x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

طـرق اثبات وثاقة الـراوي.

المؤلف:  الشيخ باقر الايرواني.

المصدر:  دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

الجزء والصفحة:  ص59 ـ 96.

28-8-2016

6206

وفي مجال بحثنا عن النقطة الأولى نقول: ذُكرت عدة طرق لإثبات وثاقة الراوي( 1) انهاها الوحيد البهبهاني إلى تسع وثلاثين طريقاً، نتعرض إلى المهم منها وهو: ـ

1- نص احد المعصومين (عليهم السلام):

إذا نص المعصوم (عليه السلام) على وثاقة راوٍ معين فلا اشكال في ثبوت الوثاقة بذلك.

وقد جمع الكشي في كتابه المعروف كثيراً من الروايات الواردة في حق الرواة، بل ان كتابه المذكور ليس إلّا جمعاً لتلك الروايات.

مثال ذلك: ما ذكره ـ الكشي ـ في ترجمة محمد بن سنان تحت رقم 965 بسنده المنتهي إلى محمد بن اسماعيل بن بزيع: ان أبا جعفر (عليه السلام) كان يلعن صفوان ابن يحيى ومحمد بن سنان، فقال انهما خالفا أمري.

قال فلما كان من قابل قال أبو جعفر (عليه السلام) لمحمد بن سهل البحراني تولَّ صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان فقد رضيت عنهما.

ان رضا الإمام (عليه السلام) عن صفوان ومحمد بن سنان قد يفهم منه الفقيه توثيق الشخصين المذكورين كما هو ليس ببعيد.

وينبغي الالتفات إلى ان الرواية التي تدل على توثيق شخص لا بدَّ وان لا يكون الراوي لها عن المعصوم (عليه السلام) نفس الشخص الذي يراد اثبات وثاقته و إلّا كان ذلك أشبه بالدور.

مثال ذلك: ما ذكره الكشي في كتابه تحت رقم 758 في ترجمة علي بن أبي حمزة البطائني ـ الذي وقع الاختلاف الشديد في وثاقته ـ من ان أبا الحسن (عليه السلام) قال له: قد سألتُ الله ان يغفر لك.

ان الرواية المذكورة لا يمكن الاستناد إليها في اثبات وثاقة البطائني لأن الراوي لها عن الإمام (عليه السلام) هو نفسه.

ومن الغريب ما ذهب إليه بعض الأعلام من كفاية مثل ذلك في اثبات التوثيق اما بدعوى ان الشيعي لا يكذب على إمامه ولا ينسب له رواية كاذبة أو بدعوى ان مثل الرواية المذكورة تفيد الظن بالوثاقة، والظن حجة في باب التوثيقات.

وممن يظهر منه تبني هذا المسلك المحدث النوري في ترجمة عمران ابن عبد الله القمي، فانه قال ما لفظه: «روى الكشي خبرين فيهما مدح عظيم لا يضر ضعف سندهما بعد حصول الظن منهما»(2 ).

ويرد على الدعوى الأولى ان الإمامي غير الملتزم بخط الشريعة لا مانع له من الكذب على إمامه، واقصى ما يحصل هو الظن بعدم صدور الكذب منه، ومطلق الظن ليس حجة.

كما ويرد على الدعوى الثانية ان اثبات حجية الظن في باب التوثيقات يحتاج إلى دليل، وهو مفقود.

2- نص بعض الرجاليين المتقدمين:

الرجالي الذي يقوم بالتوثيق والتضعيف تارة يكون من المتقدمين كالنجاشي والشيخ الطوسي وأُخرى يكون من المتأخرين كالعلّامة وابن طاووس.

والذي يراد الإشارة له الآن هو نص بعض الرجاليين المتقدمين على وثاقة شخص، واما نص بعض المتأخرين فتأتي الإشارة له فيما بعد ان شاء الله تعالى. والوجه في حجية توثيق المتقدمين ـ على ما قيل ـ هو ان مثل النجاشي ثقة، وحيث ان خبر الثقة حجة بالسيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع بسبب عدم الردع فتثبت حجية توثيق مثل النجاشي.

والإخبار عن الوثاقة وان كان إخباراً عن موضوع من الموضوعات(3 )وليس اخباراً عن حكم شرعي إلّا ان دليل حجية خبر الثقة ـ وهو السيرة العقلائية ـ عام للإخبار عن الموضوع أيضاً خلافاً لبعض حيث اختار اختصاص الحجية بما إذا كان الإخبار عن حكم.

لا يقال: إن خبر الثقة وان كان حجة بالسيرة العقلائية إلّا ان ذلك فيما إذا كان الإخبار اخباراً عن حس دون ما إذا كان عن حدس واجتهاد، ومن الواضح ان النجاشي حينما يوثّق زرارة مثلاً فحيث انه ليس معاصراً له كان اخباره عن وثاقته إخباراً عن حدس لا عن حس.

فانه يقال: إن النجاشي وان لم يكن معاصراً لزرارة إلّا ان إخباره عن وثاقته يحتمل كونه إخباراً عن حس، ومع احتمال كونه عن حس يلزم البناء على ذلك ـ أي كونه اخباراً عن حس ـ لأصالة الحس العقلائية عند دوران الإخبار بين كونه عن حس أو عن حدس.

اذن لنا دعويان لا بدَّ من اثباتهما: ـ

احداهما: ان إخبار النجاشي عن وثاقة زرارة يحتمل كونه عن حس.

ثانيتهما: لا بدَّ من البناء على الحس عند الدوران بينه وبين الحدس.

اما بالنسبة إلى الدعوى الأولى فيمكن ان يقال في اثباتها ان مجرد عدم المعاصرة الزمنية بين زرارة والنجاشي لا يستلزم كون اخباره عن وثاقته إخباراً عن حدس، فنحن نخبر عن وثاقة الشيخ الطوسي والأنصاري والآخوند الخراساني ونظائرهم من علمائنا المتقدمين، ولكن هل ان اخبارنا عن ذلك اخبار عن حدس؟ كلا انه اخبار عن حس، فان وثاقة امثال هؤلاء الأعلام واضحة في زماننا كوضوح الشمس في رابعة النهار.

ونفس الشيء يمكن ان نقوله في توثيق النجاشي لزرارة فان الكتب الرجالية المعدَّة للتوثيق والتضعيف كانت كثيرة في الفترة التي عاشها النجاشي والشيخ الطوسي وحصل الوضوح نتيجة تلك الكتب.

ولعل أول من تصدَّى للتأليف في هذا المجال هو الحسن بن محبوب الراوي الجليل حيث ألفَّ كتابه المعروف بالمشيخة(4 ) وتلته كتب أخرى على ذلك المنوال.

وقد تصدى الشيخ أغا بزرك الطهراني (قدس سره) بجمع من الَّف في المجال المذكور في كتاب سماه بمصفى المقال ذكر فيه ما يزيد على مائة تأليف.

ومما يؤكد ما نقول تعبير الشيخ الطوسي في عدته حيث قال: «انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء... وصنفوا في ذلك الكتب...».

والنجاشي يعبر احياناً في ترجمة بعض الرواة ويقول: «ذكره اصحاب الرجال».

واما بالنسبة إلى الدعوى الثانية فيمكن ان نقول في اثباتها ان العقلاء إذا اخبرهم ثقة بخبر فلا يأخذون بالتدقيق معه وان اخبارك عن حس أو عن حدس بل مادام يحتمل نشوؤه عن حس فهم يبنون عليه.

هكذا قيل في توجيه توثيقات المتقدمين( 5).

اشكال وجواب

ومن خلال ما ذكرناه يتضح اندفاع الاشكالين التاليين: ـ

1- ما افاده الشيخ فخر الدين الطريحي في كتابه المعروف بتمييز المشتركات حيث ذكر ان توثيقات المتقدمين بما انها مبنية على الحدس دون الحس فيشكل الاعتماد عليها.

والجواب: ان احتمال نشوئها عن حس موجود للبيان المتقدم، وبضم اصالة الحس العقلائية يتعين الحكم بكون منشأها الحس.

2- ما اشير إليه في كثير من الكلمات من ان توثيقات المتقدمين وان سلم نشوئها عن حس ومن باب نقل ثقة عن ثقة وكابر عن كابر إلّا ان النجاشي مثلاً حينما يوثق شخصاً لا يذكر اسماء سلسلة من يستند إليه في نقل التوثيق، ومع عدم ذكره لأسمائهم يكون اخباره عن الوثاقة بمثابة الخبر المرسل، وهو ليس حجة.

وان شئت قلت: ان النجاشي نفسه لو كان ينقل حكماً شرعياً عن الإمام بواسطة سلسلة من الثقات من دون اشارة لأسمائهم فهل يقبل نقله ؟كلا بل يكون اخباره مرسلاً وساقطاً عن الحجية لاحتمال ان احد رجال السند له جارح.

فاذا كان اخبار النجاشي لا يُقبل في باب الأحكام إذا كان مرسلاً ومن دون تصريح باسم السلسلة فيلزم ان لا يقبل إذا نقل الوثاقة بشكل مرسل أيضاً لعدم الفرق.

وهذا الاشكال ظريف وقوي حتى قال البعض ان من قدَّم لي حلاً له قدَّمت له جائزة وكنت له شاكراً (6 ).

والجواب عنه على ضوء ما تقدم: ان وثاقة امثال هؤلاء يمكن ان تكون واضحة كوضوح وثاقة الشيخ الأنصاري والآخوند عندنا، ومع هذا الوضوح لا تكون شهادة النجاشي بوثاقة زرارة اخباراً عن حدس حتى يرد الاشكال بلزوم رفضها لاستنادها إلى الحدس كما ولا تكون من باب اخبار شخص عن شخص ليكون اخباراً مرسلاً بعد جهالة الواسطة بل لشقٍ ثالث غيرهما وهو الوضوح فيندفع الاشكال.

و إذا قيل بان الوضوح لا يمكن ان يكون هو المنشأ للإِخبار و إلّا فكيف نفسر الاختلاف الحاصل بين الشيخ والنجاشي في بعض الحالات فالشيخ قد يوثّق شخصاً والنجاشي يضعفه أو بالعكس.

كان الجواب: ان هذا الاختلاف لا يدل على عدم الوضوح، ففي زماننا هذا قد أختلف انا وأنت في شخص معين معاصر لنا فأحدنا يوثقه والآخر يفسقه وكل منا يرى وضوح ما يدعيه.

هذا ما قيل في دفع الاشكال المذكور ونعود ان شاء الله تعالى له ثانية عند التحدث عن النقطة الثالثة المتكفلة للبحث عن الوجه في حجية قول الرجالي.

3- نص أحد الأعلام المتأخرين

وقع الاختلاف بين الأعلام في ان توثيقات المتأخرين ـ كالعلّامة وابن طاووس وابن داود والشهيد الثاني ـ هل هي مقبولة أو لا؟ المعروف قبولها إلّا ان البعض كالسيد الخوئي وآخرين اختاروا العدم.

ولكل من الرأيين توجيهه الخاص.

توجيه عدم حجية توثيقات المتأخرين

اما من رفض قبول توثيقات المتأخرين فاستدل على ذلك بان توثيقات مثل العلّامة لا تخلو من  احد أمرين فإما هي مستندة إلى توثيقات المتقدمين لو كان لهم توثيق أو هي مستندة إلى الحدس والاجتهاد لو لم يكن للمتقدمين توثيق، وليست هي ناشئة من الحس والعثور على بعض الكتب الرجالية التي لم يعثر عليها المتقدمون.

والوجه في عدم نشوؤه عن حس: ان السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ الطوسي، واصبح كل من ينقل من بعد زمان الشيخ الطوسي شيئاً من التوثيق أو التضعيف معتمداً على الشيخ نفسه.

ومما يؤكد ما نقول ان المتأخرين لو كان لهم طريق وسلسلة لا تمرُّ بالشيخ الطوسي لذكروا ذلك الطريق والحال انا نجد ان كل ما لديهم من طرق تمرُّ بالشيخ الطوسي، فالعلّامة الحلي في اجازته الكبيرة لبني زهرة(7 ) يذكر طرقه إلى جميع الكتب التي ينقل عنها وجميعها ينتهي إلى الشيخ الطوسي (قدس سره).

وهذا مما يدلل على عدم وجود طريق مستقل للعلاّمة يغاير طريق الشيخ الطوسي.

هذا مضافاً إلى استبعاد وجود طريق مستقل للمتأخرين لا يمر بالشيخ الطوسي فانه لو كان لا طلع عليه الشيخ نفسه.

توجيه قبول توثيقات المتأخرين وفي مقابل ما تقدم استدل اصحاب الرأي الآخر بان من المحتمل قوياً عثور مثل العلّامة على بعض الكتب التي يذكر فيها توثيق بعض الرواة لم تصل بيد الشيخ والنجاشي، فكم عثر المتأخرون على ما لم يعثر عليه المتقدمون.

فهذا ابن ادريس قد عثر على بعض الاُصول الاربعمائة واستخرج منها بعض الأحاديث والفَّ منها القسم الأخير من كتابه المسمى بمستطرفات السرائر.

والسيد رضي الدين ابن طاووس عثر على قسم آخر منها وسجل بعض ذلك في كتابه المسمى بكشف المحجة.

وفي عصرنا الأخير عثر السيد محمد الحجة المعروف بالسيد الكوهكمري على ستة عشر اصلاً قام بطبعها تحت عنوان الاُصول الستة عشر.

وينقل الشيخ النائيني في اجود التقريرات ج2 ص93 انه كان عند المحدث الشيخ ميرزا حسين النوري ما يقرب من خمسين اصلاً.

و إذا كان هذا ثابتاً في الاُصول الأربعمائة فمن الممكن حصول مثله في الكتب الرجالية أيضاً فيعثر على بعضها المتأخرون دون المتقدمين.

واما دعوى انه لو كان هناك طريق للمتأخرين إلى تلك التوثيقات لا يمرُّ بالشيخ الطوسي لكان نفس الشيخ الطوسي مطلعاً عليه فهي مدفوعة بأن لازم ما ذكر الاشكال في توثيقات الشيخ نفسه لبعض الرواة إذا وثّقهم هو فقط دون النجاشي أو بالعكس، فانه لو كان هناك طريق قد عثر عليه  أحدهما فمن اللازم اطلاع الثاني عليه.

الصحيح من الرأيين:

والصحيح في نظرنا هو الرأي المنكر لحجية توثيقات المتأخرين.

ونركز حديثنا حول توثيقات العلّامة الحلي الذي هو أهم المتأخرين في هذا المجال، ومن خلال ذلك يتضح الحال في توثيقات غيره من المتأخرين.

وفي البداية نلفت النظر إلى ان الموارد التي اختص فيها العلّامة بالتوثيق من دون مشاركة الشيخ الطوسي أو النجاشي اياه نادرة جداً.

وعليه فثمرة هذا البحث تختص بهذه الموارد النادرة، إذ في موارد الاشتراك يحكم بالتوثيق من جهة شهادة الشيخ أو النجاشي بلا حاجة إلى التشبث بتوثيق العلّامة.

والوجه في عدم حجية توثيقات العلّامة: ان الاعتماد على شهادته اما من جهة جريان اصالة الحس في حقه بعد احتمال استناده إلى الحس أو من جهة كونه من أهل الخبرة.

وكلاهما قابل للتأمل.

اما الأول: فلعدم الجزم بانعقاد سيرة العقلاء على الاعتماد على اصالة الحس في حق مثل العلّامة الذي تلّوح كثير من كلماته اعتماده على الحدس في التوثيق.

وعلى سبيل المثال نراه في ترجمة إبراهيم بن هاشم يقول: «لم اقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص. والروايات عنه كثيرة. والارجح قبول قوله».

ان التعبير بجملة «والأرجح قبول قوله» بعد اعترافه بخلو الكتب الرجالية من التوثيق يدل على اعمال الحدس والاجتهاد.

ويقول في ترجمة إبراهيم بن سليمان بن عبد الله «ضعّفه ابن الغضائري... والنجاشي وثّقه كالشيخ فحينئذ يقوى عندي العمل بما يرويه».

ان تعبيره بـ «يقوى...» بعد اعترافه بتعارض الجرح والتعديل يدل على اعماله الاجتهاد والحدس.

ويقول في ترجمة اسماعيل بن مهران: «والأقوى عندي قبول روايته لشهادة الشيخ ابي جعفر الطوسي والنجاشي له بالثقة».

وفي ترجمة ادريس بن زياد يقول: «الأقرب عندي قبول روايته لتعديل النجاشي له.

وقول ابن الغضائري لا يعارضه لأنه لم يجرحه في نفسه ولا طعن في عدالته».

وفي ترجمة أحمد بن اسماعيل بن سمكة يقول: «لم ينص علماؤنا عليه بتعديل ولم يرد فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها عن المعارض».

إلى غير ذلك من الموارد التي هي ظاهرة في اعماله الاجتهاد والنظر كما نعمل نحن ذلك في توثيق بعض الرواة.

واما الثاني: وهو الاعتماد عليه من باب كونه من أهل الخبرة ـ فلانا لا نسلم بزيادة خبروية العلّامة علينا بدرجة تصحح صدق عنوان أهل الخبرة عليه، فان العنوان المذكور انما يصدق على الشخص فما لو غاص في الكتب والمكتبات وتوصل إلى ما لم نتوصل إليه، اما إذا نظر إلى مقدار محدود من الكتب لا يزيد على ما وصل الينا ـ غايته اعمل رأيه كما نعمل نحن رأينا احياناً ـ فلا يصدق عليه ذلك، فهل من الحق ان نحكم بخبروية العلّامة حينما اعتمد على إبراهيم بن هاشم عندما قال: «لم اقف لأحد... والأرجح قبول قوله» أو حينما اعتمد على إبراهيم بن سلامة حينما قال: «وكيل من أصحاب الكاظم (عليه السلام) لم يقل فيه الشيخ غير ذلك. والأقوى عندي قبول روايته».

ان العلّامة غالباً ما وبدرجة 90% يعتمد على توثيقات الشيخ النجاشي، وفي غيرها يعتمد على اعمال الحدس، ومثل ذلك لا يُصحح صدق الخبروية عليه لأننا نملك ذلك أيضاً دون أي فارق.

و إذا قيل بان العلّامة كانت عنده كتب رجالية لا نملكها نحن من قبيل رجال ابن الغضائري أو رجال العقيقي أو رجال ابن عقدة فكيف لا تكون له ميزة علينا.

كان الجواب ان وصول مثل الكتب المذكورة للعلاّمة غير مهم، لأن رجال ابن الغضائري لا نطمئن بوصول نسخة صحيحة وبطريق معتبر إليه، كيف والشيخ الطوسي ينقل في مقدمة الفهرست ص 2 ان ابن الغضائري قد «عمل كتابين أحدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الاُصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه غير ان هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من اصحابنا واخترم هو (رحمه الله) وعمد بعض ورثته إلى اهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه».

واما رجال السيد علي بن أحمد العقيقي الذي هو اسبق فترة من الشيخ الطوسي فلا يصلح للاعتماد عليه لان العلامة ذكر السيد العقيقي في القسم الثاني من كتابه الذي خصصه لذكر من لا يعتمد عليه.

واما رجال ابن عقدة فقد كان موجوداً لدى الشيخ والنجاشي واستفادا منه كل ما فيه ولم يُبقيا للعلاّمة شيئاً يمكنه من خلاله اكتساب عنوان الخبروية وتميّزه بذلك علينا.

اصالة العدالة في كلمات العلّامة الحلي:

قيل بأن توثيقات العلّامة يمكن التأمل في قبولها من ناحية انه يعتمد في بعض توثيقاته على أصالة العدالة، أي ان الأصل في كل إمامي لم يرد فيه تضعيف ولا توثيق هو العدالة.

وحيث اننا لا نقبل الأصل المذكور فلا يصح لنا الاعتماد على توثيقاته.

واُستشهد لاعتماده على أصالة العدالة ببعض المواضع من كلامه: ـ

1- ما ذكره في ترجمة إبراهيم بن هاشم ص 4 حيث قال ما نصه: «ولم اقف لأحد من اصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص. والروايات عنه كثيرة. والأرجح قبول قوله».

ان حكمه بأرجحية قبول قوله لا يتم إلّا بناء على أصالة العدالة وثبوتها في حق من لم يرد في حقه ضعف ولا توثيق.

2- ما ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة ص 17 حيث قال ما نصه: «ولم ينص علماؤنا عليه بتعديل، ولم يرد فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها عن المعارض».

أقول: لعل أول من عُرف بتبنيه لأصالة العدالة هو ابن الجنيد، فان الشيخ الأعظم في رسالة العدالة الملحقة بآخر المكاسب وفي ص 326 ذكر ان أحد معاني العدالة كونها بمعنى الإسلام وعدم ظهور الفسق حيث قال: وهو المحكي عن ابن الجنيد والمفيد في كتاب الاشراف والشيخ في الخلاف مدعياً عليه الاجماع.

هذا وعبارة العلّامة في الموضعين المذكورين ليست صريحة في الاستناد إلى اصالة العدالة.

وله عبائر اُخرى اوضح تدل على عدم اعتقاده بأصالة العدالة نذكر منها: ـ

قوله في ترجمة اسماعيل بن الخطاب ص 10 بعد ان ذكر ورود رواية يترحم فيها الإمام (عليه السلام) على إسماعيل بقوله رحم الله اسماعيل بن الخطاب: «ولم يثبت عندي صحة هذا الخبر ولا بطلانه فالأقوى الوقف في روايته».

فلو كان يبني على أصالة العدالة فلماذا الوقف في روايته.

وقوله في ترجمة أحمد بن حمزة ص 18: «روى الكشي عن حمدويه عن اشياخه قال كان في عداد الوزراء، وهذا لا يثبت عندي عدالته».

وقوله في ترجمة بشير النبال ص 25: «روى الكشي حديثا... ليس صريحاً في تعديله فانا في روايته متوقف».

وقوله في ترجمة ثوير بن أبي فاخته ص 30 بعد نقل حديث في حقه: «وهذا لا يقتضي مدحاً ولا قدحاً فنحن في روايته من المتوقفين».

  إلى غير ذلك من الموارد التي يمكن العثور عليها بالتتبع في كلماته.

بل ان منهجته الخاصة لكتابه تدل على عدم اعتقاده بإصالة العدالة حيث قسم كتابه إلى قسمين ففي القسم الأول يذكر من يعتمد على روايته وفي القسم الثاني يذكر من لا يعتمد على روايته اما لثبوت ضعفه عنده أو للاختلاف في توثيقه وتضعيفه أو لكونه مجهولاً عنده.

انه بناء على اعتقاده بإصالة العدالة لا معنى لذكره مجهول الحال في القسم الثاني الذي خصصه لمن لا يعتمد على روايته بل لا بدَّ من ذكره في القسم الأول.

تطبيقات عملية

1- قال الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة في أول حديث ذكره بعد المقدمة ما نصه: محمد بن يعقوب الكليني (رضي الله عنه) عن ابي علي الأشعري عن الحسن بن علي الكوفي عن عباس بن عامر عن إبان بن عثمان عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية.

ان الحديث المذكور ينقله الحرُّ العاملي من كتاب الكافي بقرينة قوله محمد ابن يعقوب الكليني.

وللتعرف على صحة السند المذكور لا بدَّ من دراسة رجاله.

أما محمد بن يعقوب الكليني فهو غني عن التعريف وكالشمس في رابعة النهار إلّا انه لمزيد الاطلاع نذكر مقالة النجاشي في حقه: «شيخ اصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان اوثق الناس في الحديث واثبتهم، صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي(8 ) في عشرين سنة... كنت اتردد إلى المسجد وجماعة من اصحابنا يقرأون كتاب الكافي على ابي الحسين أحمد بن محمد الكوفي الكاتب...»(9 ).

واما أبو علي الأشعري فهو كنية لأحمد بن ادريس شيخ الكليني الذي يروي عنه في الكافي كثيراً.

قال عنه النجاشي: «كان ثقة فقيهاً في اصحابنا كثير الحديث صحيح الرواية».

ونفس المضمون ذكره الشيخ الطوسي(10 ).

واما الحسن بن علي الكوفي فهو الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة البجلي.

قال النجاشي عنه: «ثقة ثقة»(11 ).

واما العباس بن عامر فقد قال عنه النجاشي: «الشيخ الصدوق الثقة كثير الحديث»( 12).

 

واما أبان بن عثمان فقد ذكره النجاشي والشيخ ولكنهما لم يوثقاه بَيْد انه يمكن اثبات وثاقته من خلال دعوى الكشي اجماع الطائفة على وثاقة ستة من وينبغي الالتفات إلى انه يكفينا توثيق أحد العلمين: النجاشي أو الشيخ، ولا يلزم ثبوت توثيقهما معاً لجريان السيرة العقلائية على الاكتفاء بتوثيق الواحد في اثبات الوثاقة.

أجل توثيق أحد العلمين يكفي بشرط عدم تضعيف الآخر و إلّا سقط.

أصحاب الصادق (عليه السلام) أحدهم أبان بن عثمان، حيث عقد عنواناً بالشكل التالي: تسمية الفقهاء من اصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) ثم قال: «اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون واقروا لهم بالفقه: جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عثمان وحماد بن عيسى وأبان بن عثمان».

وتقريب حجية الاجماع المذكور ان يقال: ان الاجماع المذكور إذا كان حقاً وثابتاً في الواقع فهو دليل على وثاقة هؤلاء، و إذا لم يكن ثابتاً واقعاً فيمكن ان يقال ان نفس دعوى الكشي الاجماع المذكور تستبطن شهادة ضمنية منه على وثاقة الستة المذكورة.

و إذا قيل ان قيام الاجماع على تصحيح رواية هؤلاء لا يستلزم الاجماع على الوثاقة، لأن تصحيح الرواية يعني قبولها، وقبول الرواية من شخص لا يعني توثيقه، إذ لعلها تقبل من باب احتفافها بقرائن خاصة أوجبت العلم بصدقها.

كان الجواب ان هذا وجبه فيما لو انعقد الاجماع على قبول رواية معينة لشخص، اما إذا انعقد على قبول جميع رواياته فذلك يساوق الحكم بوثاقته.

واما الفضيل بن يسار فقد وثّقه الشيخ والنجاشي.

وقد روى الكشي في حقه جملة من الأحاديث منها ان الإمام الصادق (عليه السلام) كان إذا رأى الفضيل يقول: «بشر المخبتين. من أحبّ ان يرى رجلاً من أهل الجنة فلينظر إلى هذا».

وفي رواية اُخرى كان (عليه السلام) إذا رآه يقول: «مرحباً بمن تأنس به الأرض».

وينقل عن الشخص المتصدي لتغسيل الفضيل عند موته إنه كان يقول: اني لا غسل الفضيل وان يده لتسبقني إلى عورته فخبّرت بذلك أبا عبد الله (عليه السلام) فقال لي رحم الله الفضيل بن يسار وهو منّا أهل البيت»(13 ).

ومن خلال هذا كله يتضح ان جميع رجال السند ثقات وان الرواية حجة.

2- والرواية الثانية نقلها الحرُّ العاملي بهذا الشكل: وعن علي بن إبراهيم عن ابيه وعبد الله بن الصلت جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الإسلام... والرواية المذكورة ينقلها الحرُّ عن الكافي بقرينة ابتداء السند بعلي بن إبراهيم، فان الكليني هو الذي يروي في الكافي عن علي بن إبراهيم.

وعلي بن إبراهيم هو صاحب التفسير المعروف بتفسير القمي، وهو غني عن التعريف.

وقد قال النجاشي في حقه: «ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب...»(14 ).

ويكفي في اثبات وثاقته ان الكليني قد نقل ما يقرب من ثلث روايات الكافي عنه، ونحن لا نحتمل ان الكليني ينقل ثلث روايات كتابه عن شخص لا يعتقد بوثاقته، انه ليس من شأن العاقل ذلك.

واما والد علي المعروف بإبراهيم بن هاشم فقد أكثر ولده النقل عنه، وقد ذكره النجاشي والشيخ من دون توثيق.

وغاية ما ذكرا في حقه انه كوفي انتقل إلى قم واصحابنا يقولون انه أول من نشر حديث الكوفيين بقم.

وقد استفيد من هذا التعبير مدح الرجل دون توثيقه، ومن هنا تعدُّ الرواية التي يرد في سندها حسنة لا صحيحة(15 ).

وقد تمسّك السيد الخوئي (قدس سره) لإثبات وثاقته برواية ولده عنه في تفسيره وقد قال ـ ولده ـ في مقدمة التفسير انه يروي تفسيره عن الثقات كما وتمسك لإثبات توثيقه بوروده في اسناد

كامل الزيارات الذي شهد مؤلفه جعفر بن محمد ابن قولويه في المقدمة بوثاقة جميع من ورد اسمه فيه.

والأنسب في نظرنا لإثبات توثيقه ان يقال: ـ

أ ـ ان نشر حديث الكوفيين في مدرسة قم المعروفة بالتشدد لا نحتمل امكان تحقيقه إلّا من رجل جدير بقبول الأحاديث منه، وهو ليس إلّا من كان ثقة بل في أعلى درجاتها.

وهل يحتمل قبول الأحاديث في أجواء تلك المدرسة المتشددة من شخص لم تثبت وثاقته.

ب ـ ان ولده قد أكثر الرواية عنه جدا، ونحن لا نحتمل ان هذا الاكثار قد تحقق بالرغم من عدم الاعتقاد بالوثاقة.

واما عبدالله بن الصلت فقد قال عنه النجاشي: «ثقة مسكون إلى روايته»( 16).

وينبغي الالتفات إلى انه يكفينا وثاقة أحد الرجلين ـ أي إبراهيم بن هاشم أو عبد الله بن الصلت ـ ولا يلزم ثبوت وثاقتهما معاً وان كانا صدفة ثقتين.

واما حماد بن عيسى فهو الجهني غريق الجحفة. قال النجاشي عنه: «كان ثقة في حديثه صدوقا»(17 ).

وقد طلب من الإمام الكاظم (عليه السلام) ان يدعو له بان يرزقه الله داراً وزوجة وولداً وخادماً والحج كل سنة فقال (عليه السلام): اللهم صلِ على محمد وآل محمد وارزقه داراً وزوجة وولداً وخادماً والحج خمسين سنة, قال حماد فلما اشترط خمسين سنة علمت اني لا أحج أكثر من خمسين سنة، فقال حماد وحججت ثماني واربعين سنة، وهذه داري قد رزقتها وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي وهذا ابني وهذا خادمي وقد رزقت كل ذلك.

وحَج بعد ذلك حجتين تمام الخمسين ثم خرج بعد الخمسين حاجاً فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرق رحمه الله تعالى(18 ).

واما حريز بن عبد الله فهو السجستاني. قال عنه الشيخ: «ثقة كوفي»( 19).

وقد قيل في سبب قتل حريز انه كان يسكن سجستان مع أصحاب له وكان الغالب على البلد المذكور الشراة(20 )، وكانوا يسمعون منهم ثلبَ أمير المؤمنين (عليه السلام)وسبه فيخبرون حريزاً ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه ذلك فإذن لهم، فلا يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل ولا يحتملون صدور ذلك من الشيعة لقلة عددهم وكانوا يتهمون المرجئة ويقاتلونهم، ولما وقفوا على حقيقة الأمر اخذوا في طلب الشيعة فاجتمع حريز واصحابه في المسجد فعرقبوا عليهم المسجد وقلبوا أرضه عليهم رحمهم الله تعالى( 21).

ولحريز كتاب يعرف بكتاب الصلاة وهو من الكتب المشهورة والتي عليها المعول على ما ذكر الصدوق في مقدمة الفقيه ج1 ص3.

ويدخل حماد بن عيسى يوماً على الإمام الصادق (عليه السلام) ويقول له: تحسن ان تصلي يا حماد، فقال: يا سيدي انا احفظ كتاب حريز في الصلاة، فقال (عليه السلام): لا عليك قم صل، فلما صلى صلاته التي لا تتناسب وشيعة جعفر الصادق (عليه السلام) قال (عليه السلام): ما اقبح بالرجل منكم ان يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة(22).

ان الرواية المذكورة تدل على مدى أهمية كتاب حريز حتى ان حماداً كان يحفظه.

واما زرارة فهو غني عن التعريف.

ويكفينا في تقريظه قول الإمام الصادق (عليه السلام) لجميل بن دراج: بشرّ المخبتين بالجنة: بريد بن معاوية العجلي وابا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست(23 ).

تنبيـه:

ذكر صاحب الوسائل عند نهاية الخبر المذكور ما نصه: «ورواه أحمد بن ابي عبد الله البرقي في المحاسن عن عبد الله بن الصلت بالإسناد المذكور».

والمقصود من هذه العبارة الاشارة إلى ان الخبر المذكور لا يختص الشيخ الكليني بنقله بل قد نقله البرقي في كتابه المعروف بالمحاسن.

والبرقي ينقله عن عبد الله بن الصلت عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة الذي هو الاسناد المتقدم في رواية الكليني.

ونلفت النظر إلى انه بعد ان ثبت لدينا صحة الطريق السابق للكليني فلا نحتاج بعد ذلك إلى اثبات صحة الطريق الثاني للبرقي.

بَيْد انه لو فرضنا عدم صحة الطريق السابق فكيف نثبت صحة الطريق المذكور.

انه يلزمنا أولاً ان نعرف طريق صاحب الوسائل إلى البرقي ثم نعرف طريق البرقي إلى الإمام (عليه السلام).

اما طريق صاحب الوسائل إلى البرقي فهو صحيح لأنه ذكر في آخر الوسائل ان جميع الكتب التي ينقل عنها كالمحاسن وغيره قد وصلت اليه بعدة طرق تنتهي إلى الشيخ الطوسي.

و إذا رجعنا إلى فهرست الشيخ الطوسي في ترجمة البرقي وجدنا له طريقاً معتبراً إليه.

وبذلك يثبت صحة طريق الحرِّ إلى البرقي.

واما طريق البرقي إلى الإمام (عليه السلام) فقد تقدم عند بيان طريق الكليني انه صحيح.

ويبقى علينا أيضاً ان نعرف حال البرقي، وحيث انه ثقة فلا اشكال إذن في الطريق المذكور من هذه الناحية أيضاً.

3- قال صاحب الوسائل في الرواية الثالثة ما نصه: «وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الا... وهذه الرواية ينقلها الحرُّ عن الكافي أيضاً بقرينة انه ابتدأ السند بمحمد بن يحيى الذي هو شيخ الكليني ويروي عنه كثيراً.

هذا مضافاً إلى انه قد ذكرها بعد الروايتين السابقتين المنقولتين عن الكليني، فلو اراد النقل عن الشيخ الطوسي مثلاً لابتدأ السند بمحمد بن الحسن الطوسي، ولكنه مادام مستمراً في النقل عن الكليني فلا حاجة له إلى تكرار ذكر اسم الكليني كل مرة.

وللتعرف على حال السند المذكور نقول:

اما محمد بن يحيى فهو محمد بن يحيى العطار القمي الأشعري شيخ الكليني والذي يروي عنه كثيراً في الكافي.

يقول عنه النجاشي: «شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث»(23).

واما أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الرجل العظيم المعروف بكثرة الرواية والوثاقة.

والاسم المذكور وان كان مشتركاً بين جماعة متعددين إلّا اننا جزمنا بكونه ابن عيسى الأشعري من خلال رواية محمد بن يحيى عنه لأن محمد بن يحيى يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى وهو تلميذه الملازم له.

قال عنه النجاشي: «أبو جعفر (رحمه الله) شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع وكان أيضاً الرئيس الذي يلقي السلطان. ولقي الرضا (عليه السلام)»( 24).

واما علي بن النعمان فهو على ما قال النجاشي: «كان علي ثقة وجهاً ثبتاً صحيحاً واضح الطريقة»( 25).

وقد قيل انه اجتمع ثلاثة في المسجد الحرام هم صفوان بن يحيى وعبد الله ابن جندب وعلي بن النعمان فتعاقدوا جميعاً ان مات واحد منهم يصلي من بقي بعده صلاته ويصوم ويحج ويزكي عنه مادام حياً، فمات علي وعبد الله وبقي صفوان بعدهما، وكان يفي لهما بذلك(26 ).

واما ابن مسكان فهو عبد الله بن مسكان.

قال عنه النجاشي: «ثقة عين» وهو احد اصحاب الاجماع الستة من أصحاب الصادق (عليه السلام).

وقد قيل انه كان لا يدخل على الإمام الصادق (عليه السلام) خوف ان لا يعطي مقام الإمامة ما تستحق من إكبار وتبجيل(27 ).

واما سليمان بن خالد فهو على ما قال النجاشي: «كان قارئاً فقيهاً وجهاً...

وخرج مع زيد، ولم يخرج معه من أصحاب ابي جعفر (عليه السلام) غيره، فقطعت يده وكان الذي قطعها يوسف بن عمر بنفسه.

ومات في حياة ابي عبد الله (عليه السلام) فتوجع لفقده ودعا لولده واوصى بهم اصحابه...»(28).

اسانيد اُخرى:

 قال صاحب الوسائل بعد فراغه من نقل الحديث الثالث ما نصه: «ورواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن علي بن النعمان.

ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن ابن رباط عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحوه.

ورواه الحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن علي بن النعمان مثله إلى قوله الجهاد.

وعن محمد بن يحيى عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز عن ابي عبد الله (عليه السلام) نحوه.

ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى.

ورواه الصدوق بإسناده عن علي بن عبد العزيز.

ورواه البرقي في المحاسن عن الحسن بن علي بن فضال مثله».

ان مقصود الحرِّ العاملي من هذه العبارة الاشارة إلى وجود اسانيد وطرق اُخرى للحديث المذكور.

و إذا اردنا ايضاحها بشكل أكمل امكن بيانها كما يلي:

الأول: نَقَلَ الحديث المذكور البرقي في محاسنه عن أبيه عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام)...

ولم يشر الحر في هذا الطريق إلى الوسائط ما بين علي بن النعمان والإمام (عليه السلام) من جهة اشتراكها بين هذا الطريق والطريق السابق الثابت في الكافي، فلأجل الاختصار حذف الوسائط المشتركة بين الطريقين.

وهذا الطريق صحيح أيضاً لأن سند الحر إلى البرقي صحيح كما تقدمت الإشارة إليه في ذيل الحديث الثاني.

والبرقي نفسه ثقة ووالده ثقة أيضاً.

وبقية الرواة من علي بن النعمان وحتى الإمام (عليه السلام) كلهم ثقات أيضاً حسبما تقدم.

الثاني: روى الحديث المذكور أيضاً الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده إلى الحسن بن محمد بن سماعة عن ابن رباط عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه السلام).

وللتعرف على حال الطريق المذكور لا بدَّ من التعرف على سند الشيخ الطوسي إلى الحسن بن محمد بن سماعة، وذلك بمراجعة مشيخة التهذيب ج 10 ص 75، فانه قد ذكر طريقه إلى الرجل المذكور.

الثالث: روى الحديث المذكور أيضاً الحسين بن سعيد صاحب كتاب الزهد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد.

ولا بد من التعرف على سند الحر إلى الحسين بن سعيد، وهو صحيح على ما في آخر الوسائل لأنه ينتهي إلى الشيخ الطوسي وهو له طريق معتبر إلى الحسين بن سعيد على ما في الفهرست.

ويبقى ان نعرف السند من الحسين بن سعيد وحتى الإمام (عليه السلام)، وهو صحيح.

الرابع: روى الحديث المذكور الكليني ثانية في مورد ثان عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز.

الخامس: روى الشيخ الطوسي الحديث ثانية في التهذيب عن الكليني في الكافي عن محمد بن يحيى.

واما محمد بن يحيى فقد روى الحديث عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز.

وحذف صاحب الوسائل ذلك اعتماداً على ما سبق.

السادس: روى الحديث المذكور أيضاً الصدوق في الفقيه عن علي بن عبد العزيز عن الإمام (عليه السلام).

واما سند الصدوق إلى علي بن عبد العزيز فلا بد من مراجعته في مشيخة الفقيه.

السابع: روى الحديث المذكور أيضاً البرقي في محاسنه ثانية عن الحسن بن علي بن فضال.

واما ابن فضال فقد رواه عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز عن الإمام (عليه السلام).

وانما لم يذكر ذلك صاحب الوسائل اعتماداً على ما سبق.

4- قال صاحب الوسائل: وعن علي بن إبراهيم عن ابيه وعن ابي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار جميعاً عن صفوان عن عمرو بن حريث انه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) ألا أقص عليك ديني...

ان الحديث المذكور قد سجّله الحرُّ من الكافي للقرينة المتقدمة في الحديث الثاني.

والحديث المذكور ينقله الكليني عن صفوان عن عمرو بن حريث بطريقين هما:

أ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان عن عمرو بن حريث.

ب ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن عمرو بن حريث.

ومن خلال هذا يتضح ان قوله: «وعن ابي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار» عطف على «وعن علي بن إبراهيم عن أبيه».

وكلمة «جميعاً» تعني ان إبراهيم بن هاشم ومحمد بن عبد الجبار قد رويا الحديث عن صفوان.

كما ويتضح انه يكفي لصحة الحديث صحة أحد طريقيه ولا يلزم صحة كليهما.

وفي تحقيق حال الطريقين نقول:

اما بالنسبة إلى الطريق الأول فقد تقدم الكلام عن علي بن إبراهيم ووالده وانهما ثقتان فراجع حديث 2.

واما صفوان فهو وان كان مشتركاً بين عدة رواة إلّا ان المشهور منهم والذي ينصرف إليه اسم صفوان إذا ورد مطلقاً هو اما صفوان بن يحيى بياع السابري أو صفوان بن مهران الجمال، وكلاهما ثقة حسب شهادة النجاشي( 29)، ومعه فلا ثمرة في البحث عن تعيين ان المراد هذا أو ذاك.

واما عمرو بن حريث فهو أبو أحمد الصيرفي الأسدي الكوفي ثقة على ما ذكر النجاشي( 30).

وبهذا تثبت صحة هذا الطريق.

واما الطريق الثاني فهو صحيح أيضاً لأن أبا علي الأشعري قد تقدم في الحديث «1» انه أحمد بن ادريس الثقة شيخ الكليني.

واما صفوان وعمرو بن حريث فقد تقدم انهما ثقتان.

فلا يبقى إلّا محمد بن عبد الجبار وهو محمد بن أبي الصهبان وقد قال عنه الشيخ الطوسي: قمي ثقة( 31).

5- وفي الحديث السادس قال الحرُّ ما نصه: «وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد.

وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في جملة حديث...».

ان هذا الحديث قد نقله الحرُّ من كافي الكليني لما تقدّم من القرينة وفي هذه العبارة يبيّن لنا الكليني ان له طريقين إلى نقل الحديث المذكور..

وفي كلا الطريقين ينتهي النقل إلى الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا.

إذن التعدد في الطريق خاص بالواسطة المتخللة بين الكليني والحسن بن محبوب، واما الطريق ما بين الحسن بن محبوب والإمام (عليه السلام) فلا تعدد فيه.

وعلى هذا يمكن بيان طريقي الرواية بالشكل التالي: ـ

أ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن هشام ابن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا.

ب ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن هشام ابن سالم عن عبد الحميد.

والطريق الأول صحيح لأن محمد بن يحيى وأحمد بن محمد قد تقدم في الحديث «3» انهما ثقتان جليلان.

واما الحسن بن محبوب فهو صاحب كتاب المشيخة. وقد قال عنه الشيخ الطوسي: كوفي ثقة(32).

واما هشام بن سالم فهو على ما قال النجاشي: ثقة ثقة( 33).

واما عبد الحميد بن أبي العلاء فهو الازدي ثقة على ما قال النجاشي( 34).

واما الطريق الثاني فبدايته هو عدة من أصحابنا.

وهذا المصطلح متداول لدى الكليني ولم يتداوله غيره، ومعه فمتى ما ورد تعبير «عدة من اصحابنا» عرفنا ان الحديث منقول عن الكليني.

وقد وقع الكلام في المقصود من افراد العدة وكيفية اثبات توثيقها، وسنقوم بدراسة ذلك عند بحثنا عن كتاب الكافي ان شاء الله تعالى.

والذي نقوله هنا باختصار: لا اشكال لدى الجميع في اعتبار العدة وانما الكلام في كيفية تخريج ذلك فنياً.

وعلى هذا فبحثنا عن العدة لا يعني التشكيك في اعتبارها وانما يعني الاختلاف في التخريج الفني للاعتبار المتفق عليه.

واما سهل بن زياد فقد وقع محلاً لبحث طويل بين الأعلام.

وننصح الطالب بكتابة بحث عنه ليكون ذلك مفتاحاً لمعلوماته الرجالية.

واما بقية افراد السند فقد تقدمت وثاقتهم، وعليه فالطريق الثاني قابل للمناقشة من ناحية سهل، إلّا أن ذلك غير مهم بعد صحة الطريق الأول.

ملاحظـة:

ان الأحاديث المتقدمة قد نقلها الحرُّ من كافي الكليني (رحمه الله).

وننتقل إلى أبواب اُخرى من الوسائل لمواجهة أحاديث اُخرى ينقلها من غير الكافي.

ذكر (قدس سره) في الباب 1 من أبواب الماء المطلق ما نصه:

1- «محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (رضي الله عنه) بأسانيده( 35) عن محمد بن حمران وجميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام)...».

ان هذا الحديث قد نقله الحرُّ من الفقيه بقرينة قوله محمد بن علي بن الحسين الذي هو الصدوق.

وللتعرف على صحة الرواية لا بدَّ من مراجعة سند الصدوق إلى محمد بن حمران وجميل.

و إذا رجعنا إلى مشيخة الفقيه ج 4 ص 17 وجدناه يقول: «وما كان فيه عن محمد بن حمران وجميل بن دراج فقد رويته عن أبي (رضي الله عنه) عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن حمران وجميل بن دراج».

والسند صحيح لأن والد الصدوق الذي اسمه علي بن الحسين بن بابويه لا يحتاج إلى تعريف فانه كما قال النجاشي: «شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم»(36 ).

واما سعد بن عبد الله فهو الأشعري القمي. قال عنه النجاشي: «شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها»( 37). وقد كثر وروده في الروايات.

واما يعقوب بن يزيد فهو ثقة صدوق على ما ذكر النجاشي(38 ).

واما محمد بن أبي عمير فلا يحتاج إلى تعريف فهو جليل القدر عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين( 39).

وقد قيل ان هارون حبسه ليدل على مواضع الشيعة فدفنت اخته كتبه خوفاً عليه فتُلفت.

وقيل بل كانت في غرفة فسال المطر عليها فتُلفت، ومن هنا أخذ يحدث عن حفظه وكثرت مراسيله.

واما محمد بن حمران فقد ذكره الشيخ بعنوان محمد بن حمران بن اعين ولم يوثقه بينما النجاشي ذكره بعنوان محمد بن حمران النهدي وقال عنه ثقة.

وقد وقع الكلام في وحدته وتعدده، ولكن ذلك غير مهم في المقام بعد وثاقة جميل بن دراج.

2- قال الحر: «قال: وقال الصادق (عليه السلام): كل ماء طاهر إلّا ما علمت انه قذر».

والمقصود: قال الصدوق: وقال الصادق (عليه السلام)...والرواية مرسلة.

وقد كثرت ظاهرة الارسال لدى الصدوق في كتابه الفقيه، وذلك من الظواهر المختصة به.

ومن هنا وقع البحث في حجية مراسيله.

وهناك رأي يفصِّل بين ما إذا ارسل الصدوق عن الإمام (عليه السلام) بلسان قال الإمام (عليه السلام) وبين ما إذا ارسل بلسان رُوي عن الإمام (عليه السلام) فالأول حجة دون الثاني بدعوى انه متى ما ارسل عن الإمام (عليه السلام)بلسان (قال) دلَّ ذلك على جزمه بصدور الرواية عن الإمام (عليه السلام)، ومع جزمه بذلك نقول: ان الجزم المذكور مردد بين كونه ناشئاً عن حس وبين كونه ناشئاً عن حدس، وبواسطة اصالة الحس العقلائية يمكننا اثبات ان جزمه نشأ عن حس وبذلك يكون حجة.

ويأتي ان شاء الله تعالى عند البحث عن كتاب من لا يحضره الفقيه البحث عن ذلك بشكل تفصيلي.

3- قال الحر: «قال: وقال (عليه السلام)...»، وليس في ذلك شيء جديد.

4- قال الحر: «محمد بن الحسن الطوسي (رضي الله عنه) بإسناده عن محمد بن أحمد ابن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام)...».

والملاحظ هنا ان الحرَّ حينما اراد في هذا الموضع النقل عن الشيخ الطوسي ابتدأ السند بقوله محمد بن الحسن الطوسي اشارة إلى عدو له عن النقل السابق الذي كان عن الصدوق.

ولا بدَّ من مراجعة مشيخة التهذيب ج 10 ص 71 (40 ) للتعرف على طريق الشيخ إلى محمد بن احمد بن يحيى.

وقد ذكر (قدس سره) أربع طرق يكفينا صحة واحد منها وهو: «الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلهم عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي وأبي جعفر محمد ابن الحسين البزوفري جميعاً عن أحمد بن ادريس عن محمد بن أحمد بن يحيى».

اما الشيخ أبو عبد الله فهو الشيخ المفيد، وتكفينا وثاقته عن البحث عن وثاقة الحسين وأحمد.

واما الحسن بن حمزة العلوي فهو المعروف بالمرعش أو المرعشي من اجلاء هذه الطائفة وفقهائها على ما ذكر النجاشي(41).

واما البزوفري فلم يذكره الشيخ ولا النجاشي(42 ) ولم تثبت وثاقته ولكن ذلك لا يضر بعد وثاقة الحسن بن حمزة.

واما احمد بن ادريس فقد تقدم انه ابو علي الأشعري الثقة الجليل شيخ الكليني.

واما محمد بن أحمد بن يحيى فهو ثقة في الحديث على ما ذكر النجاشي، وهو كثير الرواية، وله كتاب نوادر الحكمة الذي يعرفه القميون بـ (دبة شبيب).

وشبيب رجل بقم كانت له دبة ذات بيوت يعطي منها ما يطلب منه من دهن فشبهوا هذا الكتاب بتلك(43 ).

واما يعقوب بن يزيد وابن ابي عمير فقد تقدم انهما ثقتان.                 

واما داود بن فرقد فهو كوفي ثقة على ما قال النجاشي(44 ).

وعليه فالرواية صحيحة السند.

5- قال الحرُّ في الحديث السابع: «محمد يعقوب الكليني (رضي الله عنه) عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام)...».

اما علي وابوه فقد تقدم الحديث عنهما وانهما ثقتان، واما السكوني فلا طريق لتوثيقه سوى تعبير الشيخ الطوسي في العدة بان الطائفة قد عملت برواياته فان هذا تعبير آخر عن التوثيق.

واما النوفلي فهو الملازم للسكوني عادة والراوي عنه. ولم يرد في حقه توثيق بالخصوص.

أجل قد ورد اسمه في اسانيد تفسير القمي وكامل الزيارة، فمن بنى على وثاقة كل من ورد اسمه في أحد الكتابين المذكورين بنى على وثاقة الرجل المذكور بَيْد ان المبنى المذكور مرفوض عندنا.

وهناك طريق آخر نسلكه في اثبات وثاقة الرجل المذكور، وهو ان اتفاق الطائفة على العمل بروايات السكوني ملازم للبناء على توثيق النوفلي و إلّا لما امكن العمل بروايات السكوني.

عود إلى صلب الموضوع كنا نتحدث سابقاً ـ قبل التعرض إلى التطبيقات ـ عن طرق اثبات الوثاقة. ونعود اليها من جديد.

4- دعوى الاجماع على التصديق أو التوثيق :

ومن جملة الطرق المدعاة لإثبات الوثاقة دعوى الاجماع على تصديق راو أو توثيقه. فالكشي ادعى اجماع الطائفة على تصديق ثمانية عشر راوياً من اصحاب الأئمة (عليه السلام).

ستة منهم من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) وهم: زرارة ومعروف بن خرَّبوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي(45 ).

وستة من أصحاب الصادق (عليه السلام) وهم: جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وابان بن عثمان( 46).

وستة من اصحاب الكاظم والرضا (عليهما السلام) وهم: يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن ابن محبوب وأحمد بن محمد بن نصر(47 ).

وتقريب حجية الاجماع المذكور: ان الكشي إذا كان مصيباً في دعواه الاجماع وكانت الطائفة قد اجمعت حقاً على ذلك فهو المطلوب، واذا لم يكن مصيباً ولم يكن هناك اجماع فتكفينا شهادة الكشي نفسه التي نستفيدها ضمناً من خلال نقله الاجماع المذكور، فان نقله الاجماع يستبطن شهادته بحقانية المضمون الذي ينقله، بَيْدَ ان هذا يتم لو كان الناقل للإجماع من الأعلام المتقدمين، اما إذا كان من المتأخرين كنقل ابن طاووس الاتفاق على وثاقة إبراهيم بن هاشم فلا يتم ذلك لعدم حجية توثيق المتأخرين كما تقدم.

هذا إلّا ان السيد الخوئي حاول تقريب الحجية في الحال المذكورة بان دعوى ابن طاووس تكشف على الأقل عن شهادة واحد من القدماء بوثاقة ذلك الشخص، وذلك يكفي في ثبوت التوثيق(48 ).

ويرد ذلك: ان دعوى ابن طاووس إذا لم تكشف عن ثبوت الاتفاق واقعاً فيمكن ان لا تكشف حتى عن شهادة واحد من الأعلام المتقدمين بالوثاقة، كما لو افترضنا ان دعوى ابن طاووس للإجماع ناشئة من ملاحظة وجود إبراهيم بن هاشم في اسناد تفسير القمي وتخيل ـ بسبب عبارة مقدمة التفسير ـ ان كل من ورد اسمه في ذلك فهو ثقة بالاتفاق في الوقت الذي قد يكون ذلك اجتهاداً خاصاً من ابن طاووس لا يقول به غيره.

5- الوكالة عن الإمام

ومن أحد الطرق التي يمكن ان يدعى دلالتها على الوثاقة توكيل الإمام (عليه السلام)شخصاً في أمر من اُموره، فإنهم (عليهم السلام) كان لهم وكلاء بشكلين وكلاء لهم الممثلية العامة عن الإمام (عليه السلام) كما هو الحال في السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم ووكلاء لهم الممثلية الخاصة في مجال معين.

والوكالة بالشكل الأول لا إشكال في دلالتها على سمو منزلة الوكيل ورفعة شأنه.

وانما الاشكال في الوكالة بالمعنى الثاني فان الأئمة (عليهم السلام) كان لهم وكلاء كثيرون بهذا الشكل قد اُشير إليهم في الكتب الرجالية.

فبينما البعض يصر على دلالة التوكيل لا على الوثاقة فقط بل على العدالة ويستدل على ذلك بان الوكيل إذا لم يكن عادلاً فتوكيله محرم لأنه نحو ركون إلى الظالم الذي نهت عنه الآية الكريمة (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار)(49 ) نجد آخرين ينكرون دلالة الوكالة على الوثاقة بحجة انا نجد كثيراً من وكلائهم (عليهم السلام) قد صدر الذم في حقهم.

وقد عقد الشيخ الطوسي (قدس سره) في كتابه الغيبة باباً خاصاً للوكلاء الذين صدر الذم في حقهم.

ويحدثنا عند تعرضه للواقفة ان أول من اظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوماً فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال.

وقد روي عن الرضا (عليه السلام) ان البطائني اُقعد في قبره بعد ما دفن فسأل عن الأئمة (عليهم السلام) فاخبر بأسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف فضرب على رأسه ضربة امتلاء قبره ناراً ( 50).

هذا والصحيح دلالة الوكالة على الوثاقة لأن السيرة العقلائية قد جرت على عدم توكيل شخص في قضية معينة إذا لم يحصل الوثوق الكامل بصدقه وعدم تعمده للكذب.

وجرِّب ذلك من نفسك تجد صدق ما نقول.

و إذا قيل اذن كيف تفسرون الذم الصادر في حق كثير من الوكلاء؟

اجبنا بان الانحراف قد حصل لهم بعد منحهم الوكالة فكم شخص نثق به ونمنحه الوكالة وبعد ذلك ينحرف.

و إذا قيل ان توكيل شخص في مجال معين يقتضي وثاقته في ذلك المجال دون غيره، فتوكيل شخص في بيع دار يستلزم وثاقته وعدم كذبه في مجال بيع الدار فقط دون المجالات الاُخرى كمجال نقل الحديث الذي هو محل كلامنا.

كان الجواب ان العاقل إذا لم يحرز الوثاقة المطلقة في الوكيل فلا يقدم على توكيله لأنه مادام يحتمل كذبه في المجالات الاُخرى فلربما يسري ذلك إلى المجال الخاص الذي منح فيه الوكالة.

ولا اقل ليس من المناسب للإمام (عليه السلام) ايكال بعض اموره المهمة إلى من هو خائن في بعض المجالات.

6- رواية الثقة

رواية الثقة عن شخص هل تدل على وثاقته؟ كلا، فان الثقة كما يروي عن الثقة كذلك يروي عن غيره.

وما أكثر ما يروي الثقات عن غير الثقات كما يتضح ذلك من خلال تصفح الروايات.

كيف ولو كانت رواية الثقة عن شخص دليلاً على وثاقته لزم وثاقة اغلب الرواة أو كلهم لأن الشيخ الطوسي (قدس سره) ثقة، فاذا روى عن شخص كان ثقة أيضاً وكانت رواية الثاني دليلاً على وثاقة الثالث وهكذا حتى نهاية السلسلة.

وبهذا يتضح ان ما صار إليه الميرزا حسين النوري صاحب المستدرك من ان رواية الثقة عن شخص دليل وثاقته قابل للتأمل.

اجل إذا أَكَثَر اجلاء الثقات وكبّارهم الرواية عن شخص فلا يبعد كونها دليلاً على الوثاقة ـ خلافاً للسيد الخوئي وجماعة حيث لم يرضوا بذلك أيضاً ـ فان العاقل لا يقدم على الرواية عن شخص يعتقد بضعفه، انه عمل سفهي لا نرى له وجهاً.

وهذه نقطة مهمة جديرة بالوقوف والتأمل الطويل عندها، فانه لو قبلنا بكون اكثار الثقة الرواية دليلاً على الوثاقة فسوف تثبت وثاقة كثير من الرواة ويخرجون بذلك من حال الجهالة إلى حال الوثاقة.

وعلى سبيل المثال نذكر «محمد بن اسماعيل»، فان الكليني قد أكثر الرواية عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان.

وقد وقع الكلام في المقصود من محمد بن اسماعيل، انه لا يمكن ان يكون محمد بن اسماعيل بن بزيع الثقة الجليل لأنه من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) وانى يمكن للكليني الرواية عنه فيتعين ان يكون المقصود غيره، وحيث ان الغير لم تثبت وثاقته فتسقط روايات الكليني المذكورة عن الاعتبار بالرغم من كثرتها.

بينما لو قبلنا الرأي المتقدم وقلنا ليس من المناسب للكليني اكثار الرواية عن شخص يعتقد بضعفه خصوصاً وهو يودع تلك الروايات في كتابه الذي كتبه لتعمل به الأجيال.

ان العاقل لا يرضى بإيداع الروايات الضعيفة في كتابه فكيف إذا خطّط لكتابه منذ البداية ليكون مرجعاً للأجيال، انه إذا قبلنا الرأي المتقدم فسوف تثبت وثاقة محمد بن اسماعيل.

ومما يدعم ما نقول اننا إذا رجعنا إلى الكتب الرجالية لرأينا ان الرواية عن الضعفاء كانت عندهم من الاُمور القادحة في الشخص، ولذا نجدهم ينبهون في ترجمة بعض الرواة بانه يروي عن الضعفاء كما ورد في ترجمة العياشي والكشي وغيرهما.

و إذا قرأنا ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي نلاحظ ان أحمد بن محمد بن عيسى قد اخرجه من قم لروايته عن الضعفاء.

و إذا قيل اننا نسلم ان الثقة لا يكثر الرواية عن الضعيف الذي يعتقد بنظره ضعفه ولكنه ما المانع وان يروي عن مجهول الحال؟ انه بناء على هذا يكون بالإمكان افتراض ان محمد بن اسماعيل كان مجهول الحال في نظر الكليني، وبذلك لا تثبت وثاقته.

كان الجواب: ان مجهول الحال ما دام بحكم الضعيف في ردِّ روايته فإكثار العاقل الرواية عنه لا يكون مناسباً أيضاً.

و إذا رجعنا إلى الكتب الرجالية وجدنا ان الرواية عن المجاهيل كانت عندهم بمثابة الرواية عن الضعفاء ولا فرق بينهما.

فانظر إلى كلام النجاشي في ترجمة محمد بن مالك تجده يقول: «قال أحمد بن الحسين كان يضع الحديث وضعاً ويروي عن المجاهيل.

وسمعت من قال كان أيضاً فاسد المذهب والرواية.

ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما الله».

هذا كله مضافاً إلى ان اكثار الرواية يلازم احياناً طول الصحبة التي لا يحتمل معها بقاء الشخص مجهول الحال.

و إذا قيل ان اكثار الرواية إذا كان دليلاً على الوثاقة فكيف نرى ان بعض الضعفاء قد أكثر الأجلاء الرواية عنه كمحمد بن سنان وسهل بن زياد والبطائني وغيرهم ممن أكثر الأجلاء الرواية عنهم.

كان الجواب: ما المانع من الالتزام بان هؤلاء كانوا ثقات بنظر الأجلاء ولذا اكثروا الرواية عنهم ويكون المورد بذلك من موارد تعارض التعديل والجرح، ولا يصح تسجيل ذلك نقضاً علينا.

أجل يصح النقض بما إذا كان الشخص ضعيفاً في نظر الجميع وبالرغم من ذلك أكثر الأجلاء الرواية عنه وليس ضعيفاً بنظر خصوص الشيخ والنجاشي، واين تحصيل ضعيف بهذا الشكل؟

و إذا قيل: ان اكثار الثقة كالكليني عن محمد بن اسماعيل مثلاً لعله ليس من جهة وثاقته عند الكليني بل لاطمئنانه بحقانية الروايات التي رواها له، ومن أجل ذلك الاطمئنان تساهل في النقل عن محمد بن اسماعيل واكثر عنه.

و إذا كنّا نحتمل استناد الكليني إلى اطمئنانه وليس إلى احرازه وثاقة محمد ابن اسماعيل ضمننا إلى ذلك مقدمة ثانية، وهي ان اطمئنان كل شخص حجة على نفسه فقط ولا يكون حجة على الآخرين، إذ لعل تلك القرائن التي استند إليها في تحصيل اطمئنانه لا تكون موجبة لحصول الاطمئنان لنا لو اطلعنا عليها.

كان الجواب: ان أهم قرينة يمكن الاستناد إليها في تحصيل الاطمئنان هي وجود الرواية في أصل يعتمد عليه الأصحاب، وواضح ان وجود الرواية في الأصل فرع احراز وثاقة محمد بن اسماعيل و إلّا كان من المحتمل كذبه وتزويره بتسجيلها في ذلك الأصل.

واحتمال وجود قرائن اُخرى قد استند إليها الكليني لا يتوقف تطبيقها على الاحراز المسبق لوثاقة محمد بن اسماعيل وان كان موجوداً إلّا انه مجرد احتمال نظري لا يعتنى به، فان القرينة المهمة عندهم هي وجود الرواية في كتاب معتمد لاغير، ولذا نرى الصدوق يقول في مقدمة كتابه: وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعتمد، فلو كانت هناك قرينة اُخرى أقوى أو مساوية لما ذكر لأشار لها.

واذا قيل: لعل الكليني استند في اكثاره الرواية عن محمد بن اسماعيل إلى اصالة العدالة وليس إلى احراز وثاقته، وحيث ان اصالة العدالة مرفوضة عندنا فلا يمكن الاعتماد على اكثاره واستكشاف وثاقة محمد بن اسماعيل منه.

كان الجواب: لا نحتمل اعتماد الكليني على اصالة العدالة، لان معنى الاعتماد عليها بعبارة ثانية هو ان الكليني وجد شخصاً لا يعرف عنه شيئاً ودفع إليه كتاباً فيه أحاديث واخذه الكليني وسجَّل منه كتابه الكافي الذي اراد منه ان يكون مرجعاً شرعياً للشيعة في احكام دينهم، صنع الكليني ذلك لأنه لم يعرف الفسق من محمد بن اسماعيل الذي دفع اليه الكتاب واعتمد على اصالة عدالته, ان مثل هذا لا يحتمل في حق الكليني.

7- شيخوخة الاجازة

اخذ الرواية من شخص له صور متعددة، فتارة يسمع التلميذ الرواية من الاستاذ، واُخرى يقرأ الاستاذ الرواية على التلميذ، وثالثة يجيز الاستاذ التلميذ، بان يدفع له الكتاب الذي سجل فيه الروايات وجمعها فيه ويقول له اجزتك في ان تروي عني الروايات الموجودة فيه.

ويصطلح على هذا الشكل الثالث بتحمل الرواية بنحو الاجازة. كما ويصطلح على صاحب الكتاب الذي صدرت الاجازة منه بشيخ الاجازة.

وقد وقع البحث في ان كون الشخص من مشايخ الاجازة هل يكفي لإثبات وثاقته.

والبحث عن هذه النقطة مهم جداً، فان الشيخ الطوسي قد وصلته كثير من الاُصول الحديثية التي الَّف منها كتابيه التهذيب والاستبصار بتوسط اشخاص لم يوثقوا بالخصوص وانما هم من مشايخ الاجازة لا أكثر من قبيل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الذي يروي عنه الشيخ الطوسي بعض الاُصول بواسطة الشيخ المفيد.

وهكذا أحمد بن محمد بن يحيى، وأحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون أو بابن الحاشر، وعلي بن محمد بن الزبير القرشي، وأبي الحسين بن أبي جيد وغيرهم.

ان شيخوخة الاجازة إذا لم تكف لإثبات الوثاقة فسوف يشكل الأمر في كثير من الروايات بسبب هؤلاء، الأمر الذى صار سبباً للتفكير في ابداع طرق جديدة للتغلب على المشكلة من ناحية هؤلاء.

وسنتعرض إلى بعض هذه الطرق في أواخر هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.

وممن اختار كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات التوثيق الشيخ البحراني في حدائقه ج 6 ص 48 والشيخ اغا رضا الهمداني في صلاته ص 12 وغيرهما بل لعل الرأي المشهور والسائد هو ذلك.

إلّا ان بعض المتأخرين كالسيد الخوئي والسيد الشهيد رفضوا ذلك وقالوا بان شيخوخة الاجازة لا تدل على الوثاقة.

وقرَّب السيد الخوئي ذلك بان فائدة الاجازة ليست إلّا ان الشيخ المفيد مثلاً سوف يحق له بسبب الاجازة ان يقول اخبرني احمد بن محمد بن الحسن ابن الوليد بهذه الاخبار الموجودة في الكتاب الذي اجازني روايته وكأنه يصير قد سمع الرواية منه.

وحيث ان سماع الثقة الرواية عن شخص ونقلها عنه لا يدل على وثاقته ـ لما تقدم من ان رواية الثقة عن شخص لا تدل على توثيقه ـ فلا يمكن ان تكون شيخوخة الاجازة دليلاً على التوثيق.

ويمكن ان نقول في مناقشة ذلك: ان شيخ الاجازة إذا كان ممن يعرف بكثرة اخذ الاجازة عنه فذلك يكفي في الدلالة على التوثيق، إذ من البعيد ان يذهب اعاظم الثقات إلى شخص ويستجيزونه في رواية كتاب وهو ليس بمحرز الوثاقة عندهم.

وجرِّب ذلك من نفسك، فهل تذهب إلى شخص وتأخذ منه الاجازة في رواية احاديث كتاب أو كتابين وانت لا تحرز وثاقته؟!!

واذا قلت: ان ما ذكرته من الاستبعاد منتقض بما ينقله الشيخ الصدوق في كتابه عيون اخبار الرضا (عليه السلام) ج 2 ص 279 من ان احد مشايخه المسمى بأحمد ابن الحسين بن أحمد بن عبيد النيسابوري المرواني كان ناصبياً ولم يلقَ انصب منه، وبلغ من نصبه انه كان يقول اللهم صلِ على محمد فرداً ويمتنع من الصلاة على آله الطيبين الطاهرين.

كان الجواب: ان هذا يدل على فساد العقيدة، وهو لا يتنافى والوثاقة.

على ان ما ذكرناه من الاستبعاد مختص بمشايخ الاجازة الذين هم من الخاصة دون ما إذا كانوا من العامة فان الاجلاء قد يأخذون الاجازة من العامة لبعض الأغراض الخاصة كما ينقل عن الشهيد الأول (رحمه الله) حيث قيل بان له اجازات كثيرة من العامة.

واذا قلت: اذا كانت الشيخوخة كافيه في اثبات الوثاقة فلماذا لم ينص الشيخ والنجاشي على وثاقة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وامثاله.

ان عدم التنصيص على وثاقتهم يدل على عدم ثبوتها عندهما.

قلت: اجاب السيد البروجردي عن ذلك بان الكتب الرجالية هي: رجال النجاشي، ورجال الكشي، ورجال الشيخ.

اما رجال النجاشي فهو موضوع لاستقصاء اصحاب الكتب، ولعل أحمد ابن محمد وامثاله ليس لهم كتب.

واما رجال الكشي فلانه موضوع لذكر من توجد رواية في حقه، وهؤلاء ليس في حقهم رواية.

واما رجال الشيخ فالظاهر انه كان بصورة المسودة وكان غرض الشيخ الرجوع اليه ثانياً لتنظيمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه كما يشهد لذلك اقتصاره في بعض الرواة على مجرد ذكر اسمه واسم أبيه من دون تعرض لبيان حاله أكثر من ذلك.

وكذا ذكره لبعض الرواة مكرراً وغير ذلك مما يوجب الظن بعدم بلوغ الكتاب إلى مستواه المطلوب، وما ذاك إلّا لكثرة اشتغال الشيخ بكثرة التأليف والتصنيف بحيث لو قسمت مدة حياته على تأليفاته لا يقع مقابل كتابة رجاله إلّا ساعات معدودة(51 ).

مسلك السيد بحر العلوم وجماعة:

وتغلباً على مشكلة مشايخ الاجازة ـ بناء على عدم كفاية الشيخوخة في اثبات الوثاقة ـ سلك السيد بحر العلوم وجماعة مسلكاً آخر، فقد ذكر ـ بحر العلوم ـ في رجاله عند البحث عن سهل بن زياد ج 3 ص 25: ان الرواية التي يشتمل سندها على احد مشايخ الاجازة صحيحة وحجة ولكن لا من جهة ان شيخوخة الاجازة تكشف عن الوثاقة بل من جهة ان الكتب المأخوذ منها الرواية معلومة ومتواترة كتواتر الكتب الأربعة في زماننا هذا، فكما ان الكتب الأربعة في زماننا معلومة النسبة إلى مؤلفيها ولا يحتاج اخذ الرواية منها إلى وجود طريق معتبر اللهم إلّا من باب التبرك والتيمن فكذلك الحال في الاُصول المأخوذ منها الروايات في ذلك الزمان هي معلومة النسبة إلى اصحابها ولا يحتاج أخذ الرواية منها إلى طريق صحيح، ومعه فلا يضر وجود احد مشايخ الاجازة أو غيرهم ممن لم يوثق في الطريق مادام المقصود من الطريق التبرك والتيمن لا أكثر.

واضاف (قدس سره) قائلاً: وينبه على ذلك طريقة الشيخ طاب ثراه، فانه ربما يذكر تمام السند كما هو عادة القدماء وربما يسقط المشايخ ويقتصر على ايراد الروايات، وليس ذلك إلّا لعدم اختلاف حال السند بذكر المشايخ واهمالهم.

وقد اشار الشيخ النوري في مستدركه ج 3 ص 373 في أول الفائدة الثالثة إلى هذه الطريقة ونسبها إلى الشهيد الثاني وغيره.

وممن اختارها الحر العاملي في وسائل الشيعة في أول الفائدة الخامسة.

وذكر في الفائدة التاسعة بعض القرائن الدالة على صحة الكتب المأخوذ منها الروايات وتواترها وانهاها إلى اثنتين وعشرين قرينة.

ولربما تظهر أيضاً من الشيخ التستري (رحمه الله) في قاموس رجاله فراجع.

ونحن سوف نتعرض ان شاء الله تعالى إلى هذه الطريقة في موضع ثان مناسب وكيفية مناقشتها إلّا انه مؤقتاً نقول: ان نفس السيد بحر العلوم في ج 4 ص 47 عند تعرضه لبعض الفوائد ذكر ان تلك الكتب ليست متواترة واقام بعض الشواهد على ذلك، ومعه تبقى الحاجة إلى سند صحيح على حالها.

8- الوقوع في سند محكوم عليه بالصحة:

إذا كان لدينا سند إلى كتاب أو راو معين وحكم عليه بعض الأعلام الذين يقبل قولهم في التوثيق بالصحة وفرض ان احد الرواة الواردين في ذلك السند لم ينص عليه بتوثيق أو تضعيف فهل يحكم على ذلك الراوي بالوثاقة بسبب الحكم بالصحة على السند الذي هو واقع فيه؟

ذهب البعض إلى ذلك، أي إلى استكشاف وثاقة ذلك الرجل من الحكم بصحة السند الذي وقع فيه.

وعلى سبيل المثال ينقل عن محمد بن الحسن بن الوليد ـ الذي هو استاذ الصدوق ومن الوجهاء والأعاظم ـ انه حكم بصحة الروايات المنقولة عن محمد ابن أحمد بن يحيى ـ الذي هو من الأجلاء أيضاً ـ بأي سند كان إلّا بعض الروايات الخاصة الواردة بأسانيد معينة.

انه بناء على المسلك المذكور القائل باستكشاف الوثاقة من الحكم بصحة السند يلزم الحكم بوثاقة جميع الأشخاص الذين وقعوا في سند الروايات المنقولة عن محمد بن أحمد بن يحيى فيما إذا لم يكونوا ممن استثنوا.

وقد يورد على ذلك بان الحكم بصحة الرواية لدى الأعلام المتقدمين يعني العمل بها، وواضح ان العمل برواية معينة كما يمكن ان يكون لأجل كون رواتها من الثقات كذلك يمكن ان يكون لأجل اعتقاد العامل بها احتفافها ببعض القرائن الخاصة.

ومن المحتمل ان تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم تكن معتبرة في نظرنا.

والصحيح ان هذا الايراد غير تام ـ في المثال المتقدم وان كان وجيهاً في غيره ـ بقرينة ان ابن الوليد لم يستثنِ رويات معينة، وانما استثنى اشخاصاً معينين، فهو لم يقل اني أعمل بجميع روايات محمد بن احمد يحيى إلّا هذه الرواية أو تلك، وانما قال إلّا روايات فلان وفلان، فلو كان عمله بالروايات التي لم يستثنِ أصحابها وليدَ القرائن لكان المناسب استثناء الروايات لأنها المحفوفة بالقرائن دون نفس الاشخاص.

واورد السيد الخوئي على هذا الطريق بان حكم ابن الوليد بصحة طريق لا يدل على وثاقة رواته، إذ لعله اعتمد على اصالة العدالة واعتقد بحجية كل رواية يرويها مؤمن ولم يظهر منه فسق( 52).

وقد يدفع الايراد المذكور بان هذا الاحتمال لئن كان موجوداً في كلام ابن الوليد لكنه ليس بموجود في كلام ابن نوح.

توضيح ذلك: ان النجاشي قال في فهرسته في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى: وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد بن موسى الهمداني وما رواه عن رجل أو يقول بعض اصحابنا أو عن محمد بن يحيى المعاذي... أو عن محمد بن عيسى بن عبيد... ثم اضاف قائلاً ما نصه: «قال أبو العباس بن نوح(53 ): وقد اصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن الوليد في ذلك كله، وتبعه أبو جعفر بن بابويه (رحمه الله) على ذلك إلّا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه، لأنه كان على ظاهر العدالة والوثاقة».

ان كلام ابن نوح يدل على شهادته بعدالة جميع من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بما في ذلك محمد بن عيسى بن عبيد حيث قال: «لأنه كان على ظاهر العدالة والوثاقة» فلو كان المدار عند ابن نوح على أصالة العدالة لكان من المناسب ان يقول لأنه لم يثبت ضعفه، ولم تكن حاجة إلى التعليل بقوله لأنه كان...

هذا مضافاً إلى انه لو كان يعتمد على اصالة العدالة لكان من المناسب الحكم بعدالة البقية أيضاً لأن عدم كونهم على ظاهر العدالة لا يمنع من الحكم بعدالتهم من باب الاعتماد على اصالة العدالة.

والصحيح بطلان كلا البيانين.

اما الأول فلانه كما يصح التعليل بانه لم يثبت ضعفه كذلك يصح بانه على ظاهر العدالة، فانه مع وجود تعليل أقوى لا وجه للمصير إلى الأضعف.

واما الثاني فلان دعوى ان محمد بن عيسى كان على ظاهر العدالة لا يدل على ان غيره من افراد المستثنى لم يكن على ظاهر الفسق بل لعله كان على ظاهر الفسق أيضاً، ولذا لم يجر فيهم أصالة العدالة.

طرق اُخرى لإثبات الوثاقة هذه ثماني طرق ادعيت لإثبات الوثاقة. وقد اتضح عدم تمامية الثالث والسادس والثامن منها.

وهناك طرق اُخرى ـ من قبيل ذكر طريق إلى شخص في مشيخة الصدوق أو الترحم عليه بلسان رحمه الله أو مصاحبة المعصوم (عليه السلام) أو تأليف كتاب أو اصل ونحو ذلك ـ نعرض عنها لعدم حجيتها وخوف الاطالة.

والذي نلفت النظر إليه هو وجود طرق اُخرى لا يمكن حصرها في ضابط معين من قبيل استفادة توثيق إبراهيم بن هاشم من خلال نشره لحديث الكوفيين باعتبار ان الشخص الذي لم يعرف بالوثاقة لا تقبل منه الأحاديث وبالتالي لا يمكنه نقل أحاديث مدرسة إلى مدرسة ثانية.

ومن قبيل توثيق السكوني بواسطة دعوى الشيخ في العدة عمل الطائفة برواياته، فقد ذكر في مبحث حجية الخبر ان انحراف الراوي في عقيدته لا يضر في الأخذ برواياته، واستشهد على ذلك بقوله: ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا (عليهم السلام)( 54).

ومن قبيل توثيق النوفلي ـ الملازم في روايته عادةً للسكوني ـ فان المعروف بين الأعلام عدم قبول روايته لعدم ثبوت وثاقته إلّا من خلال كامل الزيارة أو تفسير القمي بَيْد ان بالإمكان اثبات وثاقته من طريق آخر بان يقال: ان عمل الطائفة بروايات السكوني يلازم عملها بروايات النوفلي إذ الناقل لروايات السكوني عادة هو النوفلي فإذا لم تقبل روايات النوفلي يلزم عدم قبول روايات السكوني أيضاً. إلى غير ذلك من الطرق التي يمكن الحصول عليها من خلال التتبع والمراجعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- سيتضح ان بعضها غير تام الطريقة كالثالث والسادس والثامن.

2- معجم رجال الحديث 1: 39.

 3- فان وثاقة الراوي موضوع للحكم بوجوب تصديقه شرعاً، فالحكم الشرعي هو وجوب التصديق، والوثاقة موضوع له.

4- على وزن مفعلة. وهو جمع شيخ.

 5- راجع معجم رجال الحديث 1: 41.

6- راجع كتاب بحوث في علم الرجال للمحسني: ص 45.

7- والتي ينقلها المجلسي في بحاره في مجلد الاجازات.

8- هكذا العبارة في رجال النجاشي. والظاهر وجود خلل فيها.

 9- معجم رجال الحديث 18: 50.

 10- معجم رجال الحديث 2: 41.

11- معجم رجال الحديث 5: 41.

12 - المصدر السابق 9: 227.

13- معجم رجال الحديث 13: 335.

 14- المصدر السابق 11: 193.

15 - الحسنة هي الرواية التي يكون جميع رجال سندها أو بعضهم امامية ممدوحين بلا تعديل. وهذا طريق جيد لمن يعتقد بالمبنى المذكور، ولكن سيأتي منّا عند البحث عن التوثيقات العامة المناقشة في ذلك.

16- معجم رجال الحديث 10: 222.

 17- معجم رجال الحديث 6: 224.

 18- المصدر السابق 6: 227.

 19- المصدر السابق 4: 249.

20- أي الخوارج.

 21- معجم رجال الحديث 4: 252.

21- وسائل الشيعة باب 1 من أبواب أفعال الصلاة حديث 1.

 22- معجم رجال الحديث 7: 222.

23- معجم رجال الحديث 18: 30.

24- المصدر السابق 2: 296.

25 - المصدر السابق 12: 215.

 26- المصدر السابق 9: 124.

27 - معجم رجال الحديث 10: 324.

 28- المصدر السابق 8: 245.

29- معجم رجال الحديث 9: 121، 123.

 30- المصدر السابق 13: 85.

 31- المصدر السابق 14: 263.

32- معجم رجال الحديث 5: 89.

 33- المصدر السابق 19: 297.

 34- المصدر السابق 9: 271.

35- الصواب: بإسناده، كما ورد في الباب 23 من أبواب التيمم حديث 1.

36- معجم رجال الحديث 11: 368.

 37- المصدر السابق 8: 74.

38 - المصدر السابق 20: 147.

39- المصدر السابق 14: 279.

40- كما وان بالإمكان مراجعة الفهرست لذلك.

41- معجم رجال الحديث 4: 313.

 42- المصدر السابق 15: 290.

43- معجم رجال الحديث 15: 44.

44 - المصدر السابق 7: 114.

45- رجال الكشي: رقم 431.

 46- رجال الكشي: رقم 705.

 47- المصدر السابق: رقم 1050.

 48- معجم رجال الحديث 1: 46.

49- هود: 113.

 50- معجم رجال الحديث 11: 217.

51- نهاية التقرير 2: 270.

52- معجم رجال الحديث 1: 74.

53- قال النجاشي في حقه: «أحمد بن نوح بن علي بن العباس بن نوح السيرافي ـ نزيل البصرة ـ كان ثقة في حديثه متقناً لما يرويه فقيهاً بصيراً بالحديث والرواية، وهو استاذنا وشيخنا ومن استفدنا منه».

54- معجم رجال الحديث 3: 106.