حسن الهاشمي
الإنفاق في الإسلام ليس مجرد عمل مالي، بل عبادة عظيمة تُعبّر عن صدق الإيمان، وتجسّد روح العطاء والتكافل في المجتمع، لربما فرد يتبادر الى ذهنه كيف اعطي مالا ضحيت من أجله الغالي والنفيس، وما هي الضمانة التي بموجبها أن أقدم على الانفاق، وهل ثمة علاقة بين الايمان بالغيب والانفاق في سبيل الله، وما هي الثمرات التي يمكن قطفها من الايثار ولو بقسم من الأموال الخاصة، وما هي الآثار المترتبة عليها صحيا ونفسيا واجتماعيا ودينيا، وكيف يمكن الموائمة بين الدوافع المادية والدوافع المعنوية التي تتصارع داخل نوازع الانسان، وما هي اهم الأدوات في استثمار الايثار الذي طالما يخالف النزعات المادية للكثير من البشر. هذه الأسئلة وغيرها نحاول استعراضها واماطة اللثام عما يكتنفها من غموض والتباس، والحال ان من أهم صفات المؤمن الايمان بالغيب وهو يتجلى بأبهى صوره بالمنفق في سبيل الله كما في قوله تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة:273. ليعلم المعطي ان كل إنفاق في سبيل الله ولو صغر هو في عين الله بل يضاعفه لمن يشاء كل حسب ايمانه وصدقه واخلاصه في العطاء: قال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة:261.
العلاقة بين الايمان والانفاق علاقة مطردة، وكلما زاد الايمان زاد العطاء ويكون عن طيب خاطر والعكس بالعكس، ولهذا جاء في الروايات ان أشد البلى للعباد هو اخراج الدرهم، لان ثمة علاقة ترابية وطيدة بينه وبين الدرهم لا يمكن هدمها الا بالإيمان، ومن هنا قال الامام الصادق عليه السلام: (ما بلا الله العباد بشئ أشد عليهم من إخراج الدرهم) الخصال للشيخ الصدوق ج1 ص8. ويُراد به بيان شدة تعلق الإنسان بالمال، وصعوبة الإنفاق في سبيل الله عند كثير من الناس.
ومن الواضح ان الله تعالى قد اختبر عباده بأنواع الابتلاء، لكن المال من أشدّها؛ لأنه محبوب للناس بالفطرة، وهو رمز الأمان والجاه، ومن أصعب ما يُبذل عن طيب نفس عندهم، فإخراج درهم واحد في سبيل الله عن قناعة وإخلاص، قد يكون عند البعض أشد من الجهاد أو الصبر على البلاء، يذكر في هذا المجال ان رجلا اشترى خبزا وكبابا لعائلته وبينما هو عائد الى البيت رأى رجلا يبكي بكاء شديدا فاستوقفه المنظر، وسأله عن سبب البكاء فرد عليه الجوع وقلة ذات اليد، فأخذ الرجل يبكي مواساة للباكي، فسأله الفقير لماذا انت تبكي قال أبكي لبكائك، قال أعطني قسما من هذا الكباب لكي نتوقف عن البكاء كلينا، فرد عليه الرجل انني مستعد أن ابكي الى الصباح ولا أعطيك من الكباب شيئا، وأمثال هؤلاء وصفهم الله تعالى بقوله: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (الفجر:20. وليعلم الجميع انه لم يرتق الانسان سلم المجد الا بالإيمان والانفاق كما في قوله تعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) آل عمران:92. والبر هو المراتب العليا في الخيرات، فالله تعالى وضعه في خانة الانفاق، وقد يمتحن الناس بالصلاة، وهي ظاهر الدين وأقل مؤونة، وقد يمتحنهم بالصدقة وهي عمق الدين وأكثر مؤونة، فمحنة إعطاء المال هي أشد خطورة من محنة أداء الصلاة، فقد يصبر الانسان على الصلاة ولم يصبر على الصدقة، فالإنفاق اختبار لإيمانك، فمَن انتصر على حب المال، ارتقى في مقامات العبودية.
ولهذا جاء الحث الإسلامي للإنفاق والترغيب به والتشويق اليه لما له من عطاءات لها أول وليس لها آخر كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الصدقة تمنع سبعين نوعا من أنواع البلاء، أهونها الجذام والبرص) كنز العمال للمتقي الهندي: 15982. وقول أمير المؤمنين (ع): (استنزلوا الرزق بالصدقة) نهج البلاغة: الحكمة 137.
ومن المعلوم ان الانفاق ينقسم الى:
1ـ الواجب: كالزكاة والخمس والنفقة على الأهل والعيال.
2ـ المستحب: كالصدقة والهدايا ودعم المحتاجين والمعوزين.
3ـ الإنفاق في سبيل الله: كبناء المساجد ونشر العلم وإغاثة المسلمين.
والحقيقة التي لا غبار عليها "ما نقص مال من صدقة" بل يزيد ويُبارك فيه، ومراتب الانفاق تفتح على المؤمن أبواب الرزق والرحمة والبركة، ومن أهم أهدافه أنها تطهّر النفس من البخل، وتبثّ روح الرحمة في المجتمع، وتحقق العدالة الاجتماعية، بالإضافة الى أنها شكر الله على النعم التي أولاها لعباده وهي لا تعد ولا تحصى.
حذار لمن يتنعّم بنعم الله تعالى ولم يحافظ عليها بالشكر والصدقة، قد يتنعّم بها وهلة من الزمن وهو بعيد عن الانفاق، بيد أنه يقع لا محالة في خانة الامتحان والابتلاء، ونرجو ألا يقع المرء في خانة الاملاء ليزداد إثما ويكون من الخاسرين كما قال الإمام علي (عليه السلام): (ما ابتلى الله أحدا بمثل الإملاء له) بحار الانوار للمجلسي: 73 / 383 / 8. والإملاء هو تأخير العقوبة على العاصي، مع استمرار النعم عليه.
إن من أشد الابتلاءات التي قد يواجهها الإنسان هو أن يمهله الله ويمدّ له في المعصية دون أن يُعاجله بالعقوبة، فيظنّ أنه على خير، بينما هو في طريق الهلاك، فالإملاء بهذا المعنى هو تأخير العقوبة على العاصي، مع استمرار النعم عليه، قال تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) القلم: 45. أي: يمهلهم ويتركهم يغترّون، حتى يأخذهم بغتة، فالابتلاء بالإملاء هو أن يُترك الإنسان في غيّه، فيزداد طغيانا دون أن يشعر، فتكون العقوبة أعظم وأشد لاحقا، فكم من مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، والعبرة من الامهال إذا رأيت نفسك مُقيما على ذنب والنعم تتوالى عليك، فلا تظنّ أن الله راضٍ عنك، بل خَف من أن تكون ممّن يُملى لهم ليزدادوا إثماً، لهذا قال الإمام علي (عليه السلام): (إن من البلاء الفاقة، وأشد من ذلك مرض البدن، وأشد من ذلك مرض القلب) أمالي الطوسي: 146 / 240.
والحل الأمثل لحالة الاملاء هي المواساة في العطاء والانصاف من النفس وذكر الله على كل حال وكما قال الإمام علي (عليه السلام): (ما ابتلي المؤمن بشئ هو أشد عليه من خصال ثلاث يحرمها، قيل: وما هن قال: المواساة في ذات يده، والإنصاف من نفسه، وذكر الله كثيرا، أما إني لا أقول لكم: سبحان الله والحمد لله، ولكن ذكر الله عندما أحل له، وذكر الله عندما حرم عليه) بحار الانوار للمجلسي: 78 / 44 / 40.







وائل الوائلي
منذ 5 ساعات
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN