القوة الظاهرية للدولة: فيما يلي سنتحدث بالتفصيل عن عناصر القوة الظاهرية للدولة، لأنها احد اهم العناصر التي تركز عليها دراسات الجغرافيا العسكرية، وتشتمل القوة الظاهرية للدولة على العناصر الجغرافية التي يمكن ملاحظتها من خلال النظر الى الخريطة. ولذلك فأنها كثيرا ما توصف بالقوة الظاهرية، او الشكلية، التي تتضمن الموقع الجغرافي للدولة وشكلها، وحجمها. وحدودها السياسية.

الموقع الجغرافي: يصف مصطلح المكان الصفات الطبيعية للأرض من حيث الانحدار، الارتفاع، والانخفاض، في حين يصف مصطلح الموقع توضعها بالنسبة للدول، او الظواهر الأخرى. فيمكن تحديد موقع الدولة المطلق بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض، وبالنسبة لمواقع الدول الأخرى والمظاهر الجغرافية، كالبحار، والانهار، والجبال مثلا. وللموقع الجغرافي علاقة كبيرة بالسياسة الدفاعية او السياسة الهجومية التي تتبعها الدول. فتسعى الدول القارية كجمهورية روسيا مثلا الى تعزيز قوتها البرية، في حين تسعى دول بحرية كبريطانيا مثلا، الى تعزيز قوتها البحرية، والموقع الجغرافي النسبي اما ان يكون متوسطا يسهل عملية الاتصال بين الدول، واما ان يكون هامشيا بعيدا، يعرقل عمليات الاتصال.

والموقع الجغرافي ذو اهمية كبيرة في اوقات الحرب والسلم على حد سواء. وتعتمد كثير من انشطة الدول، وسلوكها على موقعها الجغرافي، ولذلك لا بد من التركيز على دراسة الموقع الجغرافي لتفسير سلوك الدول". فتزدهر الدول التي تحتل موقعا جغرافيا متوسطا اقتصاديا في اوقات السلم، من خلال سيطرتها على طرق التجارة الدولية، في حين تستغل تلك الدول موقعها الجغرافي في اوقات الحرب الغابات السيطرة والتفوق العسكري. وتكتسب الممرات المائية، والمضائق، اشباه الجزر، مصبات الانهار ، والأودية، والجزر التي تقع على طرق المعابر المائية، أهمية استراتيجية كبيرة. فقد وقف مضيق دوفر الانجليزي حائلا بين الجيوش الألمانية والقوات الانجليزية في الحرب العالمية الثانية. كما لعب مضيق مسينا ، الذي يفصل جزيرة صقلية عن البر الايطالي، دورا استراتيجيا مهما في الحرب نفسها، حيث عبرته جيوش دول التحالف في طريقها لألمانيا. ومن الممرات المائية التي تتمتع بأهمية استراتيجية عالمية، مضيق ملاقا الذي يفصل بين جزيرتي سومطرة التابعة لإندونيسيا، ودولة ماليزيا الحديثة. وكذلك مضيق البسفور والدردنيل التركية التي تصل البحر الاسود بالبحر المتوسط.

وتتمتع بعض الجزر العالمية بواقع جغرافية ذات اهمية عسكرية كبری، سعت الدول المتحاربة الى السيطرة عليها، لتحقيق تفوق استراتيجي وتكتيكي في الحرب. فقد كان هجوم اليابان على جزيرة اواهو في جزر هوائي آثرا كبيرا في قرار الولايات المتحدة استخدام القوة النووية ضد اليابان. وقد احتل الألمان جزيرة كريت اليونانية في الحرب العالمية الثانية لأهميتها الاستراتيجية. وقد كان لاحتلال اليابانيين لمصب نهر ایروادي، الذي تقع عليه مدينة رانجون عاصمة بورما ، أثر كبير في نجاحهم في السيطرة على المستعمرة الانجليزية. وقد سعى الجيش النازي للسيطرة على مدينة ستالينجراد التي تقع على نهر الفولغا، من أجل استخدام النهر للتوغل في اعماق روسيا والوصول الى بحر قزوین.

كما ان الموقع النسبي للدول يؤثر على حجم قوتها، فالدول التي تقع جغرافيا في ظل الدول العظمي کالمكسيك مثلا، التي تقع في ظل الولايات المتحدة، تضطر للدوران في فلك تلك القوي العظمى، التي تحد من طموحاتها في بناء قوة عسكرية ضخمة. وينطبق ذلك بطبيعة الحال على كندا الجار الشمالي للولايات المتحدة. والموقع المطلق للدول الأوربية كان له الأثر الاكبر في بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية. فمعظم الدول الأوروبية مدينة في بناء قوتها العسكرية والاقتصادية الى موقعها الجغرافي المطلق في نطاق العروض الوسطى المعتدلة. وفي المقابل فان وقوع اجزاء شاسعة من الاتحاد السوفيتي سابقا ، وجمهورية روسيا الاتحادية حاليا ، في العروض العليا الباردة حد من قدراتها الاقتصادية والعسكرية، ووقوع معظم اراضي الوطن العربي في العروض المدارية الحارة جعل معظم أراضيه صحراوية قاحلة، لا تساعد على اقامة قوة اقتصادية كبيرة. وعلى الرغم من غنى بعض اجزاء الوطن العربي بالنفط، الا انه ولأسباب جغرافية وجيولوجية فإنه يقع خارج نطاق وجود الفحم الحجري، الذي توجد خاماته بين خطي عرض 40 - 60 درجة شمالا. ويحدد الموقع الجغرافي طبيعة الظروف المناخية السائدة في الدولة، والتي تحدد بالتالي مدى توفر المياه التي تعتبر واحدة من أهم العناصر الجغرافية للقوة.