x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

القانون العام

القانون الدستوري و النظم السياسية

القانون الاداري و القضاء الاداري

القانون الاداري

القضاء الاداري

القانون المالي

المجموعة الجنائية

قانون العقوبات

قانون العقوبات العام

قانون العقوبات الخاص

قانون اصول المحاكمات الجزائية

الطب العدلي

التحقيق الجنائي

القانون الدولي العام و المنظمات الدولية

القانون الدولي العام

المنظمات الدولية

القانون الخاص

قانون التنفيذ

القانون المدني

قانون المرافعات و الاثبات

قانون المرافعات

قانون الاثبات

قانون العمل

القانون الدولي الخاص

قانون الاحوال الشخصية

المجموعة التجارية

القانون التجاري

الاوراق التجارية

قانون الشركات

علوم قانونية أخرى

علم الاجرام و العقاب

تاريخ القانون

المتون القانونية

دساتير الدول

التعليم والتهذيب داخل المؤسسات العقابية

المؤلف:  جمال ابراهيم الحيدري

المصدر:  علم العقاب الحديث

الجزء والصفحة:  ص148-166

10-8-2022

1824

أيدت بعض الأبحاث انتشار الأمية بين نزلاء المؤسسات العقابية منها دراسات أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية حيث ظهرت نسب من المسجونين لا يستطيعون قراءة الصحف أو كتابة مجرد خطاب شخصي، وآخرون يكتبون أسمهم فقط، وآخرون لا يستطيعون اداء امتحان المرحلة الابتدائية وآخرون لم يتلقوا تدريبا منظما بعمل ما. ويتضح من ذلك أن الجهل او نقص التعليم يعد من العوامل المهيأة فقط للجريمة في بعض الحالات، لذلك حرصت مختلف النظم العقابية على ادخال نظام التعليم في المؤسسات العقابية، وبدأ ذلك منذ أواخر القرن السادس عشر، حيث كان التعليم قاصرا على النواحي الدينية والأخلاقية فكان رجال الدين يعلمون النزلاء مبادئ الأنجيل(1).

وبعد ذلك بدأت فكرة التعليم داخل السجون تنتشر في مختلف دول العالم، وارتبط ذلك بتقدم نظام التعليم في المجتمع بوجه عام (2).

ومن هنا يحتل التعليم دورا أساسيا في النظام العقابي الحديث، ويستمد هذا الدور اهميته من كون التعليم يستأصل احد العوامل الاجرامية فيزيل بذلك سببا للعود الى الاجرام، حيث أن الأمية والجهل عاملان اجراميان دون شك، ومن شأن التعليم استئصالها. وبذلك فالتعليم من هذه الناحية يعد نظاما تهذيبيا، وتسلم النظم العقابية الحديثة باهميته فنجد مجموعة قواعد الحد الأدني في القاعدة  (77/1)  منها تنص على ( وجوب اتخاذ التدابير التي من شأنها نشر التعليم بين المحكوم عليهم القادرين على الاستفادة منه)

أغراض التعليم

يهدف التعليم الى جملة أغراض لعل أهمها ما يأتي:  

1- ان التكيف الاجتماعي للنزيل الذي يهدف نظام التنفيذ العقابي لتحقيقه لا يتم و الا من خلال التعليم حيث يتطلب توجيه النزيل ومساعدته على القيام بعمل في المجتمع يتعيش منه على الوجه الذي يتفق مع القانون.

2- أن التعليم يساعد على اصلاح جوانب عديدة في شخصية النزيل حتى يستطيع التعامل مع افراد مجتمعه .

3- أن التعليم ينمي في السجين قيم ومبادئ اخلاقية تساعده على التكيف داخل المؤسسة وخارجها، فالتعليم يقوي في الفرد القدرة على ضبط النفس مما يجعله اكثر استعدادا لأحترام النظام وتنفيذ مختلف الالتزامات التي تفرض عليه .

4- أن التعليم يساعد المحكوم عليه الذي لم يسبق له تلقي أي قدر من التعليم على أن يحصل على القدر الأدني الذي يكفي لحل مشاكله الاجتماعية التي ترتبط كثيرا بحالات الجهل والأمية

5- أن التعليم داخل المؤسسات العقابية يمكن التنزيل الذي بدأ بعض مراحله من متابعة مراحله المختلفة.

6-  ان التعليم يمكن النزيل من تمضية أوقات فراغه في المؤسسة وخارجها في أوجه النشاط المشروع والمفيد مثل القراءة والرسم و غير ذلك من الفنون، وهو كثيرا ما يصرفه عن التفكير في الاقدام على سلوك غير مشروع.

7-  عن طريق التعليم يستطيع النزيل ان يلم بمختلف حقوقه والتزاماته في المجتمع، اذ ان التعليم يساعده على ادراك دور السلطة العامة والتزامات الأفراد أمامها،  كما يمكنه من الأحاطة بمختلف المشاكل الاجتماعية والأساليب الصحيحة كلها والتغلب عليها، اضافة الى ذلك فالتعلم يغرس في الفرد عادات وقيم مشروعه تنعكس على شخصيته وتصرفاته بوجه عام.

هذا وانطلاقا من اغراض التعليم آنفة الذكر، ولكون الجهل يعد أحد المشاكل الاجتماعية، ويعاني النزيل غير المتعلم مشكلة مضاعفة في ايجاد العمل بعد الافراج عنه ولكون التعليم في السياسة العقابية الحديثة ينطوي على أهمية كبيرة تبدو من حيث أنه يستأصل أحد العوامل الدافعة الى الجريمة ومن ثم القضاء على سبب من أسباب العودة الى الجريمة الا وهو الأمية والجهل، حيث أن التعليم هو الوسيلة للتخلص منهما، ثم ان التعليم من مقتضيات تأهيل المحكوم عليه للتألف الاجتماعي. فاذا انقضت مدة عقوبته وكان متعلما سيجد من فرص العمل وكسب الرزق ما الايتاح لغير المتعلم(3)، ولهذا كله أصبح من أهم الواجبات الملقاة على عاتق المؤسسة العقابية هو اعطاء القدر اللازم من المعارف للنزلاء بالاضافة الى الاهتمام بتهذيبهم، لأن التهذيب يعمل على ابراز القيم الأخلاقية وان الامتناع بالقيم سيؤدي الى الالتزام بالقواعد الأخلاقية التي توجب احترام الغير وعدم الاعتداء على الآخرين(4)، علما ان تعليم المحكوم عليه يستلزم بالاضافة الى الجهود الرسمية تنمية حب التعليم لدى المحكوم عليه وتشجيع الجهود التي يبذلها في تعليم نفسه، وأن تهيء مستلزمات التعليم مما لا يخل بالنظام في داخل اقسام الاصلاح الاجتماعي ومن هذه المستلزمات المكتبة وبناءا على ما تقدم يتعين بیان برامج التعليم ثم التهذيب .

اولا: برامج التعليم

يفترض في التعليم في المؤسسات العقابية الا يتقيد بمستوى معين أو يقف عند حد معين، بل يتعين أن يرتفع في كل النطاق الذي تسمح به إمكانيات الإدارة العقابية والاستعداد الذهني للمحكوم عليه، اذ كلما ارتفع مستوى التعليم قوى الاحتمال في تحقيق أغراضه المنوه عنها سابقا(5)، وعلى ذلك يقتضي أن يشمل التعليم على المجالات الآتية:

1- محو الأمية: يفترض في التعليم التثقيف بحيث تتغير معالم شخصية المتعلم وخاصة اسلوب تفكيره وطريقة حكمه على الأمور مما يستطيع ادراك أصول الحياة واعتناق القيم الاجتماعية ورفض الجريمة باعتبارها سلوكا غير قويم (6). ومن البديهي أن هذا الفحوى للتعليم هو أهم فحوى له من الوجهة العقابية اذ هو الذي يباعد بين المحكوم عليه وبين الاجرام ويساهم على نحو فعال في تأهيله، لذلك لا يكفي لتحقيقه مجرد اعطاء دروس في فروع معينة من العلم، وانما يقتضي مجهودا لإعادة تشكيل العقلية، ويتطلب انتهاج الأساليب التي من شأنها أن تؤدي الى ذلك.

لهذا فأن أبسط صورة هو التعليم الأساسي الذي يتجه الى محو الأمية واتقان المبادئ الأولية في القراءة والكتابة وبعض المعلومات الأساسية، وهو ضروري للنزلاء داخل المؤسسة العقابية حيث يجب أن نضمن القضاء على الأمية خاصة بالنسبة لصغار المحكوم عليهم(7)، ونظرا الى أن محو الأمية هو من أهم صور التعليم في المؤسسات العقابية لذلك اتجهت أغلب النظم العقابية إلى جعله الزامی (8). 

وحددت له ساعات العمل. وفي هذا اشارت الفقرة الأولى من القاعدة (77) من مجموعة قواعد الحد الأدنى الى أنه (يجب العمل على توفير وسائل تنمية تعليم جميع المسجونين القادرين على الاستفادة منه بما في ذلك التعليم الديني في الأقطار التي يكون هذا التعليم ميسورا فيها، ويجب أن يكون التعليم اجباریا. بالنسبة للأميين وصغار السن من المسجونين، كما يجب ان تهتم المؤسسة العقابية بذلك اهتماما خاصا).

أما المشرع العراقي فقد اشار في م (54) من قانون السجون على أن تقوم اللجنة الفنية بوضع المناهج الثقافية للسجناء على أن تكون بمستوى محو الأمية على الأقل(9).

2 - التعليم العالي:

لا يقتصر التعليم على مرحلة محو الأمية، بل يجب أن يضمن بالنسبة للأخرين الذين تجاوزوها والذين يرغبون في الارتفاع بمستواهم العلمي المحكوم عليهم، وأساس الزام الإدارة بذلك أن كل تعليم يقدم الى المحكوم عليه هو خطوة في الابتعاد به عن طريق الأجرام، لذلك يجب اتاحة الفرص أمام النزلاء الذين يرغبون في الحصول على الشهادة الدراسية الاعدادية أو الجامعية الأولية أو العليا عن طريق المراسلة وافساح المجال لهم بالمشاركة في أداء الأمتحان النهائي خارج المؤسسة العقابية (10)، سواء تولت الإدارة العقابية تنظيمها أم نظمتها الوزارة المختصة بالتعليم أو هيئة خاصة(11)، لأنه من شأن ذلك تقليل الفروق بين حياة السجن والحياة الحرة، تلك الفوارق التي تؤدي الى اضعاف شعور النزلاء بالمسؤولية وباحترامهم الكرامتهم الشخصية كبشر، واكدت ذلك الفقرة الأولى من القاعدة (60) من مجموعة قواعد الحد الأدني(12).

ومن جانب آخر فقد نصت الفقرة الثانية من القاعدة (77) على انه يجب على قدر المستطاع عمليا أن يكون تعليم المذنبين متناسقا ومتكاملا مع نظام التعليم العام للدولة حتى يمكن للنزلاء متابعة تعليمهم بعد الافراج عنهم دون عناء) أما المشرع العراقي فقد أعطى وفق م (71) من قانون السجون للجنة الفنية صلاحية السماح للسجين السياسي او الموقوف السياسي من الطلاب مواصلة الدراسة التي انقطعت بسبب سجنه أو توقيفه، لكن يلاحظ أن المشرع العراقي بمقتضى قانون السجون لم يسمح للنزيل غير السياسي بمواصلة الدراسة واستزادة تحصيله العلمي .

وجدير بالذكر أنه ينبغي تنظيم التعليم بشكل يحقق الغرض منه، فيتعين أن تحتل طريقة المناقشات الجماعية مكانا اساسيا في تنظيم التعليم، فيجتمع المعلم بمجموعة من المحكوم عليهم فيناقش معهم موضوعا ما ويستمع الى ارائهم ويصلح من عيوبها ويرسم لهم الطريق الذي يقودهم الى اكتشاف الاراء الصائبة، وميزة هذه الطريقة أنها تشعر المحكوم عليهم بكيانهم واحترام شخصياتهم. كما يتصل بتنظيم التعليم تحديد الوقت الذي يخصص له، حيث ينبغي أن يكون بعد انتهاء ساعات العمل، ولكن أهم ما يثيره تنظيم العمل هو اعداد وسائله، أي اعداد متطلبات نجاحه، ومن هذه الوسائل الأماكن التي تخصص له، فمن المتعين أن يتضمن بناء المؤسسية العقابية هذه الأماكن، وان يراعي في اعدادها توافر الشروط التي تجعلها صالحة التحقيق هذا الغرض (13). ويتصل بذلك أن يوجد نظام للتصنيف يسمح بالتمييز بين المحكوم عليهم تبعا لأختلافهم في المستوى التعلیمی كی يتجه كل محكوم عليه الى التعليم المناسب له، كما يتعين على الإدارة العقابية اعداد هيئة التدريس على ان يكونوا معدين اعدادا خاصا يتيح لهم القيام بهذا العمل والاستعانة بمتطوعين ويغلب أن يكونوا من المدرسين المهتمين بتعليم المحكوم عليهم، وقد أجدت هذه الوسيلة في بعض الدول وبصفة خاصة في انكلترا (14)، ويجوز الاستعانة ببعض المحكوم عليهم اذا كانوا مثقفين لتعليم زملائهم الذين تنقصهم الثقافة. وكذلك يتصل بتنظيم التعليم تحديد الهيئة التي تشرف على ادارته، فيتعين أن تتضمن الإدارة العقابية قسما مختصا بالاشراف على التعليم، وأن تضم كل مؤسسة موظفا مختصا بادارة التعليم فيها، ولكن ينبغي أن تقوم صلة وثيقة بين القسم المختص في التعليم في الادارة العقابية المركزية والوزارة المشرفة على التعليم العام، وكذلك أن تقوم هذه الصلة بين المشرف على التعليم في كل مؤسسة عقابية وسلطات التعليم في المنطقة التي توجد فيها هذه المؤسسة 3- التعليم الفني: لقد أثبتت بعض الدراسات أن العديد من نزلاء المؤسسات ينقصهم التأهيل المهني مما افقدهم القدرة على متابعة القيام بالأعمال المهنية التي تتطلب تدريبا ودراية خاصة، لذلك فأن برامج التنفيذ العقابي يجب أن تهتم بهذا الجانب حتى يمكن أن تحقق غرضها في اعداد النزيل للأندماج في المجتمع وذلك بالتغلب على كافة المشاكل التي واجهته، لكن ادخال هذا النوع من التعليم يواجهه عقبات منها: 1- عدم توفر العدد الكافي من الأخصائيين للاشراف على هذا الجانب من التعليم. 2- تعذر وجود الإمكانيات المادية للتنفيذ العملي لتلك البرامج.

وعلى الرغم من هذه الصعوبات فان اغلب النظم العقابية الحديثة تقرر نظام التعليم الفني من بين البرامج التعليمية داخل السجون وذلك لأهميته في تأهيل النزلاء، ولأجل تحقيق هذا التعليم غرضه فلابد من أن تعد برامجه بحيث تقابل احتياجات المجتمع من المهن والأعمال المختلفة، كما يلزم توزيع المحكوم عليه على تلك البرامج وفقا لقدراتهم واستعدادات كل منهم.

ومن الجدير بالذكر أنه انطلاقا من أثر الصحة البدنية والنفسية في تكوين شخصية الفرد ومدى انعكاسه على سلوكه يقتضي أن تشمل برامج التعليم توعية عامة للنزلاء حول مختلف المشاكل الصحية واسبابها ونتائجها وكيفية التغلب عليها، بالاضافة الى ذلك يجب ان تشمل البرامج تدريبأ للنزيل على مختلف الألعاب الرياضية والأنشطة الفنية مثل الرسم والموسيقى و غيرها من الهوايات التي يشغل بها النزيل أوقات فراغه سواء في فترة ايداعه بالمؤسسة أو بعد الافراج عنه، ومن أهم آثار ذلك هو أن النزيل يستطيع أن يستنفذ طاقاته في أوجه من النشاط الصحي والمفيد فكثيرا ما يصرفه ذلك عن التفكير في الأفعال اللااجتماعية، ومن ذلك يتبين وجود علاقة بين التعليم والصحة و أوقات الفراغ.

 4 - المكتبة: تعد مكتبة المؤسسة العقابية من أهم وسائل التعليم فيها، اذ أنها تقدم المادة العلمية التي يمكن أن يستعين بها المعلم في عمله، ويمكن أن يلتمس فيها المحكوم عليهم سبل استكمال ثقافتهم(15)، فللمكتبة مزايا تمكن النزيل من سعة الاطلاع و تتاح له فرصة تمضية أوقات فراغه في نشاط ثقافي وهو ما يتفق مع السياسة الحديثة في المعاملة العقابية، فالقراءة تصرف النزيل عن التفكير في أوجه السلوك غير المشروع، وتساعد على زيادة مداركه وسعة أفقه مما يؤثر على شخصيته واخلاقه مما ينعكس بالتالي على تصرفاته، لذلك فهناك ضرورة لتيسير مختلف أنواع الكتب المفيدة للنزلاء حتى يقضوا على المال الذي يشعروا به أثناء تواجدهم المستمر داخل المؤسسة العقابية، لأن المطالعة قد تساعد النزلاء على عدم التفكير بالهرب من المؤسسة. لهذا فعلى إدارة المؤسسة انتقاء الكتب الجيدة ذات التأثير الايجابي على النزلاء وتمكينهم من الاطلاع عليها داخل المكتبة او خارجها عن طريق الاستعارة وفي هذا نصت القاعدة (40) من مجموعة قواعد الحد الأدني لمعاملة المسجونين على أنه يجب أن تكون لكل مؤسسة مكتبة تخصص لأستعمال جميع طوائف المسجونين وتشتمل على قدر كاف من الكتب الترويحية والثقافية ويجب ان يشجع المسجونين على الاستفادة منها استفادة كاملة)  (16).

أما المشرع العراقي فقد لوحظ أنه لم يشر الى انشاء مكتبة داخل المؤسسة على الرغم منه أنه كانت توجد في كل سجن مكتبة تحتوي على الأنواع المختلفة من الكتب الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والتاريخية وقد بلغ عدد الكتب في مكتبة السجن المركزي في أبي غريب ما يربو على (30000) الف كتاب (17) .

5- الصحف: تعد الصحف من وسائل التعليم غير المباشرة، ولها أهميتها الملموسة في تحقيق أغراضه، فيتعين اجازة دخول الصحف العامة في المؤسسات العقابية، والحجة في ذلك وجوب ابقاء المحكوم عليهم على صلة مستمرة بالمجتمع الذي يراد له أن يندمج فيه بعد الافراج، والصحف هي وسيلة لابقاء هذه الصلة. وبالاضافة الى ذلك فالحق في العلم بالأخبار هو حق يتمتع به كل شخص باعتباره إنسانا، ومن ثم ينبغي أن يظل للمحكوم عليه، اذ لم تجرده العقوبة من هذه الصفة، ولكن يقتضي فرض قيود على دخول الصحف في المؤسسات بحيث يستبعد منها ما يخشی تاثيره السيئ على المحكوم عليهم، كالتي تفيض بأخبار الجرائم أو تنشر القصص والصور غير المتسقة مع المبادئ الأخلاقية السوية. كذلك يحبذ اصدار صحيفة خاصة بالمؤسسات العقابية اذا سمحت إمكانيات احدى المؤسسات باصدار هذه الصحيفة ولو اتخذت صورة نشره صغيرة، اذ في ذلك مزايا جديرة بالاعتبار، فمثل هذه الصحيفة تسمح بنشر اخبار تخص المحكوم عليهم دون سواهم كصدور تعليمات معينة، ومن ثم لا تجد لها محلا في الصحف العامة، أو تتيح معالجة مشاكل خاصة بهم كمشاكل التأهيل، وهي كذلك ليس لها موضع في الصحف العامة، وبالاضافة الى ذلك يتعين أن يشترك المحكوم عليهم في تحرير هذه الصحف، وقد يكون من بينهم من له ماض أو مواهب صحفية وغني عن البيان أن مساهمة بعض المحكوم عليهم في تحرير هذه الجريدة هو نشاط ثقافي يستفيدون منه، ثم ان من يقرأون منهم هذه الجريدة يشعرون بأنها قريبة اليهم باعتبارها تعالج مشاكلهم(18)، ولكن اصدار هذه الصحيفة يتطلب عناية في تحريرها ورقابة فعالة على ما يدونه فيها المحكوم عليهم، وينبغي أن يشارك في تحريرها بعض العاملين في الإدارة أو المؤسسة العقابية وبعض الكتاب المهتمين بالتنفيذ العقابي كي يرتفع بذلك مستواها ومن الجائز أن تمول الجريدة باموال تخصصها لذلك الادارة العقابية أو المؤسسة باعتبار أن هذه الصحيفة تمثل جهودا تهذيبية وتأهيلية، وقد يساهم في تمويلها بعض الجمعيات أو الأشخاص المهتمين بالشؤون العقابية، ويتيح هذا التمويل توزيع الصحيفة على المحكوم عليهم بالمجان، واذا اقتضى الأمر أن تمول عن طريق اشتراكات المحكوم عليهم التي تقتطع من أجور عملهم هذا وقد اعترفت مجموعة قواعد الحد الأدني لمعاملة المسجونين بأهمية الصحف في المؤسسات العقابية، حيث اشارت الى أنه يجب أن يبقى المحكوم عليهم على دراية بالأحداث الهامة عن طريق قراءة الجرائد اليومية والدوريات والمنشورات العقابية الخاصة)

6- موقف المشرع العراقي: نص المشرع العراقي على التعليم في المواد (23- 27) من قانون المؤسسة العامة للإصلاح الاجتماعي، فقرر في م (23/اولا) منه حق النزيل في التعليم ومواصلة الدراسة خلال مدة محكوميته، وفي الفقرة (ثانيا) من المادة ذاتها الزم المؤسسة بان تسعى الى تأمين حاجة النزلاء الى التعليم ومواصلة الدراسة بفتح المدارس العامة والمهنية الملحقة بأقسام الإصلاح الاجتماعي أو تأمين مواصلة الدراسة خارجها في نطاق مقتضيات الأمن الداخلي وإمكانيات هذه الأقسام وبمقتضى الفقرة (ثالثا) من المادة اعلاه تتولى وزارة التربية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية تحقيق المتطلبات الموضوعية لتنفيذ برامج اقسام الإصلاح الاجتماعي التعليم وتأهيل النزلاء بفتح المدارس العامة والمهنية بجميع مراحلها داخل أقسام الاصلاح الاجتماعي.

وفي م (24) منه أجاز المشرع أن يقوم النزلاء بتدريب زملائهم داخل اقسام الاصلاح الاجتماعي بموافقة اللجنة الفنية لقاء أجور يحددها مجلس الإدارة. وفي م (20) منه منع المشرع ایراد أي بيان في الشهادة الدراسية أو المهنية التي يحصل عليها النزيل او المودع اثناء تنفيذ العقوبة يشير الى أنه حصل عليها من قسم الأصلاح، أن علة ذلك تتمثل في مراعاة الحالة النفسية للنزيل، وليست من المصلحة أن نعيد الى ذاكرة الناس ان حامل الشهادة الدراسية أو المهنية كان محكوما عليه. وفي م (29) منه الزم المشرع اللجنة الفنية بأن تعد منهاجا لتأهيل النزلاء مهنيا بحيث يتناسب مع إمكانيات تشغيلهم بعد الإفراج عنهم. وبمقتضی م (27) منه يلتزم رئيس المؤسسة بأن يعين عددا من الوعاظ الدينيين والمدربين المهنيين في قسم الاصلاح الاجتماعي ممن تتوفر فيهم المؤهلات اللازمة وذلك حسب مقتضيات الحاجة .

ثانيا: برامج التهذيب

 يراد بالتهذيب العمل على ابراز القيم الجيدة لدى المحكوم عليه بحيث يقتنع بها ويلتزم بمعايير السلوك السائدة والمقبولة لدى المجتمع. ويرجع اجرام العديد من النزلاء الى النقص في التهذيب، لأن التهذيب يعد مانعا يحول دون ارتكاب الجرائم، وهذا المانع داخلي يعمل على كبح جماح النزعات الشريرة والنزوات من التاثير على سلوك الإنسان وتصرفاته، ويتم التهذيب عادة عن طريق تنظيم لقاءات فردية بين الأخصائي والنزيل في أوقات متفرقة، وقد يتم ايضا في صورة جماعية والتهذيب في النظم العقابية نوعان: تهذيب ديني وتهذيب اخلاقي.

1- التهذيب الديني: أن الرجال الدين دور مهم في تطوير النظم العقابية، فهم أول من نادوا بالتخفيف من حدة العقوبة البدنية الهادفة للانتقام من الجاني مما كان لهذا اثره في تطور نظم السجون، كما أن التعليم في المؤسسات بدأ على يد رجال الدين عن طريق زيارتهم للمؤسسات وتوزيع الكتب الدينية، ولم يقتصر دورهم على هذا النشاط، بل ساهموا ايضا في مجال التنفيذ العقابي وفقا لما تقضي به اغلب النظم العقابية، فأصبحت الهيئة المشرفة على المعاملة العقابية داخل السجن عددا من رجال الدين. وتبدو أهمية التهذيب الديني في أثره الفعال في استئصال عوامل الاجرام (19)، الأن تعاليم الدين تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، وتعد الجرائم من المنكرات، وعليه أصبح التهذيب الديني أحد الوسائل الفعالة في التأثير على السلوك الفردي نحو الامتناع عن اقتراف الجرائم (20)، وخاصة أنه لوحظ أن كثيرا من المحكوم عليهم يرجع اجرامهم الى نقص في الوازع الديني وضعف في سيطرة القيم الدينية عليهم(21)، هذا من جانب، ومن جانب آخر فللتهذيب الديني الفضل في نشوء النظام العقابي الحديث، ففكرة التوبة الدينية هي نواة فكرة التأهيل الحديثة، وقد اعتبر التهذيب الديني الوسيلة لتحقيق التوبة وفي هذا الصدد فقد ذهب الأستاذ (كرون) احد فقهاء الغرب الى أنه (بغير تهذیب دیني لا يكون سبيل الى ادراك اغراض العقوبة في الإصلاح والتأهيل) (22). وقد بدأت جميع الجهود التهذيبية في المؤسسات العقابية الحديثة مصطبغة بالطابع الديني، واعتبر التهذيب الأخلاقي جزءا من التهذيب الديني في بادئ الأمر، حيث أتجه التهذيب الديني في بداية تطبيقه الى بث التقوى في نفوس المحكوم عليهم وتحويلهم الى أشخاص حريصين على تعاليم الدين، وتقبل في سبيل ذلك الاكراه على اداء الشعائر الدينية(23)، ولكنه تطور فأنفصل التهذيب الأخلاقي عنه وصارت له ذاتية، فصار اتجاهه الى خلق القيم الدينية المتصلة بالأخلاق الاجتماعية، واستبعد الأكراه من بين أساليبه، وسلم بحرية العقيدة و حرية مباشرة الشعائر، وتركزت اساليبه في الاقناع و تقديم المساعدات ومحاولة خلق الشعور الديني والحوافز الدينية الذاتية. وبذلك يهدف التهذيب الديني الى اصلاح و تقويم النزلاء، وقد ثبت أن أغلب الأفراد ایا كانت ديانتهم يؤمنون بتعاليم الدين، والدين هو بشير تلك المبادئ والقيم التي تدفع الى اتباع طريق الخير وتجنب الشر والمحرمات، والجريمة في ظل هذه التعاليم تعد اثما أو تدخل في فكرة الشر والامتناع عن ارتكابها فيه تقرب من الله تعالى، والتهذيب الديني هو السبيل الى التهذيب الأخلاقي، فالأخلاق الدينية والأخلاق الاجتماعية متساندتان، بل لقد أثبتت التجربة أن تأثير التهذيب الديني أبقى في النفوس (24)، وللتهذيب الديني سنده في أن لكل شخص حرية الاعتقاد و الحق في اداء الشعائر الدينية و الأطلاع على ما يثقفه فيه، وليس من شأن العقوبة مصادرة ذلك(25)، مع أن منزلة الدين تختلف في الأنظمة الاجتماعية للدول، فبعض الدول ذات الدين الرسمي (كأيطاليا) تجعل التهذيب الديني الزامية، بينما دول أخرى افرطت في ابعاد الدولة عن المجال الديني (كفرنسا) حيث تقرر للمحكوم عليه حرية مطلقة في الاستفادة من التهذيب الديني أو الانصراف عنه، وهناك دول (كالولايات المتحدة الأمريكية وانكلترا) تتخذ موقفا وسطا فتعين في المؤسسة العقابية العدد الكافي من رجال الدين وتتيح لهم كل التسهيلات الممكنة كي يتصلوا بالمحكوم سواء عن طريق المحاضرات أو الكتابة في صحيفة السجن او تنظيم زياراتهم لهم وتقديمهم النصائح اليهم وتجتهد بهذه الطرق في اقناعهم بالقيم الدينية (26)

هذا ولأجل تحقيق التهذيب الديني لابد أن يناط أمره الى رجال الدين الذين يقومون بالوعظ والارشاد والدعوة الى التمسك بتعاليم الدين، ويجب أن يحسن اختيار رجال الدين الذين يقومون بالتهذيب داخل المؤسسة العقابية حتى يكونوا قدوة حسنة للنزلاء (27)، وذلك أن الواعظ الديني الذي يبث تعاليم الدين بين النزلاء تعد مهمته من أبلغ اساليب تهذيب النفوس، اذ هو يوصي النزلاء بالابتعاد عن كافة الأفعال المستهجنة، ولأجل أن يحدث الوعظ أثره لابد من أن يتولى رجال الدين الذين يتوافر لديهم العلم الكافي بقواعد الدين ويكون على درجة من الخبرة والدراية التي تمكنهم من التعامل مع النزلاء بحيث يستطيعوا كسب ثقتهم واكتشاف مختلف المشاكل التي تصادفهم ومساعدتهم على حلها على الوجه السليم، ويقتضي ذلك حصوله على مؤهل دراسي يثبت ذلك، وكذلك يجب أن يكونوا على علم بظروف المحكوم عليهم والعوامل التي دفعتهم للسلوك الاجرامي، وأن ذلك يتطلب دراسة المجتمع السجن والماما بأسباب الأجرام، والأكثر من ذلك يذهب الاتجاه الحديث الى أنه ينبغي أن يلم رجل الدين بالأصول الأولى في علم النفس وطب الأمراض العقلية، وان يحرص على قيام تعاون وثيق بينه وبين الفنيين في المؤسسة العقابية وينسق جهوده مع جهودهم كی تسير جميعا في سبيل تحقيق الأغراض التي تستهدفها العقوبة السالبة للحرية، وفضلا عن ذلك يجب أن تتوافر لديهم الاحاطة بأغراض التنفيذ العقابي حتى يمكنهم من اداء رسالتهم على الوجه المطلوب.

هذا ويتم التهذيب الديني عن طريق القاء المحاضرات والدروس حول العقائد الدينية ومعرفة الله تعالى والتذكير بالأنبياء والرسل وسننهم والأحاديث والعبادات والقيم الأخلاقية التي تعزز الفضائل في النفوس والتي تساعد الأفراد على تحقيق سعادتهم الدنيوية كمواطنين صالحين مشتركين في بناء المجتمع مع الحث على صدق المعاملة وحسن المعاشرة والتعاون بين الأفراد، وقد يلجا الواعظ الى مناقشة النزلاء في موضوعات متعددة تتعلق بمهمته ويحاول من خلال ذلك اقناعهم بالاتجاهات السليمة التي يلزم اتباعها، وقد يتطلب الأمر لقاءا فردية بين الواعظ وبين النزلاء كل منهم على حدة حتى يتسنى له الألمام بمختلف مشاكل النزيل ويساعده على حلها(28) كما على المؤسسة العقابية أن تشجع النزلاء على القيام بفرائضهم الدينية وان تیسر الهم اداءها، ومن الملاحظ أنه في بعض النظم العقابية يكلف رجل الدين باعداد تقارير عن المحكوم عليه وتحديد مقتضيات تأهيله، وقد يكلف بالمساهمة في التدريس، وقد تعهد اليه بتنظيم المكتبة، ولهذا التكليف ما يبرره باعتبار أن المكتبة ينبغي أن تتضمن كتبا دينية يستعان بها في التهذيب الديني(29)، ولأجل نجاح رجل الدين في عمله يقتضي أن يعترف له بوضعه الحقيقي في المؤسسة العقابية بكونه رئيس الإدارة الدينية فيها، ومن ثم ينبغي أن يكون مستواه في درجة رؤوساء الإدارات في المؤسسة، كما ينبغي أن تخصص له غرفة أو أكثر في المؤسسة يقابل فيها المحكوم عليهم على نحو تتوافر فيه السرية، على أن اختصاصه الديني يشمل كذلك العاملين في المؤسسة العقابية وبذلك يجب أن يعترفوا له بمقامه الديني (30)

وبخصوص ما تقدم فقد نصت القاعدة (41) من مجموعة قواعد الحد الأدنى على انه (1- اذا كان بالمؤسسة عدد كاف من المسجونين ينتمون لديانة واحدة فيجب تعيين او انتداب ممثل لتلك الديانة، على أن تتخذ الإجراءات لأدائه لمهمته الدينية على اساس تفرغه لها متى سمحت الظروف وكان عدد المسجونين من الكثرة التي تبرر ذلك. 2- يجب أن يسمح للممثل المؤهل المعين او المنتدب طبقا للفقرة الأولى بتنظيم خدمات دينية منتظمة والقيام بزيارة المسجونين من ابناء ديانته على انفراد في الأوقات المناسبة. 3- يجب ان لا يمنع أي مسجون من حق الاتصال بممثل مؤهل لأي دين من الأديان، ومن ناحية أخرى اذا اعترض أي مسجون على زيارة أي ممثل ديني فيجب احترام مشيئته احتراما كاملا)(31).

كما نصت القاعدة (42) على أنه يجب أن يسمح لكل مسجون باشباع متطلبات حياته الدينية على قدر المستطاع عملية وذلك عن طريق حضور الخدمات الدينية التي تنظم في المؤسسة وحيازته لكتب التعليم والارشاد الديني الخاصة بمذهبه). أما المشرع العراقي سبق وان اشار في م (1 ف 12) من قانون السجون الى تعيين الواعظ الذي يشترط فيه أن يكون حائزا على بكالوريوس في الشريعة او ما يعادلها وأنه يقوم بالواجبات الدينية والارشاد الديني. وعلى أساس هذا النص كان يوجد في كل س جن مسجد وكان رجل الدين مسؤول عن تنظيم اللقاءات الدينية ويتم التثقيف الديني باعتبار ان الوازع الديني ضروري لأجتثاث جذور الأنحراف (32)، وقد تأكد هذا الأمر لاحقا في قانون المؤسسة العامة للاصلاح الاجتماعي حيث نصت م (27) منه على انه يلتزم رئيس المؤسسة بأن يعين عددا من الوعاظ الدينيين والمدربين المهنيين في قسم الاصلاح الاجتماعي ممن تتوفر فيهم المؤهلات اللازمة وذلك حسب مقتضيات الحاجة).

2 - التهذيب الأخلاقي: لأجل أن يحقق التعليم هدفه في التأهيل لابد من أن يضاف اليه عنصر آخر الا وهو التربية والتهذيب وحسن التوجيه، فالتعليم لا يفيد من الناحية الأخلاقية فيما اذا اقتصر على اعطاء معلومات، بل يجب أن يلاحظ فيه التهذيب الخلقي والتربية النفسية بأنه يتجه نحو تكوين شخصية سليمة حتى يبعد الفرد عن الرذيلة والسلوك الاجتماعي، وبذلك فالتهذيب الأخلاقي يعني ابراز القيم الأخلاقية للمحكوم عليه واقناعه بها وتدريبه على ان يستمد منها معايير السلوك في المجتمع ثم يلتزم بها (33). وبعبارة أخرى يعني تلقين النزيل بالمبادئ والقيم الحميدة بحيث تؤدي القناعة بها الى التمسك بالفضائل والابتعاد عن الجريمة، ويعتمد التهذيب الأخلاقي على قواعد علم الأخلاق. وللتهذيب الأخلاقي اهميته بالنسبة للمحكوم عليهم الذين لا يحتل الدين في نفوسهم مكانه الطبيعي، وكذلك بالنسبة لمن يسيطر الوازع الديني عليهم، اذ يسير مع التهذيب الديني جنبا الى جنب فيدعم كل منهما تأثير الأخر. ولكن يجب أن يصار الى التأكيد على التهذيب الديني قبل الاهتمام بالتهذيب الأخلاقي خاصة بالنسبة للدول العربية، حيث تدين بالدين الاسلامي، لأن الدين الاسلامي يدعو الى مكارم الأخلاق (34)، حيث يقول الرسول الكريم محمد (صلی الله عليه وآله وسلم) (ان احسن المؤمنين ايمانا أكملهم أخلاقا). أن التهذيب الأخلاقي يعد من متطلبات برامج التنفيذ العقابي التي تهدف الى تغيير شخصية النزيل حتى يتمكن من العيش والعمل والتكيف مع مقتضيات المؤسسة والحياة الاجتماعية بعد اطلاق سراحه، لذا يجب مساعدة النزيل على فهم مشاكله والتغلب على النزعات المختلفة التي دفعته للسلوك الاجرامي، وهذا يتطلب كمرحلة اولى فهما لشخصية النزيل ومعرفة القيم المسيطره عليه في سلوكه، وأحاطته بالعوامل التي هيأت للدوافع الذاتية للتغلب على الروادع الاجتماعية وكذلك محاولة التغلب على عناد المحكوم عليه ومقاومته للجهود التهذيبية ورسم برنامج تهذيبي له، وفي المرحلة التالية يوجه النزيل الى كيفية حل مشاكله واحترام القانون والنظام والی معرفة واجباته الاجتماعية قبل نفسه وعائلته والمجتمع وأهمية ادائها على الوجه المطلوب وينمي لديه ارادة مقاومة النوازع الإجرامية، ويخلق لديه التوازن والاستقرار النفسي اللذين يباعدان بينه وبين سبيل الاجرام(35). لذا يمكن بث الفضيلة والقيم الأخلاقية في نفوس النزلاء مما يدفعهم الى السلوك المشروع ويجنبهم الاقدام على الأفعال غير المشروعة (36).

هذا ويقوم التهذيب الأخلاقي على تقصي الأسباب التي حالت دون وجود القيم ذات الطابع الاجتماعي القانوني، والتذرع بالأساليب التي من شأنها معالجة هذه الأسباب، فاذا الم المهذب باسباب تخلف القيم الأخلاقية تكشف له حينها طريق التهذيب و هو مزودج: اما ازالة سبب التخلف، واما تحقیق تعادل معه بخلق عوامل اخلاقية تواجههه.

وكان مفهوم التهذيب الأخلاقي يستند في الدول الغربية على نظرية التوبة الدينية المعروفة في الديانة المسيحية، ولتحقيق ذلك يترك النزيل لوحده لكي يتأمل ويندم على ما فعل، ولكن التجربة أكدت فشل هذه الطريقة، لهذا فأنه لا سبيل إلى التهذيب دون مساعدة تقدم الى النزيل من قبل الأخصائيين النفسانيين والاجتماعيين عن طريق الأتصال المباشر أو عن طريق الاجتماعات الدورية المنظمة لجماعة من النزلاء (37)، وتنظم وفقا لأسباب فنية(38)، اذا يجب أن يتولى مهمة التهذيب الخلقي اخصائيين لديهم معرفة خاصة بقواعد علم النفس لأجل فهم شخصية النزيل والعمل على اكتساب ثقته، كما يلزمهم الإلمام بقواعد الأخلاق والقانون والعلوم الاجتماعية بصفة عامة حتى يتسنى لهم توجيه النزيل في تصرفاته بما يتفق مع الأغراض التي تهدف اليها السياسة العقابية الحديثة، كما يجب أن تكون لديهم الخبرة والدراية وسعة التفكير الاجتماعي حتى ينجو في مهمتهم، وفضلا عن ذلك يتعين أن يكونوا على دراية بخصائص مجتمع السجن، وأن يكونوا ذا قوة امتناعية وقدرة على كسب ثقة المحكوم عليهم، ويتعين في النهاية أن يكون سلوكهم قدوة حسنة للمحكوم عليهم.

أما وسيلة التهذيب الخلقي فتتم عن طريق اللقاء الفردي بين الأخصائي و النزيل في أوقات مختلفة كاثناء التدريب المهني أو القراءة أو مزاولة الألعاب الرياضية أو تمضية أوقات الفراغ في أوجه أخرى، وقد يخصص لذلك مواعيد معينة، كما قد يتم هذا التهذيب عن طريق عقد اجتماعات لعدد من النزلاء يحضرها الأخصائي ويعرض عليهم بعض الموضوعات للمناقشة التي يديرها ويوجهها، أو تتم فيما بين المحكوم عليهم أنفسهم وتحت رقابة المهذب. وأخيرا يتعين أن يتبع المهذب في عمله بعض قواعد يقتضيها حسن ادائه له، بل تفرضها في بعض الأحيان طبيعة الوظيفة التهذيبية، فيتعين أن يعترف بالأختلاف بين المحكوم عليهم في شخصياتهم ووسائل تهذيب كل منهم فيجعل بذلك التفريد من أسس عمله، ويتعين أن يحترم شخصية المحكوم عليه فيقر له بإمكانياته ومواهبه ويتجه الى تهذيبها ثم تنميتها، كما ينبغي أن يكون التهذيب واقعيا، فلا يغفل عن المصاعب والعقبات التي تعترضه، ولا يقلل من شان العوامل التي تقف دون التأهيل، ويتعين في النهاية أن يقوم التهذيب على اساس من الشرف والأخلاص، فلا يطالب المهذب المحكوم عليه بما لايكون مقتنعا به، ويعني ذلك عدم جواز المبالغة فيما يلقنه له من قيم .

________________

1- في هذا الخصوص نص قانون التنفيذ العقابي في ولاية نيوورك لعام 1802 على جواز تسليم كل محكوم عليه انجيلا لمساعدته على التدريب على القراءة، وفي عام 1847 تقرر قانون تعيين المدرسين في المؤسسات العقابية في بعض الولايات المتحدة الأمريكية وبدا ذلك في كل من س جن (أو برن) وسجن ( سنج سنج).

2- نص قانون السجون المصري في م (28) منه على ان تقوم إدارة السجن بتعليم المسجونين مع مراعاة السن ومدى الاستعداد ومدة العقوبة).

3-Price chenault, Education, in contemporary correction, edited by Tappan, p.226.

4-CAROL DALGLISH: basic education for offenders international Journal of offender therapy and comparative criminology- Vol. 23- No.3- 1979. P.240.

5- هناك اتجاه فقهی يری بانه لا يجوز أن يرتفع تعليم المحكوم عليه عن المستوى العام السائد في بيئته، اذ يجعل ذلك اندماجه فيها. عقب الافراج عسيرة. في تفصيل ذلك ينظر: د. محمود نجيب حسني- مرجع سابق، ص 381.

6-Price chenault: opcit, p. 225.                                                                        

7-CAROL DALGLISH: opcit., p.242.                                                       

8-Methods moderns: opcit, p. 135.                                                      

9- أكدت القوانين العربية على ضرورة الاهتمام بالتعليم الأساسي بالنسبة للنزلاء الذين يجهلون القراءة في المؤسسات الاصلاحية، ونصت م (119) من نظام السجون والتوقيف السعودي على ان التدريب اجباري بالنسبة للنزلاء الأميين لمن لم يبلغ (40) سنة، ونصت م (37) من قانون السجون الليبي على أن التعليم الزامي للأميين من النزلاء، ونصت م (29) من قانون السجون المصري على وضع منهج الدراسة للرجال والنساء .

10- في الولايات المتحدة الأمريكية يسمح للنزلاء في غالبية السجون بالاشتراك في الدراسة بالمراسلة  وافساح المجال لهم بالمطالعة خلال ساعات الليل. ينظر: سنرلاند- مرجع سابق، ص 708.

11- chenault: opcit., p. 234,                                                                             

12- في هذا السياق اشارت م (41) من قانون السجون الليبي الى منح مكافأة مالية تشجيعية لمن يحصل على احدى الشهادات العامة، أو الجامعة أو العليا، كذلك بينت م (82) من لائحة السجون السوداني وم (30) من قانون تنظيم السجون المصري ضرورة السماح بمواصلة الدراسة للنزلاء الذين يرغبون بذلك وكذلك نصت كل من م (104) من قانون السجون الجزائري وم (32) من قانون السجون المصري وم (450) من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي على أنه يسمح بالحصول على التعليم العالي .

13- chenault: opcit., p. 227                                                                              

14- The Treatment of offenders in Britain, P. 17.                                   

15-chenault: opcit., p. 235,                                                                 

16- نصت اغلب القوانين العربية على ضرورة وجود مكتبة في كل مؤسسة عقابية منها لآئحة السجون السوداني م (81) منها ونظام السجون السوري م (117) منه، وقانون السجون الجزائري م (98) منه، وقانون السجون الليبي م (39) منه وقانون تنظيم اللبناني م (17) منه وقانون تنظيم السجون المصري م (30) منه .

17- لم يعد لتلك الكتب اي وجود بسبب الدمار الذي طال العراق في مختلف بناه التحتية ومؤسساته الاقتصادية والثقافية نتيجة احتلال العراق من قبل قوات التحالف. عام 2003 وسقوط النظام السابق.

18- ان اقدم صحيفة اصدرها سجن هي صحيفة أطلق عليها اسم (The summary) أصدرتها مؤسسة (Elmira) الأمريكية سنة 1883، ومن الصحف المشهورة صحيفة صدرت اثناء الحرب العالمية الأولى عن أحد السجون البلجيكية أطلق عليها اسم (Leffort vers le bien) ينظر: د. محمود نجيب حسني علم العقاب- مرجع سابق، ص 392 هامش.

19- محمود ابراهيم اسماعيل التثقيف الديني والتهذيب الخلقي كوسيلة لمكافحة الأجرام - مجموعة أعمال حلقة دراسات الشرق الأوسط لمكافحة الجريمة ومعاملة المسجونين- 1953- ص  268  .

 20- د حسن ابراهيم عبد العال - أثر التربية الاسلامية في الحد من الجريمة. رسالة الخارج العربي. س 5- ع14۔ 1980  ص 37.  

21- محمود ابراهیم اسماعيل. المرجع السابق، ص269/الاستاذ يس الرفاعي. معاملة المسجونين من الناحية التطبيقية في السجون – بلا تاريخ ودار نشر  ص60.

22- د. محمود نجيب حسني- علم العقاب۔ دار النهضة العربية. القاهرة. 1967 ، ص 397.

23- Gillin: opcit., P. 449.                                   

24- Jean pinatel: chronique penitentiaire, Revue de science crim, 1952- p.252.

25- الأستاذ يس الرفاعي معاملة المسجونين من الناحية التطبيقية في السجون – بلا تاريخ ودار نشر ، ص 60

26-Methods moderns: opcit, p. 135

27- د. محمد خلف مبادئ علم العقاب۔ ط2- مطابع دار الحقيقة بنغازي- 1977  ، ص 22.

28-Fredrick Cikuether: Religion and the champlain in contemporary correction, edited by paul w.Tappan, p.258.

29- Gullin: opcit., p.449

30- الاستاذ يس الرفاعي: الإصلاح المعاصر وسجن القاهرة العمومي-  ص566.

31- في هذا الخصوص اشارت م (42) من قانون السجون الليبي الى تعيين واعظ ديني أو أكثر في كل مؤسسة، واشارت م (95 و 96) من قانون السجون الجزائري الى ضرورة انشاء مصلحة للتربية الدينية لدى مؤسسات السجون وكذلك ضرورة تعيين رجال الدين، كما نصت م (118) من نظام السجون السوري على تعيين رجال دين من قبل وزير الداخلية لكل سجن ولكل ديانه. واشارت م (56) من قانون السجون اللبناني الى الأحكام الخاصة بالخدمة المدنية، اما قانون السجون المصري فقد أكد في م (32). منه على موضوع التهذيب الديني.

32- كريم محمد حمزه وسعدي شاكر حمودي- دراسة واقع المؤسسات العقابية في الجمهورية العراقية. بحث مقدم الى المؤتمر الدولي الرابع المنعقد في بغداد. 1973- ج 3  ص178.

33- د. محود نجيب حسني- مرجع سابق، ص405.

34- محمود ابراهيم اسماعيل التثقيف الديني والتهذيب الخلقي كوسيلة لمكافحة الأجرام - مجموعة أعمال حلقة دراسات الشرق الأوسط لمكافحة الجريمة ومعاملة المسجونين- 1953 ، ص 310.

35-Cermain: opcit, P. 82

36- أكد المشرع الجزائري في م (84) من قانون السجون على ضرورة رفع مستوى المسجونين الأخلاقي  .

37- د. يسر انور على ود. أمال عبد الرحيم عثمان۔ علم الاجرام و علم العقاب۔ دار النهضة العربية – القاهرة 1972 ص 449.

38-Cermain: opcit, P. 81

 

 

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+