علي بن يقطين ( رحمه الله ) رئيس وزراء هارون
كان أبوه يقطين « يبيع الأبزار وهي التوابل » ( رجال الطوسي : 2 / 729 ) . وكان من دعاة العباسيين فطلبه الخليفة الأموي مروان ( الحمار ) فهرب مع عائلته إلى المدينة المنورة ، وكانت له صلة بالإمام الصادق ( عليه السلام ) .
كان من ثقات المنصور فوضع ولده المهدي في حجره : « فنشأ المهدي وعلي بن يقطين كأنهما أخوان ، فلما أفضت الخلافة إلى المهدي استوزر علي بن يقطين وقدمه وجعله على ديوان الزمام وديوان البسر والخاتم ، فلم يزل في يده حتى توفى المهدي وأفضى الأمر إلى الهادي فأقره على وزارته ولم يشرك معه أحداً في أمره ، إلى أن توفي الهادي وصار الأمر إلى الرشيد ، فأقره شهراً ، ثم صرفه بيحيى بن خالد البرمكي » . ( ذيل تاريخ بغداد : 4 / 202 ) .
ومع أن هارون عزله من الوزارة ، لكن بقيت له مكانة محترمة عنده ، فعندما غضب على البرامكة ونكبهم ، أعاده إلى الوزارة !
قال المسعودي في التنبيه والإشراف / 299 : « ودفع خاتم الخلافة بعد إيقاعه بهم إلى علي بن يقطين ، وغلب عليه الفضل بن الربيع وإسماعيل بن صبيح إلى أن مات » .
ومعنى هذا أن هارون بكل دهائه ورقابته ، لم يجد أي مستمسك على علي بن يقطين ، فبقي على ثقته به إلى أن توفي ( رحمه الله ) قبل شهادة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
وفي معجم السيد الخوئي ( قدس سره ) : 13 / 242 : « علي بن يقطين بن موسى البغدادي كوفي الأصل ، مولى بني أسد . . . قال الشيخ الطوسي : علي بن يقطين ثقة جليل القدر ، له منزلة عظيمة عند أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ، عظيم المكان في الطائفة .
كان يحمل الأموال إلى جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، ونمَّ خبره إلى المنصور والمهدي فصرف الله عنه كيدهما ، وتوفي ببغداد سنة اثنتين وثمانين ومائة ، وسنُّهُ يومئذ سبع وخمسون سنة ، وصلى عليه ولي العهد محمد بن الرشيد ، وتوفي أبوه بعده سنة خمس وثمانين ومائة . ولعلي بن يقطين رضي الله عنه كتب ، منها : كتاب ما سئل عنه الصادق ( عليه السلام ) من الملاحم ، وكتاب مناظرة الشاك بحضرته ( عليه السلام ) » .
أقول : روى علي بن يقطين عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كثيراً ، وذكروا أنه روى عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) رواية واحدة ، ولا يصح ذلك كما بينه السيد الخوئي ( رحمه الله ) . بل روى عنه عدة روايات ، وله كتاب أحاديثه ( عليه السلام ) في الملاحم وكتاب مناظرته لملحد بحضوره ( عليه السلام ) ، فقد كان عمره نحو 25 سنة عندما توفي الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وكان يراه في موسم الحج ، وفي استدعاء المنصور له إلى الكوفة والحيرة وبغداد .
هذا ، وقد ذكر ابن النديم في الفهرست / 279 ، والنجار في ذيل تاريخ بغداد : 4 / 202 ، أن يقطيناً كان شيعياً وأنه كان يحمل المال إلى الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وهو بعيد ، والمؤكد أن ابنه علياً كان شيعياً ، وكان أبوه يعرف ذلك ، ويستر عليه .
من أخبار علي بن يقطين مع الإمام الكاظم ( عليه السلام )
1 - غيَّر عثمان بن عفان وضوء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأدخل فيه غسل القدمين ، وتطويق الأذنين ، كما يفعل اليهود والصابئة . وفرض هذا الوضوء على المسلمين ، وعممته الدولة الأموية ، ثم تبناه العباسيون . وقد استوفى دراسته العالم الباحث السيد علي الشهرستاني في كتابه : وضوء النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد بقي أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم على وضوء النبي ( صلى الله عليه وآله ) فصاروا يعرفون به !
وكان علي بن يقطين ( رحمه الله ) في بلاط هارون محاطاً بحساده البرامكة وبعض أقاربه فكتب إلى الإمام الكاظم ( عليه السلام ) يسأله كيف يتوضأ : « فكتب إليه : فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء ، والذي آمرك به في ذلك أن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً ، وتخلل لحيتك ، وتمسح رأسك كله ، وبه تمسح ظاهر أذنيك وباطنهما ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ، ولا تخالف ذلك إلى غيره .
فلما وصل الكتاب إلى علي تعجب مما رسم له فيه ، ثم قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، فكان يعمل في وضوئه على هذه ، وسُعِيَ بعلي إلى الرشيد بالرفض فقال : قد كثر القول عندي في رفضه ، فامتحنه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه ، فلما دخل وقت الصلاة وقف الرشيد وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء وتوضأ على ما أمره الإمام فلم يملك الرشيد نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ، ثم ناداه : كذاب يا علي من زعم أنك من الرافضة ! وصلحت حاله عنده ، وورد كتاب أبي الحسن ( عليه السلام ) ابتداء : من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما أمرك الله ، وذكر وصفه ، فقد زال ما يخاف عليك . . إغسل وجهك مرة فريضة والأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك ، وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك » ( مناقب آل أبي طالب : 3 / 407 ، وإعلام الورى : 2 / 22 ) .
2 - قال علي بن يقطين : « كنت عند هارون الرشيد يوماً إذ جاءت هدايا ملك الروم ، وكانت فيها درَّاعة ( جبة ) ديباج سوداء لم أر أحسن منها ، فرآني أنظر إليها فوهبها لي ، وبعثتها إلى أبي إبراهيم ( عليه السلام ) ، ومضت عليها تسعة أشهر ، فانصرفت يوماً من عند هارون بعد أن تغديت بين يديه ، فلما دخلت داري قام إليَّ خادمي الذي يأخذ ثيابي بمنديل على يده وكتاب لطيف خاتمه رطب ، فقال : أتاني رجل بهذا الساعة فقال : أوصله إلى مولاك ساعة يدخل ! ففضضت الكتاب فإذا فيه : يا علي هذا وقت حاجتك إلى الدراعة ! فكشفت طرف المنديل عنها ورأيتها وعرفتها ، ودخل عليَّ خادم لهارون بغير إذن فقال : أجب أمير المؤمنين ! قلت : أي شئ حدث ؟ قال : لا أدري ، فركبت ودخلت عليه وعنده عمر بن بزيع واقفاً بين يديه ، فقال : ما فعلت بالدراعة التي وهبتها لك ؟ قلت : خِلَعُ أمير المؤمنين عليَّ كثيرة ، من دراريع وغيرها ، فعن أيها تسألني ؟ قال : دراعة الديباج السوداء الرومية المذهبة ؟ قلت : ما عسى أن أصنع بها ، ألبسها في أوقات وأصلي فيها ركعات وقد كنت دعوت بها عند منصرفي من دار أمير المؤمنين الساعة لألبسها ! فنظر إلى عمر بن بزيغ فقال : قل له ليرسل حتى يحضرنيها . قال : فأرسلت خادمي حتى جاء بها ، فلما رآها قال : يا عمر ما ينبغي أن نقبل على عليٍّ بعدها شيئاً ! قال : فأمر لي بخمسين ألف درهم ، حملت مع الدراعة إلى داري ! قال علي بن يقطين : وكان الساعي بي ابن عم لي فسوَّد الله وجهه وكذَّبه والحمد لله » « الخرائج : 2 / 656 ، والمناقب : 3 / 408 ، ودلائل الإمامة / 322 ، والإرشاد : 2 / 225 ، والخرائج : 1 / 334 ، وإعلام الورى : 2 / 19 ، والثاقب في المناقب / 449 ) . وفي روايتهم : « فسكن الرشيد من غضبه وقال : انصرف راشداً فلن أصدق بعدها ساعياً ، وأمر أن يتبع بجائزة سنية وتقدم بضرب الساعي ألف سوط ، فضرب نحو خمس مائة سوط ، فمات » .
3 - استأذن إبراهيم الجمال رضي الله عنه على أبي الحسن علي بن يقطين الوزير فحجبه ، فحج علي بن يقطين في تلك السنة فاستأذن بالمدينة على مولانا موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فحجبه ، فرآه ثاني يومه فقال علي بن يقطين : يا سيدي ما ذنبي ؟ فقال : حجبتك لأنك حجبت أخاك إبراهيم الجمال ، وقد أبى الله أن يشكر سعيك أو يغفر لك إبراهيم الجمال ! فقلت : سيدي ومولاي من لي بإبراهيم الجمال في هذا الوقت ، وأنا بالمدينة وهو بالكوفة ؟ فقال : إذا كان الليل فامض إلى البقيع وحدك من غير أن يعلم بك أحد من أصحابك وغلمانك واركب نجيباً هناك مسرجاً !
قال : فوافي البقيع وركب النجيب ولم يلبث أن أناخه على باب إبراهيم الجمال بالكوفة ، فقرع الباب وقال : أنا علي بن يقطين ، فقال إبراهيم الجمال من داخل الدار : وما يعمل علي بن يقطين الوزير ببابي ! فقال علي بن يقطين : يا هذا إن أمري عظيم ! وآلى عليه أن يأذن له ، فلما دخل قال : يا إبراهيم إن المولى ( عليه السلام ) أبى أن يقبلني أو تغفر لي ! فقال : يغفر الله لك ، فآلى علي بن يقطين على إبراهيم الجمال أن يطأ خده فامتنع إبراهيم من ذلك ، فآلى عليه ثانياً ففعل ، فلم يزل إبراهيم يطأ خده وعلي بن يقطين يقول : اللهم اشهد ! ثم انصرف وركب النجيب وأناخه من ليلته بباب المولى موسى بن جعفر ( عليه السلام ) بالمدينة ، فأذن له ودخل عليه فقبله » ! ( عيون المعجزات / 90 ، والثاقب في المناقب / 458 ، والبحار : 48 / 85 ) .
أقول : أراد الإمام ( عليه السلام ) بذلك تربية علي بن يقطين على أن لا يرد مؤمناً جاءه في حاجة ، أما إرساله إلى الكوفة بالمعجزة ، فقد رأى علي بن يقطين شبيهه مراراً !
4 - قال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) لعلي بن يقطين : « إضمن لي خصلة ، أضمن لك ثلاثاً ! فقال علي : جعلت فداك ، وما الخصلة التي أضمنها لك وما الثلاث اللواتي تضمنهن لي ؟ قال فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : الثلاث اللواتي أضمنهن لك : أن لا يصيبك حر الحديد أبداً بقتل ، ولا فاقة ، ولا سجن . قال فقال علي : وما الخصلة التي أضمنها لك ؟ قال فقال : تضمن أن لا يأتيك ولي أبداً إلا أكرمته ! قال فضمن عليٌّ الخصلة وضمن له أبو الحسن الثلاث » . ( رجال الطوسي : 2 / 731 ) .
5 - « روى بكر بن محمد الأشعري أن أبا الحسن الأول ( عليه السلام ) قال : إني استوهبت علي بن يقطين من ربي عز وجل البارحة فوهبه لي ، إن علي بن يقطين بذل ماله ومودته فكان لذلك منا مستوجباً .
ويقال إن علي بن يقطين ربما حمل مائة ألف إلى ثلاث مائة ألف درهم ، وإن أبا الحسن ( عليه السلام ) زوج ثلاثة بنين أو أربعة ، منهم أبو الحسن الثاني ، فكتب إلى علي بن يقطين : إني قد صيرت مهورهن إليك » . ( رجال الطوسي : 2 / 732 ) .
وقال سليمان بن الحسين كاتب علي بن يقطين : « أحصيت لعلي بن يقطين من وافى عنه في عام واحد مائة وخمسين رجلاً ، أقل من أعطاه منهم سبع مائة درهم ، وأكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم » . ( رجال الطوسي : 2 / 737 ) .
6 - في معجم السيد الخوئي : 13 / 247 : « عن إسماعيل بن سلام ، وإسماعيل بن جميل ، قالا : بعث إلينا علي بن يقطين فقال : اشتريا راحلتين وتجنبا الطريق ، ودفع إلينا أموالاً وكتباً ، حتى توصلا ما معكما من المال والكتب إلى أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) ولا يعلم بكما أحد . قالا : فأتينا الكوفة فاشترينا راحلتين وتزودنا زادا وخرجنا نتجنب الطريق ، حتى إذا صرنا ببطن الرمة شددنا راحلتنا ووضعنا لها العلف وقعدنا نأكل ، فبينا نحن كذلك إذ راكب قد أقبل ومعه شاكري ، فلما قرب منا فإذا هو أبو الحسن ( عليه السلام ) فقمنا إليه وسلمنا عليه ، ودفعنا إليه الكتب وما كان معنا ، فأخرج من كمه كتباً فناولنا إياها فقال : هذه جوابات كتبكم ، فقلنا : إن زادنا قد فنيَ فلو أذنت لنا فدخلنا المدينة فزرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتزودنا بزاد ، فقال : هاتا ما معكما من الزاد ، فأخرجنا الزاد فقلبه بيده ، فقال : هذا يبلغكما إلى الكوفة ، وأما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقد رأيتماه ، وإني صليت معهم الفجر ، وإني أريد أن أصلي معهم الظهر ، انصرفا في حفظ الله » !
7 - « لما قدم أبو إبراهيم موسى بن جعفر ( عليه السلام ) العراق ، قال له علي بن يقطين : أما ترى حالي وما أنا فيه ( من صعوبة العمل لكثرة المكائد في بلاط هارون ) ؟ ! فقال : يا علي إن لله تعالى أولياء مع الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه ، وأنت منهم يا علي » . ( رجال الطوسي : 2 / 731 ) . وفي رواية : « إن لله مع كل طاغية وزيرا من أوليائه يدفع به عنهم » . ( معجم السيد الخوئي : 13 / 247 )
وفي قرب الإسناد / 306 : « كتب إلى أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) : إن قلبي يضيق مما أنا عليه من عمل السلطان ، وكان وزيراً لهارون ، فإن أذنت لي جعلني الله فداك هربت منه ! فرجع الجواب : لا آذن لك بالخروج من عملهم واتق الله » !
8 - « عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : كنت عند أبي إبراهيم ( عليه السلام ) إذ أقبل علي بن يقطين فالتفت إلى أصحابه فقال : من سره أن يرى رجلاً من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلينظر إلى هذا المقبل ! فقال له رجل من القوم : هو إذن من أهل الجنة ؟ فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أما أنا فأشهد أنه من أهل الجنة » . ( رجال الطوسي : 2 / 730 ) .
جعفر بن محمد بن الأشعث رئيس وزراء هارون
1 - محمد بن الأشعث الخزاعي غير محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، وقد خلط البعض بينهما ، وجعفر هنا هو الخزاعي وليس الكندي . وأبوه من قادة الثورة العباسية ، ففي تاريخ اليعقوبي : 2 / 386 : « فولى أبو جعفر محمد بن الأشعث الخزاعي ، فقدم طرابلس » .
وفي فتوح البلاذري : 1 / 275 : « ثم دخل محمد بن الأشعث الخزاعي إفريقية والياً عليها في آخر خلافة أبى العباس ، في سبعين ألفاً ويقال في أربعين ألفاً ، فوليها أربع سنين ، فرمَّ مدينة القيروان » . أي رممها وبنى فيها .
وفي أنساب السمعاني : 4 / 573 : « وقيل : بنى القيروان محمد بن الأشعث الخزاعي ، وتحت لوائه عشرون ومائة قائد » .
وفي تاريخ الذهبي : 9 / 262 : « محمد بن الأشعث بن يحيى الخزاعي الخراساني ، الأمير ، أحد قواد بني عباس . ولي دمشق للمنصور بعد صالح بن علي العباسي ثم ولاه إمرة الديار المصرية ، ودخل القيروان لحرب الإباضية ، وكان شجاعاً حازماً مهيباً ، هزم أبا الخطاب عبد الأعلى رأس الخوارج ، ثم ظفر به وقتله ، ومات ابن الأشعث هذا سنة تسع وأربعين ومائة » .
وكان جعفر بن محمد بن الأشعث قائداً كأبيه ، وذكره الطبري وذكر ابنه العباس فقال : ( 6 / 529 ، و 447 ) : « سنة 187 وفيها أقدم الرشيد جعفر بن محمد بن الأشعث من خراسان ، وولاها ابنه العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث » .
وكان هارون يستقدمه ليعطيه مسؤولية كبيرة كخاتم الخلافة أو الحرس الشخصي له . ( تاريخ خليفة / 382 ) . وقد بلغت ثقة هارون بجعفر بن محمد بن الأشعث أنه جعل ابنه المأمون في حجره ليربيه ، فحسده البرامكة كما تقدم !
وورد ذكر ابنه العباس في غزو الروم أيضاً ، قال الطبري ( 6 / 500 ) : « دخل القاسم بن هارون أرض الروم في شعبان فأناخ على قرة وحاصرها ، ووجه العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث فأناخ على حصن سنان حتى جهدوا ، فبعثت إليه الروم تبذل له ثلاث مائة وعشرين رجلاً من أسارى المسلمين على أن يرحل عنهم ، فأجابهم إلى ذلك » .
« فوجه ابنه المأمون قبل وفاته بثلاث وعشرين ليلة إلى مرو ، ومعه عبد الله بن مالك ، ويحيى بن معاذ ، وأسد بن يزيد بن مزيد ، والعباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث . . ثم اشتد بهارون الوجع حتى ضعف عن السير » . ( الطبري : 6 / 525 ) .
2 - روى محمد بن الأشعث قصة تشيعهم ، فقال لمحمد بن أبي عمير : « أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر ومعرفتنا به ، وما كان عندنا فيه ذكر ولا معرفة شئ مما عند الناس ؟ قال قلت : ما ذاك ؟ قال : إن أبا جعفر يعني أبا الدوانيق قال لأبي محمد الأشعث : يا محمد إبغ لي رجلاً له عقل يؤدي عني . فقال له : إني قد أصبته لك ، هذا فلان بن مهاجر خالي . قال : فأتني به . قال : فأتيته بخالي فقال له أبو جعفر : يا ابن مهاجر خذ هذا المال ، فأعطاه ألوف دنانير أو ما شاء الله من ذلك ، وائت المدينة والق عبد الله بن الحسن وعدة من أهل بيته فيهم جعفر بن محمد ، فقل لهم : إني رجل غريب من أهل خراسان ، وبها شيعة من شيعتكم وجهوا إليكم بهذا المال ، فادفع إلى كل واحد منهم على هذا الشرط كذا وكذا ، فإذا قبضوا المال فقل إني رسول ، وأحب أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم مني !
قال فأخذ المال وأتى المدينة ثم رجع إلى أبي جعفر ، وكان محمد بن الأشعث عنده فقال أبو جعفر : ما وراءك ؟ قال : أتيت القوم وفعلت ما أمرتني به ، وهذه خطوطهم بقبضهم ، خلا جعفر بن محمد فإني أتيته وهو يصلي في مسجد الرسول ( ص ) فجلست خلفه وقلت ينصرف فأذكر له ما ذكرت لأصحابه ، فعجل وانصرف ثم التفت إليَّ فقال : يا هذا إتق الله ولا تَغُرَّنَّ أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) وقل لصاحبك إتق الله ولا تغرن أهل بيت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فإنهم قريبوا العهد بدولة بني مروان وكلهم محتاج !
قال فقلت : وماذا أصلحك الله ؟ ! فقال : أدن مني ، فأخبرني بجميع ما جرى بيني وبينك حتى كأنه كان ثالثنا !
قال فقال أبو جعفر : يا ابن مهاجر ، إعلم إنه ليس من أهل بيت نبوة إلا وفيهم محدث ، وإن جعفر بن محمد محدثنا اليوم ! فكان هذه دلالة أنا قلنا بهذا المقالة » ( بصائر الدرجات / 265 ، والكافي : 1 / 475 ) .
أقول : أراد المنصور أن يُزّوِّر ممسكاً على العلويين بأنهم يجمعون المال والأنصار للثورة عليه ، فيحبسهم لذلك أو يقتلهم ! وانطلت الحيلة على الحسنيين ، بينما كشفها الله تعالى للإمام الصادق ( عليه السلام ) فأخبر رسول المنصور ، فاندهش !
وتتعجب من قدرة المنصور على التزوير ، وأنه لم ينبهت عندما أخبره رسوله بما رأى بل غيَّر الموضوع وجعله فخراً له بالإمام الصادق ( عليه السلام ) لأنه من بني هاشم !
وتتعجب أكثر من أن المنصور مع شهادته بأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) إمام تحدثه الملائكة فهو لا يهتم بمقامه ولا بعلمه ، ولا بالملائكة ولا بالرسل ولا بربهم عز وجل ! بل يريد مستمسكاً على الإمام ( عليه السلام ) ليقتله ويبعد ضرره عن ملكه ! تماماً كما قال الله تعالى عنهم : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ !
وكانت هذه الحادثة سبب تشيع رسول المنصور ومحمد بن الأشعث ، ولا بد أنهم رأوا غيرها من الآيات فاعتقدوا بأن الإمام الصادق ( عليه السلام ) حجة الله تعالى على خلقه ، والإمام المفترض الطاعة ! لكنهم حافظوا على ثقة المنصور بهم واحتفظوا بمناصبهم ! ولا بد أن الإمام ( عليه السلام ) علمهم وعلم ابن يقطين كيف يتصرفون !
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة