البرامكة زنادقة ونواصب !
البرمك : لقب السادن الأكبر لمعبد نوبهار ، وهو معبد للفرس يجمع بين الوثنية والمجوسية ، ويقع في بلخ من أفغانستان . قال الحموي في معجم البلدان : 5 / 307 : « نُوْبَهَار : بالضم ثم السكون ، وكانت الفرس تعظمه وتحج إليه ، وكانوا يسمون السادن الأكبر برمك . . وكانت سُنَّتُهم إذا هم وافوه أن يسجدوا للصنم الأكبر ، ويقبلوا يد برمك . . كان برمك يُعمر النوبهار ويقوم به ، وهو اسم لبيت النار الذي كان ببلخ يعظم قدره بذلك ، فصار ابنه خالد بن برمك بعده » .
وروى الطبري ( 5 / 215 ) أن قتيبة بن مسلم فتح بلخ وسبى امرأة مرجعهم برمك بن جاماس بن يشتاسف ، وأعطاها لأخيه المجذوم عبد الله فحملت منه ، ثم اتفق مع أهل بلخ على رد الأسرى : « فقالت امرأة برمك لعبد الله بن مسلم يا نازي إني قد علقت منك . وحضرت عبد الله بن مسلم الوفاة ، فأوصى أن يلحق به ما في بطنها وردت إلى برمك ، فذكر أن ولد عبد الله بن مسلم جاؤوا أيام المهدي حين قدم الري إلى خالد فادعوه ، فقال لهم مسلم بن قتيبة : إنه لا بد لكم إن استلحقتموه أن تزوجوه ، فتركوه وأعرضوا عن دعواهم » !
وهكذا بقي خالد بن برمك ، ولو قبلوا أن يزوجوه لتم نسبه إليهم ، وصار خالد بن عبد الله بن مسلم الباهلي !
وعندما كبر خالد التحق بثورة أبي مسلم الخراساني ، وصار مع القائد قحطبة . حتى اختاره السفاح وزيراً بعد أبي سلمة الخلال ، وجعله قاضي الدولة العباسية ( البدء والتاريخ / 479 ، والآداب السلطانية / 107 ) .
وكان يُتهم بدين المجوس ، ومات سنة 165 وعمره 75 سنة . ( تاريخ دمشق : 16 / 7 - 8 ) .
وبرز بعده ابنه يحيى بن خالد ، وكان مقرباً من المنصور فوضع ابنه الرشيد في حجره ، فكان الرشيد يدعوه أبي ويدعو يحيى أخي ، ويحب جعفر أكثر !
وعندما استخلف استوزر يحيى بدل علي بن يقطين ، الذي كان وزير أبيه المهدي وأخيه موسى الهادي ، طيلة خلافتهما . ( ذيل تاريخ بغداد : 4 / 202 ) .
عداوة البرامكة للإمام الكاظم ( عليه السلام )
كان علي بن يقطين يكتم تشيعه ، وكان البرامكة يحسدونه ، ويتجسسون عليه ليثبتوا للمهدي والهادي علاقته بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
وكذلك كانوا يحسدون جعفر بن محمد بن الأشعث ، ويعملون لإقناع هارون بأنه شيعي ، وعندما وضع هارون ابنه الأمين في حجره زاد حسدهم له .
وهم الذين أقنعوا هارون بقتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ( الإرشاد : 2 / 237 ) فكان الرضا ( عليه السلام ) يدعو عليهم لأنهم قتلوا أباه ( عليه السلام ) : « كان أبو الحسن ( عليه السلام ) واقفاً بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه ، فسئل عن ذلك فقال : إني كنت أدعو الله تعالى على البرامكة بما فعلوا بأبي ، فاستجاب الله لي اليوم فيهم ! فلما انصرف لم يلبث إلا يسيراً حتى بُطش بجعفر ويحيى وتغيرت أحوالهم » ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 245 ) .
وروى الصدوق ( رحمه الله ) خطة يحيى بن خالد البرمكي لقتل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن صالح بن علي بن عطيه قال :
« كان السبب في وقوع موسى بن جعفر ( عليه السلام ) إلى بغداد ، أن هارون أراد أن يعقد الأمر لابنه محمد بن زبيدة ، وكان له من البنين له أربعة عشر ابناً ، فاختار منهم ثلاثة محمد بن زبيدة وجعله ولي عهده ، وعبد الله المأمون وجعل الأمر له بعد ابن زبيدة ، والقاسم المؤتمن وجعل له الأمر من بعد المأمون .
فأراد أن يحُكم ذلك الأمر ويشهره شهرةً يقف عليها الخاص والعام ، فحج في سنه تسع وسبعين ومئة ، وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والأمراء أن يحضروا مكة أيام الموسم ، فأخذ هو طريق المدينة .
قال علي بن محمد النوفلي : فحدثني أبي أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر ( عليه السلام ) أن وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث ، فساء ذلك يحيى وقال : إذا مات الرشيد وأفضى الأمر إلى محمد انقضت دولتي ودوله وُلْدي ، وتحول الأمر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده ، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع ، فأظهر له أنه على مذهبه فَسُرَّ جعفر وأفضى إليه بجميع أموره ، وذكر له ما عليه في موسى بن جعفر ( عليه السلام ) .
فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد وكان الرشيد يرعى له موضعه من نصرة الخلافة ، فكان يقدم في أمره ويؤخر ، ويحيى لا يألو أن يخطب عليه ( يتكلم معه ليقنعه ) إلى أن دخل يوماً إلى الرشيد فأظهر له إكراماً وجرى بينهما كلام في مزية جعفر لحرمته وحرمه أبيه ، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئاً حتى أمسى ، ثم قال للرشيد : يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرتك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه ، وهاهنا أمر فيه الفيصل ، قال : وما هو ؟ قال : إنه لا يصل إليه مال من جهة الجهات ، إلا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر ، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين الألف دينار التي أمرت بها له ، فقال هارون : إن في هذا لفيصلاً ، فأرسل إلى جعفر ليلاً وقد كان عرف سعاية يحيى به فتباينا وأظهر كل واحد منهما لصاحبه العداوة ، فلما طرق جعفر رسول الرشيد بالليل خشي أن يكون قد سمع فيه قول يحيى وأنه إنما دعاه ليقتله ! فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما ، ولبس برده فوق ثيابه وأقبل إلى الرشيد ، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور ورأى البردة عليه قال : يا جعفر ما هذا ؟ فقال : يا أمير المؤمنين قد علمت أنه سعى بي عندك فلما جاءني رسولك في هذه الساعة ، لم آمن أن يكون قد قرح في قلبك ما يقول على فأرسلت إلى لتقتلني ! قال : كلا ولكن قد خُبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه ، وأنك فعلت بذلك في العشرين الألف دينار ، فأحببت أن أعلم ذلك ! فقال جعفر : الله أكبر يا أمير المؤمنين تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها ! فقال الرشيد لخادم له : خذ خاتم جعفر وانطلق به تأتيني بهذا المال ، وسمى له جعفر جاريته التي عندها المال ، فدفعت إليه البدر بخواتيمها فأتى بها الرشيد ، فقال له جعفر : هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي إليك ! قال صدقت يا جعفر ، انصرف آمناً ، فإني لا أقبل فيك قول أحد ! قال وجعل يحيى يحتال في إسقاط جعفر !
قال النوفلي : فحدثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي عن بعض مشايخه وذلك في حجة الرشيد قبل هذه الحجة قال : لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال لي : ما لك قد أخملت نفسك ، ما لك لا تدبر أمور الوزير ! فقد أرسل إليَّ فعادلته وطلبت الحوائج إليه ، وكان سبب ذلك أن يحيى خالد قال ليحيى بن أبي مريم : ألا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبه في الدنيا فأوسع له منها ! قال : بلى أدلك على رجل بهذه الصفة ، وهو علي بن إسماعيل بن جعفر ، فأرسل إليه يحيى فقال : أخبرني عن عمك وعن شيعته والمال الذي يحمل إليه ؟ فقال له : عندي الخبر وسعى بعمه ! فكان من سعايته أن قال : من كثرة المال عنده أنه اشترى ضيعه تسمى اليسيرة بثلاثين ألف دينار ، فلما أحضر المال قال البايع : لا أريد هذا النقد ، أريد نقد كذا وكذا ، فأمر بها فصبت في بيت ماله ، وأخرج منه ثلاثين ألف دينار من ذلك النقد ووزنه ، في ثمن الضيعة !
قال النوفلي قال أبي : وكان موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) يأمر لعلي بن إسماعيل ويثق به ، حتى ربما خرج الكتاب منه بعض شيعته بخط علي بن إسماعيل ، ثم استوحش منه ، فلما أراد الرشيد الرحلة إلى العراق بلغ موسى بن جعفر أن علياً بن أخيه يريد الخروج مع السلطان إلى العراق فأرسل إليه مالك والخروج مع السلطان ؟ ! قال : لأن عليَّ ديناً ، فقال : دينك عليَّ . قال : فتدبير عيالي ؟ ! قال : أنا أكفيهم ، فأبى إلا الخروج ، فأرسل إليه مع أخيه محمد بن إسماعيل بن جعفر بثلاث مائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فقال له : اجعل هذا في جهازك ولا تؤتم ولدي ! » . ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 70 ، والمناقب : 3 / 423 ) .
وفي غيبة الطوسي / 23 ، أن يحيى بن خالد أحضر علي بن إسماعيل : « فأحس موسى ( عليه السلام ) بذلك فدعاه فقال : إلى أين يا بن أخي ؟ قال إلى بغداد ، قال : ما تصنع ؟ قال : عليَّ دينٌ وأنا ممُلق . قال : فأنا أقضي دينك وأفعل بك وأصنع ، فلم يلتفت إلى ذلك ! فقال له : أنظر يا ابن أخي لا تؤتم أولادي ! وأمر له بثلاث مائة دينار وأربعة آلاف درهم ، فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى ( عليه السلام ) لمن حضره : والله ليسعين في دمي ويؤتمن أولادي !
فقالوا له : جعلنا الله فداك ، فأنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله ! فقال لهم : نعم ، حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن الرحم إذا قطعت فوصلت قطعها الله ! فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر ورفعه إلى الرشيد ، وزاد عليه . . .
وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله إني أعتذر إليك من شئ أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسى بن جعفر ، فإنه يريد التشتيت بأمتك وسفك دمائها . ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده ، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان ، هو في إحداهما ، ووجه مع كل واحدة منهما خيلاً فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ليعمي على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة ، وأمر الرسول أن يسلمه إلى عيسى بن أبي جعفر المنصور وكان على البصرة حينئذ ، فمضى به فحبسه عنده سنة ، ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلا خليت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فما أقدر على ذلك ! حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك ، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة . فوجه من تسلمه منه . . إلى آخر الحديث » .
وفي غيبة الطوسي / 23 : « فخرج علي بن إسماعيل حتى أتى إلى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ورفعه إلى الرشيد وزاد عليه وقال له : إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب وإن له بيوت أموال . . الخ . » !
وفي رجال الطوسي / 540 ، أنه ودع الإمام الكاظم ( عليه السلام ) فقال له : « يا عم أحب أن توصيني فقال : أوصيك أن تتقي الله في دمي ! فقال : لعن الله من يسعى في دمك ! ثم قال : يا عم أوصني ، فقال : أوصيك أن تتقي الله في دمي . . . !
قال : فخرج إلى العراق فلما ورد حضرة هارون أتى باب هارون بثياب طريقه قبل أن ينزل ، واستأذن على هارون وقال للحاجب ، قل لأمير المؤمنين إن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بالباب ، فقال الحاجب : إنزل أولاً وغيِّر ثياب طريقك وعُد لأدخلك إليه بغير إذن ، فقد نام أمير المؤمنين في هذا الوقت ، فقال : أعلم أمير المؤمنين أني حضرت ولم تأذن لي ! فدخل الحاجب وأعلم هارون قول محمد بن إسماعيل ، فأمر بدخوله فدخل وقال : يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج ، وأنت بالعراق يجبى لك الخراج ! فقال : والله ، فقال : والله ، قال : فأمر له بمائة ألف درهم ، فلما قبضها وحمل إلى منزلة ، أخذته الذبحة في جوف ليلته فمات ، وحول من الغد المال الذي حمل إليه ! وروى موسى بن القاسم البجلي : عن علي بن جعفر قال : سمعت أخي موسى ( عليه السلام ) قال : قال أبي لعبد الله أخي : إليك ابني أخيك فقد ملآني بالسفه ، فإنهما شرك شيطان يعني : محمد بن إسماعيل بن جعفر وعلي بن إسماعيل ، وكان عبد الله أخاه لأبيه وأمه » !
أقول : ورد أن الذي سعى بالإمام الكاظم ( عليه السلام ) علي بن إسماعيل ، وفي بعضها أخوه محمد بن جعفر ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 72 ، والمناقب : 3 / 439 ) والظاهر أنهم ثلاثتهم شركاء في ذلك ، بتحريك يحيى البرمكي !
3 - نكبة البرامكة في أوج مجدهم !
حكم يحيى البرمكي وأولاده سبع عشرة سنة ، من أول عهد هارون سنة 170 ، إلى نكبتهم في أول سنة 187 ، حيث انقلب عليهم هارون فجأة ، فقتل جعفر بن يحيى : « ونصب رأسه على الجسر الأوسط ، وقطَّع جثته ، وصلب كل قطعة منها على الجسر الأعلى والجسر الأسفل » ( الطبري : 6 / 491 ) .
وحبس أباه يحيى وأخاه الفضل وماتا في حبسه : « وكان يحيى بن خالد محبوساً بالكوفة ، ولم يزل بها كذلك إلى أن مات سنة تسعين ومائة ، ومات بعده ابنه الفضل سنة ثلاث وتسعين » ( ابن خلدون : 3 / 224 ) .
وقال بعضهم إن سبب نكبتهم أن جعفر البرمكي زنا بالعباسة أخت هارون رغم نهيه إياه ( سير الذهبي : 9 / 66 ، والطبري : 6 / 489 ) ولا يصح ذلك ، لأن هارون نفسه كان يشرب معهما ، وكان لا يصبر على منادمتهما !
وقال بعضهم إن البرامكة تآمروا مع عبد الملك بن صالح العباسي لينصبوه خليفة بدل هارون ، وهو أحد أعمام هارون ، وكان شخصية متميزة على كل بني العباس في كفاءته وبلاغته ، وكان هارون يهابه ، وقد بعثه لحرب الروم مرات فلم يُقتل ، ثم ولاه الموصل ودمشق ومصر ، وعزله . ثم اتهمه بالتآمر عليه وحبسه وبقي في حبسه حتى أطلقه الأمين ( تاريخ : 37 / 21 ) .
وتدل سياسة هارون وكلماته فيهم على أنه اعتقد أن البرامكة ارتكبوا جريمة خيانة الخليفة ولذلك بادر بتصفيتهم ! وتعمد أن يكتم السبب فقال : « لو علمت يميني بالسبب الذي له فعلت هذا لقطعتها » ! ( تاريخ اليعقوبي : 2 / 421 ) .
والمرجح عندي أن الفضل بن يحيى لما سجن عنده الإمام الكاظم ( عليه السلام ) رأى من كراماته وآياته فمال إليه أو تشيع ، وأخذ يفكر جدياً في انقلاب على العباسيين لمصلحة بعض العباسيين أو العلويين ، وبحث ذلك مع أبيه وأخيه في سرية تامة عن هارون !
وقد حكت الروايات ( الطبري : 6 / 491 ) بطش هارون بالبرامكة بعد أربع سنوات من شهادة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، برواية مسرور خادم هارون ، قال :
« أرسلني الرشيد لآتيه بجعفر بن يحيى لما أراد قتله ، فأتيته وعنده أبو زكار الأعمى المغني وهو يغنيه . . قال فقلت له : أجب أمير المؤمنين قال فرفع يديه ووقع على رجليَّ يقبلهما وقال : حتى أدخل فأوصي ! قلت : أما الدخول فلا سبيل إليه ولكن أوص بما شئت ، فتقدم في وصيته بما أراد وأعتق مماليكه ، ثم أتتني رسل أمير المؤمنين تستحثني به ، قال : فمضيت به إليه فأعلمته فقال لي وهو في فراشه : إئتني برأسه فأتيت جعفراً فأخبرته فقال : يا أبا هاشم الله الله ، والله ما أمرك بما أمرك به إلا وهو سكران ، فدافعْ بأمري حتى أصبح وآمره فيَّ ثانية ، فعدت لأؤامره فلما سمع حسي قال : يا ماص بظر أمه إئتني برأس جعفر ! فعدت إلى جعفر فأخبرته فقال : عاوده فيَّ ثالثةً فأتيته فحذفني بعمود ثم قال : نفيت من المهدي إن أنت جئتني ولم تأتني برأسه لأرسلن إليك من يأتيني برأسك أولاً ثم برأسه آخراً ! قال فخرجت فأتيته برأسه ! قال وأمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط بيحيى بن خالد وجميع ولده ومواليه ومن كان منهم بسبيل ، فلم يفلت منهم أحد كان حاضراً ، وحول الفضل بن يحيى ليلاً فحبس في ناحية من منازل الرشيد ، وحبس يحيى بن خالد في منزله ، وأخذ ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير ذلك ، ومنع أهل العسكر من أن يخرج منهم خارج إلى مدينة السلام أو إلى غيرها ، ووجه من ليلته رجاء الخادم إلى الرقة في قبض أموالهم وما كان لهم وأخذ كل ما كان من رقيقهم ومواليهم وحشمهم ، وولاه أمورهم ، وفرق الكتب من ليلته إلى جميع العمال في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم وأخذ وكلائهم ! فلما أصبح بعث بجثة جعفر بن يحيى مع شعبة الخفتاني وهرثمة بن أعين وإبراهيم بن حميد المروروذي ، وأتبعهم عدة من خدمه وثقاته منهم مسرور الخادم ، إلى منزل جعفر بن يحيى وإبراهيم بن حميد . وحسين الخادم إلى منزل الفضل بن يحيى ويحيى بن عبد الرحمن . ورشيد الخادم إلى منزل يحيى ومحمد بن يحيى . وجعل معه هرثمة بن أعين ، وأمر بقبض جميع مالهم !
وكتب إلى السندي الحرشي بتوجيه جيفة جعفر إلى مدينة السلام ، ونصب رأسه على الجسر الأوسط ، وقطع جثته وصلب كل قطعة منها على الجسر الأعلى والجسر الأسفل ففعل السندي ذلك ، وأمضى الخدم ما كانوا وجهوا فيه ، وحمل عدة من أولاد الفضل وجعفر ومحمد الأصاغر إلى الرشيد فأمر بإطلاقهم .
وأمر بالنداء في جميع البرامكة : ألا أمان لمن آواهم ، إلا محمد بن خالد وولده وأهله وحشمه ، فإنه استثناهم لما ظهر من نصيحة محمد له ، وعرف براءته مما دخل فيه غيره » .
وفي الأخبار الطوال / 391 ، أن هارون أمر « عند ممره ببغداد بخشبة جعفر بن يحيى أن تحرق » ! وبذلك أنهى صلب جثة جعفر البرمكي بعد سنة من صلبها !
ووصف في تاريخ بغداد : 7 / 168 ، الحالة التي وصلت إليها والدة جعفر البرمكي ، التي أفلتت من سجن هارون بعد موته ، قال : « عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي صاحب صلاة الكوفة قال : دخلت على أمي في يوم عيد أضحى وعندها امرأة برزة في أثواب دنسة رثة فقالت لي : أتعرف هذه ؟ قلت لا ، قالت : هذه عبادة أم جعفر بن يحيى بن خالد ، فسلمت عليها ورحبت بها وقلت لها : يا فلانة حدثيني ببعض أمركم . قالت أذكر لك جملة كافية فيها اعتبار لمن اعتبر وموعظة لمن فكر : لقد هجم عليَّ مثل هذا العيد وعلى رأسي أربع مائة وصيفة ، وأنا أزعم أن جعفراً ابني عاقٌّ بي ، وقد أتيتكم في هذا اليوم والذي يقنعني جلدا شاتين أجعل أحدهما شعاراً والآخر دثاراً » !
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة