الاكثرون  من مؤلفين ومترجمين وباحثين يرى ان ابا الاسود  الدؤلي⁽¹⁾ كان الواضع الاول للنحو ، والمؤسس الحقيقي له ، وتختلف  الروايات في ذكر الاحداث التي حفزت ابا الاسود اعلى شروعه بالعمل ، كما تختلف في تسمية الاشخاص الذين عاشوا في تلك الحوادث وخالطوها ، فأبو الطيب اللغوي يذكر ان اول من رسم للناس النحو  ابو الاسود الدؤلي ، وروى بسنده ان ابا الاسود اخد ذلك عن الامام علي كرم الله وجهه ، لان الامام سمع لحنا فقال لابي الاسود: (اجعل للناس حروفا ،واشار لها بالرفع والنصب والجر)⁽²⁾.

وروى ابو الطيب ايضا ان ابا الاسود  لم يزل ضنينا بما اخذه عن الامام علي حتى قال له زياد :

(قد فسدت السنة الناس وذلك انهما سمعا رجلا يقول سقطت عصاي ،فدافعه ابو الاسود)⁽³⁾، ويورد ابو بكر الزبيدي روايات اخر منها نقيض هذه ،قال:

(اول من وضع العربية ابو الاسود الدؤلي ، جاء الى زياد بالبصرة فقال:

ص19

اني ارى العرب قد خالطت هذه الاعاجم ، وتغيرت السنتهم ،أفتأذن لي ان اضع للعرب كلاما يقيمون به كلامهم ؟ قال لا فجاء رجل الى زياد فقال : اصلح الله الامير تفي ابانا ، وترك بنون ؟.

فقال زياد : توفي ابانا وترك بنون ، ادع لي ابا الاسود ،فقال : ضع للناس الذي كنت  نهيتك ان تضع لهم)⁽⁴⁾.

ومما رووا في تحفيزه على وضع النحو ان ابنته قعدت معه في يوم شديد  الحر ، فأردت التعجب من شدة الحر ، فقالت : ما أشد الحر ؟ برفع الدال على الاستفهام، فقال ابوها : القيظ ، وهو ما نحن فيه يابنية جوابا عن كلامها  لأنه استفهام ، فتحيره وظهر لها خطؤها ، فعلم ابوها انها ارادت التعجب ، فقال لها : قولي يابنية : ما أشد الحر، فعمل باب التعجب وباب الفاعل والمفعول به.⁽⁵⁾

ويذكر ابن الانباري روايات أُخَر, قال:

(ويروي ايضا انه قدم اعرابي في خلافة امير المؤمنين عمر ابن الخطاب فقال :

 من يقرئني شيئا مما أنزل اله على محمد (ص) فأقرأه رجل سورة براءة فقال: (...ان الله بريء من المشركين ورسوله (بالجر) فقال الاعرابي : اوقد برئ الله من رسوله ؟ ان يكن الله قد برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. فبلغ عمر نقالة الاعرابي ، فدعاه ، فقال له : تبرأ من رسول الله(ص)؟ فقال : يا أمير المؤمنين : ان قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني، فأقرأني هذا سورة براءة فقال : ان الله برئ من المشركين ورسوله، فقلت :اوقد برئ الله تعالى من رسوله ؟ ان يكن الله تعالى برئ من رسوله فأنا ابرأ منه فقال عمر  له : ليس هكذا يا إعرابي ،فقال : كيف يا أمير المؤمنين ؟ فقال :ان الله برئ من المشركين ورسواه ،فقال الاعرابي : أنا والله أبرأ ممن برئ الله ورسوله منهم, فأمر عمر ان لا يقرئ القرآن الا عالم بالغة، وامر ابا الاسود الدؤلي ان يضع النحو.

ص20

وروى ايضا ان زياد بن أبيه بعث الى ابي الاسود الدؤلي ،وقال له :يا أبا الاسود ان هذه الحمراء قد كثرت ، وأفسدت من السنة العرب فلو وضعت لهم شيئا يصلح به الناس ، ويعرب بع كتاب الله فأبى ابو الاسود ، وكره اجابة زيادة الى ما سأل ، فوجه زياد رجلا ، وقال له : أقعد على طريق أبي الاسود ،فإذا مر بك فأقرأ شيئاً من القرآن ، وتعمد اللحن فيه ،فقعد ذلك الرجل على طريق ابي الاسود فلما مر به رفع صوته وقرأ: (....أن الله بريء من المشركين ورسوله ) (بكسر اللام) فاستبعد ابو الاسود ذلك، وقال : عز وجه الله تعالى ان يبرأ من رسوله ، ورجع من فوره الى زياد) ⁽⁶⁾.

ويذكر القفطي في هذا الصدد روايات وتفصيلات اخرى مسهبة ⁽⁷⁾.

ولمستزيد فوق هذا وذال من الاسهاب في سرد الروايات والاستقصاء لها ومناقشتها ان يرجع الى ما اورده الدكتور عبد الرحمن السيد في هذا الشأن⁽⁸⁾.

ص21

________________________

(1)هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل كان من سادات التابعين وأكمل الرجال رأيا واسدهم عقلا, صحب الامام علي كرم الله وجهه وشهد معه صفين، وقدم على معاوية فأكرم و اعظم جائزته، وهو معدود في التابعين والفقهاء والمحدثين والشعراء والاشراف والدهاة والنحاة ..توفي سنة 69هـ عن 85سنة.

ترجمة في : مراتب النحويين 24، طبقات النحويين اللغويين 21، نزهة الالباء 1 ، معجم الادباء 4 /280، انباه الرواة 1/13،بغية الوعاة2 /22.

(2) مراتب النحويين 24.            

(3) المصدر السابق 26.

(4)طبقات النحويين واللغويين 22.

(5)طبقات النحويين واللغويين 21.

(6)نزهة الالباء 4.

(7)انظر انباه الرواة 1 /4ـ23.

(8)مدرسة البصرة النحوية 14ـ 60.