هارون يقتل الإمام الكاظم "ع" وينكر قتله !
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الكاظم "ع" سيد بغداد
الجزء والصفحة:
ص261-268
2025-08-09
459
لما رأى هارون معجزات الإمام ( عليه السلام ) قرر قتله !
في غيبة الطوسي / 24 : « عن محمد بن عباد المهلبي قال : لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسى ( عليه السلام ) وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس ، تحير الرشيد فدعا يحيى بن خالد البرمكي فقال له : يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ، ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيراً يريحنا من غمه ؟ !
فقال له يحيى بن خالد البرمكي : الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمنن عليه وتصل رحمه ، فقد والله أفسد علينا قلوب شيعتنا ، وكان يحيى يتولاه وهارون لا يعلم ذلك . فقال هارون : انطلق إليه وأطلق عنه الحديد ، وأبلغه عني السلام وقل له : يقول لك ابن عمك : إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة ، وتسألني العفو عما سلف منك ، وليس عليك في إقرارك عار ، ولا في مسألتك إياي منقصة ، وهذا يحيى بن خالد ثقتي ووزيري وصاحب أمري فسله بقدر ما أخرج من يميني ، وانصرف راشداً !
قال محمد بن عباد : فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد : أن أبا إبراهيم ( عليه السلام ) قال ليحيى : يا أبا علي أنا ميت ، وإنما بقي من أجلي أسبوع ، أكتم موتي وائتني يوم الجمعة عند الزوال وصل علي أنت وأوليائي فرادى ، وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة وعاد إلى العراق ، لا يراك ولا تراه لنفسك ، فإني رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه ، أنه يأتي عليكم فاحذروه ! ثم قال : يا أبا علي أبلغه عني : يقول لك موسى بن جعفر : رسولي يأتيك يوم الجمعة فيخبرك بما ترى وستعلم غداً إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه ، والسلام !
فخرج يحيى من عنده ، واحمرت عيناه من البكاء حتى دخل على هارون فأخبره بقصته وما رد عليه ، فقال هارون : إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا !
فلما كان يوم الجمعة توفي أبو إبراهيم ( عليه السلام ) وقد خرج هارون إلى الرقة قبل ذلك فأُخرج إلى الناس حتى نظروا إليه ثم دفن ( عليه السلام ) ، ورجع الناس فافترقوا فرقتين : فرقة تقول : مات ، وفرقة تقول لم يمت » !
ملاحظات :
1 - تدل الرواية على أن هارون كان متخوفاً من معجزات الإمام ( عليه السلام ) التي رآها منه في سجنه الأول والثاني ، فطلب من مستشاره يحيى البرمكي أن يقترح عليه عملاً يواجه به معجزات الإمام ( عليه السلام ) حتى لا يعتقد الناس بإمامته !
وقد كانت هذه المشكلة مطروحة بين هارون ويحيى من أول خلافته ، فقد استقدم الإمام ( عليه السلام ) وناظره وحبسه ثم أطلقه ، ثم اشتدت عندما حبسه بعد تسع سنوات . وقد يكون طرَح الموضوع مع يحيى قبل سفره إلى الرقة ، وأصدر أمره إلى رئيس وزرائه الفضل بن يحيى بأن يقتل الإمام ( عليه السلام ) !
2 - نصت الروايات على أن هارون كان عند شهادة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) في الرقة وأن وزيره الفضل عصى أمره بقتل الإمام ( عليه السلام ) ووسع عليه في سجنه ، فغضب عليه هارون ولعنه ، ثم أرسل أباه يحيى مسرعاً على البريد ليعالج معصية ابنه ويرتب قتل الإمام ( عليه السلام ) ! وقد وقع لفظ المدائن بدل الرقة خطأ في بعض الروايات . كما أن من البعيد أن يكون الرشيد عاد في أيام قتله للإمام ( عليه السلام ) إلى بغداد « والطريق من بغداد إلى الرقة خمس عشرة مرحلة وطريق آخر من بغداد إلى الرقة ويؤخذ في عشر مراحل أو نحوها » ( نزهة المشتاق : 2 / 657 ) .
كما أن الرواية تزعم أن يحيى بن خالد كان شيعياً يتولى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ويخفي ذلك عن هارون ، مع أنه هو الذي سعى بالإمام وحرض هارون عليه ! فلا بد من القول إن راويها محمد بن عباد المهلبي تخيل أن يحيى كان شيعياً . والمرجح أن موسى بن يحيى البرمكي هو الذي زعم ذلك لأبيه ، بعد أن انتقم الله منه وإخوته ! فقد كان موسى والياً على الشام وعزله هارون في غضبه على البرامكة ( تاريخ دمشق : 61 / 232 ، والطبري : 6 / 457 . وفي الأعلام ( 7 / 331 ) أن المأمون ولاه السند ، وبقي أولاده فيها ، ومعجم البلدان : 1 / 510 ، واليعقوبي : 2 / 479 ) .
وقال في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 82 : « ثم سلم إلى السندي بن شاهك فحبسه وضيق عليه ثم بعث الرشيد بسم في رطب ، وأمره أن يقدمه إليه ويحتم عليه في تناوله منه ، ففعل فمات صلوات الله عليه » !
وقال المفيد في الإرشاد : 2 / 242 : « ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى وافى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكل شئ وأظهر أنه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمال ، وتشاغل ببعض ذلك أياماً ، ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله ! وكان الذي تولى به السندي قتله سُمَّاً جعله في طعام قدمه إليه ، ويقال إنه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم ، ولبث ثلاثاً بعده موعوكاً منه ، ثم مات في اليوم الثالث » .
وفي إعلام الورى : 2 / 61 : « فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه ، فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة فكتب إليه يأمره بقتله فتوقف عن ذلك ، فاغتاظ الرشيد لذلك وتغير عليه وأمر به فأدخل على العباس بن محمد وجرد وضرب مائة سوط ! وأمر بتسليم موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) إلى السندي بن شاهك . وبلغ يحيى بن خالد الخبر ففزع إلى الرشيد وقال له : أنا أكفل بما تريد ، ثم خرج إلى بغداد ودعا بالسندي وأمره فيه بأمره ، فامتثله وسمه في طعام قدمه إليه ويقال إنه جعله في رطب أكل منه فأحس بالسم ولبث بعده موعوكاً ثلاثة أيام ومات ( عليه السلام ) » .
وفي تاريخ ابن خلدون : 4 / 29 : « وحبسه عند ابن شاهك ، ويقال إن يحيى بن خالد سمه في رطب فقتله وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة . وزعم شيعتهم أن الإمام بعده ابنه على الرضا وكان عظيماً في بني هاشم » .
هارون يحاول إثبات براءته من دم الإمام ( عليه السلام )
روى في الكافي : 1 / 258 : « عن الحسن بن محمد بن بشار قال : حدثني شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة ببغداد ، ممن كان ينقل عنه ، قال قال لي : قد رأيت بعض من يقولون بفضله من أهل هذا البيت ، فما رأيت مثله قط في فضله ونسكه ! فقلت له : من وكيف رأيته ؟ قال : جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلاً من الوجوه المنسوبين إلى الخير ، فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي : يا هؤلاء أنظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث ؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به ويكثرون في ذلك ، وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ، ولم يرد به أمير المؤمنين سوءً ، وإنما ينتظر به أن يقدم فيناظر أمير المؤمنين ! وهذا هو صحيح موسع عليه في جميع أموره فسلوه . قال : ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل والى فضله وسمته ، فقال موسى بن جعفر : أما ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر ، غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في سبع تمرات وأنا غداً أخْضَرُّ ، وبعد غد أموت قال : فنظرت إلى السندي بن شاهك يضطرب ويرتعد مثل السعفة » ! ورواه أمالي الصدوق / 213 ، وغيبة الطوسي / 32 ، وقرب الإسناد / 333 ، والعيون : 2 / 91 ، وفيه : « قال الحسن : وكان هذا الشيخ من خيار العامة ، شيخ صدوق مقبول القول ، ثقة جداً عند الناس » .
وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 91 : « حدثني عمر بن واقد قال : أرسل السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد يستحضرني ، فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي . قال فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم ركبت إليه فلما رآني مقبلاً قال : يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك ؟ قلت : نعم قال : فليس هناك إلا خير . قلت : فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم بخبري . قال : نعم ثم قال : يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت : لا ، قال : أتعرف موسى بن جعفر ؟ قلت : إي والله إني لأعرفه وبيني وبينه صداقه منذ دهر ، فقال : مَن هاهنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله ؟ فسميت له أقواماً ، ووقع في نفسي أنه قد مات ! قال : فبعث فجاء بهم كما جاء بي فقال : هل تعرفون قوماً يعرفون موسى بن جعفر ؟ فسموا له قوماً فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلاً ممن يعرف موسى بن جعفر وقد صحبه ، قال ثم قام ودخل ، وصلينا ، فخرج كاتبه ومعه طومار وكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وحلانا ، ثم دخل إلى السندي قال : فخرج السندي فضرب يده فقال لي : قم يا أبا حفص فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا ، فقال لي : يا أبا حفص إكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتاً ، فبكيت واسترجعت ، ثم قال للقوم : أنظروا إليه فدنا واحد واحد فنظروا إليه ، ثم قال : تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد ؟ قال قلنا : نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد . ثم قال : يا غلام إطرح على عورته منديلاً واكشفه ، قال ففعل قال : أترون أثراً تنكرونه ؟ فقلنا : لا ما نرى به شيئاً ولا نراه إلا ميتاً . قال : فلا تبرحوا حتى تغسلوه وتكفنوه قال : فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل إلى المصلى ، فصلى عليه السندي بن شاهك ، ودفناه ورجعنا » .
وفي الإرشاد : 2 / 243 : « ولما مات موسى ( عليه السلام ) أدخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد ، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره ، فنظروا إليه لا أثر به من جراح ولا خنق ، وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك . وأخرج ووضع على الجسر ببغداد ، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت » وإعلام الورى : 2 / 34 .
قال الطوسي في الغيبة / 23 : « فروى يونس بن عبد الرحمن قال : حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم ( عليه السلام ) فما وضع على شفير القبر ، إذا رسول من سندي بن شاهك قد أتى أبا المضا خليفته وكان مع الجنازة أن اكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتى يروه صحيحاً لم يحدث به حدث ! قال : وكشف عن وجه مولاي حتى رأيته وعرفته ، ثم غطي وجهه وأدخل قبره صلى الله عليه » .
وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 96 : « عن محمد بن صدقه العنبري قال : لما توفي أبو إبراهيم موسى بن جعفر ( عليه السلام ) جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية وبني العباس وساير أهل المملكة والحكام ، وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر فقال : هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه ، وما كان بيني وبينه ما أستغفر الله منه في أمره يعني في قتله ، فانظروا إليه فدخلوا عليه سبعون رجلاً من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر ( عليه السلام ) وليس به أثر جراحه ولا خنق وكان في رجله أثر الحناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر فتولى غسله وتكفينه ، وتحفى وتحسر في جنازته » .
أقول : كان هارون عند شهادة الإمام ( عليه السلام ) في الرقة ، ومن البعيد أنه جاء إلى بغداد فيكون السندي بن شاهك هو الذي جمعهم وأبلغهم كلام هارون هذا .
ومن الملاحظ أن هارون حاول بواسطة السندي أن يبعد التهمة عن نفسه ، بأساليب متعددة ، لكن كيف يمكنه ذلك والإمام ( عليه السلام ) في سجنه ، وقد غضب على وزيره لأنه لم يمتثل أمره فيه ! ولعنه وهو في الرقة ، وبعث من يهينه ويضربه وبعث أباه لينفذ ما لم ينفذه الابن !
إن هذه النصوص كافية لإدانة هارون ، فكيف إذا ضممنا إليها غيرها وهو كثير !
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة