مادة ومجال الجغرافية السياسية :

يتبين من تعريف الجغرافية السياسية ان هذا العلم يستمد مادته من  وصف وتحليل الأقاليم المنظمة تنظيما سياسياً وبعبارة اخرى ينحصر مجال البحث في الجغرافية السياسية في وصف وتحليل الصورة الداخلية والصورة الخارجية للدولة او الموحدة السياسية بطريقة موضوعية باعتبارها وحدة اقليمية سياسية تتميز وتتأثر بعوامل جغرافية معينة تحدد ملامح هاتين الصورتين وبتفصيل اكثر تتناول الجغرافية السياسية بالدراسة:

1- التركيب الداخلي للوحدة السياسية - الطبيعي والبشري.

2- العلاقات الخارجية بين كل دولة واخرى ، أو بين إحدى هذه الدول والأسرة الدولية.

3- توجيه هذه الدراسة توجيهاً جغرافياً عن طريق إبراز دور عناصر البيئة الطبيعية والبشرية وتفاعلها في رسم الإطار العام للسياسة الداخلية والخارجية للدول.

وتنقسم الوحدة السياسية التي تتناولها بالدراسة الجغرافية السياسية الى ثلاثة أنواع:

1- الدول المستقلة ذات السيادة: ويبلغ عددها اليوم أكثر من ١٣٠ دولة . بينها الدول الكبيرة في معيار القوة السياسية كما بينها الدول الصغيرة ايضاً وقد توجد في المستقبل دول كبيرة تنتج عن اندماج عدة دول مع بعضها سيما وان اتجاه الدول اليوم نحو الاتحاد والتكامل او نحو الوحدة والاندماج.

2- الوحدات التابعة او الدول المستقلة رسمياً لكنها فعلياً واقعة تحت السيطرة الاستعمارية.

3- الوحدات الادارية داخل الدولة ، وقد تتخذ هذه صورة محافظة او مقاطعة او ولاية كما هو الحال في العراق والولايات المتحدة واستراليا.

وتوجد تنظيمات سياسية أخرى غير السابقة التي تعلو الدولة كالمنظمات الدولية التي قد ترض الدولة بالانضمام اليها سواء كانت منظمات اقتصادية كالسوق الأوروبية المشتركة ECM او منظمة التجارة الحرة EFTA ، أو منظمات على هيئة احلاف عسكرية كمنظمة شمال الأطلسي NATO او منظمة جنوب شرقي آسيا SEATO واخيراً هناك المنظمات العالمية كالأمم المتحدة.

والوحدة السياسية او المساحة التي يلعب الإنسان فيها دوره السياسي ، لها . أبعاد عديدة (۱) فهي امتداد افقي اذا نظرنا اليها من ناحية الشكل او الحجم او الموقع او الموارد الطبيعية وهي امتداد رأسي اذا نظرنا اليها من ناحية التفاعل الذي يقوم بينها وبين الإنسان الذي يعيش فيها او بينها وبين الأهداف التي يسعى لتحقيقها والقوانين التي يسنّها والمناشط الاقتصادية والثقافية التي يمارسها على وجهها وهناك بعد ثالث للدولة هو الزمن الذي يحدد التفاعل بين الامتداد الأفقي والامتداد الرأسي في فترة معينة.

فالجغرافية السياسية اذن هي دراسة الاختلافات التي توجد بين الأقاليم السياسية وهذه الاختلافات تنجم عن الاختلافات في طبيعة الحكم والسيادة في هذه الأقاليم وفي الوظائف التي تقوم بها الحكومات في كل منها.

فالحدود السياسية والعواصم وعوامل الوحدة او التفرقة وأثر القوانين في استغلال الموارد كل اولئك وغيرها من الظاهرات تمثل طابع العمليات السياسية في الدولة او الولاية او المدينة وهو طابع فريد خاص بكل وحدة.

ولكي يحلل الجغرافي السياسي الأقاليم السياسية ينبغي عليه ان يأخذ بعين الاعتبار الظاهرات الطبيعية والبشرية التي توجد في الوحدة السياسية التي يدرسها طالما ان الآثار التي تنجم عن العمليات السياسية تختلف باختلاف الظروف البيئية

وينبغي عليه كذلك ان يأخذ بعين الاعتبار الظاهرات الطبيعية والبشرية التي توجد خارج الحدود السياسية طالما انه لا يوجد إقليم جغرافي بمعناه الواسع سياسيا واقتصادياً .. الخ. يعيش بمعزل عن الأقاليم الأخرى.

والخريطة السياسية لهذا العالم او بعبارة اخرى توزيع الأقاليم السياسية على نطاق عالمي عنصر أساسي من العناصر التي تدخل في تحديد الميدان الذي تبحث فيه الجغرافية السياسية ونظام الحكم او السيطرة في أي اقليم من الأقاليم يؤثر كذلك في العلاقات التي تقوم بين الدول التي توجد في هذا الإقليم

من هذا يتبين ان الخريطة السياسية او بعبارة اخرى دراسة الأقاليم السياسية الى جانب كونها جزءاً من الميدان العام للجغرافية الاقليمية . تعتبر وثيقة الصلة بالشؤون القومية والدولية على حد سواء والإقليم السياسي هو قطاع من سطح الأرض يمارس فيه السكان لوناً أو اكثر من السلوك السياسي، او السلوك الذي يعوّل عليه في تحديد الإقليم السياسي هو ذلك النظام الذي تمارسه حكومة معينة في حكم الإقليم والسيطرة عليه وتطبيقاً لهذا التعريف نجد ان العالم ينقسم الى عديد من الأقاليم السياسية وكل منها يضم عدداً من الوحدات السياسية تتدرج من ناحية النظم من الدولة (او الوحدة (القومية الى القطر او المقاطعة الى المدينة، ويعتبر الوطن العربي في المنظار الوحدوي مثلاً جيداً للإقليم السياسي، ففي هذا الإقليم يوجد عدد من الأقطار ويتولى ادارة كل قطر حكومة تتخذ . من عاصمة القطر نفسه مقراً لها . وينقسم كل قطر الى وحدات سياسية أخرى (كالمحافظات مثلاً) وهذه الوحدات تنقسم بدورها الى وحدات أصغر فأصغر.

ولا تقتصر مهمة الجغرافيين السياسيين على مجرد تحليل الأقاليم السياسية ووصفها بل أنهم كثيراً ما يتناولون بالبحث والدراسة الأوضاع المرتبطة بالمشاكل الدولية كنزاعات الحدود وتقسيم المياه مثلاً .. وبالتالي يكون للجغرافي السياسي صوت في اختيار افضل الحلول في مثل هذه النزاعات وللجغرافي السياسي في الأمم التي تعاني من التجزئة والتخلف والاضطهاد والقهر والتآمر الاستعماري دور هام في يقظة الشعور القومي التقدمي لدى جماهيرها وبالتالي يلعب القائد في المسيرة النضالية لهذه الجماهير نحو تحقيق أهدافها في. دور الوحدة والحرية والتقدم.