الخليفة موسى الهادي قصير العمر كثير الشر
أوصى المهدي بالخلافة إلى ابنيه من زوجته المفضلة خيزران ، فجعل ولي عهده موسى الهادي ، وبعده أخاه هارون الرشيد .
وحكم المهدي عشر سنوات ، وكان في الصيد يطارد مع كلابه غزالاً ، فاقتحم به فرسه خربة فاصطدم رأسه بعتبة بابها فمات على الفور سنة 169 ، فحكم بعده ابنه موسى الهادي سنة وربعاً ، ومات وعمره 26 سنة .
كان موسى الهادي : « طويلاً جسيماً جميلاً ، أبيض مشرباً حمرة ، وكان بشفته العليا تقلص » . « وكان يشرب المسكر ، وفيه ظلم وشهامة ولعب ، وربما ركب حماراً فارهاً » . ( سير الذهبي : 7 / 441 ) . « كان يثب على الدابة وعليه درعان ، وكان المهدى يسميه ريحانتي » . ( الطبري : 6 / 428 ، 433 ) .
« قال ابن دأب : فدخلت عليه وهو منبطح على فراشه ، وإن عينيه لحمراوان من السهر وشرب الليل ، فقال لي : حدثني بحديث في الشراب ! فقلت : نعم يا أمير المؤمنين خرجت رجُلة من كنانة ينتجعون الخمر من الشام ، فمات أخ لأحدهم فجلسوا عند قبره يشربون . . الخ . » . ( الطبري : 6 / 436 ) .
وقال الطبري : 6 / 421 : « كانت الخيزران في أول خلافة موسى تفتات عليه في أموره ، وتسلك به مسلك أبيه من قبله ، في الاستبداد بالأمر والنهي . . . فكان يجيبها إلى كل ما تسأله حتى مضى لذلك أربعة أشهر من خلافته ، وانثال الناس عليها وطمعوا فيها ، فكانت المواكب تغدو إلى بابها . قال فكلمته يوماً في أمر لم يجد إلى إجابتها إليه سبيلاً ، فاعتل بعلة فقالت : لا بد من إجابتي . قال : لا أفعل ! قالت : فإني قد تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك ، قال فغضب موسى وقال : ويلي على ابن الفاعلة قد علمت أنه صاحبها ، والله لا قضيتها لك !
قالت : إذاً والله لا أسألك حاجة أبداً » !
أقول : عبد الله بن مالك ، الذي اتهم به موسى الهادي أمه الخيزران ، كان رئيس شرطة أبيه المهدي . ثم رئيس شرطته . ( الطبري : 6 / 443 ) .
كان موسى الهادي مشهوراً بالفسق !
في معاهد التنصيص / 198 ، والوافي : 10 / 86 : « وكان السبب في قتل المهدي بشاراً أنه كان نهاه عن التشبيب فمدحه بقصيدة ، فلم يحظ منه بشئ ، فهجاه فقال :
خَليفةٌ يَزْني بعمّاتِهِ * يَلْعَبُ بالدّبُّوقِ والصَّولجَانْ
أَبدَلنَا الله بهِ غيرَهُ * ودسَّ موسى في حِرِ الخيزُرَانْ
وأنشدها في حلقة يونس النحوي ، فسعى به إلى يعقوب بن داود الوزير ، وكان بشار قد هجاه بقوله من البسيط :
بنِي أميةَ هُبّوا طَالَ نوْمُكْمُ * إنّ الخليفةَ يعقوبُ بنُ داود
ضاعتْ خلافَتُكُمْ يا قومُ فالْتَمِسُوا * خَليفةَ الله بين الزّقّ والعُودِ
فدخل يعقوب على المهدي فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الأعمى الملحد الزنديق قد هجاك ! قال : بأي شئ ؟ قال : بما لا ينطق به لساني ولا يتوهمه فكري ! فقال : بحياتي أنشدني إياه ، فقال : والله لو خبرتني بين إنشادي إياه وضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي ! فحلف عليه المهدي بالأيمان التي لا فسحة له فيها ، فقال : أما لفظاً فلا ، ولكنني أكتب ذلك فكتبه ودفعه ! فكاد ينشق غيظاً ! وعمل على الإنحدار إلى البصرة لينظر في أمرها وما في فكره غير بشار ، فانحدر فلما بلغ إلى البطيحة . . فإذا بشار . . . فأمر بضربه بالسوط فضربه بين يديه على صدر الحراقة سبعين سوطاً أتلفه فيها . . . فألقي في سفينة حتى مات ، ثم رمى به في البطيحة فجاء بعض أهله فحملوه إلى البصرة » . والطبري : 6 / 401 ، وطبعة : 4 / 485 ، و 590 ، والكامل : 6 / 86 ، والأغاني : 3 / 241 ، وفيات الأعيان : 1 / 273 ، وبدائع البداية / 15 .
ثورة الحسين بن علي صاحب فخ على موسى الهادي
كان عهد المهدي العباسي على سوئه ، فسحةً للإمام الكاظم ( عليه السلام ) وشيعته ، أما عهد ابنه موسى الهادي فكان على قصره ، شراً على الأمة وخاصة أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم لأنه نفذ سياسة جده المنصور في إبادة أبناء علي وفاطمة ( عليهم السلام ) !
وقد قرر العلويون مواجهة هذه السياسة ، فكانت ثورة الحسين بن علي في منطقة فخ ، وهو مكان في مكة يعرف بوادي الزاهرية . ( معجم البلدان : 4 / 237 ) .
وفي مقاتل الطالبيين / 294 : « كان سبب خروج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أن موسى الهادي ولَّى المدينة إسحاق بن عيسى بن علي ، فاستخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز بن عبد الله ، فحمل على الطالبيين وأساء إليهم ، وأفرط في التحامل عليهم ، وطالبهم بالعرض كل يوم وكانوا يعرضون في المقصورة ، وأخذ كل واحد منهم بكفالة قرينه ونسيبه ، فضمن الحسين بن علي ويحيى بن عبد الله بن الحسن ، الحسن بن محمد بن عبد الله بن الحسن .
ووفى أوائل الحاج وقدم من الشيعة نحو من سبعين رجلاً ، فنزلوا دار ابن أفلح بالبقيع وأقاموا بها ، ولقوا حسيناً وغيره ، فبلغ ذلك العمري فأنكره . . فأشاع أنه وجدهم على شراب . . أغلظ العمري أمر العرض وولى على الطالبيين رجلاً يعرف بأبي بكر بن عيسى الحائك مولى الأنصار ، فعرضهم يوم جمعة ، فلم يأذن لهم بالانصراف حتى بدأ أوائل الناس يجيئون إلى المسجد ، ثم أذن لهم فكان قصارى أحدهم أن يغدو ويتوضأ للصلاة ويروح إلى المسجد ، فلما صلوا حبسهم في المقصورة إلى العصر ، ثم عرضهم فدعا باسم الحسن بن محمد فلم يحضر ، فقال ليحيى والحسين بن علي : ليأتياني به أو لأحبسنكما فإن له ثلاثة أيام لم يحضر العرض ولقد خرج أو تغيب . . فغضب يحيى بن عبد الله فقال له : فما تريد منا ؟ فقال : أريد أن تأتياني بالحسن بن محمد ! فقال : لا نقدر عليه ، هو في بعض ما يكون فيه الناس ، فابعث إلى آل عمر بن الخطاب فاجمعهم كما جمعتنا ثم أعرضهم رجلاً رجلاً فإن لم تجد فيهم من قد غاب أكثر من غيبة الحسن عنك فقد أنصفتنا ، فحلف على الحسين بطلاق امرأته وحرية مماليكه أنه لا يخلي عنه أو يجيئه به في باقي يومه وليلته ، وأنه إن لم يجئ به ليركبن إلى سويقة فيخربها ويحرقها ، وليضربن الحسين ألف سوط ، وحلف بهذه اليمين إن وقعت عينه على الحسن بن محمد ليقتلنه من ساعته !
فوثب يحيى مغضباً فقال له : أنا أعطي الله عهداً ، وكل مملوك لي حر إن ذقت الليلة نوماً حتى آتيك . . . فاجتمعوا ستة وعشرين رجلاً من ولد علي ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالي ، فلما أذن المؤذن للصبح دخلوا المسجد ثم نادوا : أحدٌ أحد ، وصعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند موضع الجنائز فقال للمؤذن : أذن بحي على خير العمل ، فلما نظر إلى السيف في يده أذن بها وسمعه العمري فأحس بالشر ودهش وصاح : إغلقوا البغلة وأطعموني حبتي ماء !
قال علي بن إبراهيم في حديثه : فولده إلى الآن بالمدينة يعرفون ببني حبتي ماء » !
قال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 404 : « وبويع لموسى الهادي بن محمد المهدي . . . وكانت هادئة والأمور ساكنة ، والملوك في الطاعة ، فظهر منه أمور قبيحة ، وضعف شديد ، فاضطربت البلاد . . . وتحرك جماعة من الطالبيين وصاروا إلى ملوك النواحي ، فقبلوهم ووعدوهم بالنصر والمعونة ، وذلك أن موسى ألحَّ في طلب الطالبيين ، وأخافهم خوفاً شديداً ، وقطع ما كان المهدي يجريه لهم من الأرزاق والأعطية ، وكتب إلى الآفاق في طلبهم وحملهم !
فلما اشتد خوفهم وكثر من يطلبهم ويحث عليهم ، عزم الشيعة وغيرهم إلى الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان له مذهب جميل وكمال ومجد وقالوا له : أنت رجل أهل بيتك ، وقد ترى ما أنت وأهلك وشيعتك فيه من الخوف والمكروه ، فقال : وإني وأهل بيتي لا نجد ناصرين فننتصر ، فبايعه خلق كثير ممن حضر الموسم ، فقال لهم : إن الشعار بيننا أن ينادي رجل : من رأى الجمل الأحمر ، فما وافاه إلا أقل من خمس مائة ، وكان ذلك في سنة 169 بعد انقضاء الموسم . فلقيه سليمان بن أبي جعفر ، والعباس بن محمد بن علي ، وموسى بن عيسى ( قادة عسكريون ) بفخ فانهزم ومن كان معه وافترقوا ، وقتل الحسين بن علي وجماعة من أهله ، وهرب خاله إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ، فصار إلى المغرب ، فغلب على ناحية تتاخم الأندلس يقال لها فاس ، فاجتمعت عليه كلمة أهلها ، فذكر أهل المغرب أن موسى وجه إليه من اغتاله بسم في مسواك فمات ، وصار إدريس بن إدريس مكانه ، وولده بها إلى هذه الغاية يتوارثون تلك المملكة . . . فلم تزل البلاد مضطربة أيام موسى ( الهادي ) كلها » .
وفي مقاتل الطالبيين / 302 : « لما قتل أصحاب فخ ، جلس موسى بن عيسى ( العباسي ) بالمدينة ، وأمر الناس بالوقيعة ( السب ) على آل أبي طالب ، فجعل الناس يوقعون عليهم حتى لم يبق أحد ، فقال بقي أحد قيل له : موسى بن عبد الله ( الحسني ) وأقبل موسى بن عبد الله على أثر ذلك وعليه مدرعة وإزار غليظ وفي رجليه نعلان من جلود الإبل ، وهو أشعث أغبر حتى قعد مع الناس ولم يسلم عليه ، وإلى جنبه السري بن عبد الله من ولد الحرث بن العباس بن عبد المطلب ، فقالوا لموسى بن عيسى : دعني أكسف عليه باله وأعرفه نفسه ! قال أخافه عليك ! قال : دعني فأذن له فقال له : يا موسى ! قال : أسمعت فقل ! قال : كيف رأيت مصارع البغي الذي لا تدعونه لبني عمكم المنعمين عليكم . فقال موسى : أقول في ذلك :
بني عمنا ردوا فضول دمائنا * ينمْ ليلكم أولا يَلُمْنا اللوائمُ
فإنا وإياكم وما كان بيننا * كذي الديْن يقضي دينه وهو راغم
فقال السري : والله ما يزيدكم البغي إلا ذلة ، ولو كنتم مثل بني عمكم ( الحسينيين ) سلمتم ! يعني موسى بن جعفر وكنتم مثله ، فقد عرف حق بني عمه وفضلهم عليه ، فهو لا يطلب ما ليس له ! فقال له موسى بن عبد الله :
فإن الأولى تثني عليهم تعيبني * أولاك بنو عمي وعمهم أبي
فإنك إن تمدحهم بمديحة * تُصدق ، وإن تمدح أباك تكذب
قالوا : ولما بلغ العمري ( الوالي ) وهو بالمدينة قتل الحسين بن علي صاحب فخ ، عمد إلى داره ودور أهله فحرقها ، وقبض أموالهم ونخلهم ، فجعلها في الصوافي المقبوضة » . أي في أموال الدولة .
موسى الهادي يقرر قتل الإمام الكاظم ( عليه السلام )
في مناقب آل أبي طالب : 3 / 423 ، عن علي بن يقطين ، وعبد الله بن أحمد الوضاح قال : « لما حمل رأس صاحب فخ إلى موسى بن المهدي ، أنشأ يقول :
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعدما * دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون سلمه * فيقبل قيلاً أو يحكم قاضيا
ولكن حد السيف فيكم مسلط * فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن * ظلمنا ولكنا أسأنا التقاضيا
فقد ساءني ما جرت الحرب بيننا * بني عمنا لو كان امراً مدانيا
ثم أخذ في ذكر الطالبيين وجعل ينال منهم ، إلى أن ذكر موسى بن جعفر وحلف بالله ليقتله ، فتكلم فيه القاضي أبو يوسف حتى سكن غضبه .
وأنهي الخبر إلى الإمام ( عليه السلام ) وعنده جماعة من أهل بيته فقال لهم : ما تشيرون ؟ قالوا : نشير عليك بالابتعاد عن هذا الرجل وأن تغيب شخصك عنه ، فإنه لا يؤمن شره ، فتبسم أبو الحسن وتمثل :
زعمت سخينةُ أن ستقتل ربها * وليغلبنَّ مُغلبُ الغُلاب
ثم أنشد : زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربعُ !
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته ، وأرهف لي شبا حده ، ودفع لي قواتل سمومه ، ولم تنم عني عين حراسته ، فلما رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح ، وعجزي عن ملمات الجوائح ، صرفت ذلك بحولك وقوتك . إلخ . . .
ورواه في مهج الدعوات / 217 ، بتفصيل ، قال : « فمن ذلك الدعاء المعروف بدعاء الجوشن المروي عنه ( عليه السلام ) رويناه بعدة طرق . . . . حدثنا أبو الوضاح محمد بن عبد الله بن زيد النهشلي قال : لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ ، وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن ، وتفرق الناس عنه ، حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي ، فلما بصر بهم أنشأ يقول متمثلاً :
بني عمنا لا تنطقوا الشعر بعد ما * دفنتم بصحراء الغميم القوافيا
فلسنا كمن كنتم تصيبون نيله * فنقبل ضيما أو نحكم قاضيا
ولكن حكم السيف فينا مسلط * فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا
وقد ساءني ما جرت الحرب بيننا * بني عمنا لو كان أمرا مدانيا
فإن قلتم إنا ظلمنا فلم نكن ظلمنا * ولكن قد أسأنا التقاضيا
ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله ، ثم صنع مثل ذلك بجماعة من ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وأخذ من الطالبين ، وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر صلوات الله عليه فنال منه ، ثم قال : والله ما خرج حسين إلا عن أمره ، ولا اتبع إلا محبته ، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني الله إن أبقيت عليه ! فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وكان جريئاً عليه : يا أمير المؤمنين أقول أم أسكت ؟ فقال : قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر ، ولولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور ما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعمله وفضله ، وما بلغني من السفاح فيه من تعريضه وتفضيله ، لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقاً !
فقال أبو يوسف : نساؤه طوالق ، وعتق جميع ما يملك من الرقيق ، وتصدق بجميع ما يملك من المال وحبس دوابه ، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام ، إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج ، ولا يذهب إليه ، ولا مذهب أحد من ولده ، ولا ينبغي أن يكون هذا منهم ! ثم ذكر الزيدية وما ينتحلون فقال : وما كان بقي من الزيدية إلا هذه العصابة ، الذين كانوا قد خرجوا مع حسين ، وقد ظفر أمير المؤمنين بهم ! ولم يزل يرفق به حتى سكن غضبه .
وقال : وكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) بصورة الأمر فورد الكتاب ، فلما أصبح أحضر أهل بيته وشيعته فأطلعهم أبو الحسن ( عليه السلام ) على ما ورد من الخبر ، وقال لهم : ما تشيرون في هذا ؟ فقالوا : نشير عليك أصلحك الله وعلينا معك أن تباعد شخصك عن هذا الجبار ، وتغيب شخصك دونه ، فإنه لا يؤمن شره وعاديته وغشمه ، سيما وقد توعدك وإيانا معك !
فتبسم موسى ( عليه السلام ) ثم تمثل ببيت كعب بن مالك أخي بني سلمة وهو :
زعمت سخينة أن ستغلب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب
ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال : ليفرج روعكم ، إنه لا يرد أول كتاب من العراق إلا بموت موسى بن مهدي وهلاكه !
فقالوا وما ذاك أصلحك الله ؟ فقال : قد وحرمة هذا القبر مات في يومه هذا ! والله إنه لحق مثلما أنكم تنطقون ! سأخبركم بذلك : بينما أنا جالس في مصلاي بعد فراغي من وردي ، وقد تنومت عيناي ، إذ سنح لي جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في منامي فشكوت إليه موسى بن المهدي ، وذكرت ما جرى منه في أهل بيته ، وأنا مشفق من غوائله ، فقال لي : لتطب نفسك يا موسى فما جعل الله لموسى عليك سبيلاً ! فبينما هو يحدثني إذ أخذ بيدي وقال لي : قد أهلك الله آنفاً عدوك ، فلتحسن لله شكرك ! قال ثم استقبل أبو الحسن القبلة ورفع يديه إلى السماء يدعو ! فقال أبو الوضاح : فحدثني أبي قال كان جماعة من خاصة أبي الحسن ( عليه السلام ) من أهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فإذا نطق أبو الحسن ( عليه السلام ) بكلمة أو أفتى في نازلة ، أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك ، قال فسمعناه وهو يقول في دعائه : شكراً لله جلت عظمته . ثم أورد دعاء الجوشن الذي كان الإمام ( عليه السلام ) دعا به ، وهو طويل » .
أقول : كانت قريش تعاب بأكل السخينة في أيام فقرها ، وهي طعام من الدقيق والسمن .
وقد روي عن الأئمة ( عليهم السلام ) مدح صاحب فخ والثائرين معه ، وذهب أكثر علمائنا إلى شرعية ثورته التي كان هدفها إيقاف خطة إبادة العلويين !
ففي مقاتل الطالبيين / 304 : أن صاحب فخ ( رحمه الله ) قال : « ما خرجنا حتى شاورنا أهل بيتنا ، وشاورنا موسى بن جعفر ، فأمرنا بالخروج »
وفي الكافي : 1 / 366 : « لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ ، واحتوى على المدينة ، دعا موسى بن جعفر إلى البيعة فأتاه فقال له : يا ابن عم لا تكلفني ما كلف ابن عمك عمك أبا عبد الله ، فيخرج مني ما لا أريد كما خرج من أبي عبد الله ما لم يكن يريد ! فقال له الحسين : إنما عرضت عليك أمراً فإن أردته دخلت فيه ، وإن كرهته لم أحملك عليه ، والله المستعان . ثم ودعه فقال له أبو الحسن موسى بن جعفر حين ودعه : يا ابن عم إنك مقتول فأجد الضراب ، فإن القوم فساق يظهرون إيماناً ويسترون شركاً ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، أحتسبكم عند الله من عصبة ، ثم خرج الحسين وكان من أمره ما كان قتلوا كلهم كما قال ( عليه السلام ) » .
وفي مقاتل الطالبين / 302 : « جاء الجند بالرؤس إلى موسى والعباس ، وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين ، فلم يتكلم أحد منهم بشئ إلا موسى بن جعفر فقال له : هذا رأس الحسين ! قال : نعم ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، مضى والله مسلماً ، صالحاً ، صواماً ، قواماً ، آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، ما كان في أهل بيته مثله ! فلم يجيبوه بشئ » .
وفي عمدة الطالب : 183 ، والسلسلة العلوية لأبي نصر البخاري ، عن الإمام الجواد ( عليه السلام ) قال : « لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ » .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة