إسلام الراهب بُرَيْهَة على يده ( عليه السلام )
روى في الكافي : 1 / 227 ، وبصائر الدرجات / 156 والصدوق في كتابه التوحيد / 270 ، بسنده : « عن هشام بن الحكم ، عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له بريهة ، قد مكث جاثليق النصرانية سبعين سنة وكان يطلب الإسلام ، ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته ، قال : وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس ، حتى افتخرت به النصارى وقالت : لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا ، وكان طالباً للحق والإسلام مع ذلك وكانت معه امرأة تخدمه طال مكثها معه ، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها قال : فعرفت ذلك منه فضرب بريهة الأمر ظهراً لبطن وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في الإسلام من أعلمكم ؟
وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم ، وأهل الحجى منهم وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئاً ، وقال : لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق ، فوصفت له الشيعة ووصف له هشام بن الحكم ، فقال يونس بن عبد الرحمن : فقال لي هشام : بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس ، وعندي قوم يقرؤون عليَّ القرآن ، فإذا أنا بفوج النصارى معه ما بين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس ، والجاثليق الأكبر فيهم بريهة ، حتى نزلوا حول دكاني ، وجعل لبريهة كرسي يجلس عليه فقامت الأساقفة والرهابنة على عصيهم وعلى رؤوسهم برانسهم ، فقال بريهة : ما بقي من المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية ، فما عندهم شئ ، وقد جئت أناظرك في الإسلام ، قال : فضحك هشام فقال : يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه ، ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة ، آياته ظاهرة ، وعلاماته قائمة .
قال بريهة : فأعجبني الكلام والوصف . قال هشام : إن أردت الحجاج فهاهنا ، قال بريهة : نعم فإني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان ؟
قال هشام : ابن عم جده لأمه ، لأنه من ولد إسحاق ومحمد من ولد إسماعيل ، قال بريهة ، وكيف تنسبه إلى أبيه ؟ قال هشام : إن أردت نسبه عندكم أخبرتك ، وإن أردت نسبه عندنا أخبرتك . قال بريهة : أريد نسبه عندنا وظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه ، قلت : فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها .
قال هشام : نعم ، تقولون : إنه قديم من قديم ، فأيهما الأب وأيهما الابن ؟
قال بريهة : الذي نزل إلى الأرض الابن ! قال هشام : الذي نزل إلى الأرض الأب ! قال بريهة : الابن رسول الأب . قال هشام : إن الأب أحكم من الابن لأن الخلق خلق الأب . قال بريهة : إن الخلق خلق الأب وخلق الابن . قال هشام : ما منعهما أن ينزلا جميعاً كما خلقا إذا اشتركا ؟ !
قال بريهة : كيف يشتركان وهما شئ واحد إنما يفترقان بالاسم !
قال هشام : إنما يجتمعان بالاسم ! قال بريهة : جهل هذا الكلام ! قال هشام : عرف هذا الكلام ! قال بريهة : إن الابن متصل بالأب ! قال هشام : إن الابن منفصل من الأب ! قال بريهة : هذا خلاف ما يعقله الناس ! قال هشام : إن كان ما يعقله الناس شاهداً لنا وعلينا ، فقد غلبتك لأن الأب كان ولم يكن الابن فتقول : هكذا يا بريهة ؟ قال : ما أقول هكذا ! قال : فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك ! قال بريهة : إن الأب اسم والابن اسم يقدر به القديم .
قال هشام : الإسمان قديمان كقدم الأب والابن ؟ قال بريهة : لا ولكن الأسماء محدثة . قال : فقد جعلت الأب ابناً والابن أباً ، إن كان الابن أحدث هذه الأسماء دون الأب فهو الأب ، وإن كان الأب أحدث هذه الأسماء دون الابن فهو الأب والابن أب وليس هاهنا ابن !
قال بريهة : إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض ، قال هشام : فحين لم تنزل إلى الأرض فإسمها ما هو ؟ قال بريهة : فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل . قال هشام : فقبل النزول هذه الروح كلها واحدة واسمها اثنان ؟
قال بريهة : هي كلها واحدة روح واحدة . قال : قد رضيت أن تجعل بعضها ابناً وبعضها أباً . قال بريهة : لا لأن اسم الأب واسم الابن واحد .
قال هشام : فالإبن أبو الأب والأب أبو الابن ، والابن واحد ؟
قالت الأساقفة بلسانها لبريهة : ما مر بك مثل ذا قط تقوم ؟
فتحير بريهة وذهب ليقوم فتعلق به هشام ، قال : ما يمنعك من الإسلام ؟ أفي قلبك حزازة ؟ فقلها وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلك هذا فتصبح وليس لك همة غيري ، قالت الأساقفة : لا ترد هذه المسألة لعلها تشككك ، قال بريهة : قلها يا أبا الحكم . قال هشام : أفرأيتك الابن يعلم ما عند الأب ؟ قال : نعم . قال : أفرأيتك الأب يعلم كل ما عند الابن ؟ قال : نعم . قال : أفرأيتك تخبر عن الابن أيقدر على حمل كل ما يقدر عليه الأب ؟ قال : نعم . قال : أفرأيتك تخبر عن الأب أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن ؟ قال : نعم . قال هشام : فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان ، وكيف يظلم كل واحد منهما صاحبه ؟ ! قال بريهة : ليس منهما ظلم ! قال هشام : من الحق بينهما أن يكون الابن أب الأب والأب ابن الابن ! بِتْ عليها يا بريهة !
وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاماً ولا أصحابه !
قال : فرجع بريهة مغتما مهتما حتى صار إلى منزله فقالت امرأته التي تخدمه : ما لي أراك مهتماً مغتماً ، فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام ، فقالت لبريهة : ويحك أتريد أن تكون على حق أو على باطل ؟ ! فقال بريهة : بل على الحق ، فقالت له : أينما وجدت الحق فمل إليه ، وإياك واللجاجة ، فإن اللجاجة شك والشك شؤم وأهله في النار ، قال : فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام !
قال : فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه ، فقال : يا هشام ألك من تصدر عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته ؟ قال هشام : نعم يا بريهة ، قال : وما صفته ؟ قال هشام : في نسبه أو في دينه ؟ قال : فيهما جميعاً صفة نسبه وصفة دينه ، قال هشام : أما النسب خير الأنساب : رأس العرب وصفوة قريش وفاضل بني هاشم ، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه ، لأن قريشاً أفضل العرب وبني هاشم أفضل قريش ، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم وسيدهم ، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره ، وهذا من ولد السيد .
قال : فصف دينه ، قال هشام : شرائعه أو صفة بدنه وطهارته ؟
قال : صفة بدنه وطهارته . قال هشام : معصوم فلا يعصي ، وسخي فلا يبخل ، شجاع فلا يجبن ، وما استودع من العلم فلا يجهل ، حافظ للدين قائم بما فرض عليه ، من عترة الأنبياء ، وجامع علم الأنبياء ، يحلم عند الغضب ، وينصف عند الظلم ، ويعين عند الرضا ، وينصف من الولي والعدو ، ولا يسأل شططاً في عدوه ، ولا يمنع إفادة وليه ، يعمل بالكتاب ويحدث بالأعجوبات ، من أهل الطهارات ، يحكي قول الأئمة الأصفياء ، لم تنقض له حجة ، ولم يجهل مسألة ، يفتي في كل سنَّة ، ويجلو كل مدلهمة .
قال بريهة : وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته ، إلا أن الشخص بائن عن شخصه والوصف قائم بوصفه ، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص ، قال هشام : إن تؤمن ترشد وإن تتبع الحق لا تؤنب .
ثم قال هشام : يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه فلا تبطل الحجج ، ولا تذهب الملل ، ولا تذهب السنن !
قال بريهة : ما أشبه هذا بالحق وأقربه من الصدق ، وهذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة .
قال هشام : نعم ، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما وهما يريدان أبا عبد الله ( عليه السلام ) فلقيا موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فحكى له هشام الحكاية ، فلما فرغ قال موسى بن جعفر ( عليه السلام ) : يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟ قال : أنا به عالم ، قال : كيف ثقتك بتأويله ؟ قال : ما أوثقني بعلمي فيه . قال : فابتدأ موسى بن جعفر ( عليه السلام ) بقراءة الإنجيل ، قال بريهة : والمسيح لقد كان يقرأ هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح ! ثم قال بريهة : إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك ! قال : فآمن وحسن إيمانه وآمنت المرأة وحسن إيمانها . قال : فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى ( عليه السلام ) وبريهة ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
فقال بريهة : جعلت فداك أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شئ فيقول : لا أدري . فلزم بريهة أبا عبد الله ( عليه السلام ) حتى مات أبو عبد الله ( عليه السلام ) ، ثم لزم موسى بن جعفر ( عليه السلام ) حتى مات في زمانه فغسله بيده وكفنه بيده ولحده بيده ، وقال : هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه ، قال : فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله »
إسلام راهب آخر قصد الإمام ( عليه السلام ) من الشام
وروى في الكافي : 1 / 478 ، إسلام راهب آخر : « عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) إذ أتاه رجل نصراني ونحن معه بالعريض ، فقال له النصراني : أتيتك من بلد بعيد وسفر شاق ، وسألت ربي منذ ثلاثين سنة أن يرشدني إلى خير الأديان وإلى خير العباد وأعلمهم ، وأتاني آت في النوم فوصف لي رجلاً بعَلْيَا دمشق فانطلقت حتى أتيته فكلمته ، فقال : أنا أعلم أهل ديني وغيري أعلم مني فقلت : أرشدني إلى من هو أعلم منك فإني لا أستعظم السفر ولا تبعد علي الشقة ، ولقد قرأت الإنجيل كلها ومزامير داود ، وقرأت أربعة أسفار من التوراة ، وقرأت ظاهر القرآن حتى استوعبته كله ، فقال لي العالم : إن كنت تريد علم النصرانية فأنا اعلم العرب والعجم بها وإن كنت تريد علم اليهود فباطي بن شرحبيل السامري أعلم الناس بها اليوم ، وإن كنت تريد علم الإسلام وعلم التوراة وعلم الإنجيل وعلم الزبور وكتاب هود وكلما أنزل على نبي من الأنبياء في دهرك ودهر غيرك ، وما أنزل من السماء من خبر فعلمه أحد أو لم يعلم به أحد فيه تبيان كل شئ وشفاء للعالمين ، وروح لمن استروح إليه ، وبصيرة لمن أراد الله به خيراً ، وأنس إلى الحق ، فأرشدك إليه ، فأته ولو مشياً على رجليك ، فإن لم تقدر فحبواً على ركبتيك ، فإن لم تقدر فزحفاً على استك ، فإن لم تقدر فعلى وجهك . فقلت : لا بل أنا أقدر على المسير في البدن والمال ، قال : فانطلق من فورك حتى تأتي يثرب ، فقلت : لا أعرف يثرب ، قال : فانطلق حتى تأتي مدينة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذي بعث في العرب ، وهو النبي العربي الهاشمي ، فإذا دخلتها فسل عن بني غنم بن مالك بن النجار ، وهو عند باب مسجدها ، وأظهر بزة النصرانية وحليتها ، فإن واليها يتشدد عليهم والخليفة أشد ، ثم تسأل عن بني عمرو بن مبذول وهو ببقيع الزبير ، ثم تسأل عن موسى بن جعفر وأين منزله وأين هو ، مسافر أم حاضر ؟ فإن كان مسافراً فالحقه فإن سفره أقرب مما ضربت إليه ، ثم أعلمه أن مطران عليا الغوطة غوطة دمشق هو الذي أرشدني إليك ، وهو يقرؤك السلام كثيراً ويقول لك : إني لأكثر مناجاة ربي أن يجعل إسلامي على يديك ، فقص هذه القصة وهو قائم معتمد على عصاه ، ثم قال : إن أذنت لي يا سيدي كفَّرت لك وجلست !
فقال ( عليه السلام ) : آذن لك أن تجلس ولا آذن لك أن تكفر ، فجلس ثم ألقى عنه برنسه ثم قال : جعلت فداك تأذن لي في الكلام ؟ قال : نعم ما جئت إلا له ، فقال له النصراني : أردد على صاحبي السلام أو ما ترد السلام ، فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : على صاحبك إن هداه الله ، فأما التسليم فذاك إذا صار في ديننا .
فقال النصراني : إني أسألك أصلحك الله ، قال : سل ، قال : أخبرني عن كتاب الله تعالى الذي أنزل على محمد ونطق به ، ثم وصفه بما وصفه به فقال : حَم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ما تفسيرها في الباطن ؟ فقال : أما حم فهو محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه ، وهو منقوص الحروف . وأما الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علي وأما الليلة ففاطمة وأما قوله : فيها يفرق كل أمر حكيم ، يقول : يخرج منها خير كثير ، فرجل حكيم ورجل حكيم ، فقال الرجل : صف لي الأول والآخر من هؤلاء الرجال ، فقال : إن الصفات تشتبه ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله ، وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم ، إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا وقديماً ما فعلتم !
قال له النصراني : إني لا أستر عنك ما علمت ولا أكذبك ، وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه ، والله لقد أعطاك الله من فضله ، وقسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ولا يستره الساترون ، ولا يكذب فيه من كذب ، فقولي لك في ذلك الحق كما ذكرت فهو كما ذكرت .
فقال له أبو إبراهيم ( عليه السلام ) : أعجلك أيضاً خبراً لا يعرفه إلا قليل ممن قرأ الكتب ، أخبرني ما اسم أم مريم وأي يوم نفخت فيه مريم وكم من ساعة من النهار ؟
وأي يوم وضعت مريم فيه عيسى ( عليه السلام ) ولكم من ساعة من النهار ؟
فقال النصراني : لا أدري . فقال أبو إبراهيم ( عليه السلام ) : أما أم مريم فاسمها مرثا وهي وهيبة بالعربية ، وأما اليوم الذي حملت فيه مريم فهو يوم الجمعة للزوال ، وهو اليوم الذي هبط فيه الروح الأمين ، وليس للمسلمين عيد كان أولى منه ، عظمه الله تبارك وتعالى وعظمه محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فأمر أن يجعله عيدا فهو يوم الجمعة وأما اليوم الذي ولدت فيه مريم فهو يوم الثلاثاء ، لأربع ساعات ونصف من النهار . والنهر الذي ولدت عليه مريم عيسى ( عليه السلام ) هل تعرفه ؟ قال : لا ، قال : هو الفرات ، وعليه شجر النخل والكرم ، وليس يساوي بالفرات شئ للكروم والنخيل ، فأما اليوم الذي حجبت فيه لسانها ونادى قيدوس ولده وأشياعه فأعانوه وأخرجوا آل عمران لينظروا إلى مريم ، فقالوا لها ما قص الله عليك في كتابه وعلينا في كتابه ، فهل فهمته ؟
قال : نعم وقرأته اليوم الأحدث ، قال : إذن لا تقوم من مجلسك حتى يهديك الله قال النصراني : ما كان اسم أمي بالسريانية وبالعربية ؟
فقال : كان اسم أمك بالسريانية عنقالية ، وعنقورة كان اسم جدتك لأبيك ، وأما اسم أمك بالعربية فهو مية ، وأما اسم أبيك فعبد المسيح وهو عبد الله بالعربية وليس للمسيح عبد . قال : صدقت وبررت ، فما كان اسم جدي ؟
قال : كان اسم جدك جبرئيل وهو عبد الرحمن سميته في مجلسي هذا . قال : أما إنه كان مسلماً ؟ قال أبو إبراهيم ( عليه السلام ) : نعم وقتل شهيداً ، دخلت عليه أجناد فقتلوه في منزله غيلة والأجناد من أهل الشام قال : فما كان اسمي قبل كنيتي ؟ قال : كان اسمك عبد الصليب ، قال : فما تسميني ؟ قال أسميك عبد الله ، قال : فإني آمنت بالله العظيم وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فرداً صمداً ، ليس كما تصفه النصارى ، وليس كما تصفه اليهود ولا جنس من أجناس الشرك ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق فأبان به لأهله وعمي المبطلون وأنه كان رسول الله إلى الناس كافة ، إلى الأحمر والأسود كل فيه مشترك ، فأبصر من أبصر واهتدى من اهتدى وعمي المبطلون ، وضل عنهم ما كانوا يدعون ، وأشهد أن وليه نطق بحكمته ، وأن من كان قبله من الأنبياء نطقوا بالحكمة البالغة وتوازوا على الطاعة لله وفارقوا الباطل وأهله والرجس وأهله ، وهجروا سبيل الضلالة ونصرهم الله بالطاعة له ، وعصمهم من المعصية ، فهم لله أولياء وللدين أنصار ، يحثون على الخير ويأمرون به ، آمنت بالصغير منهم والكبير ، ومن ذكرت منهم ومن لم أذكر ، وآمنت بالله تبارك وتعالى رب العالمين .
ثم قطع زناره وقطع صليباً كان في عنقه من ذهب ، ثم قال : مرني حتى أضع صدقتي حيث تأمرني . فقال : هاهنا أخ لك كان على مثل دينك ، وهو رجل من قومك من قيس بن ثعلبة ، وهو في نعمة كنعمتك فتواسيا وتجاورا ، ولست أدع أن أورد عليكما حقكما في الإسلام .
فقال : والله أصلحك الله إني لغني ، ولقد تركت ثلاث مائة طروق بين فرس وفرسة ، وتركت ألف بعير ، فحقك فيها أوفر من حقي ، فقال له : أنت مولى الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأنت في حد نسبك على حالك .
فحسن إسلامه وتزوج امرأة من بني فهر وأصدقها أبو إبراهيم ( عليه السلام ) خمسين ديناراً من صدقة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأخدمه وبوأه ، وأقام حتى أخرج أبو إبراهيم ( عليه السلام ) فمات بعد مخرجه بثمان وعشرين ليلة » .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة