المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الطبيعة الموضوعية للقانون الدولي الإنساني في مجال استخدام الأسلحة المحظورة  
  
5839   10:42 صباحاً   التاريخ: 6-4-2016
المؤلف : صلاح جبير البصيصي
الكتاب أو المصدر : دور محكمة العدل الدولية في تطوير مبادئ القانون الدولي الانساني
الجزء والصفحة : ص117- 133
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدولي العام و المنظمات الدولية / القانون الدولي العام /

 بدأ التفكير في وضع قواعد إنسانية تخفف من ويلات الحروب وآثارها المدمرة في أواخر القرن التاسع عشر نتيجة لما قاسته البشرية في حروبها السابقة من فضائع ارتكبتها القوات المتحاربة ضد المدنيين وأسرى الحرب(1) . ولما كان الهدف من الحرب هو تغلب احد الطرفين على الآخر وقهر قواته المسلحة لإرغامه على التسليم بما يطلب إليه، وجب أن لا تتجاوز وسائل وأساليب القتال هذا الهدف وألا تكون متسمة بالقوة والوحشية أو منافية للشرف وحسن النية، فالدول مع إدراكها بان الحرب لا يمكن محوها إلا أنها حاولت تهذيبها والحد من شرورها والتقليل من الخسائر والمعاناة في حالات نشوبها وذلك بعقد الاتفاقيات الدولية من اجل نزع أو الحد من استعمال الأسلحة المحظورة وقد تم الإعراب عن أحد أهم مبادئ هذا القانون في إعلان سان بيترسبورغ في عام 1868 ألا وهو أنَّ (استعمال الأسلحة التي تفاقم على نحو فعال من معاناة العاجزين أو تجعل من موتهم محتما ... يتنافى مع قوانين الإنسانية) وأصبح هناك منذ ذلك الحين اعتراف واسع النطاق انه في الحالات التي لم تشملها بشكل صريح الاتفاقيات الدولية (يظل المدنيون والمقاتلون تحت حماية وسلطة مبادئ القانون الدولي المشتق من العرف الراسخ ومبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام) وذلك وفق شرط مارتنز السابق الإشارة إليه والذي أصبح جزءا لا يتجزأ من كل من فرعي القانون الدولي الإنساني وهما قانون جنيف وقانون لاهاي. إن الاعتبارات الإنسانية هي التي حفزت على التفاوض على اتفاقيات من اجل حظر استخدام أسلحة معينة في إطار القانون الدولي الإنساني تلك الأسلحة التي تكون عشوائية التأثير أو مفرطة الضرر أو التي تسبب الآماً لا مسوّغ لها والتي تمثل في الأصل اتفاقيات ذات طبيعة موضوعية يشكل انتهاك أحكامها اعتداءا على المصلحة العامة لجميع الأطراف في احترام مبدأ الإنسانية وبذلك يمكن لجميع الدول الأطراف الاحتجاج بمسؤولية الدول التي تنتهك أحكام هذه الاتفاقيات لأسباب المصلحة الجماعية، فهناك علاقة قانونية خاصة تنشأ بين كل دولة طرف ومجموع المتعاقدين خاصة وان اغلب المعاهدات المحرمة لاستعمال أسلحة معينة تكون متعددة الأطراف وبالتالي فان هناك حقا قانونياً للشعوب، أي قاعدة يقبلها ويعترف بها المجتمع الدولي للدول كلها تتضمن عدم جواز استخدام الأسلحة المحرمة دوليا بما لا يمكن الخروج عليها وفقا لمضمون الفقرة(5) من المادة(60) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 التي كفلت حماية الأشخاص في المعاهدات ذات الطابع الإنساني حتى في حالة خرق قواعدها من قبل احد أطرافها. وسوف نبحث هذا الموضوع في فرعين نبحث في الأول طبيعة الأسلحة المحرمة دولياً وفي الفرع الثاني نبحث مدى مشروعية استعمال الأسلحة النووية في ضوء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر عام 1996.

الفرع الأول

طبيعة الأسلحة المحرمة دوليا

يتميز قانون المنازعات المسلحة بصفة عامة بأنه قانون يتناول في الجزء الأكبر منه قواعد تحريمية، والقواعد التحريمية أما أن تشتمل على نص يحرم استعمال سلاح معين أو تطبيق لأحد المبادئ الرئيسية في القانون ومثال الصورة الأخيرة الالتزام الدولي بتجنب زيادة آلام المصابين دون ضرورة ودون داع وكذلك الالتزام الدولي بوجوب وجود تناسب بين القذيفة أو السلاح المستعمل والهدف المراد تدميره أو توجيه أعمال القتال إليه وهذا الالتزام معروف باسم قاعدة النسبية. ويعتبر السلاح محرم بذاته إذا ما وجدت قاعدة دولية مكتوبة في معاهدة أو قاعدة عرفية تحرم استعمال هذا السلاح بشكل مطلق وفي كل الظروف ومثال ذلك القاعدة الدولية التي تحرم استعمال السموم فان استعمالها محرم في كل الظروف والأحوال سواء استعملت ضد الأهداف العسكرية أو ضد المدنيين(2). ومن ناحية أخرى نشاهد أنَّ هناك سلاحاً معيناً مشروعاً إذا ما اسُتعمل في ظروف معينة ويعتبر غير مشروع في ظروف أخرى ومثال ذلك استعمال السلاح ضد المدنيين يعتبر عملا غير مشروع في حين أنَّ استعمال السلاح ضد الأهداف العسكرية يعتبر عملا مشروعا . وأهمية التفرقة بين السلاح المحرم بذاته وبين الوسيلة المحرمة انه في حالة السلاح المحرم يجب إن توجد قاعدة دولية مكتوبة في معاهدة أو قاعدة عرفية تنص على التحريم أما بالنسبة لتحريم الوسيلة فانه لا تقوم ضرورة إلى وجود قاعدة دولية بل يكفي أن تخالف هذه الوسيلة المبادئ الأساسية في قانون الحرب للقول بعدم مشروعيتها(3) وفي هذا الصدد يمكن ملاحظة أنَّ الاتفاقية الرابعة من اتفاقيات مؤتمر لاهاي الثاني عام 1907 وبعد أن تضمنت اغلب القواعد التي يتعين على المتحاربين الالتزام بها أشارت إلى انه فيما يخص الحالات التي لم تتناولها هذه الاتفاقية تبقى الشعوب والمقاتلون تحت حماية المبادئ العامة للقانون كما جرى عليها العرف وقوانين الإنسانية وما يتطلبه الضمير العام.

أولا: أنواع الأسلحة المحرمة دولياً

إن القانون الدولي الإنساني ينص على إن حق أطراف النزاع في اختيار وسائل وأساليب القتال ليس حقا مطلقا لا تقيده قيود ومن ثم فانه قد حرم استعمال أنواع معينة من الأسلحة وهي:

1-المقذوفات المتفجرة أو المحشوة بمواد ملتهبة: والتي يقل وزنها عن 400 غرام وقد نص على تحريم هذه المقذوفات تصريح سان بيترسبورغ لسنة 1868 ثم تأكد التحريم في المادة(23/هـ) من لائحة لاهاي التي حرمت استعمال الأسلحة والقذائف أو المواد التي تسبب آلاما زائدة وهو ما أكدت على تحريمه أخيرا المادة (35/2) من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 .

2-الرصاص المتفجر: والذي ينتشر أو يتمدد بسهولة في جسم الإنسان وهو المعروف برصاص دمدم وهو بدوره محظور بمقتضى إعلان لاهاي في 29 تموز 1899.

3-الغازات الخانقة أو السامة: وقد جاء النص على تحريمها في تصريح لاهاي في 29 تموز سنة 1899 وفي معاهدة واشنطن لسنة 1922 كما نص على تحريمها في بروتوكول جنيف لعام 1925 وقد ورد تحريمها في مشروع معاهدة نزع السلاح الذي وضعته سنة 1930 اللجنة التحضيرية لنزع السلاح ثم تأكد تحريمها مرة أخرى في قرار صادر من اللجنة العامة لنزع السلاح سنة 1932.

4-السم والأسلحة المحرمة: وجرى العرف على تحريم استعمال السم والأسلحة المحرمة في النزاع المسلح ثم ورد النص على هذا التحريم في الفقرة (أ) من المادة (23) من لائحة لاهاي لسنة 1907 ثم في بروتوكول جنيف لعام 1925 ويرجع التحريم لكون هذه الوسيلة تنطوي على الغدر والخيانة وهمجية القرون الأولى وتتعارض مع مبادئ الإنسانية ومن ثم فلا يجوز استعمال أسلحة مسمومة أو إلقاء السم في الأنهار ومجاري المياه والآبار التي يشرب منها العدو.

5-الأسلحة البيولوجية: وقد ورد تحريم وسائل الحرب الجرثومية في بروتوكول جنيف لعام1925 وفي سنة 1971 توصلت الأمم المتحدة إلى إبرام اتفاقية تحرم حرب الجراثيم ودخلت حيز التنفيذ في 26 مارس عام 1975 .

6-الأسلحة الكيميائية: كان بروتوكول جنيف لعام 1925 قد حظر استعمال الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها أو أية سوائل أو مواد أو وسائل مشابهة لها وهو بالتالي يعتبر استجابة للحظر الناجم عن استعمال الأسلحة الكيمياوية في الحرب العالمية الأولى إلا أنَّ هذا البروتوكول كان يشوبه الكثير من القيود مما حدا إلى قيام مفاوضات جديدة لتحريم هذا النوع من الأسلحة بدأت عام 1969 في جنيف ولم تستكمل إلا عام 1992 ودخلت حيز التنفيذ في نيسان عام 1997 تحت اسم اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدميرها والمسماة باختصار (اتفاقية الأسلحة الكيمياوية) .

7-الأسلحة أو وسائل القتال: والتي يقصد بها أو يتوقع منها أن تلحق بالبيئة الطبيعية أضرارا بالغة أو واسعة الانتشار وطويلة الأمد وقد جاء تحريم ذلك في المادة (35/ 3) من بروتوكول جنيف الأول لعام 1977 .

8-الأسلحة النووية والذرية: وتعد من أكثر الأسلحة جدلا حول شرعية استعمالها فهناك رأي يقول بشرعية هذه الأسلحة سواء استعملت في البر أو البحر أو الجو طالما لا توجد قاعدة دولية تقضي بتحريمها وبحجة انه يمكن توجيهها إلى الأهداف العسكرية وهناك رأي يقول بتحريم هذا النوع من الأسلحة(4).

9-أسلحة تقليدية أخرى: جاءت اتفاقيات وبروتوكولات دولية مختلفة تحظر استعمال بعض أنواع الأسلحة التقليدية التي تلحق ضررا مفرطا للأفراد أو كونها تكون عشوائية التأثير ومثالها بروتوكول حظر وتقييد استعمال الأسلحة المحرقة المعتمد في عام 1980، وكذلك البروتوكول الرابع الجديد لاتفاقية الأسلحة الكيمياوية المعتمد عام 1995 لحظر أسلحة الليزر والأسلحة المسببة للعمى وكذلك اتفاقية أوتاوا لعام 1997 بشان حظر استعمال أو تخزين أو إنتاج أو نقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير هذه الألغام(5) . وعلى كل حال فان هناك تطوراً تكنولوجياً سريعاً في مجال تصنيع وتطوير مختلف أنواع الأسلحة ويمكن النظر لتحريم هذه الأنواع الجديدة من الأسلحة بكل حالة على حدة وذلك في ضوء مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني التي تمنع زيادة الآلام أو خسائر غير ضرورية بالأرواح البشرية.

ثانيا: القيود الواردة على هذه الأسلحة

يتضح انه في حالة وجود نص يحرم استعمال سلاح معين فان هذا النص يصبح واجب الإتباع وفي حالة عدم ورود مثل هذا النص فان الحكم على مشروعية أو عدم مشروعية هذه الوسيلة أو تلك يتم في إطار العرف الدولي، فالمبادئ الأولية للقانون الدولي الإنساني ونظرا لوجودها لسنوات طويلة ولتطبيقها الطويل وأهميتها الأساسية قد جعلت منها جزءا من القانون الدولي العرفي، فإذا كانت اتفاقيات لاهاي تعالج حقوق المحاربين وواجباتهم في إدارة العمليات العسكرية وحدود استعمال وسائل إلحاق الضرر بالأعداء فإنها شكلت أساسا لما يعرف باسم (قانون النزاع المسلح) والمبادئ العامة التي احتوتها اتفاقيات لاهاي اكتسبت قوة القانون العرفي واعترف لها رسميا بهذه الصفة وتسري على جميع الدول وحتى الدول التي لم تنظم بعد إلى البروتوكول الأول ملزمة بالقواعد الأصلية الواردة في اتفاقيات لاهاي ولعل أبرزها قاعدة الضرورة العسكرية وقاعدة النسبية فالقاعدة الأولى تعني أنَّ استعمال الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال وأساليب يجب إن لا تتعدى الغرض من الحرب وهو هزيمة العدو وقهره وأي الآم أو إصابات أو خسائر تتجاوز ذلك الغرض تصبح غير مشروعة أما القاعدة الثانية فتعني بأنه يلزم عند الإصابة أو التدمير إن تقف عند حد تحقيق المصالح المحمية بالقانون ويجب أنْ لا تتجاوز ذلك بدرجة تزيد عن المزايا العسكرية المحققة من وراء تحقيق الهدف، وهذا يعني ملاحظة :

  • طبيعة ودرجة ومدى إصابة الأفراد تدخل تحت قاعدة تحريم زيادة الآلام دون مقتضى ودون داعِ .
  • زيادة تعرض المدنيين للإصابة كذلك الأهداف المدنية بمعنى أنَّ الضرب المشروع للأهداف العسكرية قد يعرض المدنيين أو الأهداف المدنية للضرر وهو أمر محتمل ولكن إذا زاد هذا الاحتمال أصبحنا أمام احد الصور المحرمة دوليا .
  • الآثار غير المتحكم فيها ضد المقاتلين أو المدنين أو ضد الأملاك(6) .

ويتولد عن القاعدتين السابقتين حظر بعض أنواع الأسلحة السامة والجرثومية والكيمياوية وبعض أنواع المتفجرات والحد من استعمال الأسلحة التقليدية العشوائية بما في ذلك الألغام والافخاخ والأسلحة الحارقة لما لها من آثار تتجاوز قاعدتي الضرورة والنسبية ولقد أكدت على هاتين القاعدتين اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907عندما نصت المادة(22) على إن (حق المحارب في اختيار وسائل الأضرار بالعدو ليس حقا مطلقا لا حدود له).

كما نصت المادة(23) من الاتفاقية نفسها على حظر استعمال الأسلحة والقذائف والمواد التي تسبب آلاما وماسي لا ضرورة لها(7) وقد كرر بروتوكول جنيف الإضافي الأول لعام 1977 هذين المبدأين في الفقرتين الأولى والثانية من المادة (35) وكما يأتي:

1-إن حق أطراف إي نزاع مسلح في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا لا تقيده قيود.

2- يحظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شانها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها.

وألزمت المادة(36) إي طرف عند دراسة أو تطوير أو اقتناء سلاح جديد أو أداة للحرب أو إتباع أسلوب للحرب بان يتحقق مما إذا كان ذلك محظورا في جميع الأحوال أو في بعضها  بمقتضى هذا الملحق أو أية قاعدة أخرى من قواعد القانون الدولي التي يلتزم بها هذا الطرف السامي المتعاقد. وقد يقال إن المادة(36) من البروتوكول قد تناولت الأسلحة الجديدة ولكن بالتمعن فيها يتضح أنها كسابقتها تترك تقدير ذلك للدول ولم يرد بأي من هاتين المادتين تحريم قاطع لأسلحة التدمير الشامل الحديثة، ومن ثم فان البروتوكول الأول وان كان قد وسع من نطاق حماية الأشخاص والممتلكات إلا انه جاء مشوها فيما يتعلق بأساليب ووسائل القتال الحديثة ذات التدمير الشامل والتي تصبح حماية الأشخاص والأعيان في مهب الرياح بدون تحريمها تحريما باتا فقد ترك التحقق من مشروعية أو عدم مشروعية هذه الأسلحة بتقدير الدول الأطراف(8)، ورغم ذلك فان أهمية هاتين المادتين ترجع إلى إنهما جاءت تطبيقا وتأكيدا لقواعد القانون الدولي المستقرة عرفا واتفاقا، فتحريم استعمال الأسلحة والقذائف التي تحدث آلاما لا مبرر لها وارد في اتفاقية لاهاي عام 1907 واللوائح الملحقة بها كما سبق وروده في إعلان سان بيترسبورغ عام 1868 و استعمال الأسلحة وأساليب القتال غير المميزة محرمتان تبعا لذات الاتفاقية والإعلان.

الفرع الثاني

مدى مشروعية الأسلحة النووية في ضوء الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 8 تموز عام 1996(9)

لقد كان للدمار الساحق الذي نجم عن إلقاء القنبلة الذرية على كل من (هيروشيما) و(نكازاكي) وقع الصاعقة على المجتمع الدولي كما انه جعل جهات كثيرة ومنها اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعرب من منطلق إنساني عن مخاوف هائلة من العواقب الوخيمة التي يمكن أنْ تتعرض لها صحة البشر من جراء إي استعمال إضافي لهذا النوع من السلاح(10)، ولذلك شهدت السنوات التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية محاولات متعددة للتوصل إلى معاهدة لإزالة الأسلحة النووية ولكنها باءت بالفشل إلى إن تم  تحقيق معاهدة اقل طموحا تمثلت بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1968 وبدا سريانها عام 1970 والتي ألزمت الدول النووية الخمس بالاحتفاظ بمخزوناتها الحالية وان تعمل على الحد من الانتشار الأفقي لها باتجاه دول أخرى، وظهر إبرام معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في عام 1996 بوصفه تطوراً ايجابياً في المضي قدما نحو عدم انتشار الأسلحة النووية(11). وخلافا لما آل إليه الحال بالنسبة للأسلحة الكيمياوية والبيولوجية لم يتم التوصل حتى الآن إلى اتفاق على حظر عام للأسلحة النووية إذ إن كثيرا من الدول الأطراف غير الحائزة للأسلحة النووية -خصوصا الكثير من الدول غير المنحازة- أصيبت بالإحباط من تقاعس الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن عن الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة (6) من المعاهدة بالعمل على الحظر التعاهدي الشامل للأسلحة النووية ولذا فان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يطلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشان مشروعية استعمال أو التهديد باستعمال الأسلحة النووية تم اعتماده بأغلبية كبيرة وقد شكل طلب هذا الرأي الاستشاري إستراتيجية خلافية إلا أنها كانت ترمي إلى خدمة قضية نزع السلاح النووي(12) . وواقع الأمر أنَّ الادعاء بنهوض الالتزام القانوني في موجهة الدول النووية بعدم استعمال أو التهديد باستعمال الأسلحة النووية بمناسبة النزاعات المسلحة الدولية قد يصطدم بالضرورة – ولأول وهلة- بالمبدأ الرئيسي الذي يهيمن على نظم القانون الدولي العام من حيث ارتكاز القوة الملزمة لقواعده بحسب الأصل العام على إرادة الدول ذاتها وعلى نحو ما كانت قد أكدته منذ عام 1927 المحكمة الدائمة للعدل الدول بمناسبة حكمها في قضية اللوتس الشهيرة إذ انتهت المحكمة إلى (أنَّ القانون الدولي إنما يحكم العلاقات بين الدول المستقلة والقواعد التي تلزم الدول تنبع إذاً من إرادتها بحيث يصير من ثم محظورا افتراض تقييد استقلال تلك الأخيرة)(13). غير إن ذلك التحليل قد يدحضه من جانب آخر ما أكدته اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية في عام 1969 في المادة (53) التي أقرت فكرة القواعد الآمرة التي تقبلها الجماعة الدولية بمجموعها بما لا يجوز الإخلال بها أو الاتفاق على خلافها وإذا كان من الثابت أنَّ العديد من قواعد القانون الدولي الإنساني على نحو ما أكدته محكمة العدل الدولية ذاتها بمناسبة حكمها في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراكوا، تنصرف بحساباتها قواعد قبلتها الجماعة الدولية باعتبارها قواعد آمرة، فمن هنا تأتي الأهمية الفائقة لتحليل الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية أبان عام 1996 لأغراض استجلاء وتقدير موقف المحكمة في شان ترجيح إي من هذين التحليلين(14) .

أولاً: استعمال السلاح النووي ينتهك حق الحياة

من أهم آثار السلاح النووي في المنازعات المسلحة هو اختفاء كل اثر لحياة الإنسان دون إي مخرج ممكن على مدى يتراوح بين عدة مئات من الأمتار وعدة عشرات من الكيلو مترات انطلاقا من نقطة الإصابة تبعا لأهمية الحشوة النووية التي تم تفجيرها ومكان استعمالها والأحوال الطوبوغرافية والجوية وفضلا عن ذلك فان الناجين الذين يتعرضون للانفجار أو الأشعة  ممكن إن يموتوا خلال مهلة تتراوح بين بضعة دقائق أو عدة سنوات أو يحتفظوا بعواقبه، ومن النتائج التي تم التوصل لها أنَّ الحروب النووية واسعة النطاق يترتب عليها إظلام الكرة الأرضية وانخفاض درجة الحرارة ما بين 10-27 درجة مئوية مما يؤدي إلى تجميد المياه وتبقى درجة الحرارة تحت الصفر لمدة قد تصل إلى عام ويترتب على ذلك تجميد النبات والحيوان والإنسان حتى الموت(15). وقد فحصت محكمة العدل الدولية حق الفرد في الحياة وفقا للمادة(6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية غير أنها أعلنت بعدئذ أنْ هذا العهد لا يتصل بالموضوع وشرحت أنَّ حقوق الإنسان تنطبق أيضا في زمن الحرب وانه لا يجوز عملا بالمادة(4) من العهد المساس بحق الفرد في الحياة بأي حال من الأحوال وأضافت مع ذلك إن القانون الدولي الإنساني وحده – بوصفه قانوناً خاصاً– يجوز أنْ يقرر ما إذا كان فقدان حياة ما يمثل أو لا يمثل حرمانا تعسفيا من الحياة وفي ذلك تقول المحكمة (من حيث المبدأ ينطبق الحق في عدم الحرمان من الحياة بطريقة تعسفية في الأعمال العدائية أيضا، غير أنَّ اعتبار ما هو الحرمان التعسفي من الحياة ينبغي تحديده بواسطة القواعد الخاصة المنطبقة وهي القانون المنطبق في النزاع المسلح المصمم لتنظيم تسيير الأعمال العدائية)(16) إي أنَّ المحكمة ترغب بالقول انه لا يمكن تفسير حقوق الإنسان على نحو يخالف القانون الإنساني وان القانون الدولي الإنساني وحده يقرر ما إذا كان فقدان الحياة في حالة استعمال السلاح النووي يمثل حرمانا تعسفيا من الحياة ويمكن الرد على اتجاه المحكمة هذا بما يأتي:

1- إن ثمة مبادئ مشتركة بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان ولعل من أهمها هو الحق في الحياة إذ إنه إذا كان واجب الاحترام وقت السلم (في مجال حقوق الإنسان) فانه كذلك واجب الاحترام في وقت الحرب والاحتلال خاصة بالنسبة للأسرى والجرحى والسكان المدنيين (في مجال القانون الإنساني) ولا يمكن الخروج عن هذا المبدأ تحت إي ظرف كان فالحق في الحياة من الحقوق الأساسية للإنسان والتي تعد أمثلة تقليدية للقواعد الآمرة التي لا يمكن الخروج عنها إطلاقا(17) فهنا يوجد تطابق بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

2-لم تتطرق المحكمة إلى الملاحظة العامة الشهيرة (14/23) التي أبدتها اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والمكلفة بدراسة تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إذ ذكرت أنَّ صناعة وحيازة الأسلحة النووية يعد اكبر تهديد لحق الفرد في الحياة وطالبت بحظرها شأنها شأن استعمال الأسلحة النووية واعتبارها جريمة ضد البشرية(18).

3-يبدو أنَّ محكمة العدل الدولية قد تأثرت فتواها هذه بوجهة نظر سياسية كرستها الدول النووية ومفادها أنَّ الحق في الحياة ليس مطلقا بكل المقاييس أثناء المنازعات المسلح إلا انه يمكن الرد على ذلك بالقول إن في استعمال الأسلحة النووية ضد دولة سيؤدي إلى مقتل كمية لا يستهان بها من البشر ففي دراسة أجريت في الثمانينات ذكرت أنَّ هجوم نووي سوفياتي ضد مواقع نووية أمريكية من الممكن أنْ يؤدي إلى مقتل مابين خمسة إلى عشرين مليون أمريكي وبالمقابل فان هجوم أمريكي على مواقع نووية سوفياتية سينجم عنه مقتل مابين عشرين إلى ثلاثين مليون روسي(19).

ثانيا: استخدام السلاح النووي يسبب معاناة لا مسّوغ لها كما انه لا يميز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية

يبدو من تحليل القانون الدولي الإنساني انه يتضمن مبدأ أساسي يقضي بان حق المتحاربين في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا غير محدود وتفرع عن هذا المبدأ الإنساني نتيجتان:

الأولى: مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، والثانية: هي قوامها منع استعمال أسلحة تتسبب بمعاناة لا داعي لها للمقاتلين بمعنى أنها تحدث ضررا اكبر من الضرر الذي لابد من إحداثه من اجل تحقيق الأهداف العسكرية المشروعة(20)... وقد أشارت المحكمة إلى(انه يحظر استخدام الأسلحة التي تسبب قدرا من الأذى أو تزيد من شدة معاناتهم بلا فائدة اكبر من القدر الذي لا يمكن تجنبه لتحقيق الأهداف العسكرية المشروعة) وكذلك ذكرت (انه يجب على الدول إن لا تجعل المدنيين هدفا للهجوم مطلقاً ولابد بالتالي إن لا نستخدم الأسلحة التي لا تستطيع التمييز بين الأهداف المدنية العسكرية)(21)، وفي ذلك ذكر بعض قضاة المحكمة تأييدهم لهذا القول فذكر القاضي وايرمانتري (إن الحقائق أكثر من كافية لتقرير إن السلاح النووي يسبب معاناة غير ضرورية تتجاوز كثيراً أغراض الحرب) وكذلك ذكر القاضي البجاوي (يبدو أنَّ الأسلحة النووية على الأقل في الوقت الحاضر ذات طابع يجعلها تصيب الضحايا بطريقة عشوائية وتخلط بين المقاتلين وغير المقاتلين والسلاح النووي سلاح أعمى لذلك فانه بطبيعته يقوض القانون الإنساني وهو القانون المعني بالتمييز باستعمال الأسلحة)(22). ويبدو أنَّ محكمة العدل الدولية اعتبرت الأسلحة النووية عشوائية وذلك بقولها (فالأسلحة النووية أجهزة متفجرة تنتج طاقتها من اندماج أو انشطار الذرة ولا تطلق هذه العملية بطبيعتها كميات هائلة من الحرارة والطاقة فحسب ولكن أيضا إشعاعات قوية وطويلة الأمد... وهذه الخصائص تجعل الأسلحة النووية تنطوي على آثار مأساوية ولا يمكن احتواء القوة التدميرية التي للأسلحة النووية لا من حيث الحيز ولا من حيث الزمن، إن لها القدرة على تدمير الحضارة كلها والنظام البيئي بأكمله على الكوكب)(23) وهذا القول للمحكمة يتطابق مع ما أوضحته الفقرة(4) من المادة (51) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 التي حظرت وسائل القتال العشوائية والمتمثلة:

  • بتلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد.
  • أو بتلك التي تستعمل طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أنْ توجه إلى هدف عسكري محدد.
  • أو تلك التي تستعمل طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها على النحو الذي يتطلبه هذا الملحق ومن ثم فان من شانها إن تصيب في كل حالة كهذه الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز(24). وهكذا حددت المحكمة القواعد العرفية التي تبلورت من خلال ممارسات الدول وكررت المحكمة بوجه خاص المبدأ الراسخ منذ زمن بعيد والذي ينص على أنَّ (حق المحاربين في استعمال وسائل الأضرار بالعدو ليس حقا مطلقا)(25)، وذكرت أنَّ القيود الرئيسية ذات الصلة بالقضية هي المبدأ المعروف جيدا بشأن التمييز وحظر تسبيب المعاناة غير الضرورية، ويوفر مبدأ التمييز حماية المدنيين الذين يداهمهم النزاع المسلح إذ لا يجوز لأطراف النزاع أنْ يجعلوا المدنيين هدفا للهجوم أو أنْ يستعملوا أسلحة لا تميز بين الأهداف العسكرية والمدنية. أما فيما يتعلق بحظر أحداث معاناة غير ضرورية فانه يوفر الحماية للمقاتلين في النزاع المسلح إذ لا يجوز لأطراف النزاع أنْ تعتمد على استعمال أسلحة تسبب أضرارا غير ضرورية لتحقيق الأهداف العسكرية المشروعة، وعليه فان تطبيق هذه المبادئ على استعمال أو التهديد باستعمال الأسلحة النووية سيؤدي لأول وهلة إلى استنتاج عدم مشروعية هذه الأسلحة في جميع الأحوال لما تسببه من معاناة مفرطة وتدمير يسير بالإنسانية والحضارة نحو الفناء، هذه المعاناة وهذا التحريم يتفوقان في حدتهما وسطوتهما على استعمال الأسلحة التقليدية والتي هي الأخرى قد تخالف بعضها قوانين الإنسانية(26).....
  • ثالثا: استخدام الأسلحة النووية يتجاوز قاعدة الدفاع عن النفس

إن محكمة العدل الدولية ذهبت بادئ ذي بدء إلى تأكيد حق الدفاع الشرعي بحسبانه استثناءا من مبدأ حظر اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية على نحو ما كفلته بصفة خاصة المادة (الثانية/فقرة 4) من ميثاق الأمم المتحدة إذ إن حق الدفاع الشرعي قد تم النص عليه في الفصل السابع من الميثاق ذاته وبمناسبة المادة(51) منه والتي تتضمن انه (ليس في مثل هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على احد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى إن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحظ السلم والأمن الدوليين...).

وإذا كانت رخصة الدفاع الشرعي في ذاتها لم تكن البتة محل تشكيك أمام المحكمة إلا أنَّ الإشكالية الأولى هنا إنما انصرفت بصفة خاصة في عقيدة المحكمة إلى تحليل مدى مشروعية استعمال هذه الأسلحة بمناسبة مباشرة حق الدفاع الشرعي وذلك بالنظر بصفة خاصة إلى ما يستتبع استعمال مثل تلك الأسلحة من تقويض لأسس القانون الدولي الإنساني وواقع الأمر انه في هذا الشأن فقد قررت المحكمة انه في مواجهة الأطروحة التي أكدتها الدول النووية في شأن عدم نهوض أي التزام تعاهدي صريح في مواجهتها بعدم استعمال الأسلحة النووية فقد ذهبت العديد من الدول إلى الادعاء بان مثل تلك الأطروحة إنما سيصطدم بالضرورة مع المبادئ الآمرة للقانون الدولي الإنساني وبصفة خاصة ما يستتبعه ولاشك استعمال مثل تلك الأسلحة من انتهاك مطلق لمبادئ الإنسانية والضرورة أبان النزاعات المسلحة، وقد قضت المحكمة بالإجماع أنَّ التهديد أو استعمال القوة باللجوء للأسلحة النووية الذي يخالف الفقرة(4) من المادة(2) من ميثاق الأمم المتحدة والذي لا يفي بجميع متطلبات المادة (51) يعتبر غير قانوني وأضافت أنَّ التهديد أو استعمال الأسلحة النووية يجب افتراضا أنْ يكون مطابقا لمقتضيات القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة وخصوصا مقتضيات مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني وكذلك الالتزامات الخاصة بموجب المعاهدات التي تعالج صراحة الأسلحة النووية(27) وبسبعة أصوات لسبعة أصوات (ورجح صوت رئيس المحكمة) الكفة لصالح مؤيدي الفقرة ما قبل الأخيرة من منطوق الرأي الاستشاري والتي جاء فيها انه (يتبين من المقتضيات المشار إليها أعلاه إن التهديد أو استعمال الأسلحة النووية يكون بصفة عامة متعارضا مع قواعد القانون الدولي المطبق في النزاعات المسلحة وخصوصا مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني ومع ذلك فانه بالنظر إلى القانون الدولي الراهن والعناصر الواقعية المرتبطة به فانه ليس في وسع المحكمة أنْ تستنتج بصورة نهائية أنَّ التهديد أو استعمال الأسلحة النووية يعتبر مشروعا أو غير مشروع في حالة قصوى للدفاع الشرعي عندما يكون بقاء الدولة ذاته معرضا للخطر)(28).

ومن كل ما تقدم يمكن ملاحظة ما يأتي :

1-خلصت المحكمة إلى نتيجتين متناقضتين وهما :

  • نظرا للخصائص الخطيرة لاستعمال السلاح النووي فان استعماله أو التهديد به يعد مخالفا بصورة عامة للقانون الدولي المطبق في أوقات النزاع المسلح وخاصة مبادئ القانون الدولي الإنساني
  • إلا انه ليس في وسع المحكمة أنْ تثبت بكل تأكيد ما إذا كان استعمال الأسلحة النووية مخالفاً في كل الظروف للقانون الدولي الإنساني كما في حالة حق الدولة في البقاء أو حالة الضرورة.

 أنَّ المحكمة بهذا الشأن تطرح نسبية الخضوع لمبادئ القانون الدولي الإنساني استنادا إلى النظريات السياسية (مثل سياسة الردع وحالة الضرورة) النافية لوجود القانون الدولي ذاته والتي من شأنها أنْ تكفل سمو الدولة على القانون إذ إن مسايرة موقف المحكمة هذا يصير  بنا في غير شك إلى التأكيد على حق الدولة التي تمارس الدفاع الشرعي أنْ تطرح جانبا سائر مقتضيات مبادئ الضرورة والتناسب والإنسانية في مواجهة خصومها أبان النزاعات المسلحة مخالفة بذلك ثوابت التمييز بين المدنيين والعسكريين وعدم إلحاق ضرر فادح بالمقاتلين.. والخ من الثوابت المهمة في القانون الدولي الإنساني كل ذلك في سبيل الدفاع عن نفسها والذي يمكن أن يؤدي إلى إبادة للجنس البشري بأجمعه .

2-توضح المحكمة انه لا توجد حتى الآن أي اتفاقية تحظر بصورة عامة استعمال الأسلحة النووية مثل الاتفاقيات التي تحظر الأسلحة الكيميائية والبكتريولوجية غير إنها لاحظت أنَّ بعض الاتفاقيات مثل معاهدة الحظر التام للتجارب النووية ومعاهدة عدم الانتشار للأسلحة النووية المتعلقة بالمناطق الخالية من الأسلحة النووية يبدو أنها تدعو إلى تزايد قلق المجتمع الدولي إزاء السلاح النووي مما ينبئ بحظر استعماله، وقد فات المحكمة الإشارة إلى المبادئ العامة للقانون الدولي العرفي الذي يعد مصدراً آخر للقانون الدولي وفي هذا الصدد يمكن الاستعانة بالمبادئ الرئيسية للقانون الدولي الإنساني والتي أصبحت مبادئ عرفية ذكرت المحكمة نفسها انه من غير المسوغ مخالفتها أمثال مبدأ التناسب وشرط مارتنز .

3-إن مفهوم الحالة القصوى للدفاع عن النفس لم تدخل المحكمة في تفاصيلها عما إذا كان المقصود بها المحافظة على نظام الحكم القائم أم المتعلق بالدولة ككيان قائم بذاته أم تتعلق بالبقاء المادي لسكان الدولة المذكورة(29) وفي كل ذلك تخلط المحكمة بين الحق في شن الحرب أو القانون الذي ينظم اللجوء المشروع للقوة (Jus ad bellum) من جهة وقوانين الحرب أو القانون الذي ينظم الاستعمال الفعلي للقوة (Jus in bello) وضمن جهة أخرى توعز بان احترام المبدأ الثاني (قوانين الحرب أو مبادئ القانون الدولي الإنساني) تكون خاضعة لقواعد المبدأ الأول (قوانين شن الحرب) وفي ذلك مخالفة لجوهر القانون الدولي الإنساني وفي الواقع انه إذا كان استعمال الأسلحة النووية ينتهك اعتياديا القانون الدولي الإنساني كما يرد ضمناً في الرأي المذكور لمحكمة العدل الدولية فانه يعد انتهاكا أيضا في الظروف القصوى للدفاع عن النفس(30).

4-انصرفت المحكمة الدولية إلى الالتفاف حول الطبيعة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني والتي لا يجوز إزاءها إن يعلق العمل بها في جميع الأحوال سواء في حالات الضرورة أو حالات الدفاع عن النفس.

إذ يلاحظ أنَّ المحكمة بمناسبة رأيها الإفتائي هذا تعمدت التهرب من تحليل مفهوم القواعد الآمرة للقانون الدولي الإنساني باستعمال مثلا عبارات (القواعد غير المسوغ مخالفتها) أو القول بان المحكمة تمتنع عن الخوض في بحث إلزامية مبادئ القانون الدولي الإنساني لان طلب الفتوى اقتصر على بيان مشروعية التهديد أو استعمال السلاح النووي فقط رغم أنَّ المحكمة نفسها قد فصلت بمسائل لا تعد جوهرية في هذه الفتوى، فلم يطلب منها مثلاً بحث مسألة حق الدفاع الشرعي والأحلاف العسكرية وأعمال الانتقام العسكرية وحق الدولة في الوجود بينما كان الأجدى منها بحث الطبيعة القانونية لمبادئ القانون الدولي الإنساني التي تعد من المسائل الجوهرية اللصيقة بالطلب الإفتائي. ولعل المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا كانت أكثر جرأة منها حينما أكدت في بيان بليغ لها (إن الاعتداءات الموجهة ضد السكان المدنيين من شأنها بالضرورة أنْ تمثل انتهاكا للحد الأدنى من القواعد الآمرة المطبقة في زمن النزاعات المسلحة(31)، فالمحكمة في الحقيقة خضعت لتأثيرات سياسية كبيرة من الدول النووية الكبرى بغية عدم الخوض في مسالة الطبيعة الآمرة لقواعد القانون الدولي الإنساني والتي كان من شأن الإقرار بها قطع الخلاف نهائيا بشأن عدم مشروعية استعمال الأسلحة النووية في المنازعات المسلحة(32) .

_____________________

1- د. سمير محمد فاضل، التطورات الحديثة للقانون الدولي الإنساني المطبق في المنازعات المسلحة مع المقارنة بتعاليم الإسلام ، الندوة المصرية الأولى حول القانون الدولي الإنساني، مرجع سابق، ص96.

2- اللواء الدكتور يحيى الشيمي، السلاح وأساليب القتال في القانون الدولي، الندوة المصرية، مرجع سابق، ص116 .

- عامر الزمالي، مدخل إلى القانون الإنساني، مرجع سابق، ص82.

3-  د.يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص116.

انظر المراجع الآتية:

4 -  اللواء د. يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص117 وما بعدها.

- د. عبد الغني محمود، القانون الدولي الإنساني، مرجع سابق، ص162.

- د. الشافعي محمد بشير، القانون الدولي العام، مرجع سابق،ص453-454  .

5-  وثمة مطالبة بتحريم بعض الأسلحة الحارقة والتي تسبب مصاعبا وآلاما للمصابين بها وكذلك الأسلحة ذات التأثير المتأخر إضافة إلى المقذوفات ذات الأعيرة الصغيرة. انظر:- شريف عتلم- محمد ماهر عبد الواحد، موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، ط3، 2003، ص 530-532.

- د. يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص129-131.

6-   د. يحيى الشيمي، مرجع سابق، ص118-119.

7-   أكد قرار الجمعية العامة المرقم(2444) في 19 كانون الأول 1968 على القرار الذي اتخذه المؤتمر الدولي الثاني عشر للصليب الأحمر والهلال الأحمر في فيينا عام 1965 والذي أرسى ثلاثة مبادئ أساسية يتعين مراعاتها في المنازعات المسلحة وهي: 1. إن حق أطراف النزاع في استخدام وسائل إلحاق الضرر بالعدو ليس حقاً مطلقا.

1-إن شن الهجمات على السكان المدنين أمر محظور.

2-يجب التمييز في جميع الأوقات بين المقاتلين والمدنين بهدف حماية الفئة الأخيرة وتجنيبهما الضرر بقدر الإمكان.

8-   د. عبد الغني محمود، مرجع سابق، ص161-162.

9- انظر:M.Cherif Bassionn, Amanal on international law humantrain law and arms control agreements, Newyork 2000, P.443 ets.

10-   روبرت جي. مايدوز، ثيمودي ل .هـ. ماكورماك ، تأثير المبادئ الإنسانية في التفاوض لإبرام معاهدات للحد من الأسلحة، المجلة الدولية للصليب الأحمر، مختارات من أعداد 1990 ص40.

11- انظر د. عيسى رباح، موسوعة القانون الدولي- القانون الدولي الإنساني- قانون الحرب.2003 ص300.

12-  روبرت جي- مايدوز وآخرين، مرجع سابق. ص32.

13-I.C.J.Rec , 1927 p.18 .

14-  د. حازم عتلم، مشروعية الأسلحة النووية في ضوء الرأي الاستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية في 8 تموز 1996 ،ذكره  د.احمد فتحي سرور، مرجع سابق، ص352.

15-  د. غسان الجندي، الوضع القانوني للأسلحة النووية، ط1، 2000، ص99.

16-    الفقرة(25) من الفتوى.

17-   انظر قضية شركة برشلونة، 1970، ص3-33، فقرة 34.

18-  انظر:M .Nowak ,CCPR Commentary.1993.P.108 ets. 

19-   د. غسان الجندي، مرجع سابق، ص102.

20-   أوضح القضاة اليابانيون في قضية شيمودا بأنهم لا يساورهم أدنى شك في انطباق فقرات قواعد سان بيترسبورغ ولاهاي في إن استخدام الأسلحة النووية في المنازعات المسلحة يصطدم بشكل مباشر مع مبدأ أساسي في القانون الدولي الإنساني وهو مبدأ عدم التسبب بمعاناة مفرطة، انظر : د. غسان الجندي، مرجع سابق، ص110-111.

21-   الفقرة (78) من الفتوى.

22-   د .غسان الجندي، مرجع سابق،ص109 وما بعدها.

23-   الفقرة(35)من الفتوى.

24- أشار (ANDRIES) إلى بند مارول(Clause Amourel) الذي تصدر اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 والذي يتضمن تحريم استخدام أية وسيلة من الوسائل في قصف المدن المفتوحة والذي أكمل بذلك ما نصت عليه المادة(25) من تنظيم لاهاي لعام 1899 وقد استحدث هذا المبدأ لتسيج وتنظيم أي تطور لاحق في تكنولوجيا الأسلحة التي قد تسبب معاناة لا مبرر لها للمدنيين، انظر د. غسان الجندي، مرجع سابق، ص111.

25-  الفقرة (77) من الفتوى.

26-  د. غسان الجندي، مرجع سابق، ص111.

27-  انظر الفقرة(105) من الفتوى.

28-     انظر الفقرة أعلاه.

-29 M.J.Matneson.I.C.J. opinion son threat or use of unclear weapons.AJIL, 1997 p.430.                       

30-  ماركو ساسولي، مرجع سابق،ص247.

31-  حازم عتلم، مرجع سابق، ص366-367.

32-   يذكر إن الفقرة(28) من تعليق لجنة القانون الدولي على المادة(33) من مشروع اللجنة حول المسؤولية الدولية أوضح بان قواعد القانون الدولي الإنساني المطبقة على المنازعات المسلحة تحتوي صفات القاعدة الآمرة، انظر:- غسان الجندي، مرجع سابق، ص139.

 

 




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .






العتبة العباسية: مشروع (خيرات حسان) يسعى إلى زيادة وعي المرأة وثقافتها
جامعة كربلاء: مبادرة العتبة العباسية مهمة لمواجهة الهجمات التي يتعرض لها الوسط الجامعي
العتبة العباسية تكرّم (250) طالبة جامعية مرتدية العباءة الزينبية
المجمع العلمي يختتم مسابقة السقّاء لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في محافظة ذي قار