المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دقة حيل الشيطان وردها
2024-05-25
مراتب العجب
2024-05-25
حبّ الدنيا
2024-05-25
معنى العجب
2024-05-25
من مفاسد حبّ الدنيا
2024-05-25
أسباب حبّ الدنيا
2024-05-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


البحث حول كتاب فقه الرضا (عليه السلام).  
  
1990   04:38 مساءً   التاريخ: 23/11/2022
المؤلف : الشيخ محمد طالب يحيى آل الفقيه
الكتاب أو المصدر : سدرة الكمال في علم الرجال
الجزء والصفحة : ص 197 ـ 208.
القسم : الرجال و الحديث والتراجم / علم الرجال / مقالات متفرقة في علم الرجال /

اختلفت كلات المحقّقين حول كتاب فقه الرضا (عليه السلام) وأنّه للإمام الرضا (عليه السلام) أو لغيره حتى وصلت الأقوال إلى ثمانية، فمنهم من أسنده للإمام (عليه السلام)، ومنهم من قال: إنّه لأحد ولده، وذهب آخرون إلى أنّه عين كتاب الشرائع لوالد الصدوق، أي: لعلي بن الحسين بن بابويه القمّي، ومنهم من قال: إنّه كتاب التكليف للشلمغانيّ، بل ذهب بعضهم إلى أنّه موضوع على الإمام الرضا (عليه السلام) وقد نُسِبَ إليه تضليلا، وأهمّ الأقوال في المسألة التي ينبغي البحث عنها أقوال ثلاثة وذلك لوضوح بطلان الأقوال الأخرى عندنا، وهي: كون الكتاب للرضا (عليه السلام) أم أنّه كتاب الشرائع لابن بابويه الأب، أم أنّه كتاب الشلمغاني، وقبل بيان الحقّ في المسألة لا بدّ من التنبيه على أمور لتتضح بذلك:

التنبيه الأول: اعلم أنّ كتاب فقه الرضا (عليه السلام) لم يكن معروفاً قبل زمن المجلسيَّين الشيخ محمّد تقي وولده صاحب البحار الشيخ محمد باقر، بل عرف في زمنهما بعدما أتى به من مكّة المكرّمة السيد أمير حسين القاضي إلى أصفهان، فتلقاه المجلسيَّان بالقبول، ومن بعدهما شاع ذكره، فمنهم من تلقّاه بالقبول ومنهم من أنكره، كصاحب الوسائل في زمنهم.

التنبيه الثاني: إنّ كتاب شرائع ابن بابویه وكتاب التكليف للشلمغانيّ لم يصلا إلينا لنقارن ما بين الموجود من كتاب فقه الرضا (عليه السلام) وذينك الكتابين، نعم هناك قرائن ستأتي معنا يمكن معها إثبات كون فقه الرضا هو أحد الكتابين فانتظر.

التنبيه الثالث: إنّ الموجود من نسخة فقه الرضا (عليه السلام) والتي تولّت طباعتها مؤسسة آل البيت (عليه السلام) هو خصوص المنسوب للإمام الرضا (عليه السلام)، لكن الوجادة التي وصلت إلى المجلسيَّين كان متصلا بآخرها كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، ولكن للأسف فإنّ المؤسسة طبعت خصوص الكتاب المنسوب للرضا (عليه السلام) ولم تُلحِق به كتاب النوادر - كما وجد - ولهذا أثر في البحث، إذ قَبِلَ صاحب الوسائل النوادر ونقل عنه في وسائله وأعرض عن فقه الرضا.

بيان الأقوال وأدلتها:

القول الأول: هو ما ذهب إليه المجلسيّان والسيد أمير حسين القاضي والسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض وكذا صاحب مفاتيح الأصول وصاحب الحدائق وغيرهم وقالوا: إنّ الموجود بين أيدينا هو كتاب الإمام الرضا (عليه السلام) ورتّبوا على ذلك آثاراً.

قال العلّامة المجلسي في مقدمة كتابه البحار: "وكتاب فقه الرضا (عليه السلام) أخبرني به السيد الفاضل المحدّث القاضي أمير حسين - طاب ثراه - بعدما ورد أصفهان، قال: قد اتفق في بعض سنيّ مجاورتي لبيت الله الحرام أن أتاني جماعة من أهل قم حاجّين، وكان معهم كتاب قديم يوافق تاريخه عصر الرضا (صلوات الله عليه) ، وسمعت الوالد (رحمه الله) أنّه قال: سمعت السيد يقول: كان عليه خطه (صلوات الله عليه)، وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء، وقال السيد: حصل لي العلم بتلك القرائن أنّه تأليف الإمام (عليه السلام)، فأخذت الكتاب و كتبته وصحّحته، فأخذ والدي هذا الكتاب من السيد واستنسخه وصحّحه، وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر بن بابویه في كتاب من لا يحضره الفقيه من غير سند، وما يذكره والده في رسالته إليه، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه" (1).

وقد تبيّن لك أنّ ما أيّدوا به قولهم أنّه كتاب الرضا (عليه السلام)، هو:

أولا: كون الكتاب قديماً يوافق زمنه زمن الرضا (عليه السلام).

ثانيا: أنّ خط الإمام (عليه السلام) كان على الكتاب

ثالثا: وجود إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء مكتوبة عليه.

رابعا: اعتماد الصدوق ووالده عليه، بل والأصحاب أيضا فإنّ كثيرا من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه.

وقال المحدّث النوري (رحمه الله): "وكان في عدّة مواضع خط الإمام الرضا (عليه السلام) وإنّي أشرت إليه ورسمت صورة خطه (عليه السلام) على ما رسمه القاضي".

وممّا يؤيّد صحّة نسخة السيد القاضي وأنّها ليست موضوعة على الإمام (عليه السلام) وجود عدّة نسخ مشابهة لها، فمنها ما وجد بمكة المكرمة عند السيد علي خان، ومنها ما وجد في الكتب الموقوفة على الخزانة الرضويّة، ومنها ما جيء بها من الهند.

قال في المستدرك: "ونقل المحقق المجلسي في إجازات البحار صورة إجازة الأمير صدر الدين - للسيد الفاضل علي بن القاسم الحسيني اليزدي، وهي إجازة لطيفة حسنة ومنها بعد ذكر سنده المعنعن بالآباء - قال: ثم إنّ أحمد السكين جدّي صحب الإمام الرضا (عليه السلام) من لدن كان بالمدينة إلى أن أُشخص تلقاء خراسان - عشر سنين - فأخذ منه العلم، وإجازته (عليه السلام) عندي، فأحمد يروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا الإسناد أنفرد به لا يُشركني فيه أحد وقد خصّني الله تعالى بذلك والحمد لله.

ومن جميع ذلك يظهر أنّ أمارات الوثوق والاعتماد على هذه النسخة المكيّة أزيد من النسخة القميّة فلاحظ وتأمل"(2)، وهذه هي النسخة الثانية من نسخ فقه الرضا.

وقال صاحب الدرة المنظومة: "ذكر أنّه وجد في الكتب الموقوفة على الخزانة الرضويّة على مشرفها آلاف التحية والثناء نسخة من هذا الكتاب كان مكتوبة عليها أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) الضامن صنّف هذا الكتاب لمحمد بن سكين وأنّ أصل النسخة وجدت في مكّة المشرّفة بخط الإمام وكانت بالخط الكوفيّ فنقله المولى المحدّث الميرزا محمد إلى الخط المعروف"(3)، وهذه النسخة الثالثة من نسخ الفقه المذكور.

فهذه إذن نسخ ثلاث يؤيّد بعضها بعضا، قميّة ومكيّة ورضويّة.

خامسا: العبارات المتكرّرة الكاشفة عن كونه للرضا (عليه السلام) مثل ما ذكر في ديباجة الكتاب يقول عبد الله علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، أمّا بعد ..." (4).

ومنها: "وهذا ممّا نداوم به نحن معاشر أهل البيت (عليهم السلام)" (5).

ومنها: "وليلة تسع عشرة من شهر رمضان، هي الليلة التي ضرب فيها جدنا أمير المؤمنين (عليه السلام)" (6).

وغيرها من العبارات التي تشبه مثل هذه التعبيرات والتي استدلّ بها على كون الكتاب من تدوين الرضا (عليه السلام)، إذ أنّ هذه التعبيرات تكشف عن كون الكاتب هو الإمام (عليه السلام)، هذا غاية ما استدلّ به القائلون بكون الكتاب للرضا (عليه السلام).

وقد أجاب النافون أولا بالنقض على ما ذكر من أدلّة، وثانيا بالأدلة النافية.

جواب الدليل الأول: أنّ موافقة زمنه زمن الرضا (عليه السلام) لا يعني أنّه للرضا (عليه السلام) خاصّة وأنّ زمن الرضا (عليه السلام) قريب من زمن تدوين الفقه المتلقّى الذي بدأ به والد الصدوق، ما يعني أنّ احتمال كونه لوالد الصدوق علي بن الحسين أو من هو في زمنه من الفقهاء ممكن جداً وذلك لوحدة الأسلوب والطريقة.

الجواب عن الثاني: أنّ ادعاء كون خط الإمام (عليه السلام) على الكتاب يحتاج إلى إثبات، إذ أنّ هذه الدعوى مصدرها على نحو الانفراد هو السيّد أمير حسين القاضي وهو بدوره أخبر الميرزا التقي، ومن بعده انتشرت الدعوى، والذي يقال: إنّه كيف أمكن للسيد المذكور أن يعلم أنّ الخط هو خط الرضا (عليه السلام) وكيف استطاع تمييزه عن غيره، وادّعاؤه ذاك مجرد تخمين مبتنٍ على الحدس والاجتهاد، وهو الذي صرّح بذلك بقوله: "حصل لي العلم بتلك القرائن أنّه تأليف الرضا (عليه السلام)" إذن الأمر حدسيّ اجتهاديّ، وبذلك لا تثبت أحكام الله.

الجواب عن الثالث: أنّ وجود إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء عليه لا يساوق كون الكتاب للإمام (عليه السلام) إذ أنّ كثيراً من الكتب السابقة كانت تحتوي على إجازات العلماء كما يظهر ذلك للمتتبّع.

الجواب عن الرابع: أنّ اعتماد الصدوق ووالده عليه لا يعني أنّه للرضا (عليه السلام) فقد اعتمدا عليه وعلى غيره، بل لو كان هذا الكتاب باعتقادهما أنّه للرضا (عليهما السلام) لم يكن من داعٍ بعد إلى أن يعتمدا على غيره، خاصّة مع شمول هذا الكتاب واستيعابه لمعظم الكتب الفقهيّة - أي: الصلاة والزكاة، الحج وغيرها - هذا كله من جهة. وأمّا من جهة أخرى فلعلّ الاعتماد عليه... يظهر كون الكتاب هذا هو كتاب الشرائع لوالد الصدوق والذي فُقِدَ ولم يصل إلينا، ولهذا كان الاعتماد عليه من قبل الصدوق، بل لو كان للرضا (عليه السلام) لصرّح الصدوقان بذلك، بل...إنّ الصدوق صرّح بأنّ الكتاب هذا هو لوالده وذلك في ديباجة كتابه الفقيه، أضف إلى كل ذلك بأنّ الصدوق لم يعتمد عليه كليّا، وإنّما خالفه في كثير من الموارد، كمسألة المتعة، ونسيان مسح القدمين بالوضوء، ووقوع النجاسة في الماء، وجواز استعماله مع عدم غيره وهكذا، فادّعاء الاعتماد في غير محلّه.

الجواب عن الخامس: أمّا عبارة ديباجة الكتاب أي "يقول عبد الله علي بن موسى الرضا" ففيها أولا: أنّ الكتاب وصل إلى أصفهان ما يقارب عام 1050م للهجرة النبوية، وزمن الإمام الرضا (عليه السلام) يقارب سنة 200 للهجرة، ما يعني أنّ الكتاب فُقِدَ أكثر من ثمانمائة وخمسين سنة، ألا يحتمل مع ذلك وجود الزيادة والنقيصة؟ خاصّة على القول بأنّ الكتاب لوالد الصدوق واسمه أيضا عبد الله علي بن موسى" حيث يعرف بجده كما هو دأب القدماء كثيراً.

ألا يحتمل أنّ الناقل كان يظنّ أنّ الكتاب للرضا (عليه السلام) فنسبه إليه؟ ألا يحتمل أنّ الناقل كان من عوام الناس؟ لكنّه مجرّد صحّاف كابن النديم الذي كان ينقل كتب الأصحاب، وهكذا يمكن أن تتكاثر الاحتمالات بهذه الوجادة ما يسقط معه الاطمئنان بكونه للرضا (عليه السلام).

ثانيا: وممّا يؤيد ذلك قوله بعد تلك العبارة "ونروي عن بعض العلماء (عليه السلام) أنّه قال في تفسير هذه الآية: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] ما جزاء من أنعم الله عليه بالمعرفة إلا الجنّة، وأروي أن المعرفة.. " فهل ترى أنّ هذه تعبيرات الإمام الرضا (عليه السلام) بقوله نروي وأروي، فإنّا لم نعهد مثل هذا التعبير عنه (عليه السلام)، خاصّة مع تكرارها في هذا الكتاب ...

وأمّا بقيّة ما ذُكر من أمثلة فإنّها بأجمعها روايات ينقلها صاحب الكتاب عن الإمام (عليه السلام) مرسلة، فظنّ بعضهم أنّه ينقلها على نحو المباشرة، هذا كلّه في الجواب على الاستدلالات الخمسة.

وأمّا نسخة المكتبة الرضوية فإنّها منقولة من نسخة مكّة المشرفة وليست مغايرة لها كما صرّح الناقل بذلك، وأمّا نسخة السيد علي خان فإنّا لا نعلم أنّ ديباجتها على نهج ديباجة المجلسي، إذ الواصل إلينا خصوص نسخة المجلسيّ لا غير.

وتتميما للفائدة نبيّن أدلّة النافين:

الأول: كون الكتاب وجادة كما تبيّن لك، إذ أنّ الكتاب فُقِدَ لأكثر من ثمانمائة عام ومن ثَمَّ وُجِدَ، ولم يُعلَم له طريق أصلا إلى صاحبه، أمّا قطع السيد أمير حسين القاضي من خلال القرائن بأنّ الكتاب للرضا (عليه السلام) فإنّه حجة عليه دون غيره.

الثاني: أنّ طريقة تصنيف الكتاب تشبه طريقة المصنّفين في التقسيم والبيان وبعيدة عن أسلوب المعصومين (عليهم السلام) في البيان.

الثالث: أنّا وبعد تتبّعنا لم نرَ أحداً من القدماء قد صرّح بأنّ للرضا (عليه السلام) كتابا فقهيّاً جامعاً مانعاً لأفراد المسائل مع حرصهم على ذلك، خاصة صاحب رجال النجاشي والفهرست، فإنّ غايتهما في الكتابين - على ما صرّحا في مقدمة كتابيهما - هي ذكر مصنّفات وأصول الأصحاب، فلو كان للإمام الرضا (عليه السلام) وبخط يده الشريفة كتاب لذكراه، بل لكان أولى بالذكر من غيره!

الرابع: أنّ من راجع الكتاب يرى ومن بدايته قوله: "روي عن العالم أو نروي أو تروي أو قيل أو قد نروي أو قد قيل" وهكذا تكرارا ومرارا، وهذا التعبير لم يعهد من المعصوم (عليه السلام)، بل يبعد البعد عن طريقتهم في بيان الأحكام.

الخامس: مخالفة كثير من أحكامه فتوى الأصحاب، منها "وجوب غسل الإحرام"(7) أو قوله: "ونهي عن المتعة في الحضر، ولمن كان له مقدرة على الأزواج والسراري، إنّما المتعة نكاح الضرورة للمضطرّ الذي لا يقدر على النكاح" (8).

أو قوله: "وعن الرجل صلى الظهر والعصر فأحدث حين جلس في الرابعة قال (عليه السلام): فلا يعيد صلاته، وإن لم يتشهّد قبل أن يحدث فليُعد"(9) إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع أنّ الفتوى بالصحّة وعدمها تدور مدار التسليم لا التشهّد.

أو قوله: "وإن غسلت قدميك ونسيت المسح عليها فإنّ ذلك يجزيك لأنّك قد أتيت بأكثر ما عليك" (10).

أو قوله: "وإذا سقطت النجاسة في الإناء لم يجز استعماله، وإن لم يتغيّر لونه أو طعمه أو رائحته مع وجود غيره، فإن لم يوجد غيره استعمل..." (11) وغير ذلك من الأحكام المذكورة المخالفة لإجماع أهل الفتيا في المذهب الحق.

السادس: كثيرا ما ترى في الكتاب الرواية عن بعض الرواة من أصحاب المعصومين (عليه السلام) وذلك كقوله: "وقد روى أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه من صلى صلاة جعفر (عليه السلام) كل يوم لا يكتب عليه السيئات"(12) وكما نقل بعضهم أنّه روى في الكتاب أيضا عن فضالة وعلي بن النعمان وصفوان بن يحيى وابن أبي عمير وغيرهم.

السابع: نقول: إنّ المعصومين (عليهم السلام) تعمّدوا عدم تأليف كتاب كافٍ وافٍ لشيعتهم وإلا لاعتمد الإماميّون حينها على الكتاب دون الفقهاء، ولضاع شأنهم في رعاية شيعتهم، ولانقرضت بذلك الحوزات العلمية، ولاقتصرت فائدة العلماء على الأمور الحسبية خاصّة دون الفقهيّة، وهذا ما يوجب تشتّت الفرقة المحقّة، ولذا نرى أنّ الحوزات العلمية والفقهاء على مرّ التاريخ هم الذين حفظوا التشيع بعد المعصومين (عليهم السلام)، فتأليف الكتاب خلاف غرضهم، لذا لم نجد أحدا من المعصومين (عليه السلام) فعل ذلك وألّف كتاباً شاملاً لمعظم الأبواب الفقهيّة مع أنّه كان بالإمكان ذلك، كيف وإن كتب الأصحاب في زمن المعصومين (عليهم السلام) قد وصلت إلينا فما بالك بالإمام (عليه السلام) لو أراد!

بل لو أرادوا (عليه السلام) لأوصلوا إلينا كتاب الجامعة وهو كتاب رسول الله الذي أملاه على علي (عليه السلام) فلِمَ أبقاه المعصوم مكتوماً وهو كتاب جامع مانع كما بيّنت الأخبار؟! ومن كل هذا يُعلَم على نحو اليقين أنّ الكتاب الموسوم بفقه الرضا ليس للرضا (عليه السلام).

القول الثاني: وهو مقالة من قال: إنّه كتاب علي بن بابویه والمعروف بكتاب الشرائع، وقد يستدلّ لذلك أولا: بأنّ ما نقله الصدوق في الفقيه عن أبيه موجود بلفظه في فقه الرضا، نعم الخطاب هناك "اعلم يا بنيّ" بينما هنا "اعلم" وذلك عند بداية كل مطلب، فإنّ التطابق ما بين الفقيه والفقه المعهود دليل وحدة الكتابين.

ثانيا: قد صرّح الصدوق في ديباجة الفقيه بأنّ أباه قد ألّف رسالة له وكانت مورد اعتماده وقبوله، قال في مقدمة الفقيه: "وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستانيّ وكتاب عبيد الله بن علي الحلبيّ... ورسالة أبي رضي الله عنه إليّ وغيرها" (13).

والرسالة التي ألّفها الأب ونقل عنها الصدوق في كتابه الفقيه هي عين كتاب فقه الرضا الموجود بين أيدينا بحيث يعلم المطلع عليها أنّها عين الكتاب ما يعني أنّ هذا ذاك وذاك هذا.

هذا وقد صرّح الشيخ في الفهرست أنّ لعلي بن الحسين بن بابویه كتاب اسمه كتاب الشرائع وقال النجاشي: "علي بن الحسين بن موسى بن بابویه القمي، أبو الحسن شيخ القميّين في عصره.. له كتب منها كتاب التوحيد، كتاب الوضوء، كتاب الصلاة، كتاب الشرائع وهي الرسالة إلى ابنه".

 وكذا قال غيره من بعده ما يفهم منه أنّ الرسالة التي اعتمدها الصدوق في الفقيه هي عين كتاب الشرائع لوالده وهي مطابقة لما في كتاب فقه الرضا الموجود بين أيدينا، خاصة أنّ الكتاب المذكور فُقِدَ وقد وصلتنا نسخة منه من مكّة من أهل قمّ إلى السيّد حسين القاضي وبعده انتشرت، فما انتشر هو كتاب علي بن بابويه القمي وليس كتاب علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وعليه فما فيه من أحكام ليس إلا أخبارا مرسلة أرسلها ابن بابویه حتى لا يثقل حمله ويسهل مأخذه وهو ما عبر عنه السيد البروجرديّ (رحمه الله) ب"الفقه المتلقّى" وهو بداية انتقال الفقه الامامي من فقه الحديث إلى الفقه المتلقّى وبعدها إلى الفقه التفريعيّ والذي استمرّ إلى يومنا هذا.

القول الثالث: وهو كونه كتاب التكليف للشلمغانيّ فقد يستدلّ له أولاً: بأنّ علي بن الحسين بن بابویه روى كتاب التكليف كما ذكره الشيخ في الفهرست قال: "محمد بن علي الشلمغاني يكنّى أبا جعفر ويعرف بابن أبي العذاقر... وله من الكتب التي عملها في حال الاستقامة كتاب التكليف، أخبرنا به جماعة عن أبي جعفر ابن بابویه عن أبيه عنه..." وهذا يقرب القول القائل بأنّ الكتاب للشلمغانيّ وقد أخذ عنه ابن بابویه وجعل منه رسالة إلى ولده الصدوق.

ثانيا: إنّ في الكتاب المذكور أحكاما ما قال بها إلا الشلمغانيّ - كما نقل الأصحاب - منها مسألة تحديد الكرّ فقال: "إنّه ما لا يتحرّك جنباه بطرح حجر في وسطه" وهذا الحكم موجود في فقه الرضا (عليه السلام) وهذا القول يصلح قرينة للقول المذكور.

ولكن الذي يُبعِدُ القول المذكور، أولا: تصريح الصدوق برسالة والده إليه وهي مطابقة للكتاب المذكور.

وثانيا: ما رواه الطوسيّ في كتابه الغيبة من أنّ الحسين بن روح طلب الكتاب لينظر فيه فجاءوا به فقرأه من أوله إلى آخره فقال: ما فيه شيء إلا وقد روي عن الأئمة (عليه السلام) إلا موضعين أو ثلاثة فإنّه كذب عليهم في روايتها لعنه الله.

ولكنّ الملاحظ أنّ الموجود في الكتاب المذكور والمخالف لفتوى الأصحاب أكثر من ذلك بكثير ما يعني أنّ هذا الكتاب مخالف لكتاب الشلمغانيّ، اللّهمّ إلا أن يُقال: إنّ المخالف للفتوى مرويٌّ أيضا.

ثالثا: إنّ كتاب التكليف قد أعرض عنه الأصحاب بمجرّد خروج صاحبه عن الجادة القويمة، ولذا لم نرَ أحدا قد نقل عنه شيئا فضلا عن حفظه والاهتمام به، إضافة إلى كتابة الإجازات عليه من فضلاء العلماء كما نقله المجلسيّ في البحار، والذي يُستبعد معه أن يكون كتاب التكليف.

رابعا: إنّ ديباجة الكتاب وكما ذكرنا بدأها بقوله: "يقول عبد الله علي بن موسى الرضا" وهذا يناسب كون الكتاب لعلي بن الحسين بن موسى - أي: ابن بابویه - لقرب الأسماء بخلاف محمد بن علي الشلمغانيّ، فإنّ إمكانيّة الخطأ في غاية البعد وذلك لبعد الأسماء.

خامسا: إنّ الشلمغانيّ كان من أصحاب الهادي والعسكري (عليهما السلام) وروى عنهما ما يقتضي أن يكون الكتاب منقولا عنهما في حين أنّا لم نرَ أخبارا عنهما (عليهما السلام) في الكتاب، بل هو إمّا مجهول المرويّ عنه من المعصومين (عليه السلام)، وإمّا أنّه يقول: سألت العالم - أي الكاظم (عليه السلام) - أو قيل للعالم أو أروي عن العالم أو عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وهكذا ما يُبعد احتمال كونه للشلمغاني.

وخلاصة الكلام:

أنّ الكتاب الموسوم بفقه الرضا هو كتاب الشرائع - أي: رسالة والد الصدوق (رحمه الله) في الفقيه - لعلي بن الحسين بن بابويه القمي (رحمه الله) لما ذكرنا، ويصلح مع إرسال أخباره للتأييد لا للاستدلال، فإنّه بواقع الأمر أخبار مرسلة يُتعامَل معه كذلك والله العالم بحقائق الأمور.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار، ج 1، ص 11.

(2) مستدرك الوسائل، ج3، ص341.

(3) الفوائد، ص149.

(4) فقه الرضا، ص402.

(5) فقه الرضا، ص65.

(6) فقه الرضا، ص 83.

(7) فقه الرضا، ص82

(8) كما نقلها عنه جماعة، لكنّي لم أرها في الكتاب مع عدم تتبّعي التام.

(9) فقه الرضا، ص121.

(10) فقه الرضا، ص79.

(11) فقه الرضا، ص92.

(12) فقه الرضا، ص155.

(13) من لا يحضره الفقيه، ح1، ص3.

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)