، مظفر جابر الراوي .
المصدر:
شرح الأوراق التجارية
الجزء والصفحة:
ص 68- 83
2025-12-31
22
يترتب على عملية التظهير وجود مجموعة من الحقوق للمظهر، وكما يترتب عليه في نفس الوقت مجموعة من الالتزامات. ويمكن بيان هذه الحقوق والالتزامات فيما يلي:
(1) حق انتقال ملكية الكمبيالة من المظهر إلى المظهر إليه.
(2) التزام المظهر بضمان الكمبيالة.
(3) تطهير الدفوع.
(4) التظهير بعد تاريخ الاستحقاق.
(5) الالتزام بتقديم الكمبيالة للقبول.
(6) إجراء احتجاج عدم القبول
(7) إجراء احتجاج عدم الدفع (عدم الوفاء).
سوف نتناول فيما يلي بالدراسة البنود 1 2 3 4 تباعاً، أما بقية البنود فستتم دراستها في الفصول اللاحقة تبعاً للمواضيع ذات العلاقة بها والتي سنقابلها فيما بعد.
1- حق انتقال ملكية الكمبيالة من المظهر إلى المظهر إليه:
تنص المادة 501 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي على أنه " ينقل التظهير جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة إلى المظهر إليه ". وحق انتقال ملكية الكمبيالة هو أول هذه الحقوق. إذ ينبغي أن تكون صيغة التظهير واضحة وتدل على انتقال الحق الثابت في الكمبيالة من المظهر إلى المظهر إليه. وفي هذا الصدد قضت المحكمة الاتحادية العليا أنه "من المبادئ المستقرة في الفقه والقوانين المقارنة التي لا مخالفة فيها لأحكام الشريعة الإسلامية إن من أهم بينات التظهير الناقل للملكية أن تتضمن صيغة التظهير أن الحق الثابت في الصك ينتقل لإذن أو لأمر المظهر إليه ولا يكتفى في ذلك بورود شرط الإذن أو الأمر في بيانات إنشاء الصك حتى إذ خلا التظهير من هذا البيان غدا تظهيرا معيبا وليس ناقلاً للملكية وبالتالي لا يطهر الدفوع كما هو الشأن في التظهير التام بالنسبة للحامل حسن النية وللساحب في مواجهة الأخير بماله من دفوع في مواجهة المستفيد أصلاً"(1).
ويعتبر من بيده الكمبيالة هو حاملها الشرعي طبقاً لما نصت عليه المادة 504، إذ جاء فيها يعتبر حائز الكمبيالة حاملها الشرعي متى أثبت أنه صاحب الحق فيها بتظهيرات غير منقطعة، ولو كان آخرها تظهير على بياض.
وبالإضافة إلى انتقال الحق الثابت في الكمبيالة بواسطة التظهير ، فإن هذا الحق ينتقل مع الكمبيالة عندما تكون لحاملها مثل الإرث والوصية والهبة والتسليم (المناولة، أي من يد إلى يد). ويجوز للوارث وللموصي له وللموهوب له نقل ملكية الكمبيالة بتظهيرها للغير. لكن على المظهر إليه التحقق من شرعية حيازة الوارث أو الموصى له للكمبيالة ومدى صحة حقوقه عليها وذلك لأن سلسلة التظهيرات ستكون غير متصلة بسبب وفاة المورث (2)، وهو ما قضت به محكمة النقض الفرنسية مراراً(3).
ويجب أن يكون التظهير الذي ينقل ملكية الكمبيالة خالياً من أي شرط، وإذا ربطت عملية التظهير بأحد الشروط، فلا تبطل الكمبيالة، بل إن الشرط يعتبر كأنه لم يكن ويكون التظهير باطلاً. فتعليق التظهير على شرط يعيق تداول الكمبيالة ويضعف الثقة بها، لأنه بسبب هذا الشرط سوف يشك المتعاملون بالكمبيالة على قدرتها في أداء وظيفتيها كأداة ائتمان وأداة وفاء فلا يصح التظهير إلا إذا كان خالياً من أي شرط انسجاماً مع مبدأ الكفاية الذاتية للكمبيالة القاضي بعدم ربط الكمبيالة بشروط خارجية عن نطاق وظائفها.
ويكون انتقال الحقوق من المظهر إلى المظهر إليه من لحظة استلام الأخير للكمبيالة، وبموجب هذا الحق يستطيع مطالبة جميع الأطراف الأخرى في الكمبيالة وهم الساحب والمسحوب عليه والضامنين وبقية الملتزمين بدفع قيمة الكمبيالة في موعد استحقاقها.
وأخيراً تجدر الإشارة بأن الحق الذي ينتقل بتظهير الكمبيالة من المظهر إلى المظهر إليه لا يكون واحداً بالنسبة لكل من المظهر والمظهر إليه، فحق المظهر إليه يكون في مركز أقوى من حق المظهر، لأن كل مظهر جديد يُضيف ضمانات زيادة للمظهر إليه.
والشكل التوضيحي التالي يبين ذلك.
نلاحظ أن:
- الدوائر ذات الأرقام 2 و 3 و 4 يكون الشخص بها مظهر ومظهراً إليه في نفس الوقت، إذ أنهم وجهان لعملة واحدة.
- كلما زاد عدد المظهرين ازدادت ضمانات المظهر إليهم فالضمانات المتحققة للمظهر إليه رقم 2 تكون أقوى من ضمانات (3 و 4 ) وضمانات (3) تكون أقوى من (4).
2- التزام المظهر بضمان الكمبيالة :-
تنص المادة 503 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي على ما يلي: "
1) يضمن المظهر قبول الكمبيالة ووفاءها ما لم يشترط غير ذلك.
2) ويجوز له حظر تظهيرها من جديد، وفي هذه الحالة لا يكون ملتزماً بالضمان قبل من تؤول إليه الكمبيالة بتظهير لاحق "
بناءً على ذلك يمكن القول بأن المظهر يضمن :
- قبول المسحوب عليه للكمبيالة.
- ووفاء المسحوب عليه بقيمة الكمبيالة.
وتخلق هذه الضمانات لدى المظهر إليه ثقة كبيرة بالكمبيالة، إذ تصبح لديه قناعة أكيدة بأنه بموجب الكمبيالة سوف يحصل على حقه فيها بتاريخ الاستحقاق. وتكمن الضمانات بشكل رئيسي بضمانات القبول والوفاء للموقعين السابقين، إذ يضمنون وجود الحق الثابت بالكمبيالة ووفاء هذا الحق في تاريخ الاستحقاق .
بالإضافة إلى هذه الضمانات، فقد تنشأ ضمانات إضافية تتم بالاتفاق بين المظهر والمظهر إليه ونبين هذه الضمانات فيما يلي: -
وينتقل الحق الثابت في الكمبيالة بما فيها التأمينات الشخصية أو العينية دون حاجة إلى نص خاص في ورقة أخرى، لأن هذه التأمينات لم تتقرر للمستفيد الأصلي بصفة شخصية بل إن المقصود منها هو ضمان تداول الكمبيالة والحق الثابت فيها (4).
يترتب على عملية التظهير التزام المظهر بضمان القبول وبضمان الوفاء، غير أنه يمكن للمظهر أن يعفي نفسه من مسؤولية هذين الضمانين بالاتفاق مع المظهر إليه بوضع شرط عدم الضمان على ورقة الكمبيالة. وهكذا يكون المظهر في جل من قبول المسحوب عليه للكمبيالة وضمان الوفاء بها في موعد الاستحقاق (5).
إن شرط عدم ضمان القبول وعدم ضمان الوفاء لا يستفيد منه إلا المظهر الذي وضع هذا الشرط فقط. أما المظهرون الآخرون سواءً كانوا سابقون أو لاحقون فلا يستفيدون من ذلك تطبيقاً لمبدأ استقلال التوقيعات، حيث كل واحد مسؤول عن توقيعه.
وإذا كان عدم الضمان يعفي المظهر من مسؤوليات القبول والوفاء، فإنه لا يعفيه من مسؤولية دفع قيمة الكمبيالة في حالة الغش وعدم مشروعية الكمبيالة ومثال ذلك:
- إذا لم يكن المظهر مديناً للساحب.
- في حالة بطلان الكمبيالة نتيجة لتزوير توقيع الساحب.
- تواطؤ المظهر مع الساحب واطلاق الكمبيالة للتداول رغم معرفته بأن الكمبيالة وهمية.
يملك كل من الساحب والمظهر الحق في وضع شرط عدم الضمان ولكن يجب ملاحظة أن المظهر يملك حق اشتراط عدم الضمان للقبول والوفاء على حد سواء، أما الساحب فلا يملك سوى حق اشتراط عدم ضمان القبول فقط، ويبقى ضامناً للوفاء بقيمة الكمبيالة لأنه هو المدين فيها أصلاً وفي حالة امتناع المظهرين والمسحوب عليه عن أداء قيمة الكمبيالة فللحامل حق الرجوع على الساحب باعتباره المدين الأول.
ويتضح من الفقرة 2 من المادة 503 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي ، بأنه يجوز للمظهر منع تظهير الكمبيالة من جديد، وهذا يعني بأنه لا يكون ملزماً بالضمان للأشخاص الذين يملكون الكمبيالة بتظهير لاحق .
3 - قاعدة تطهير الدفوع أو عدم الاحتجاج بالدفوع (6).
أن من أهم الآثار التي تترتب على تظهير الكمبيالة هي إطلاق وصف الحامل الشرعي على الشخص الذي تم التظهير إليه، ونقل جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة إليه(7). بالإضافة إلى أثر تطهير الكمبيالة من العيوب التي قد تكون علقت بها عند إنشائها أو خلال تداولها، وخاصة تلك العيوب غير المنظورة التي لا يعلم حامل الكمبيالة شيئاً عنها.
فلا يجوز للمدين في الكمبيالة أن يتمسك في مواجهة حاملها بالدفوع التي تكون له في مواجهة أحد الموقعين على الورقة، وقد أطلق على هذا الوضع قاعدة تطهير الدفوع، والتي تعتبر قاعدة خارجة عن القواعد العامة في حوالة الحق. إن قاعدة عدم الاحتجاج بالدفوع تتضمن بلا شك خروجاً عن قواعد القانون المدني التي تقتضي بأنه لا يجوز لشخص أن ينقل إلى غيره حقوقاً أكثر مما له وأن فاقد الشيء لا يعطيه(8).
وتبرر ضرورات الحياة التجارية والاقتصادية قاعدة عدم الاحتجاج بالدفوع. فلو جاز للمدين في الكمبيالة أن يتمسك في مواجهة حاملها بالدفوع التي تكون له قبل حامل سابق لما أقدم أحد على التعامل بالكمبيالة قبل أن يقوم بالبحث عن الظروف التي التزم بها كل موقع للتأكد من خلو الورقة من العيوب وهذا من شأنه عرقلة تداول الكمبيالة مما يؤثر سلباً على أداء وظائفها في الائتمان والوفاء. ومن أجل تيسير تداول الكمبيالة وتحقيقاً لاستقرار المعاملات التجارية وتمكين الكمبيالة من القيام بوظائفها بفاعلية تقررت قاعدة الاحتجاج بالدفوع تحصيناً للحامل من المفاجآت وتأكيداً لحقه في الوفاء(9).
وبدراستنا لقاعدة تطهير الدفوع أو عدم الاحتجاج بالدفوع سوف نتناول الأمور التالية:
أولاً - ماهية قاعدة تطهير الدفوع.
ثانياً - الشروط التي تحكم تطبيق قاعدة تطهير الدفوع.
ثالثاً - حالات تظهير قاعدة تطهير الدفوع
أولاً - ماهية قاعدة تطهير الدفوع أو عدم الاحتجاج بالدفوع
تعني هذه القاعدة بأن الشخص الأخير الذي تؤول إليه ملكية الكمبيالة والذي يطلق عليه اسم حامل الكمبيالة، فإنه إذا كان حسن النية فيستطيع أن يتقدم من المدين سواء كان الساحب أو المسحوب عليه أو المظهر أو الضامن الاحتياطي لاستلام قيمة الكمبيالة بدون أن يكون للمدين أياً كان الامتناع عن الوفاء مستنداً في ذلك على أسباب (دفوع) كان بإمكانه الاعتماد عليها في مواجهة دائنه السابق، وذلك لأن التظهير ينقل الحق الثابت في الكمبيالة طاهراً وخالياً من أية مطالبات وادعاءات (10) فإذا كان التزام المدين باطلا لأي سبب كان كعدم مشروعية سبب الالتزام، فيكون هذا المدين ممنوع من الاحتجاج والادعاء على الحامل ببطلان الكمبيالة لأن التظهير مطهر لسبب بطلان الكمبيالة ، ولا تبرأ ذمة المدين من التزامه بالدين إلا بدفع قيمته(11). وهكذا فإن الكمبيالة أصبحت تمثل التزام المدين فيكفي أن يستلمها أي شخص حتى يحق لــه المطالبة بما تحتويه من حق. فلو أجيز للمدين في الكمبيالة الاحتجاج في مواجهة حاملهـا بالأسباب (الدفوع التي تكون له في مواجهة أي حامل سابق، لتطلب ذلك من كل حامل كمبيالة أن يتحرى سلفاً عن كل العلاقات القانونية القائمة بين المدين والموقعين السابقين على الكمبيالة للتأكد من عدم وجود أي سبب يبطل التزام أحد الموقعين ويبطل بالتالي الكمبيالة وهذا الإجراء سوف يترتب عليه تعطيل دور الكمبيالة كأداة ائتمان وأداة وفاء مما يزعزع الثقة بها ويؤثر سلباً على استقرار المعاملات التجارية التي تستدعي السرعة في التنفيذ إذا لا تحتمل الصفقات التجارية الإطالة والتسويف.
إن قاعدة تطهير الدفوع تجنب حامل الكمبيالة ضرورة إجراء تحريات طويلة حتى يصبح على علم بالظروف التي مرت بها الكمبيالة، كما تجنبه المفاجآت التي لا يعلم عنها شيئاً والتي قد تحول دون استلامه قيمة الكمبيالة. ولقد جسدت المادة 506 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي كل ما سبق، حيث نصت المادة على ما يلي: "مع عدم الإخلال بحكم المادة (12)493 ليس للمدين الذي أقيمت عليه دعوى بكمبيالة أن يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقاته الشخصية بساحبها أو بأحد حامليها ، السابقين ما لم يكن قصد الحامل وقت حصوله عليها الإضرار بالمدين "ونصت المادة 397 من القانون التجاري المصري على أنه "...... ليس لمن أقيمت عليه دعوى بكمبيالة أن يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقاته الشخصية بساحبها أو بحامليها السابقين ما لم يكن قصد الحامل وقت حصوله عليها الإضرار بالمدين.
وهكذا، فإنه يترتب على الساحب والمسحوب عليه القابل والمظهرين جميعاً بدفع قيمة الكمبيالة ومنعهم من إنكار أي أمر من الأمور المبينة فيها تجاه الحامل بطريق صحيح، وذلك تطبيقاً لقاعدة تطهير الدفوع التي تقضي بحماية حامل الكمبيالة، ولأن الدفع بانعدام سبب الدين أو عدم مشروعية أو بطلان العلاقة الأصلية بين الدائن والمدين هو من الدفوع التي يطهرها التظهير. وبناء على ما تقدم، فإننا نشير نخلص إلى القول بأن التظهير يطهر الكمبيالة من الدفوع بحيث يحرم المسؤولين عن دفع قيمتها من الاحتجاج بها على الحامل إذا كان حسن النية، أي غير عالم بالعيب اللاحق بالكمبيالة وقت تظهيرها إليه.
ثانياً - الشروط التي تحكم تطبيق قاعدة تطهير الدفوع
إن تطبيق قاعدة تطهير الدفوع محكوم بعدة شروط لابد من توافرها جميعاً، والشروط هي: الشرط الأول: أن تكون الكمبيالة قد وصلت إلى الحامل عن طريق التظهير الناقل للملكية إذ أن قاعدة تطهير الدفوع لا تخدم إلا الحامل الشرعي (13) الذي تنتقل إليه ملكية الكمبيالة عن طريق التظهير فقط وبذلك فإن من تؤول إليه ملكية الكمبيالة بغير طريقة التظهير فلا تسري عليه قاعدة تطهير الدفوع مثل :-
1- حامل الكمبيالة المنتقلة إليه عن طريق حوالة الحق، لأن الحق ينتقل إلى المحـــال لــه محملاً بجميع العيوب .
2- حامل الكمبيالة المنتقلة إليه عن طريق الوصية أو الهبة أو الإرث، لأن الموصى له أو الموهوب له أو الوارث يمكن التمسك في مواجهتهم بكل الدفوع التي يمكن التمسك بها في مواجهة الموصي أو الواهب، أو المورث
3- حامل الكمبيالة الذي انتقلت إليه عن طريق الاندماج بين الشركات أو نتيجة لصلح أو تحكيم.
4- حامل الكمبيالة الذي انتقلت إليه بالتظهير التوكيلي لأن المظهر إليه يعتبر وكيلاً عن المظهر في قبض قيمة الكمبيالة، ويجوز للمدين أن يتمسك في مواجهة الوكيل بأي دفع يجوز له التمسك به في مواجهة الموكل
الشرط الثاني: أن يكون حامل الكمبيالة حسن النية. فمن هو يا ترى الحامل حسن النية؟
إن حامل الكمبيالة حسن النية هو ذلك الشخص الذي يجهل تماماً أي عيب تتضمنه الكمبيالة عند إنشائها وخلال تداولها، وتكون الكمبيالة قد وصلت إليه عن طريق التظهير وهي خالية وطاهرة من العيوب.
ولكن المشكلة التي تبرز هنا كيف لنا أن نحدد إذا كان الشخص حسن النية أو سيء النية؟ في البداية يمكن القول بأنه يُفترض أن يكون حامل الكمبيالة شخصاً حسن النية، وهو بالفعل كذلك طالما قام باستلام الكمبيالة عن طريق التظهير الذي يطهرها من جميع العيوب. وعلى الأشخاص الذين يَشكُونَ بسوء نية الحامل مثل الساحب أو المسحوب عليه أو المظهر أو الضامن الاحتياطي أن يثبتوا بكل طرق الإثبات سوء النية لديه، ويراعى أن العبرة في إثبات سوء النية هي عند حدوث التظهير وليس في أي وقت لاحق (14).
ويوجد رأيان جوهريان حول نية حامل الكمبيالة نبينهما فيما يلي:
الرأي الأول يكون حامل الكمبيالة سيء النية ولا يستطيع الاستفادة من قاعدة تطهير الدفوع إذا كان يعلم بأن الكمبيالة قد سحبت مقابل عمل غير مشروع وأن المبلغ المذكور بها هو لقاء دين قمار، أو الإتجار بالممنوعات أو نتيجة لعلاقة غير مشروعة... إلخ. وعلى ذوي المصلحة إقامة الدليل على سوء نية الحامل، وخاصة إذا علمنا بأن القانون لا يتطلب ذكر سبب التظهير ويغدو هذا السبب غير واضح في متن الكمبيالة لأن المنطق يفترض أن لكل التزام في الكمبيالة سبباً مشروعاً (15)
الرأي الثاني: يكون حامل الكمبيالة سيء النية ويستحق حرمانه من قاعدة تطهير الدفوع ليس فقط بمجرد علمه بالعيب الذي تتضمنه الكمبيالة فلا يكفي معرفته بوجود العيب حتى نقول بأن الحامل سيء النية، بل لابد من إثبات المدين غش الحامل والمظهر. وهكذا فلابد من إثبات تواطؤ الحامل مع أحد أشخاص الكمبيالة الآخرين قبل الساحب أو المسحوب عليه لإلحاق الأذى بالمدين(16).
وقد أخذ كل من المشرع المصري والمشرع الأردني بالرأي الثاني فيما يتعلق بسوء ء نية حامل الكمبيالة، وهو موقف القانون الموحد حيث نصت المادة 385 من القانون التجاري المصري الجديد على أنه "....... ليس لمن أقيمت عليه دعوى بكمبيالة أن يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقاته الشخصية بساحبها أو بحامليها السابقين ما لم يكن قصد الحامل وقت حصوله عليها الإضرار بالمدين " . وهذا ما جاء متطابقاً تماماً مع نص المادة 147 من القانون التجاري الأردني والتي نصت على أنه «ليس لمن أقيمت عليهم الدعوى بسند سحب أن يحتجوا على حامله بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بساحب السند أو بحملته السابقين ما لم يكن حامل السند قد حصل عليه بقصد الإضرار بالمدين».
وعلى نفس النهج سار المشرع الإماراتي، فقد نصت المادة 506 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي على أنه .... ليس للمدين الذي أقيمت عليه دعوى بكمبيالة أن يحتج على حاملها بالدفوع المبنية على علاقاته الشخصية بساحبها أو بأحد حامليها السابقين، مـا لـم يـكـن قصــد الحامل وقت حصوله عليها الإضرار بالمدين(17).
الشرط الثالث: أن لا يكون حامل الكمبيالة طرفاً في علاقة شخصية مع المدين، لأنه لا يتم تطبيق قاعدة تطهير الدفوع بين أطراف العلاقة التي ينشأ عنها الدفع، وهذا يعني بأن حامل الكمبيالة إذا كانت تربطه بالمدين علاقة سابقة فإنه لا يستطيع التمسك بمواجهة المدين بحجة أنه حامل للكمبيالة وأنه يستفيد من قاعدة تطهير الدفوع الذي من أحد أهدافها حماية الحامل(18).
فقد يحدث على سبيل المثال أن يكون السيد (جميل) حاملاً لكمبيالة وقيمتها 15000 درهم ويطالب بالوفاء بها من المدين السيد فؤاد)، وذلك نتيجة لعلاقة سابقة بينهما. وإذا أصبح السيد (فؤاد) ولأي سبب من الأسباب دائناً للسيد (جميل) بمبلغ 7000 درهم، أي أن (جميل) دائن (فؤاد) بمبلغ 15000 درهم ومدين لـ (فؤاد) بمبلغ 7000 درهم. فعندئذ فإن المدين (فؤاد) يستطيع أن يدفع في مواجهة الدائن (جميل) بالدين الذي عليه وهو مبلغ 7000 درهم حيث تتم المقاصة بين الدينين(19).
ثالثاً - حالات تطبيق قاعدة تطهير الدفوع
إن قاعدة تطهير الدفوع لا تطبق بصورة مطلقة، فهناك عدد من الحالات التي يطهرها التظهير ، وعدد آخر من الحالات التي لا يطهرها التظهير. وبمعنى آخر فإن هناك حالات تسري عليها قاعدة تطهير الدفوع وحالات لا تسري عليها هذه القاعدة نتيجة للتظهير الناقل لملكية الكمبيالة.
ويمكن عرض الدفوع بنوهيها كما يلي :-
حالات تطبيق قاعدة تطهير الدفوع

الحالات التي لا تسري عليها قاعدة تطهير الدفوع
أولاً – الدفع المستند إلى عيب في شكل الكمبيالة: ويقصد بالعيب الشكلي هـو غـيــاب بـعـض البيانات في الكمبيالة مثل المبلغ أو اسم المسحوب عليه أو توقيع الساحب. وعليه فإن الدفع المستند إلى هذا العيب يجوز إثارته أمام حامل الكمبيالة حتى ولو كان حسن النية لأن مثل هذا العيب واضح كل الوضوح في متن الكمبيالة وعلى الحامل ملاحظته والتأكد منه وإلا اعتبر مهملاً، وإذا علم الحامل بهذا العيب ولكن كان يجهل حكم القانون بذلك فإن جهله هذا لا يعفيه من مسؤوليته(20).
ثانياً - الدفع المستند إلى نقص الأهلية أو انعدامها : من المؤكد أن نقص الأهلية أو انعدامها لا يكون أمراً ظاهراً في متن الكمبيالة، فكيف إذن لحامل الكمبيالة حسن النيــة العلـم بذلك؟ إن حامل الكمبيالة يستطيع بكافة الطرق معرفة انعدام أو نقص أهلية الشخص الذي استلم منه الكمبيالة.
ولقد أشار المشرع إلى بطلان توقيع عديم الأهلية أو ناقصها، وهكذا فإن الدفع الناتج عن انعدام الأهلية أو نقصها لا يتطهر بتظهير الكمبيالة وتصح إثارته في مواجهة الحامل حسن النية. وعليه يستطيع المدين في الكمبيالة أن يدفع في مواجهة حامل الكمبيالة حسن النية بنقص أهليته أو انعدامها لإبطال التزامه مأخوذاً بعين الاعتبار بأن مصلحة القاصرين وعديمي الأهلية أولى بالرعاية من مصلحة حامل الكمبيالة ولو كان حسن النية.
جدير بالذكر أن التزامات ناقصي الأهلية وعديميها الناشئة عن توقيعاتهم على الكمبيالة كساحبين أو قابلين أو ضامنين احتياطيين باطلة بالنسبة لهم فقط مع استمرار التزام الموقعين الآخرين على الكمبيالة طبقاً لمبدأ استقلال التواقيع.
ثالثاً - الدفع بتزوير التوقيع أو التحريف: الشخص الذي تم تزوير توقيعه على الكمبيالة له الحق في أن يمتنع عن الوفاء بقيمة الكمبيالة لحاملها ولو كان حسن النية(21)، لأنه من غير المعقول أن يقع التزام في ذمة شخص ما دون إرادته، فالشخص الذي تم تزوير توقيعه يكون في هذه الحالة معدوم الإرادة ، فكيف عندئذ يكون عليه الوفاء بقيمة الكمبيالة وهو لا علاقة له بها؟
وقد يحصل التلاعب في الكمبيالة بتحريف بعض البيانات كتغيير مبلغ الكمبيالة من 2000 درهم مثلاً إلى 4000 درهم فالمدين في هذه الحالة لا يكون ملتزماً أمام الحامل ولو كان هذا الأخير حسن النية(22).
رابعاً - الدفع المستند إلى علاقة شخصية بين المدين وحامل الكمبيالة، فلا تطبق قاعدة تطهير الدفوع على العلاقة المباشرة بين المدين بالكمبيالة وحاملها فالدفوع الناشئة عن العلاقة التي تربط الحامل شخصياً بالمدين سواء المسحوب عليه أو الساحب أو أحد المظهرين لا يطهرها تظهير الكمبيالة (23). فإذا كان المدين بالكمبيالة دائناً لحامل الكمبيالة بناءً على علاقة خارجية عن نطاق الكمبيالة فإنه يستطيع مطالبة حامل الكمبيالة بالمقاصة بدينه ... هذا الدفع الناتج عن علاقة شخصية بين المدين وحامل الكمبيالة عند دراستنا للشرط الثالث من الشروط التي تحكم تطبيق قاعدة تطهير الدفوع .
خامساً - الدفوع بالتوقيع بدون تفويض أو تجاوز التفويض، فنحن هنا أمام حالتين
الحالة الأولى: التوقيع بدون تفويض، وذلك بأن يقوم شخص نيابة عن آخر وبدون تفويض من أي شخص من أشخاص الكمبيالة بالتوقيع على الكمبيالة، كأن يقوم مدير شركة ما بالتوقيع على الكمبيالة ودون أن يملك حق التوقيع عن الشركة. وفي هذه الحالة يكون مدير الشركة ملتزماً شخصياً بموجب هذه الكمبيالة. أما اذا وقع بصفته الإدارية كمدير للشركة فان ذلك يعني أن خصم المدين يكون الشركة وليس المدير بصفته الشخصية. الحالة الثانية: التوقيع الناتج عن تجاوز الشخص حدود التفويض الممنوح له، كأن يسحب كمبيالة بقيمة أعلى مما حددها الموكل. وفي هذه الحالة لا يلتزم الموكل إلا في حدود الوكالة(24).
وقد غطت المادة 491 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي الحالتين السابقتين، إذ نصت على أن:
1) من وقع كمبيالة نيابة عن آخر بغير تفويض منه التزم شخصياً بموجبها، فإذا أوفاها آلت إليه الحقوق التي كانت تؤول إلى من ادعى النيابة عنه.2) ويسري هذا الحكم على النائب إذا جاوز حدود سلطته.»
2. ويتضح من سياق المادة المذكورة بأن الشخص الذي وقع باسم شخص آخر على الكمبيالة دون تفويض منه أو النائب الذي تجاوز حد التفويض يصبح ملتزماً شخصياً بتوقيعه ولا يسري هذا التوقيع في ذمة الأصيل الذي تم التوقيع عنه.
سادساً - الدفع المستند إلى شرط اختياري، فالشرط الاختياري الذي يدون في متن الكمبيالة يصبح جزء لا يتجزأ منها وطالما أنه مكتوب فيسري في مواجهة الحامل وليس هناك مجال بالادعاء بأن الحامل حسن النية، إذ من المفروض على الحامل أن يكون على علم بهذا الشرط ولا يجوز له الادعاء بما يخالفه. ومن الأمثلة على الشرط الاختياري شرط عدم الضمان أو شرط الرجوع بلا مصاريف، أو غيرها من الشروط.
وتجدر الملاحظة أن الشرط الاختياري إذا ورد في ورقة مستقلة فلا يجوز للمدين التمسك به في مواجهة حامل الكمبيالة حسن النية الذي قد لا يكون يعلم بوجود الورقة وقت التظهير لأنها غير ظاهرة مع الكمبيالة، وعليه فلا يعتد بالشرط الاختياري إلا إذا كان مكتوباً على ورقة الكمبيالة.
سابعاً - الدفع بالإكراه أو انعدام الإرادة: إن الإكراه هو إجبار شخص على أن يقوم بعمل بدون رضاه، وهـو عـيـب مـن عيوب الإرادة، وهو عيب خفي لا يمكن رؤيته في متن الكمبيالة مثل بقية عيوب الإرادة الأخرى كالغش والتدليس، ولا يحتج به من الحامل حسن النية، لأن هذا الحامل غير ملزم بالبحث والتحري عن ظروف التزام المدين حتى لا تتم إعاقة عملية تداول الكمبيالة وتخرج عن نطاق خاصية السرعة والسهولة في التداول التي تميز الأوراق التجارية. ومن الأمثلة الصريحة على عملية الإكراه التهديد تحت قوة السلاح، أو التهديد بالخطف، أو إجبار شخص على التوقيع على الكمبيالة عنوة. والإكراه يعتبر من الدفوع التي لا يطهرها التظهير ويجوز التمسك به في مواجهة الحامل ولو كان حسن النية(25).
الحالات التي تسري عليها قاعدة تطهير الدفوع :
أولاً - الدفع المستند إلى عيوب رضا المدين: ويتجلى هذا العيب على سبيل المثال في حالة سرقة كمبيالة كانت قد وقعت على بياض وقام السارق بتعبئة بيانات الكمبيالة وَدَوَّنَ نفسه مستفيداً. فهنا إذا طالب السارق للكمبيالة بالوفاء بقيمتها كان للمدين التمسك في مواجهة السارق بانعدام الالتزام لعدم وجود رضا أصلاً. ولكن إذا ظهر السارق الكمبيالة إلى حامل حسن النية .
ورجع هذا الحامل على المدين فلا يكون للمدين الاحتجاج على الحامل بانعدام الرضا. ومن الدفوع التي قد يثيرها المدين هو التمسك ببطلان التزامه بسبب الغلط أو التدليس أو الإكراه، فيجوز لمن وقع على الكمبيالة نتيجة لغلط أو تدليس أو إكراه أن يتمسك ببطلان التزامه بسبب العيب الذي شاب إرادته في مواجهة الشخص الذي تسبب في هذا العيب. فقد يوقع الساحب أو المظهر على الكمبيالة بسبب اعتقاده أنه مدين للمستفيد أو للمظهر إليه في حين أنه لم يكن مديناً أو كان مديناً بدين أقل من الدين الوارد في الكمبيالة، وقد يتم التوقيع على الكمبيالة نتيجة التدليس أو الإكراه أو كانت العلاقة بين المدين والدائن مشوبة بالاستغلال ففي هذه الأحوال يستطيع المدين الساحب أو المظهر ... التمسك في مواجهة المستفيد أو المظهر إليه ببطلان الالتزام الصرفي بحجة أن التوقيع على الكمبيالة من قبل المدين كان مشوباً بعيب من عيوب الرضا (26).
أما إذا انتقلت ملكية الحق الثابت في الكمبيالة إلى حامل حسن النية بسبب التظهير الحاصل من المستفيد أو بسبب إعادة التظهير الحاصل من المظهر إليه إلى مظهر إليه جديد، فإن المدين لا يستطيع التمسك في مواجهته بالدفوع التي كان يجوز له التمسك بها في مواجهة دائنه المباشر (27).
ثانياً - الدفع المستند إلى انعدام سبب الالتزام أو عدم مشروعيته: فقد يتم إنشاء الكمبيالة أو تظهيرها بالاستناد إلى سبب غير حقيقي لا أساس له في عالم الوجود. ومن أبرز الأمثلة على ذلك كمبيالات المجاملة التي يقوم شخص ما بسحبها رغم عدم وجود مقابل وفاء لهـا لـدى المسحوب عليه والذي يقوم بالقبول مجاملة منه للساحب ودون وجود دين حقيقي بينهما، ثم يقوم الساحب بتظهيرها إلى شخص آخر وفي هذه الحالة يعتبر الالتزام الأصلي باطلاً لانعدام السبب، إلا أن هذا الدفع يطهره التظهير (28).
وقد يكون سبب الالتزام غير مشروع ومخالف للنظام العام أو الآداب العامة، كما في حالات سحب كمبيالة أو تظهيرها لوفاء دين ناتج عن لعب القمار، أو لدفع ثمن صفقة مخدرات، أو للدفع مقابل رشوة أو عمل غير مشروع (29) وفي كل هذه الحالات يجوز للمدين التمسك في مواجهة دائنه المباشر لانعدام سبب الالتزام أو لعدم مشروعيته (30) . ولكن إذا انتقلت الكمبيالة بالتظهير من هذا الدائن إلى حامل حسن النية فلا يكون للمدين عندئذ التمسك في مواجهة الحامل حسن النية بالدفوع التي كان يجوز له التمسك بها في مواجهة دائنه المباشر (31). ويكمن السبب في ذلك في أن حامل الكمبيالة الأخير يصعب عليه، بل قد يكون مستحيلاً عليه أن يتأكد من كافة العلاقات الناتجة عن الكمبيالة لدى جميع أشخاص الكمبيالة. فمن أين للحامل أن يعلم أن الكمبيالة قد سحبت أم تم تظهيرها مقابل رشوة أو قيمة مخدرات أو تسديد دين قمار؟ ومن غير المتوقع أن يقوم الشخص الذي ظهرت إليه الكمبيالة بإعلامه بمثل هذه الأسباب.
ثالثاً – الدفع المستند إلى بطلان أو فسخ أو انقضاء العلاقة الأصلية: تنشأ الكمبيالة نتيجة لعلاقة قانونية بين طرفيها وهما الساحب والمستفيد. وإذا تم تداول الكمبيالة فتنشأ علاقة قانونية جديدة بين طرفيها الجديدين وهما المظهر والمظهر إليه، وفي حال بطلان العلاقة أو فسخها لعدم التنفيذ أو لانقضائها فإنه يجوز للمدين التمسك بالدفع في مواجهة الدائن المباشر أي تجاه الشخص الذي التزم له مباشرة ولكن متى انتقلت الكمبيالة إلى حامل حسن النية فلا يجوز للمدين التمسك في مواجهته بالدفوع التي يجوز له التمسك بها في مواجهة دائنه المباشر.
وتطبيقاً لذلك، لنفترض أن المستفيد باع للساحب بضاعة ولم يقبض ثمنها، وقام الساحب بإنشاء كمبيالة للمستفيد وفاءً للدين الذي عليه، ولكن كان عقد البيع باطلاً بسبب عيــب مـن عيوب الرضا أو كان لسبب غير مشروع أو أن أحد الموقعين فاقد الأهلية. ففي كل هذه الحالات يجوز للمدين التمسك في مواجهة دائنه المباشر ببطلان العلاقة الأصلية من أجل عدم الوفاء بقيمة الكمبيالة. ولكن إذا انتقلت الكمبيالة إلى حامل حسن النية فلا يجوز للمدين الاحتجاج عليه بالدفوع التي كان يجوز له الاحتجاج بها على دائنه المباشر.
وكذلك الحال بالنسبة للدفع بفسخ العلاقة الأصلية، ففي المثال السابق الذي باع فيه المستفيد للساحب بضاعة ولم يقبض الثمن وقام الساحب بتحرير كمبيالة للمستفيد وفاء للدين الذي عليه، فإذا لم ينفذ المستفيد الالتزامات التي يفرضها عليه عقد البيع فإنه يجوز للساحب طلب فسخ العقد. وفي حالة فسخ العقد لا يكون هناك محل لالتزام المشتري وهو الساحب بدفع الثمن، ولذلك يكون للساحب أن يدفع في مواجهة المستفيد بفسخ العلاقة الأصلية في حال مطالبته بالوفاء بقيمة الكمبيالة.
أما فيما يتعلق بانقضاء العلاقة الأصلية، فإنه يجوز للمدين التمسك بالدفع في مواجهة الدائن المباشر ، ولكن لا يكون من حق المدين التمسك بهذا الدفع متى انتقلت الكمبيالة إلى الحامل حسن النية. ومن أكثر الأمثلة شيوعاً على مثل هذه الحالة هو قيام المدين بالوفاء بقيمة الكمبيالة إلى دائنه المباشر ودون أن يسترد ورقة الكمبيالة، فإذا قام الدائن بتظهير الكمبيالة إلى شخص آخر أصبح معها هذا الأخير حاملاً حسن النية فيستطيع عندئذ الرجوع على المدين الذي قام في وقت سابق بوفاء قيمة الكمبيالة ولا يستطيع المدين الاحتجاج أمام الحامل حسن النية على أساس أنه سبق له وأن أوفى الدين.
4 - التظهير بعد تاريخ الاستحقاق
يتم تظهير الكمبيالة في أي وقت خلال المسافة الزمنية الواقعة بين تاريخ إنشائها وتاريخ استحقاقها، ويكون التظهير الناشئ في هذه الفترة صحيحاً. وبمعنى آخر فإنه إذا كان ميعاد استحقاق الكمبيالة هو تاريخ 15/9/2017 فإن أي تظهير يسبق هذا التاريخ يكون سليماً.
والسؤال الذي قد يبرز هنا هو ما مدى صحة التظهير بعد انقضاء ميعاد استحقاق الكمبيالة؟
إن الجواب على هذا السؤال يكمن في المادة 509 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي والتي تنص على أن:
(1) التظهير اللاحق لميعاد الاستحقاق ينتج آثار التظهير السابق عليه، أما التظهير اللاحق لاحتجاج عدم الوفاء، أو الحاصل بعد انقضاء الميعاد القانوني المحدد لعمل هذا الاحتجاج فلا يُنتج إلا آثار حوالة الحق.
(2) ويُفترض في التظهير الخالي من التاريخ أنه حصل قبل انقضاء الميعاد المحدد لعمل الاحتجاج ما لم يثبت غير ذلك.
ويمكن القول:
أولاً - أن التظهير الناقل للملكية الحاصل بعد ميعاد الاستحقاق يكون له نفس مفعول التظهير قبل ميعاد الاستحقاق، أي أن الآثار المترتبة على التظهير بعد الميعاد تكون ذات الآثار المترتبة على التظهير قبل الميعاد. فبناءً على التظهير الناقل للملكية الحاصل بعد ميعاد الاستحقاق يجب نقل ملكية الحق الثابت في الكمبيالة، وإذا كان المظهر إليه الحامل) حسن النية امتنع الاحتجاج في مواجهته بالدفوع التي يمكن الاحتجاج بها في مواجهة المظهر كما هو الشأن بالنسبة للتظهير الحاصل قبل ميعاد الاستحقاق وهذا كله يعني أن المظهر إليه يستفيد من قاعدة تطهير الدفوع إذا لم يكن يقصد من حصوله على الكمبيالة الإضرار بالمدين، وله أن يقدم الكمبيالة للمسحوب إليه بعمل الاحتجاج اللازم (32).
ثانياً – إذا تم التظهير بعد عمل الاحتجاج بعدم الوفاء، أو إذا تم التظهير بعد انتهاء المدة القانونية المحددة لعمل الاحتجاج كما جاء في المادة 509، فإن هذا التظهير لا ينتج إلا آثار حوالة الحق المقررة بالقانون المدني، وبذلك فلا يمكن هنا تطبيق قاعدة تطهير الدفوع وإن كان المظهر إليه حسن النية (33) لقد أوردت الفقرة 2 من المادة 509 أن التظهير الخالي من التاريخ يعتبر أنه قد تم قبل انقضاء الميعاد المحدد لعمل الاحتجاج، وعلى من ينازع في ذلك إثبات العكس ويكون له الاستعانة في ذلك بكافة طرق الإثبات كالبينة والقرائن وغيرها.
____________
1- المحكمة الاتحادية العليا الطعن رقم 28 لسنة 15 قضائية بتاريخ 27/04/1993م ، منشور على الموقع الالكتروني لشبكة قوانين الشرق /www.eastlaws.com.
2- أبو زيد رضوان الأوراق التجارية في القانون الجديد رقم 17 لسنة 1999، ص 203 أنظر أيضا لطيفة الداودي، كمبيالة المجاملة، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن العدد 37، 2002 ، ص 125
3-Cass. Com. Fr, 27/2/1990, R.T.D., 1991, p.73; Cass. Com. Fr, 10/1/1984, R.T.D., 1984, p. 491; Cass. Com. Fr, 15/3/1976, D, 1976, p53.
4- مصطفی کمال ، طه وائل أنور بندق، مرجع سابق، 84 وينتقل الحق الثابت في الورقة التجارية بوجه عام من المظهر إلى المظهر إليه دون موافقة الأخير وعلى عكس حوالة الحق أنظر قضاء المحكمة الاتحادية العليا الطعن رقم 139 لسنة 19 تاريخ 28/11/1999، منشور على الموقع الالكتروني لشبكة قوانين الشرق:
www.castlaws.com/
5- مصطفى كمال ،طه، وائل أنور بندق، مرجع سابق، ص 85.
6- انظر: أبو زيد رضوان الأوراق التجارية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1980، ص 165 - 185 أكرم ياملكي وفائق الشماع القانون التجاري، جامعة بغداد، 1980 ، ص 238؛ محمود الكيلاني، الموسوعة التجارية والمصرفية المجلد الثالث - الأوراق التجارية، دراسة مقارنة دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان 2009 ، ص 156-147؛ أحمد زيادات وإبراهيم العموش الوجيز في التشريعات التجارية الأردنية ط1 دار وائل للنشر 1996، ص 304 . 306؛ بسام الطراونة، تظهير الأوراق التجارية، دار وائل، عمان، 2004، ص 286 - 313؛ ف فوزي محمد سامي، الأوراق التجارية في قانون دولة الإمارات العربية المتحدة، دار إثراء للنشر والتوزيع، عمان، 2011 ، ص 105 - 109
7- أنظر المادة 501.
8- مصطفى كمال طه ووائل أنور بندق، الأوراق التجارية ووسائل الدفع الالكترونية الحديثة، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية 2006، ص 86.
9- محمد محمود إبراهيم موجز الأوراق التجارية، دار الفكر العربي، 1982، ص 103.
10- محمد الهين، إشكالية الدفوع الناشئة عن انقضاء الالتزام الصرفي في الأوراق التجارية ونطاق قاعدة تطهير الدفوع، مجلة القصر - المغرب، العدد 11، ص 77 ، 2005. وتطبيقاً لذلك أنظر قرار محكمة التمييز الأردنية بصفتها الحقوقية رقم 1603/2004 (هيئة خماسية) تاريخ 25/10/2004، منشورات مركز عدالة، الذي جاء فيه « يستفاد من نصوص المواد 147، 224 من قانون التجارة أن التظهير يطهر الدفوع بحيث لا يستطيع من أقيمت عليه الدعوى بكمبيالات أو سند سحب أن يحتج على حامله بالدفوع المبيئة على علاقته الشخصية بمحرر الكمبيالات أو ساحب سند السحب ما لم يكن الحامل للسند حصل عليه بقصد الإضرار بالمدين.
11- وهذا ما أكدته محكمة التمييز الأردنية في قرارها رقم 78434 سنة 1979 منشورات مركز عدالة، حيث قضت على "أن التظهير يطهر الكمبيالة من الدفوع بحيث يحرم المسؤولين عن دفع قيمتها من الاحتجاج بها على الحامل إذا كان حسن النية، أي غير عالم بالعيب اللاحق بالكمبيالة وقت تظهيرها إليه".
12- تنص المادة 493 من قانون المعاملات التجارية الإماراتي على أنه تكون التزامات ناقص الأهلية غير المأذون له بالتجارة وعديم الأهلية الناشئة عن توقيعهما على الكمبيالة بأية صفة باطلة بالنسبة إليهما فقط، ويجوز لهما التمسك بهذا البطلان قبل كل حامل للكمبيالة».
13- الحامل الشرعي للكمبيالة هو المستفيد الأصلي وهو أول شخص استلم الكمبيالة من الساحب، أو الشخص الذي استقرت لدية الكمبيالة بعد سلسلة متصلة من التظهيرات، كما يعتبر حاملاً شرعياً الشخص الذي تنتقل إليه الكمبيالة عن طريق الوصية أو الهبة أو الإرث، ويكون من حقه تظهير الكمبيالة إلى الغير، ويعتبر أيضاً الوكيل الذي يعينه الحامل الشرعي للكمبيالة حاملاً شرعياً لها ويحق له القيام بكافة التصرفات القانونية التي تمنحه إياها الوكالة ومن ضمنها تظهير الكمبيالة إلى الغير.
14- Cass. Com. Fr, 9/nov/1993, D.P.D, 1993, p.1520; Cass. Com. Fr, 8/7/1997, D.P.D, 1997, p. 1120.
15- وهو ما استقر عليه القضاء الفرنسي، حسين يوسف غنايم، مرجع سابق، ص97.
16- مصطفى كمال طه ووائل أنور بندق، الأوراق التجارية ووسائل الدفع الالكترونية الحديثة، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية 2006 ، ص 93.
17- حسين يوسف غنايم، الأوراق التجارية وفقاً لأحكام قانون المعاملات التجارية الإماراتي رقم 18 لسنة 1993، ط1، مطبوعات جامعة الإمارات 2001، ، ص98.
18- عزيز العكيلي، شرح القانون التجاري الجزء الثاني الأوراق التجارية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2007، ص 93.
19- أنظر قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 88/245 ، سنة 1990، منشورات مركز عدالة، حيث جاء فيه: «إن قاعدة التظهير يطهر الدفوع ليست قاعدة مطلقة بمقتضى المادة 147 من القانون التجارة التي تنص على أنه ليس لمن أقيمت عليهم الدعوى بسند سحب أن يحتجوا على حامله بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بساحب السند أو بحملته السابقين ما لم يكن حامل السند قد حصل عليه بقصد الإضرار بالمدين إنما هي تمنع الذين أقيمت عليهم الدعوى من الاحتجاج بالدفوع المبنية على علاقاتهم الشخصية بساحب السند أو بحملته السابقين إنما قصد بها حماية الورقة التجارية من الدفوع التي تتعلق بصحة إصدارها مع استثناء بعض الحالات كالأهلية، ولذلك يستطيع المدين بالكمبيالة أن يدفع بمواجهة الحامل بالمقاصة إذا وجدت علاقة دائنيه ومديونية...».
20-Cass. Com. Fr, 7/10/1987, D, 1987, p.51 ; 7/11/1979, R.T.D., 1980, p.115; 29/3/1994, D, 1994, p. 182.
21- سميحة القليوبي، دار النهضة العربية، ط1، 1987، ص 108.
22- Cass. Com. Fr, 26/4/1994, D.P.D., 1994, p.1520.
23- Supra précedent.
24- مصطفى كمال طه، الأوراق التجارية والإفلاس، مكتبة الوفاء القانونية، الإسكندرية، 2010، ص 31
25- عزيز العكيلي، شرح القانون التجاري الجزء الثاني الأوراق التجارية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2007، ص 94؛ علي حسن يونس، الأوراق التجارية، مطبعة جامعة عين شمس، 1992، ص 172
26- علي حسن يونس، الأوراق التجارية، مطبعة جامعة عين شمس، 1992، ص 172.
27- علي حسن يونس، نفس المرجع، ص 173.
28- أبو زيد رضوان الأوراق التجارية في القانون الجديد رقم 17 لسنة 1999، ص 203 أنظر أيضا لطيفة الداودي، كمبيالة المجاملة، المجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن العدد 37، 2002، ص 129 .
29- عزيز العكيلي، مرجع سابق، ص 94.
30- Cass. Civ. Fr, 24/5/1982, G.P., 1982, p.340.
31- Cass. Com. Fr, 23/10/1990, J.C.P., 1991, n°21687; Cass. Com. Fr, 31/1/1981, D, 1981, p.337.
32- قضت محكمة التمييز الأردنية بقرارها رقم 88/605، سنة ، 1990، منشورات مركز عدالة، بأنه: «لا يشترط لصحة التظهير الناقل للملكية أن يقع قبل تاريخ الاستحقاق إذ أن المادة 150 من قانون التجارة تنص على أن التظهير اللاحق لزمان الاستحقاق يكون له أحكام التظهير السابق ويترتب عليه نفس الآثار التي تترتب على التظهير السابق». وقضت أيضاً محكمة النقض المصرية بقرارها رقم 83 بجلسة /1975/4/28 منشور على الموقع الالكتروني لشبكة قوانين الشرق /www.eastlaws.com بأنه لا وجه للتفرقة بين التظهير الحاصل قبل ميعاد الاستحقاق والتظهير الحاصل بعد هذا الميعاد إذ يكون لكل منهما ذات الآثار القانونية من حيث ملكية السند وتطهير الدفوع وإذا خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وانتهى إلى أن التظهير الحاصل بعد ميعاد الاستحقاق يعتبر تظهيراً توكيلياً لا ينقل ولا يطهر الدفوع، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه».
33- لقد ذكرت محكمة التمييز الأردنية بقرارها 28 ،73 سنة 1973 ، منشورات مركز عدالة، بأنه: «إذا تم تجيير الكمبيالات المدعى بقيمتها بعد انقضاء الأجل المحدد قانوناً لتقديم الاحتجاج وهو أحد يومي العمل التاليين ليوم الاستحقاق طبقاً لنص الفقرة الرابعة من المادة 182 من قانون التجارة فإن هذه الحوالة لا تنتج سوى آثار الأحكام بحو واله الحق المقرر بالقانون المدني عملاً بالفقرة الثانية من المادة 150 من نفس القانون».
الاكثر قراءة في الاوراق التجارية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة
الآخبار الصحية

قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاباً يوثق تاريخ السدانة في العتبة العباسية المقدسة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)