أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-1-2017
![]()
التاريخ: 2025-03-09
![]()
التاريخ: 5-8-2020
![]()
التاريخ: 2024-01-04
![]() |
والمجادلة الطويلة التي ثارت حول الهوية الذاتية للسدم تضرب مثالاً – من جديد - لمدى سهولة وتلقائية، القيام بحجب الإدراك الحسي الواضح والبصيرة. وقراءة الأبحاث التي تمخضت عنها تلك المجادلة عن طبيعة السدم، تبين بوضوح بالغ مدى ضحالة وتواضع هذه التجربة العلمية. وكان ثمة جيلان من أفضل العقليات العلمية في العالم، يتابعون بإلحاح فى وجه مصاعب شتى وأوقات عصيبة، تلك المشكلة العصيبة، فقد وضعوا نظم القياس، وقاموا بمناقشات مستفيضة فيما بينهم، ولم يقترح شخص واحد منهم على الأقل حسب معلوماتي ما يبدو أنه الحل الواضح لهذه المشكلة صعبة المراس.
ومع هذا، فقد كان الأمر واضحا - من قراءة أبحاثهم – أن هؤلاء الباحثين كانوا علماء أكفاء، نوى تفكير ثاقب من الطراز الأول، موهوبين أكثر منى ومن معظم أصدقائي. وأتساءل كيف كان بمقدورهم التغاضى عن أمر بالغ الوضوح، خلال هذه المدة الطويلة؟ وبناء على مستوى تفاؤلك العام، يمكنك أن تنظر إلى هذا الحدث من زاويتين يمكنك أن ترى علماء أكفاء يغفلون - لمدة طويلة - حلولاً واضحة، مما أدى إلى حدوث الياس الذي حاق بالتقدم الفكرى، ومن ناحية أخرى، يمكنك أن تتبين أنه على الرغم من المماطلة والتسويف، فإن التقدم العلمي - في نهاية الأمر – قد توصل إلى إجابة صحيحة.
ولكن مهما يكن استنتاجك الذي اخترته من هذه المجادلة عن طبيعة السديم لابد من الاعتراف من أنها كانت بالغة الأهمية، إذ إنها كانت تعنى في المقام الأول بالحجم النهائي وبنية الكون. كما أنها توضح عن طريق استخدام الأمثلة - أفضل من أي شيء آخر أعرفه - تلك الصلة الوثيقة التي توجد في العلم بين مدى كفاءة الأجهزة المتوفرة والتقدم الذي يمكن تحقيقه في الإجابة عن الأسئلة المهمة.
وكما سوف نرى لم تكن الإبداعية الخلاقة هي التي توصلت إلى الحل الصحيح لمشكلة السديم، والتي كانت مطروحة للنقاش والتساؤل، ولكن توفر تليسكوب المائة بوصة، الذي شيد فوق جبل ويلسون) في كاليفورنيا .
ولا شك أن العلاقة بين الأجهزة والتقدم العلمى انتقادية، وذلك لأنه لإثبات أن سديما معينا، يوجد في مجرة الطريق اللبنى أو لا يوجد، يجب على الباحث أولاً أن يحدد مدى بعد هذا السديم عنا، وثانيا إيجاد حجم مجرة الطريق اللبني. وهكذا، فإن التعرف على طبيعة السدم تتطلب بالضرورة قياس حجم المجرة وقياس المسافات إلى النجوم. وقياس المسافات وتحديد الأبعاد في علم الفلك أحد الموضوعات التي يفضل الباحثون الفلكيون عدم مناقشتها على الملأ مع غير المتخصصين. وثمة كثير من الأسرار لا يتم الإفصاح عنها، بل تظل في طي الكتمان وقياس المسافات الشاسعة بين النجوم ليست - بالطبع - مثل قياس طول منضدة ما، الذى يتم بوضع مسطرة فوقها، وتحديد نهايتها بعلامة، ثم تحريك المسطرة من هذه العلامة حتى نهاية المنضدة. أما في علم الفلك فإن المساطر التي يمكن استخدامها لقياس أقرب النجوم إلينا، لا يمكن تشغيلها لقياس النجوم الأكثر بعدا عناء ومن ثم يجب ابتكار تدريج للمسافات، بحيث تستخدم مسطرة أولى لتحديد المدى الأقصى لهذه النجوم، وتصمم مسطرة ثانية تتلاءم مع الأولى في المناطق التي تتداخل معا، ثم تستعمل المسطرة الجديدة إلى أبعد مدى لها، وبعدها تستخدم مسطرة أخرى لتقيس مسافات أكثر بعداً، وهلم جرا. ويبدو أن هذه الطريقة يمكن استخدامها، ولكنها - دون شك – تعطى لقياس المسافات الهائلة في الفضاء، معنى جديداً يمكن الثقة في نتائجها. وفي أواخر القرن التاسع عشر كانت هناك مسطرتان مستخدمتان في قياس المسافات إلى النجوم أبسطهما عبارة عن تقنية التثليث ( الموضحة في الشكل1)
الشكل 1
ولو أن الزاوية تجاه النجم تقاس عندما تكون الأرض فى الموقع أ، ثم يعاد قياسها بعد ستة أشهر من جديد، فإن معرفة بسيطة بعلم الهندسة وقطر مدار الأرض يمكننا من حساب المسافة إلى النجم، وهذا مفهوم بسيط، وتعتمد هذه الطريقة، على قدرتنا على قياس الاختلافات الصغيرة في الزوايا. وإذا كانت المسافة إلى النجم كبيرة جدا، مقارنة بقطر مدار كوكب الأرض، فإن الزوايا التي تقاس بين الموقعين تكون متشابهة للغاية، ومن ثم نفقد القدرة على التمايز بينهما. ويمكن استخدام التثليث لتحديد الأبعاد إلى ما يقرب من نحو مائة وخمسين سنة ضوئية، وهذا جزء ضئيل للغاية من قطر مجرة الطريق اللبنى. وفي القرن التاسع عشر وباستخدام تليسكوبات أقل قدرة من تلك المتوفرة في الوقت الحاضر، كان من الصعوبة استخدام "مسطرة التثليث حتى لنحو مائة وخمسين سنة ضوئية، ومن ثم كان من المؤكد أنه لا يمكن استخدامها في قياس المسافات الشاسعة إلى حافة مجرة الطريق اللبني. وهكذا، يمكن استخدام التثليث لقياس مسافات قريبة من كوكب الأرض. أما المسطرة التالية، التي لا أريد الخوض في تفاصيلها، تتضمن استخداما أكثر تعقيداً للهندسة، بالإضافة إلى قياسات للحركة الظاهرية للنجوم. وبهذه التقنيات أمكن للفلكيين تطوير مسطرة لقياس مسافات تصل إلى عدة مئات من السنوات الضوئية.
وهذه المسطرة أيضاً، كانت متاحة في أواخر القرن التاسع عشر، ولكنها لم تسهم إلا قليلاً في تحديد حجم مجرة الطريق اللبنى، لأنها مقصورة على قياس المسافات الكونية البعيدة.
بيد أن هذا الموقف تغير في عام 1908 ، عندما توصلت (هنريتيا سوان لیفت) التي تعمل في مرصد "هارفارد" - إلى اكتشاف مهم عن ذلك النوع من النجوم الذي يطلق عليه الفلكيون المتغيرات القيفاوية". وهذه النجوم يحدث لها نموذجاً منتظماً من السطوع والخفوت ثم السطوع وعندما تم رصدها عبر فترات من الزمن، تراوحت بين عدة أسابيع وعدة أشهر. وما لاحظته ليفت أنه كلما اشتد سطوح النجم، زادت مدة النبض (سطوعًا وخفوتا). وهذا يعنى أننا بمراقبة أحد هذه النجوم، يمكننا تحديد مدة النبضة واكتشاف مدى سطوع النجم أو بمعنى آخر، كم كمية الطاقة التي تتدفق إلى القضاء). وإذا قارنت هذا الرقم بكمية الضوء التي تتلقاها بالفعل من النجم لأمكنك أن تحدد مدى بعد ذلك النجم عنا. وكان الرجل الذي حدد - فى النهاية - شيئًا مهماً مثل حجم مجرة الطريق اللبني والذي مازلنا نأخذ به حتى الوقت الحاضر، عالم فلك أمريكي نابغ يدعى "هارلو شابلي ولد في ولاية "ميسوري"، وبدأ حياته العملية مراسلاً للحوادث والجرائم، لجريدة تصدر في مدينة صغيرة بولاية كانساس". وكان عمله يتركز في تغطية أخبار الحفلات الصاخبة التي يقيمها الرجال السكارى الذين يعملون فى مجال النفط، ورعاة البقر. وأصبح عمل هارلو شابلي مملاً، ومن ثم قرر أن يلتحق بإحدى الكليات الجامعية، ولعل السبب الذي برر به استقراره في قسم الفلك - جامعة ميسورى أقل ما يوصف به أنه غير عادي فتحت الكتالوج الذي يضم المقررات الدراسية.. وكان أول مقرر يدرس هو (علم الآثار) (---------- ) ، ولم أستطع نطق الكلمة وقلبت الصفحة ورأيت مقرر (علم الفلك) (r-o-n-o-m-y---) واستطعت أن أنطقها بسهولة. وهكذا التحقت بقسم الفلك.
وما اكتشفه (شابلي) يمكن أن يُفهم من الرسم في (شكل 2.
العناقيد الكروية الكونية
شکل2
إننا نعرف الآن أن مجرة الطريق اللبنى ذات بنية معقدة؛ إذ بالإضافة إلى القرص اللولبي المسطح المالوف، محاطاً بمنظومة من النجوم على شكل عناقيد كروية، يطلق عليها العناقيد الكروية الكونية . ويحتوى كل عنقود على الملايين من النجوم وهذه العناقيد وبداخلها المتغيرات القيفاوية يمكن رصدها بسهولة بالتليسكوبات التي كانت متوفرة لدى (شابلي) وزملائه. وعندما تم إحصاء هذه العناقيد، وجد أنه يمكن مشاهدتها في جانب واحد من السماء وأقنع (شابلي) زملاءه بأسلوب منطقي، مؤكداً أن هذه العناقيد - في الواقع - موزعة بانتظام حول مجرة الطريق اللبني، وأوضح أن الوسيلة الوحيدة لفهم هذه الملاحظات تتأتى عن طريق: (1) جعل المجرة أكثر اتساعاً مما اعتقد سابقا و (2) إبعاد الشمس عن المركز ، كما هو موضح في الشكل. وباعتناق أفكار (شابلي)، نقترب حثيثاً من النظرة الشاملة الحديثة عن مجرة (الطريق اللبنى). إنها قرص مسطح قطره نحو مائة ألف سنة ضوئية(1). وتقع منظومتنا الشمسية على أحد الجوانب، في الضواحي الخافتة الإضاءة، عند ثلث المسافة إلى حافة المجرة. ويمكن القول إن (شابلي) قام بدور في الفلك المجرى يماثل نفس الدور الذي قام به (كوبرنيكس) في المنظومة الشمسية - إذ إنه أزاح كوكب الأرض عن مركز أى شيء. وهكذا. تم إبعاد آخر أثر مرئى وواضح عن مركزية الأرض من المبادئ العلمية السائدة.
وفي نفس الوقت، تعاظم الكون المعروف إلى حجم أضخم مما تصوره بعض الناس - مثل (هيرشل) - الذى كان أول من حاول وضع خريطة لعالم النجوم.
اعتقد نقاد النتائج الذي توصل إليها (شابلي)، أن السدم اللولبية، كانت في واقع الأمر، مجرات مثل مجرتنا . وعلتهم في ذلك أنه إذا كانت مجرة (الطريق اللبني) – في حقيقة الأمر – بالحجم المروع الذي قال به (شابلي)، فثمة أمل ضئيل أن السدم تكون خارج حدودها. وساند هذا الرأى اكتشاف نجوم براقة جديدة، أطلق عليها نوفات ) ، في بعض المجرات اللولبية. وكانت هذه النجوم متألقة للغاية، وبدت كما لو أنها لا تبعد عنا كثيراً . وفى الوقت الحاضر، نعرف أنها كانت "سوبر نوفات (2) أي انفجارات مروعة لنجوم عملاقة. كما أننا ندرك بوضوح وبتأكيد أنه خلال زمن قصير يزود السوبرنوفا بالوقود عن طريق التفاعلات النووية، وكان يمكن أن يفوق ضياؤها مجرة بأكملها. وفى العشرينيات من القرن العشرين، عندما لم يكن قد اكتمل الفهم الصحيح للطاقة النووية، لم يلق هذا التفسير اهتماماً كبيراً. ويبدو أن الاتجاه السائد لدى العلماء، ضد النظرية التي مفادها أن الكون عبارة عن جزر، والاعتقاد بأن الكون يتكون من مجرة واحدة، وليس العديد منها .
وكان الموقف مرتبكا ومشوشاً، وفى شهر أبريل من عام 1920، عندما عقد (شابلی) و (هيربر كورتس) - أحد أشد المؤيدين لنظرية أن الكون يتشكل من جزر (المجرات)، مجادلة فى معهد (سميثونيان)، عن مسألة بنية الكون، برعاية الأكاديمية القومية للعلوم. ونظر الفلكيون إلى هذه المجادلة، كمثيل للمجادلات الشهيرة التي دارت بین هکسلی وویلبر نورس حول مدى صلاحية نظرية التطور وفاعليتها. وقدم (شابلي) دليله الذي استند إليه لتقدير حجم مجرة الطريق اللبنى)، وجادل (كورتس) في صالح وجود مجرات أخرى مثل مجرتنا . ولم يكسب" أحد تلك المجادلة، والسبب الرئيسي في هذا أن العالمين ناقشا مسائل متباينة. وكان كل منهما محقا في مجاله. وكما جادل (شابلی)، فإن الطريق اللبنى له حجم مروّع، بيد أن المسافات إلى المجرات الأخرى شاسعة للغاية.
وتأكدت طبيعة السدم أخيراً في عام 1923 ، عندما أصبح الفلكي الأمريكي (إدوين هابل) (1) ، أحد أول العلماء الذين قضوا وقتًا طويلاً في الرصد بالتليسكوب الجديد في العدسة التي قطرها مائة بوصة، فوق جبل ( ويلسون)، بالقرب من (لوس أنجلوس). وبواسطة هذا التليسكوب، تمكن (هابل) من رصد نجوم فردية، ومن بينها المتغيرات القيفاوية في المجرات القريبة. وباستخدام العلاقة التبادلية بين التذبذب والتألق، التي طورتها (ليفت) (2) استطاع (هابل) أن يثبت صحة أن المسافات إلى السدم اللولبية، يمكن قياسها بملايين السنوات الضوئية، أي تزيد كثيراً عن تلك التي قدرها (شابلی) بالنسبة لحجم المجرة.
ومن جديد، اتسع الكون أكثر بفضل تحسن قدرتنا على سبر غوره، ولم يكن هناك جزر كونية أخرى فقط، ولكنها كانت أبعد كثيراً، مما كان يمكن لأي شخص أن يتخيله. والواقع أن السدم اللولبية هي منظومات نجمية مثل مجرتنا، تقع على مسافات مروعة منا . أما السدم الأخرى - تلك التي تشتمل على عدد قليل نسبيا من النجوم، ومادة كثيرة خفيفة ومجدولة، فهى عبارة عن سحب غازية في داخل مجرتنا الطريق اللبني). ولكي نبين الفرق بينهما، فإننا نحتاج إلى تليسكوب قادر على تحديد أن مجموعة من السدم، أكثر بعداً عن الأخرى. وإذا أمكن تحقيق هذا الأمر، تم حل المشكلة.
|
|
لشعر لامع وكثيف وصحي.. وصفة تكشف "سرا آسيويا" قديما
|
|
|
|
|
كيفية الحفاظ على فرامل السيارة لضمان الأمان المثالي
|
|
|
|
|
شعبة مدارس الكفيل: مخيَّم بنات العقيدة يعزِّز القيم الدينية وينمِّي مهارات اتخاذ القرار لدى المتطوِّعات
|
|
|