في آداب شرب الماء
المؤلف:
الشيخ عبد الله المامقاني
المصدر:
مرآة الكمال
الجزء والصفحة:
ج1/ ص191-197
2025-05-15
840
الذي ورد انه سيد الأشربة في الدنيا والآخرة[1] ، وان طعمه طعم الحياة[2] ، ومنه خلق كل شيء حي[3] ، والبارد منه ألّذ[4] ، والمفّور منه سبع مرات مع التبريد بين كل مرة ومرة بالقلب من اناء إلى اناء يذهب بالحمّى ، ويقوّي الساقين والقدمين[5].
ويستحب شرب الماء بعد الطعام ، فإنه يدير الطعام في المعدة ، ويسكن الغضب ، ويزيد في اللب ، ويطفئ المرار[6] . ويستحب تقليله مهما أمكن ، بل يكره اكثاره ، فإنه مادة لكل داء[7] سيما بعد الدسم ، فإنه يهيج الداء[8].
ويستحب شربه بعد التمر[9].
ويستحب لمن شرب الماء التسمية قبله[10] ، وشربه مصّا ويكره عبّا[11] .
ويستحب الشرب قياما نهارا ، فان شربه من قيام نهارا ادّر للعروق[12] ، وأقوى للبدن ، وليلا يورث الماء الأصفر[13]. ويكره الشرب قائما ليلا ، وقد حمل عليه ما ورد من أن من شرب الماء قائما فابتلاه اللّه تعالى بداء لا دواء له ، فلا يلوّمن إلا نفسه ، وكذا ما ورد من أنه يورث الماء الأصفر ، وظاهر جملة من الأخبار انكار كراهة الشرب قائما مطلقا[14] ، وفصّل بعضها بين الليل والنهار بحمل المانعة على الليل ، لأنه يورث الماء الأصفر ، والمرخّصة على النهار .
ويكره الشرب بنفس واحد ، سيما إذا كان من يناول الماء عبدا[15]. نعم إن كان حرا فظاهر بعض الأخبار عدم البأس بالشرب بنفس واحد[16] وان كان الأفضل الشرب بثلاثة أنفاس بين كل اثنين منها تحميد[17]. وقد قال مولانا الصادق عليه السّلام : ان الرجل منكم ليشرب الشربة من الماء فيوجب اللّه تعالى له بها الجنة ، ثم قال في بيانه : انه ليأخذ الاناء فيضعه على فيه فيسمي ، ثم يشرب فينحّيه وهو يشتهيه ، فيحمد اللّه ، ثم يعود فيشرب ، ثم ينحّيه فيحمد اللّه ، ثم يعود فيشرب ، ثم ينحّيه ، فيوجب اللّه عز وجل بها له الجنة[18].
ويستحب أن يدعو بالمأثور ، ومنه ان يقول عند الشرب : « الحمد للّه الذي سقانا عذبا ذلولا [ خ . ل : زلالا ] ، ولم يسقنا ملحا أجاجا ، ولم يؤاخذنا بذنوبنا »[19]. وان يقول : « الحمد للّه الذي سقاني فأرواني ، وأعطاني فارضاني ، وعافاني وكفاني . اللهم اجعلني ممن تسقيه في المعاد من حوض محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وتسعده بمرافقته ، برحمتك يا أرحم الراحمين »[20]. وورد أن من قال عند شرب الماء بالليل ثلاث مرات : « عليك السّلام من ماء زمزم وماء فرات » أو قال : « يا ماء ! ماء زمزم وماء فرات يقرئك السّلام » بعد تحريك الاناء ، لم يضره شرب الماء بالليل[21].
ويستحب ذكر سيد الشهداء أرواحنا فداه والسّلام عليه ولعن قاتله لمن شرب الماء ، فإن من فعل ذلك كتب اللّه عز وجل له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سيئة ، ورفع له مائة ألف درجة ، وكان كمن أعتق ألف نسمة ، وحشره اللّه تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد[22]. وأحسن ما يشرب فيه الخزف[23] ، إلّا خزف مصر ، فإن الشرب فيه والغسل بطين مصر يذهب بالغيرة ويورث الدياثة[24]. ويكره الشرب بالأفواه من أفواه الأسقية ، ومن ثلمة الاناء ، ومن موضع عروته ، ومن أذنه فإن الشيطان يقعد عند ذلك ، ويشرب من ذلك الموضع[25] ، بل ينبغي الشرب من شفته الوسطى[26]. ويستحب الشرب باليد ، وباليمنى دون اليسرى[27] ، بل يكره الشرب باليسرى ، ولي في شمول الكراهة لرفع اناء الماء باليسرى والشرب من الاناء تأمل ، وإن كان الاجتناب أولى[28] ويكره النفخ في قدح الماء[29]. ويستحب شرب سؤر المؤمن تبّركا كما مرّ ، لأنه شفاء من سبعين داء[30] ، ومن شرب سؤر المؤمن تبرّكا به خلق اللّه بينهما ملكا يستغفر لهما حتى تقوم الساعة[31]. ومن شرب من سؤر أخيه المؤمن يريد به التواضع ، أدخله اللّه الجنة البتة[32].
ويستحب الاستشفاء بماء المطر النازل من ميزاب الكعبة[33] ، وكذا يستحب شرب ماء زمزم ، والاستشفاء به ، فإنه شفاء من كل داء[34] ، وكذا شرب ماء الفرات والاستشفاء به ، وقد ورد أنه يصّب فيه ميزابان من الجنة[35] ، وإنه يسقط فيه كل يوم سبع قطرات من الجنة[36] ، وإن ملكا من السماء يهبط كل ليلة معه ثلاثة مثاقيل مسكا من مسك الجنة فيطرحها في الفرات ، وما من نهر في شرق الأرض وغربها أعظم بركة منه[37] ، وإن من حنّك به كان شيعيا[38]. وورد أنه لو علم الناس ما فيه من البركة لضربوا الأخبية على حافتيه ، ولولا ما يدخله من الخاطئين ما أغتمس فيه ذو عاهة إلّا برأ[39]، وأنه لو كان بيننا وبين الفرات كذا وكذا ميلا ، لذهبنا إليه واستشفينا به[40]. وورد استحباب شرب ماء نيل مصر ، وماء العقيق ، وماء سيحان وجيحان[41] ، لكن عن أمير المؤمنين عليه السّلام : إن ماء نيل مصر يميت القلب[42]. ويكره اختيار ماء دجلة ، وماء بلخ للشرب ، لأنهما كافران[43]. ويكره شرب ماء حضرموت[44] وكذا ماء الكبريت ، والماء المرّ ، والتداوي بهما ، لأن نوحا عليه السّلام لما دعا المياه أيام الطوفان أجابته ، إلّا ماء الكبريت والماء المرّ ، فلعنهما ودعا عليهما[45].
ويستحب شرب ماء السماء ، فإنه يطهّر البدن ، ويدفع الأسقام[46]. وورد استحباب قراءة الحمد والاخلاص والمعوذتين سبعين مرة على ماء السماء المجموع قبل وصوله الأرض في اناء ، والاستشفاء به[47].
ويكره أكل البرد .
ويستحب سقي الماء حتى على الماء ، وقد ورد إن من سقى مؤمنا شربة من ماء حيث يقدر على الماء ، أعطاه اللّه بكل شربة سبعين ألف حسنة ، وإن سقاه من حيث لا يقدر على الماء ، فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل[48] ، وإن من سقى مؤمنا شربة من عطش سقاه اللّه من الرحيق المختوم[49].
ثم المعروف بين العوام تقديم الأصغر سنا في شرب الماء على الأكبر ، ولم أقف له إلى الآن على مستند ، وهو خلاف قاعدة احترام الكبير[50] ، ومقتضى قول الشيخ العلامة ابن الأعسم في منظومته : لا تعرضن شربه على أحد * لكن متى يعرض عليك لا ترد هو كراهة عرض الماء ، ولم أقف له على مستند ، بل ينافيه ما مرّ من أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان إذا شرب لقمّ من عن يمينه . ويظهر ممن شرحه بالنظم من فضلاء الهند انه أيضا لم يقف على سنده ، حيث حمله على العرض بقصد الورود فقال :
لا تعرضن بشربه على أحد * بقصد أن ذاك مما قد ورد
كما تراه شائعا بين العجم * ويحسبون أنه من الكرم
لكن متى يعرض عليك لا ترد * إذ لم يقابل قط احسان برد
وإن يكن مستهجنا عند العجم * بل يحسبون ردّه من الكرم
وظاهره إنه لم يقف على مستند الفقرة الثانية أيضا ، ولكن يدلّ عليه ما ورد من أنه ما عرض الماء على عاقل فأبى .
[1] الكافي : 6 / 380 باب فضل الماء حديث 1 .
[2] الكافي : 6 / 381 باب فضل الماء حديث 7 .
[3] سورة الأنبياء : 30 في قوله تعالى شأنه : أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ .
[4] الكافي : 6 / 382 باب كثرة شرب الماء حديث 1 ، بسنده قال أبو الحسن عليه السّلام : انّ شرب الماء البارد أكثر تلذذا .
[5] مكارم الأخلاق : 179. وانظر وسائل الشيعة 2 / 284 باب 5 ، حديث 2 [ ط ج 17 / 8 ] .
[6] الكافي : 6 / 381 باب اخر حديث 2 .
[7] المحاسن : 571 باب 1 فضل الماء حديث 11 .
[8] المحاسن : 572 باب 1 فضل الماء حديث 14 .
[9] الكافي : 6 / 381 باب فضل الماء حديث 3 .
[10] الكافي : 6 / 384 باب القول على شرب الماء حديث 3 .
[11] الكافي : 6 / 381 باب آخر حديث 1 .
[13] الفقيه : 3 / 223 باب 97 حديث 1037 وحديث 1038 ، والكافي : 6 / 372 باب شرب الماء من قيام حديث 1 و 2 .
[14] وسائل الشيعة : 17 / 192 باب 7 حديث 10 ، والفقيه : 3 / 223 باب 97 حديث 1038 .
[15] الفقيه : 3 / 223 باب 97 حديث 1039 .
[16] الكافي : 6 / 383 باب شرب الماء قياما حديث 4 .
[17] المحاسن : 578 باب 8 القول عند شرب الماء حديث 44، وقريب منه في الكافي: 6 / 384 باب القول على شرب الماء حديث 1.
[18] المحاسن : 577 باب 7 حديث 41 اخر الحديث ، وصفحه 578 باب 43 القول على شرب الماء حديث 1 .
[19] الكافي : 6 / 384 القول على شرب الماء حديث 2 .
[20] مستدرك وسائل الشيعة : 3 / 309 باب 10 حديث 5 .
[21] وسائل الشيعة : 17 / 199 باب 10 حديث 5 ، والكافي : 6 / 384 حديث 4 .
[22] كامل الزيارات : 106 باب 34 حديث 1 بسنده عن داود الرقي قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ استسقى الماء فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ، ثم قال لي : يا داود ، لعن اللّه قاتل الحسين عليه السّلام فما انغص [ خ . ل : انقض ] ذكر الحسين [ خ . ل : للعيش ] ، اني ما شربت ماء باردا إلا ذكرت الحسين عليه السّلام ، وما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السّلام وأهل بيته ولعن قاتله . . إلى آخر الحديث .
[23] الكافي : 6 / 385 باب الأواني حديث 2 .
[24] الكافي : 6 / 386 باب الأواني حديث 9 .
[25] وسائل الشيعة : 17 / 203 باب 14 أحاديث الباب ، والكافي : 6 / 385 حديث 6 و 7 .
[26] المحاسن : 448 باب 46 الأدب في الطعام حديث 350 .
[27] الكافي : 6 / 272 باب الاكل باليسار حديث 1 ، بسنده عن جراح المدايني ، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّه كره للرجل ان يأكل بشماله أو يشرب بها أو يتناول بها . وحديث 3 مثله .
[28] وجه التأمل ان الشرب تحقق بالإناء لا باليسرى ولا باليمنى ، وأولوية الاجتناب للحدثيين المشار إليها .
[29] مستدرك وسائل الشيعة : 17 / 205 باب 15 حديث 1 .
[30] ثواب الأعمال : 181 ثواب من شرب سؤر أخيه المؤمن حديث 2 ، والوسائل : 17 / 208 باب 18 حديث 1 .
[31] ثواب الأعمال : 181 باب ثواب من شرب من سؤر أخيه المؤمن حديث 1 .
[32] وسائل الشيعة : 17 / 200 باب 11 أحاديث الباب .
[33] الكافي : 6 / 387 باب فضل ماء زمزم وماء الميزاب حديث 6 .
[34] الكافي : 6 / 386 باب فضل ماء زمزم وماء الميزاب حديث 4 .
[35] الكافي : 6 / 388 باب فضل ماء الفرات حديث 1 .
[36] مستدرك وسائل الشيعة : 3 / 131 باب 13 حديث 1 .
[37] الكافي : 6 / 389 باب فضل ماء الفرات حديث 6 .
[38] الكافي : 6 / 389 باب فضل ماء الفرات حديث 5 . أقول : حنّكت القابلة الطفل دلكت حلقة قبل ان يرضع ، ومنه تحنيك الميت .
[39] مستدرك وسائل الشيعة : 3 / 132 باب 19 حديث 4 .
[40] الكافي : 6 / 388 باب فضل ماء الفرات حديث 3 .
[41] الخصال : 1 / 250 باب أربعة انهار من الجنّة حديث 116 .
[42] الكافي : 6 / 391 باب النوادر حديث 3 ، وعلق الشيخ الحر قدس سره على هذه الرواية في الوسائل : 17 / 215 باب 26 حديث 3 بقوله : أقول : يمكن ان يكون المراد انّه يذهب قسوة القلب ويحصل منه اللّين والخشوع ورقّة القلب فيكون مدحا ، ويمكن حمله على الكراهة ، والأول على الجواز . أقول : هذا التوجيه بعيد فتدبّر .
[43] الكافي : 6 / 391 باب النوادر حديث 5 ، بسنده عن أبي الحسن عليه السّلام قال : نهران مؤمنان ونهران كافران ، فأمّا المؤمنان : فالفرات ونيل مصر ، وامّا الكافران فدجلة ونهر بلخ .
[44] الكافي : 6 / 386 باب فضل ماء زمزم وماء الميزاب حديث 3 .
[45] الكافي : 6 / 389 باب المياه المنهّي عنها حديث 2 .
[46] الكافي : 6 / 387 باب ماء السماء حديث 2 ، بسنده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : اشربوا ماء السماء فانّه يطهّر البدن ، ويدفع الأسقام ، قال اللّه عزّ وجلّ : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ .
[47] مكارم الأخلاق : 446 باب للشفاء من كل داء وفي آخر الحديث : ثم يشرب منه قدحا بالغداة وقدحا بالعشيّ ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : والذي بعثني بالحق لينزعن اللّه ذلك الدّاء من بدنه وعظامه ومخه وعروقه .
[48] الكافي : 2 / 201 باب اطعام المؤمن حديث 7 .
[49] الكافي : 2 / 201 باب اطعام المؤمن حديث 5 .
[50] هنا سقط في المتن ، فراجع .
الاكثر قراءة في آداب الطعام والشراب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة