حسن الهاشمي
ترك الصلاة له آثار خطيرة في الدنيا والآخرة، بحسب القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) فمن الآثار الدنيوية حبط الاعمال والحرمان من التوفيق والبركة، فانه يُسلب التوفيق في العمل، ويُضيّق عليه في الرزق، عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من ترك صلاته حتى تفوته من غير عذر فقد حبط عمله، ثم قال: بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٢ ص١٦٤٤. ومن تداعيات حبط العمل، قسوة القلب، وضعف الروح، والضياع الاجتماعي والأخلاقي، والخوف والاضطراب النفسي.
ومن الآثار الأخروية العذاب في القبر، والحرمان من الشفاعة، والحشر مع الفجّار، ودخول نار جهنّم إن أصرّ على ترك الصلاة ومات مصرّا، (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) يكون تارك الصلاة كافرا إذا جحدها، وترك الصلاة يفسد الدنيا، ويهلك الآخرة، لأنها عمود الدين، ومن ضيّعها فقد ضيّع الدين كله.
ترك الصّلاة من الذّنوب التي جاء الوعيد عليها بالعذاب في القرآن المجيد، كما في قوله تعالى: (فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ، مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) المدثر: 40- 46. هذه الآيات الكريمة تولي أهمية فائقة إلى الصلاة، التي هي أحد أركان الإسلام، ويعتبر تارك الصلاة مقترفاً لذنب عظيم من الذنوب الكبيرة، وهذا ما أكدته هذه الآيات في أنّ السبب الرئيسي في دخولهم النار، كونهم تاركين للصلاة، بالإضافة إلى أنّ هناك الكثير من الروايات عن المعصومين عليهم السلام تؤكد على أنّ ترك الصلاة من جملة الذنوب المنصوص على كونها من الكبائر، فقد رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام في تعداده للكبائر قوله (...وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً مما فرض الله عزّ وجل) مجمع البيان للطبرسي، 2 : 39.
قال تعالى: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى، وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى، أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى) القيامة: 31 35. هذه الآيات نزلت في أحد رموز الكفر والنفاق، وتُعبّر عن حال كل من يُعرض عن الإيمان والعمل، (فَلَا صَدَّقَ): أي لم يُصدّق بالحق، ولم يؤمن بالله ورسوله، (وَلَا صَلَّى): لم يؤدِّ الصلاة، وهي علامة الإيمان والعمل الصالح، (وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى): كذّب بالرسالة، وتولّى أي أعرض واستكبر ورفض الطاعة، (ذهب إلى أهله يتمطّى): أي عاد إلى قومه أو بيته بعد أن كذّب وأعرض عن الإيمان والصلاة، يتمطى أي يمشي متبخترا بتكبر وتعالٍ، وكأنّه لا يُبالي بما سمع من الحق، بل يُظهر الاستخفاف والغرور، (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى): أي ويلٌ لك، وقد كرّرت هذه الكلمة أربع مرات تأكيداً، أو إشارةً إلى المراتب الأربعة في الهلاك، وهي الهلاك في الدنيا، وعذاب القبر، وأهوال القيامة، والخلود في العذاب، فالآيات تصف حالة الكفر العملي والعقائدي، حيث لا تصديق بالقلب، ولا عمل بالجوارح لتركه الصلاة، بل تكذيب صريح وإعراض عن الدين.
قال ابن مسعود: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (من تهاون في صلاته من الرجال والنساء عاقبه الله بثمانية عشر عقوبة: ست منها في الدنيا، وثلاث أثناء الموت، وثلاث في القبر، وثلاث في المحشر، وثلاث على الصراط.
أما التي في الدنيا: ذهاب البركة من زرقه، وذهاب البركة من حياته، وذهاب النور من وجهه، ولا حظّ له في الاسلام، ولا يشركه الله في دعاء الصالحين، ولا يستجاب دعاؤه.
وأما التي لدى الموت: فالأولى: يموت ذليلا، فما أثقل ذلك عليه كأنّه حمل جبل، أو كأنّه يضرب بالسوط ويعجز عن رده، والثانية: يموت عطشاناً ولو شرب ماء الدنيا لم يرو، والثالثة: يموت جائعاً ولو أكل طعام الدنيا لم يشبع.
وأما التي في القبر: فالأولى: الغم الشديد ويظلم عليه قبره، والثانية: يضيق عليه القبر ويكون معذباً الى يوم القيامة، والثالثة: لا تبشره الملائكة بالرحمة.
وأما التي في المحشر: فانّه يقوم على صورة الحمار، ويعطى كتابه بشماله، ويحاسبه الله حساباً طويلا.
وأما التي على الصراط: لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه، ولا يقبل منه صرفاً ـ توبة ـ ولا عدلا ـ فدية ـ ويحاسبه الله على الصراط ألف عام، ثم يأمر به الى النار مع الداخلين) بحار الانوار للمجلسي، ج 83، ص 21، الرواية 39، باب 6.
يا لها من بداية تعيسة ونهاية أتعس، تلك التي تنتظر التارك لصلاته، فهو في الدنيا ترتفع البركة من حياته وفي الآخرة يكون من السالكين طريق العذاب في جهنم وبئس المصير، وطالما يكدح الانسان ليوفر له سبل الحياة الكريمة، وإذا بآفة كترك الصلاة أو التهاون بها تجعل الحياة أمامه نكدة جامدة هامدة، لا يخرج من مشكلة إلا ويقع بأكبر منها، حياته تكون مليئة بالعقد والألغاز والمصاعب، حتى اذا كدح ليل نهار وسعى من أجل توفير المعيشة لأهله وأطفاله، بيد أنه لا يشعر بالسعادة وتكون الهموم والغموم قد تكالبت عليه من كل حدب وصوب، ولو راجعنا جذور هذه المشاكل التي يعاني منها نجدها تكمن في عبارة واحدة وهي (ذهاب البركة من حياته) وهي نتيجة حتمية لتارك الصلاة وكل من يتهاون أو يستهزئ بضرورة من ضروريات الدين الحنيف.
السعي والذكاء والكسب كل هذه الأمور مطلوبة ولكنها في كفة، والبركة في كفة أخرى قد تضاهيها في الكثير من الأحيان، ربما تجد إنسانا معتدلا في عمله إلا أن الله تعالى قد حفّه بالبركة في كل شيء، فهو مبروك وفيه من النماء والزيادة في رزقه وذريته الصالحة، وإن الله تعالى ييسر له الأمور ويهيّأ له الأسباب ويحصل على ما يريد بكل يسر وبلا أدنى جهد وتعب ونكد، بخلاف المسلوب البركة ترى الأبواب كلها تغلق أمامه، ولا يحصل على شيء إلا بشق الأنفس وخوض اللجج وبذل المهج، وتكون حياته مليئة بالمشاكل والمتاعب والمصاعب، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل يتعدى ذلك بأنه وبعد رحيله عن هذه الدنيا تتقاطر عليه البلايا وتنتظره أهوال البرزخ والقيامة وما فيها من آلام وحسرات وكدمات لا ينفع إزاءها توبة ولا فدية ولا جماعة ولا هم يحزنون، وإنما نداء الحق يتمثل نصب عينيه: في قوله تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) المدثر: 42،43.







وائل الوائلي
منذ 5 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN