القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
إثبات النسب بالبصمة الوراثية
المؤلف:
أحلام جبار محسن
المصدر:
الاثار القانونية لأثبات النسب
الجزء والصفحة:
ص49-57
2025-06-02
300
تعد البصمة الوراثية من المصطلحات العلمية المستحدثة و أول من استخدم هذا المصطلح هو احد الاطباء الانكليز في جامعة ليستر بأنكلترا عام 1984(1) ، وقد عرفت بأنها إحدى وسائل التعرف على الاشخاص بطريقة مقارنة تركيب الـ DNA (2)
اما تعريفها الاصطلاحي، فقد عرفت على انها ( وسيلة من وسائل التعرف على النسب، وتسمى في بعض الاحيان بالطبعة الوراثية او الشفرة الوراثية) (3) ، لذلك تعرف البصمة الوراثية على انها البنية الجينية التفصيلية التي تدل على هوية كل شخص بعينه، وهي وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدين البيولوجيين والتحقق من الشخصية وإثباتها)(4). وقد بينت الاكتشافات الحديثة ان النواة في خلية الإنسان يختلف فيها المحتوى الوراثي من شخص لآخر، كما وان احتمال التشابه بين بصمتين هو ضئيل جداً ويحدد بواحد بالترليون (5).
لذلك فان البصمة الوراثية تلعب دورا حاسما في المجال القانوني، كما في إثبات النسب او نفيه في قضايا النسب المتنازع فيه، وكذلك في المجال الجنائي، فإذا كانت هذه البصمة في المجال الجنائي تثبت هوية صاحب الأثر الادمي الذي وجد في مسرح الجريمة، الا انها لا تؤكد غالبا انه هو الذي ارتكب الجريمة، اما في مجال النسب، فان هذه البصمة تؤكد ان الولد محل النزاع هو للاب بذاته او لام بذاتها، ومن ثم يحسم النزاع بصورة نهائية.
فقد كانت مسألة إثبات النسب من خلال البصمة الوراثية محل خلاف بين الفقهاء، إذ وقف البعض منهم وقفة الريبة من الوسائل الحديثة في إثبات النسب ورفضها واعتبرها خروجا عن القواعد الفقهية التي جاءت بها الشريعة الاسلامية، وعلى هذا الاساس فقد اختلفت التشريعات في تناولها، فمثلا القانون العراقي الذي لم ينص عليها في قانون الاحوال الشخصية، ولم يأخذ الا بالوسائل أو الطرق الشرعية في إثبات النسب، بينما اخذت تشريعات عربية أخرى بالبصمة الوراثية طريقاً لإثبات النسب (6).
وقال الاتجاه الرافض لهذه الوسائل انه لا يجوز الاخذ بالبصمة الوراثية الا في الحالات التي يكون فيها التنازع في النسب بسبب الاختلاط او إذا تساوت وسائل الإثبات الشرعية في النسب وتعادلها فتقدم القيافة عليها وفي هذه الحالة يركن الفقه الى القيافة، وتأخذ البصمة الوراثية حكم القيافة في رايهم على اعتبار ان البصمة الوراثية لا تزال تحت التجربة والاختبار ويمكن ان يتخللها الخلل في اجراء التحليلات (7) ، لذلك فأن جواز الاخذ بالبصمة الوراثية في رايهم هو قياسها بالقيافة، وتبقى الوسائل الشرعية في إثبات النسب من ( فراش وإقرار وبينة) مقدمة على القيافة وبدورها مقدمة على البصمة الوراثية، لذلك يرى اصحاب هذا الراي عدم الأخذ بالبصمة الوراثية الا في حالة التنازع او تساوي الادلة الشرعية (8).
اما موقف الاتجاه المؤيد للبصمة الوراثية، فأنهم يرون ان البصمة الوراثية اقوى من القرائن والشهادة، بل انها تصلح بأن تكون مانعا من قبول طرق الإثبات التقليدية أي الوسائل الشرعية كون البصمة الوراثية تعتبر دليلاً مادياً يعتمد على العلم والحس ويقوم على التسجيل الذي لا يقبل العود والانكار بخلاف غيرها الذي يعتمد على الذمم ويقبل العود والانكار ، فالبصمة الوراثية تقدم على الإقرار كما لو لم يتفق هذا الاخير مع ما يتوافر من ادلة، كأن يكون الإقرار تحت الاكراه او محاباة او لدرء ضرر مثلا، لذلك فأن الإقرار من المؤشرات الظنية او التخمينية والتي لا يمكن قياسها، فكما لا يمكن قياس درجة الصدق وقوة الايمان، فأنه لا يمكن قياس الإقرار في إثبات النسب، وكذلك الأمر ينطبق على الوسائل الأخرى التقليدية في الإثبات، واللعان في النفي، لذلك فتقنية البصمة الوراثية يمكن من خلالها الجزم بإثبات النسب أو نفيه دون تأثيرات عاطفية (9).
كما ويقول البعض المؤيد للبصمة الوراثية، بما ان الفقهاء قد اخذوا بالقيافة في إثبات النسب، على الرغم من قيامها على الدس والتخمين والفراسة واحتمالية وقوع الخطأ فيها كبيرة، وقياس البصمة الوراثية عليها صحيح، الا ان البصمة الوراثية تتقدم على القيافة، لأن البصمة الوراثية تكاد تكون احتمالية الخطأ ،معدومة، ومن جانب آخر قال الفريق المؤيد للبصمة الوراثية كما قبلت الأمة بما فيها فقهاؤها إثبات الشخصية بالوسائل العلمية الحديثة كبصمة الاصابع، وكذلك التوقيع الخطي، والصورة الفوتوغرافية الشخصية (المأخوذة بانعكاس الاشعة)، فمن باب أولى القبول بالبصمة الوراثية كون لها اهمية تتعلق بحق الغير (10).
ويتم اجراء فحص البصمة الوراثية عن طريق اخذ عينات من الولد المراد إثبات نسبه والأب المراد إثبات النسب اليه، وذلك عن طريق اخذ عينة من الدم او أي شيء من لوازمه او العظم او الشعر او اللعاب أو غير ذلك، إذ اكدت الدراسات والأبحاث الطبية الحديثة ان نسبة النجاح في تحليل الحمض النووي قد تصل الى درجة القطع أي تصل الى 100%، ولدقته فهو يعد ادق وسيلة لتحديد هوية الشخص ومدى صحة نسبه (11).
وقد عزز موقف المنظمات الدولية والاوربية باللجوء للدليل العلمي (البصمة الوراثية) في إثبات النسب ونخص بالذكر ما اقره المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو المنعقد بشأن الجين البشري وحقوق الإنسان لعام 1997 والذي تضمن اعلانه من ديباجه و 25 مادة، ولا بد ان نشير الى إقرار الدول الأوربية الى استخدام الدليل العلمي (البصمة الوراثية ) لإثبات النسب خلال اتفاقية ستراسبورغ لعام 1978 استناداً الى المادة الخامسة من الاتفاقية (12).
اما موقف المشرع العراقي من البصمة الوراثية فنجد انه في قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 والذي نص في المادة (104) (للقاضي أن يستفيد من وسائل التقدم العلمي في استنباط القرائن القضائية)، ويتبين من النص إنها أعطت الحق للقاضي العراقي بالاستفادة من الوسائل الحديثة في العلم لاستنباط القرينة القضائية (13)، والقرينة القضائية هي استنباط القاضي امرا غير ثابت من امر ثابت لديه في الدعوى المنظورة فهي دليل غير مباشر يقوم على الاستنباط، أي استنتاج وقائع من وقائع أخرى فلا يقع الإثبات فيها على الواقعة ذاتها بوصفها مصدرا للحق بل يقع على واقعة آخرى قريبة منها ومتصلة بها إذا ثبتت، وإذا امكن للقاضي أن يستخلص منها الواقعة المراد إثباتها، ولا يمكن لنا وبحسب طبيعة القرينة القضائية ان نحصرها وذلك لاختلاف الوقائع، وظروف النزاعات في الحياة العملية، فتكون للقاضي سلطة تقديرية تمكنه من استنباط ما يراه من كل ما يأتي به الخصوم من وسائل إثبات، ولقد ازدادت اهمية الاخذ بالقرائن القضائية نتيجة تعقد المنازعات المرفوعة امام القضاء بسبب تطور الحياة وبسبب ما يفرزه هذا التطور من وسائل حديثة في الإثبات بلغت من الدقة الحد الذي ينفي احتمال وجود الخطأ وبالتالي تكون من الاهمية امكانية اعتمادها والتعويل عليها في الإثبات ومن بين هذه الوسائل الحديثة هو تحليل الحمض النووي (D.N.A)(14).
أي ان المشرع العراقي قد عد البصمة الوراثية قرينة قضائية ويمكن القول ان البصمة الوراثية الهندسة الوراثية او الطبعة الجينية او الخارطة الجينية واجراءاتها تنتمي الى اعمال الخبرة الطبية العدلية والسبب يعود لعدم تنظيم المشرع العراقي لقانون خاص بها، كما نجد ان للبصمة الوراثية أثره في العراق خاصة في الإثبات الجنائي والمدني ونرى ذلك بوضوح في نص المادة (70) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ والتي جاء فيها (لقاضي التحقيق او المحقق ان يرغم المتهم او المجني عليه في جناية أو جنحة على التمكين من الكشف على جسمه واخذ تصويره الشمسي أو بصمة اصابعه او قليل من دمه او شعره او اضافره او غير ذلك ...) وللمحكمة السلطة التقديرية في قبول تلك الاختبارات من عدمها والتي تجري في دائرة معهد الطب العدلي.
من جانب آخر كان المشرع العراقي اكثر وضوحاً في إقراره للعمل بالبصمة الوراثية وفق قانون الطب العدلي العراقي رقم (37) لسنة 2013، فقد اجاز استناداً للمادة (5/اولاً) بأخذ العينات وفحص العضام لتحديد الهوية بكافة الطرق ومنها فحص الدم والشعر والمقتنيات الشخصية وتزويد الجهات القضائية بنتائج التحليل من خلال تأسيس قسم خاص لاجراء البصمة الوراثية أو الفحص الوراثي في دائرة الطب العدلي لوزارة الصحة العراقية استناداً لنص المادة (5/اولال) والتي نصت تتولى الطبابة العدلية ما يأتي: لاجراء فحوصات الحمض النووي)،وقد اشارت المادة (14) من قانون الطب العدلي النافذ في الفقرة (رابعاً) والتي نصت (تتكون دائرة الطب العدلي من الاقسام الآتية رابعاً. فحص بصمة الحامض النووي). كما ان هنالك عدة حالات يمكن للمشرع من الرجوع الى البصمة الوراثية في إثبات النسب وتحديد درجة القرابة بين الافراد والتحقق من هوية الاشخاص (15).
ولقد جاء موقف القضاء العراقي مؤيداً بالاستعانة بوسائل التقدم العلمي ومنها البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب، وبالرجوع الى قرارات محكمة التمييز نجد انها قد قضت برد الدعوى لعدم ارسال طرفي الدعوى الى اللجنة الطبيية لفحص تطابق الانسجة(16). من جانب آخر قضت محكمة التمييز في حكم آخر لها الى عدم الاعتماد على الجينات الوراثية في حال عدم وجود صلة بين رجل وطفل مختلفي الجينات الوراثية وعدم الاعتداد بالنتيجة بأعتباره يمثل انتهاكاً لقاعدة (الولد للفراش) وثبوت اوراقه الرسمية ولكن يمكن إثبات عكس ذلك بالطعن بالتزوير (17). وعلى الرغم من أهمية البصمة الوراثية في إثبات النسب الا ان القضاء العراقي لم يجز اعتماده في نفي النسب وهذا ما اتجه اليه قضاء محكمة التمييز الاتحادية في قرارها ذي العدد (277/احوال شخصية / 2023) بتارخ 2023/8/21(18).
وهنالك ضوابط وشروط يتم الرجوع اليها عندما تحتاج المحكمة لاجراء فحص البصمة الوراثية من قبل الشخص المكلف بها (19).
اما في التشريع الفرنسي، فأن البصمة الوراثية لها دورا كبيرا في إثبات النسب، إذ يتم الاعتماد عليها بصورة أساسية في حسم معظم القضايا التي تثور بين الافراد بخصوص النسب، فقد غيرت البصمة الوراثية مفهوم النسب في القانون الفرنسي تغييرا جوهريا، حتى أصبح النسب في فرنسا يقوم في الغالب الأعم على البصمة الوراثية، فطبقا للمادة (310/3) من القانون المدني الفرنسي (20)، فأنه إذا ما ثار نزاع بشأن النسب امام القضاء ، جاز إثبات النسب أو نفيه باية وسيلة من وسائل الإثبات، شريطة ان تكون الدعوى مقبولة، ذلك أن النسب هو بمنزلة واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات، لذلك فان القانون الفرنسي قد اخذ بحرية الإثبات في النسب(21).
وقد عرف الفقه الفرنسي البصمة الوراثية على انها ( الهوية الوراثية الأصلية الثابتة لكل انسان والتي تتعين بطريق التحليل الوراثي، وتسمح بالتعرف على الافراد بتيقن شبه تام) (22)، و تناول المشرع الفرنسي البصمة الوراثية في القانون المدني الفرنسي تحت عنوان (فحص الخصائص الوراثية للشخص وتحديد هويته بواسطة البصمة الوراثية، فقد نصت المادة (16/11) من القانون المدني الفرنسي على انه (في المجال المدني، فان تحديد هوية الشخص بواسطة البصمة الوراثية لا يمكن أن يتم الا بناء على اجراء تحقيق امر به القاضي المختص في دعوى تتعلق اما بإثبات أو نفي النسب، أو الحصول على نفقة أو إلغائها، ويجب الحصول مسبقا على رضاء هذا الشخص بشكل صريح، ولا يجوز تحديد هوية الشخص بالبصمة الوراثية بعد موته الا إذا كان قد وافق على ذلك صراحة اثناء حياته).
فيتضح من نص المادة اعلاه ان المشرع الفرنسي قد اجاز للقاضي اللجوء الى البصمة الوراثية في قضايا النسب، سواء بشأن إثبات النسب أو نفيه، إذ من الممكن الطعن بالإثبات العلمي وفق اجراءات قانونية استناداً لنص المادة اعلاه (23).
كما يتضح من المادة اعلاه ان المشرع الفرنسي لم يسمح بإجراء الخبرة البيولوجية (البصمة الوراثية) إذا لم تكن هناك دعوى مقامة امام القضاء بخصوص النسب، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة (11) من القانون المدني الفرنسي على انه لا يجوز اللجوء الى تحاليل البصمات الوراثية في القضايا المدنية الا في نطاق دعوى تهدف الى إثبات علاقة النسب او نفيها، او تهدف الى الزام الأب بالإنفاق على الطفل أو الغاء هذه النفقة، ويجب ان يكون الهدف من هذه الدعاوى هو البحث عن الحقيقة البيولوجية ، وبذلك يكون المشرع الفرنسي قد حدد نطاق استخدام البصمة الوراثية بدعوى مرفوعة امام القضاء متعلقة بإثبات النسب او نفيه ومنها قرار محكمة استئناف بوردو بتاريخ 1997/2/1 والذي ايدت فيه حكم إثبات نسب طفل للمدعى عليه استناداً الى نتائج تحليل البصمة الوراثية وما يترتب عليه من آثار (24).
ومن النصوص اعلاه يمكن تحديد شروط قانونية للأخذ بالبصمة الوراثية ومن اهمها هي:
1. يجب الحصول على موافقة الشخص المعني على اجراء تحليل البصمة الوراثية، وتكون هذه الموافقة على صورة محرر كتابي(25).
2. ان يتعلق الأمر بإحدى الحالات التي نص عليها القانون، ونصت على هذه الحالات المادة (16/11) من القانون المدني الفرنسي، وحددتها بدعاوى إثبات النسب والنفقة، ولأهداف البحوث العلمية والعلاج، على أن يتم ذلك بإذن من القضاء.
3. ان يكون القائمون على أمر التحاليل من اصحاب الكفاءة المهنية، وان يكونوا معتمدين ومسجلين بوصفهم خبراء ،قضائيين، وهو ما نصت عليه المادة (16/12) من القانون المدني الفرنسي، إذ نصت على المختصون المسجلون في قائمة خبراء القضائيين، الذين تتوافر فيهم شروط يحددها مرسوم صادر عن مجلس الأمة، وفي اطار اجراء قضائي، كما يجب ان تسجل اسماء هؤلاء الاشخاص كخبراء قضائيين.
4. كما لا بد لنا ان نشير ان المشرع الفرنسي قد مارس رقابة صارمة ومشددة على نوعية العينات الجينية لغرض فحصها استناداً لنص المادة (761-24) من قانون الصحة الفرنسي رقم (654) لسنة 1994 النافذ والتي نصت (وجوب الرقابة على نوعية العينات البيولوجية التي يجب ان تتميز بها تحاليل التعرف بالبصمة الجينية المنجزة في اطار اجراءات قضائية). وتدار تلك الرقابة من قبل وكالة الادوية الفرنسية طبقاً لنص المادة (567-3) من قانون الصحة الفرنسي النافذ والتي نصت (يجب ان يتم اجراء الرقابة النوعية من قبل وكالة الادوية الفرنسية مرتين في السنة على الأقل، ويجب تسليم النتائج على الفور الى صاحبها المعتمد).
نستنتج مما تقدم ان المشرعين قد عدا البصمة الوراثية وسيلة علمية من وسائل إثبات النسب وان القضاء العراقي قد عدها وسيلة قضائية مهمة لإثبات النسب ولم يعتمد عليها في نفي النسب لأسباب تعود للحلية والحرمة وما يثار عنها من مشاكل تمس المجتمع، وهي وسيلة مهمة يلجأ اليها القضاء في حال تعذر إثبات النسب بالوسائل التقليدية. بينما نرى ان المشرع الفرنسي قد نظم احكام البصمة الوراثية في القانون المدني الفرنسي وهو يعتمد عليها بصورة اساسية في حسم قضايا النسب المرفوعة امام القضاء سواء كان شرعياً أم غير شرعي للتعرف على الأب البيولوجي وذلك لكثرة الولادات خارج اطار الزواج وان المشرع قد عدها قرينة قانونية وإحدى وسائل إثبات النسب، بينما ادرجها المشرع العراقي في فئة القرائن القضائية، ونحن نرى انها قرينة قانونية لاتقبل الشك واليقين وذلك للنص عليها في قانون الطب العدلي وقانون اصول المحاكمات الجزائية مع الاشارة اليها ضمناً في قانون الإثبات العراقي النافذ.
ونامل من المشرع العراقي ان يتخذ خطوة جدية في هذا الجانب على غرار التشريع الفرنسي بالنص على البصمة الوراثية في قانون الاحوال الشخصية العراقي بوصفها إحدى طرق الإثبات العلمية الحديثة في النسب، وتعدل المادة (2/52) من القانون المذكور لتصبح على النحو الآتي (إذا كان المقر امرأة متزوجة او معتدة فلا يثبت نسب الولد من زوجها الا بالتصديق أو البيئة او بإجراء فحص البصمة الوراثية لإثبات نسب الولد).
_______________
1- أول من اطلق مصطلح البصمة الوراثية هو عالم الوراثة البريطاني اليك جيفريز جون (Alee Jeffryys) المولود في عام 1950 وذلك في مختبره في جامعة ليستر بعد أن نظر إلى صورة فيلم الأشعة السينية لتجربة فحص جينات الإنسان في 10 سبتمبر عام 1984، والتي أظهرت بشكل غير متوقع أوجه التشابه والاختلاف بين الحمض النووي لمختلف أفراد عائلة أحد العاملين لديه في المختبر. للتفصيل اكثر ينظر د. جميل عبد الباقي الصغير، أدلة الإثبات الجنائي والتكنولوجيا الحديثة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص 39.
2- عرفت البصمة الوراثية على انها عبارة عن عملية عزل للحامض النووي عن مصادره الحيوية بواسطة انزيمات خاصة تعمل على تقسيم الحامض النووي الذي سيكون له تسلسل معين. كما وعرفت تعریفات آخرى، فتعرف البصمة الوراثية اصطلاحا على انها ( البيئة الجينية التي تدل على هوية كل انسان بعينه)، للتفصيل اكثر ينظر توفيق السلطاني، حجية البصمة الوراثية في الإثبات، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الحاج بلخضر، الجزائر، 2011، ص 11 ، وعرفت على انها (البصمة الوراثية في اصطلاح العلماء يقصد بها تحديد هوية الإنسان عن طريق جزء من اجزاء حمض (DNA) الحمض المتمركز في نواة أي خليه من خلايا جسمه)، للتفصيل أكثر ينظر د نصر فريد واصل البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها مجلة المجمع الفقهي الاسلامي، العدد 17، 2003، ص 59.
3- توفيق السلطاني، حجية البصمة الوراثية في الإثبات، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الحاج بلخضر، الجزائر، 2011 ص 13
4- د. حسني محمود عبد الدايم، بصمة الجينات ودورها في الإثبات الجنائي، دار الفكر الجامعي، مصر، ص 86
5- د. وهبة مصطفى الزحيلي، البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها بحث القاه في الدورة السادسة عشر المجمع الفقهي الاسلامي مكة المكرمة، 2002، ص 16.
6- نصت المادة (40) من قانون الاسرة الجزائري لعام 1984 والمعدل عام 2005 (الأمر 05-02 المؤرخ في 27 فبراير (2005) في فقرته الثانية على مايلي (يجوز للقاضي اللجوء الى الطرق العلمية لإثبات النسب). كما اجازت بعض التشريعات العربية الى اللجوء للبصمة الوراثية في إثبات النسب ومها قانون الاحوال الشخصية الاردني في المادة (157) وكذلك اجاز المشرع السعودي للجوء الى البصمة الوراثية في إثبات النسب طبقاً لنص المادة (70) من المرسوم الصادر في إذار من عام 2023 ووفق القواعد المنظمة لها والتي نصت اللمحكمة في الاحوال الاستثنائية أو عند التنازع في إثبات نسب الولد، او بناءً على طلب جهة مختصة ان تأمر بأجراء فحص الحمض النووي وذلك وفق القواعد المنظمة على ان لا تصدر المحكمة قرارها الا بعد التحقق .... )
7- د. سعد الدين مسعد هلالي البصمة الوراثية وعلائقها الشرعية مكتبة ،وهبة القاهرة، 2010 ، ص 82
8- د. قاشي ،علال إثبات النسب كأثر مترتب عن الزواج بالطرق العلمية الشرعية والعلمية البيولوجية الحديثة، مجلة الصدى للدراسات القانونية والسياسية، العدد الأول، الجزائر، 2019، ص 75.
9- د. خليفة علي الكعبي، البصمة الوراثية واثرها على الاحكام الفقهية : دراسة فقهية مقارنة، دار النفائس، الاردن، 2006، ص 373.
10- تمام محمد لودعمي الجينات البشرية وتطبقاتها دراسة فقهية مقارنة المهعد العالمي للفكر الاسلامي، قطر، 2011، ص 141 وما بعدها.
11- د. خليفة علي الكعبي، البصمة الوراثية واثرها على الاحكام الفقهية : دراسة فقهية مقارنة، دار النفائس، الاردن، 2006 ، ص 45 وما بعدها.
12- للتفصيل اكثر متاح على الرابط التالي: /https://www.isiamonline.net.
13- قضت محكمة تميز العراق بأحدى قراراتها بالرقم 114 موسعة اولى / 90 في 1990/7/31 بخصوص إثبات النسب الوراثية إذ عزز هذا القرار من تشابه الطبقات الوراثية للمدعية الى المدعى عليه معززة بالبيئة الشخصية، وعليه يتعين على القاضي إثبات النسب بها دون حاجة لليمين المتممة لان الادلة المقدمة تعد ادلة كاملة استناداً للمادة 214 من قانون المرافعات المدنية لذا قررت المحكمة ثبوت النسب القرار مشار اليه لدى د. أوان عبد الله الفيضي، الاحكام الشرعية والقانونية للبصمة الوراثية DNA في الإثبات القضائي، دراسة مقارنة، دار الكتب القانونية، مصر، 2017، ص 96.
14- ایناس ،هاشم موقف القانون العراقي من الـ DNA كأحد الاساليب العلمية للإثبات، مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية 2012 ، متاح على الرابط التالي : 27/https://www.fcdrs.com/law"
15- خير مثال على ذلك احداث مجزرة شهداء سبايكر التي راح ضحيتها اكثر من (1700) شهيد من طلاب الكلية العسكرية على يد العصابات الارهابية عام 2014، وشهداء تفجير الكرادة عام 2016 خير دليل على استخدام المشرع للبصمة الوراثية، حيث قامت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في عامي 2016 و 2017 بانتشال رفات 1235 ضحية من مقابر جماعية متعددة في معسكر سبايكر حيث اسفرت نتائج تحليل الحامض النووي لرفاة الضحايا بالتعرف على 898 هوية للتفصيل اكثر ينظر موقع اللجنة الدولية لشؤون المفقودين. على الرابط التالي: (/https://icmp.int/ar)
16- القرار 843/هيئة الاحوال الشخصية الاولى / 2008 (1017 في 200/3/24. (القرار غير منشور)
17- قرار محكمة الاحوال الشخصية بالعدد (236/ هيئة احوال شخصية اولى / 2016) في 2016/3/29 (القرار غير منشور).
18- ومن حيثيات محكمة التمييز الاتحادية لايجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب كونها قرينة، ولا يمكن ان تكون بديلاً عن الاقرار، ويجب تقديم النصوص الشرعية عليها، وفي حال استعمال البصمة الوراثية إثباتاً او نفياً لابد ان يحاط بمنتهى الحيطة والحذر والسرية للتفصيل اكثر القرار المنشور على موقع مجلس القضاء الأعلى ومتاح على الرابط التالي https://www.sjc.iq/alet-krarat.php.
19- منها ان يكون الشخص المكلف عراقي الجنسية، حسن السيرة والسلوك وذا كفاءة علمية استناداً لنص المادة (4) من قانون الخبراء امام القضاء العراقي رقم (163) لسنة 1964 والتي نصت على مايلي يشترط فيمن يقيد اسمه في جدول الخبراء: أ- ان يكون عراقياً. ب ان يكون حاصلاً على شهادة علمية معترف بها تؤهله للقيام بأعمال الخبرة ... ج - ان يكون حسن السلوك والسمعة جديراً بالثقة. د ان لايكون محكوماً عليه بعقوبة جنائية... ه - ان لا يكون قد سبق استبعاد اسمه في جدول الخبراء لاي سبب ما وتفرض على الخبير جزاءات تأديبية في حال مخالفته للشروط القانونية يصل بعضها الى التنبيه والانذار والايقاف عن العمل لمدة لا تزيد عن سنة استناداً للمادة (17) من قانون الخبراء العراقي، وقد شدد قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل العقوبة لكل من غير الحقيقة عمداً استناداً لنص المادة (255) التي نصت (يعاقب بنفس عقوبة شهادة الزور : 1- كل من كلف من احدى المحاكم او الجهات المذكورة في المادة (251) بأداء اعمال الخبرة او الترجمة فغير الحقيقة عمداً بأي طريقة كانت، وفي حال تعمد الخبير على فحص البصمة الوراثية بإفشاء أي معلومات سرية متعلقة بها او اعطاء معلومات كاذبة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وبغرامة مالية استناداً للمادة (437) من قانون العقوبات العراقي النافذ.
20- نصت المادة (310/3) من القانون المدني الفرنسي على انه تثبت البنوة بوثيقة الولادة، بوثيقة الاعتراف او بالاشهاد الرسمي المثبت لحيازة النسب، إذا اقيمت الدعوى تطبيقا للفصل الثالث من هذا الباب، فيمكن إثبات البنوة والمنازعة فيها بكل الوسائل شرط ان تكون الدعوى مقبولة).
21- د. اوان عبدالله الفيضي، حجية البصمة الوراثية في الإثبات المدني، مجلة جامعة تكريت للحقوق، العدد 2، المجلد ، العراق، 2019 ، ص 94.
22- Jean Christiphe Galloux L'empreinte genetique. La prevue parfait. J.C.P.، 1991، 1.3497، p. 13.
23- Corinne Renaaults op.cit p. 103
24-Christian Deutremepuch et Francoise Deutremepuch, Les empreintes genetiques, Paris, 1998, p.14.
25- Article 16-10 (L examen des caracteris tiquse genetiqes d'ure personnene peut-etre enterpris qua' des fins m'emicales ou de recherché seientifiqus le consentement aupre's personne doit-etre ercueill par e'ctrt pre'alablement a'la realisation de l' examen).
نصت المادة (16-10) من القانون المدني الفرنسي النافذ على ما يلي لايمكن اجراء فحص المميزات الجينية للشخص الا لغايات طبية او للبحث العلمي. يجب الحصول على الموافقة الصريحة للشخص خطياً قبل اجراء الفحص بعد ان يكون قد اعلم اصولاً بطبيعته وبغايته تشير الموافقة الى غاية الفحص. وهي قابلة للرجوع عنها دون شكليات وفي أي لحظة.