وهو اكثر انواع الاكتئاب شيوعا، يحدث كردّ فعل على موت احد الاعزّاء، او فراق حبيب، او فقدان العمل.. فنرى صاحب المرض وبعد انتهاء فترة الحداد التي كان خلالها صامدا قويا صابراً يرفع معنويات الاخرين، تراه بعد اسبوعين او ثلاثة تنقص شهيته للطعام.. يفقد وزنه.. يتقلب على جمر الفراق.. يطيل التفكير بمن شاء الله ان يبعده عنه.. يضعف تركيزه.. يتشوش.. تفيض عيناه بالدموع.. يغرق في افكار الموت والفناء والعدمية.. يرى ان الحياة لا قيمة لها، فقد فضحها الموت، أزال بهجتها ونضارتها.. وما نفع حياة بعدها فناء؟ .. وكأنه يتمثل قول احد الانبياء (عليهم السلام) عندما نظر لقومه وهم يبنون ويتكاثرون ويتفاخرون بالأموال والاولاد : (لِدُوا للدود، وابنوا للخراب).

وتراه يخاطب نفسه ما دام الموت هو النهاية الحتمية فلماذا التأخير؟ ولم لا اسعى اليه قبل ان يسعى اليّ؟ ويرى ان كل مولود محكوم عليه مسبقا بالإعدام والموت، وهو يعيش بانتظار تنفيذ الحكم.. تسيطر عليه هذه الافكار بحيث لا يجد منها فكاكاً، فتفيض عيناه بالدموع حزنا وأسى.

وبالمناسبة اكرر قولي : ان البكاء (مع العلاج الدوائي طبعاً) نافع جدا للمريض، خصوصا اذا كان على انفراد؛ لأنه يطرح المواد الكيميائية المسببة للكرب والاكتئاب .. ويرى المريض نفسه فاشلا ولا يصلح لشيء (رغم ما يراه الناس انه ناجح اجتماعياً).. يحدث لديه تعوق نفسي وحركي ومشاعر من اليأس والتشاؤم والذنب حتى الخطيئة، كما تكثر لديه الشكاوى الجسمية والأرق وعدم القدرة على اداء أي عمل والانسحاب الاجتماعي.

والخلاصة : تنقلب حياته رأسا على عقب، وتشعر حين تراه كانه ميت الاحياء!!!.. وما يخشى كثيرا في هذه الحالة هو التفكير بتدمير الذات ليلحق بمن فقد، لذا يجب المسارعة الى علاج المريض على يد طبيب مختص قبل فوات الأوان..

ـ الإنذار :

هذا النوع من الاكتئاب يستمر عادة (3-6) شهور، ثم يزول تلقائيا حتى دون علاج (اللهم اذا لم يفكر بالانتحار) بينما تزول الاعراض بالعلاج الدوائي خلال اقل من شهر واحد.. ويزول خطر الانتحار.. وغالبا ما يشفى نهائيا وفي 15-20% من الحالات.. يزمن المرض فيغيب سنة او سنتين ثم يعود، ولكن اقل حدة وشدة، ولا سيما بعد النكبات.