حبس هارون للإمام الكاظم ( عليه السلام ) - المرة الأولى
كان هارون يعرف أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) إمام من الله تعالى ، بل كان كل ملوك بني أمية والعباس يعرفون جيداً أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) الذين عاصروهم . فهم حقاً كما قال الله تعالى : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا !
ومع علم هارون بمقام الإمام ( عليه السلام ) أحضره إلى بغداد واحترمه في الظاهر ، وجلس معه عدة مجالس ، وحاول قتله مراراً فلم يتيسر له ذلك ، فأطلقه !
كان ذلك في أول خلافة هارون سنة 170 ، ففي تلك السنة ولد الأمين فوضعه في حجر جعفر بن الأشعث الشيعي ( الطبري : 6 / 444 ) ، وحسده يحيى بن خالد البرمكي ، وأخذ يعمل ضد ابن الأشعث وضد الإمام الكاظم ( عليه السلام )
قال المسعودي في إثبات الوصية / 193 : « بويع لهارون الرشيد في شهر ربيع الأول في تلك السنة سنة سبعين ومائة في اثنتين وعشرين سنة من إمامة أبي الحسن ، فوجه في حمل أبي الحسن ( عليه السلام ) ، فلما وافاه الرسل دعا أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) وهو أكبر ولده فأوصى إليه بحضرة جماعة من خواصه ، وأمره بما احتاج إليه ، ونحله كنيته وتكنى بأبي إبراهيم ، ودفع إلى أم أحمد مالاً وكتباً وقال لها سراً : من أتاك فطلب منك ما دفعته إليك وأعطاك صفته فادفعيه إليه ، ودفع إليها رقعة مختومة وأمرها بأن تسلمها معها قبلها إلى أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) إذا طلبها ، وأمر أبا الحسن أن يبيت في كل ليلة في دهليز داره أو على بابه أبداً ما دام حياً يعني نفسه » .
وفي مروج الذهب : 2 / 2 ، وط . مصر : 2 / 356 : « ذكر عبد الله بن مالك الخزاعي وكان على دار الرشيد وشرطته ، قال : أتاني رسول الرشيد في وقت ما جاءني فيه قط فانتزعني من موضعي ومنعني من تغيير ثيابي ، فراعني ذلك منه ! فلما صرت إلى الدار سبقني الخادم فعرَّفَ الرشيد خبري فأذن لي في الدخول عليه ، فدخلت فوجدته قاعداً على فراشه فسلمت ، فسكت ساعة فطار عقلي وتضاعَفَ الجزع عليَّ ، ثم قال لي : يا عبد الله أتدري لم طلبتك في هذا الوقت ؟
قلت : لا والله يا أمير المؤمنين ! قال : إني رأيت الساعة في منامي كأن حَبَشِيّاً قد أتاني ومعه حربة فقال لي : إن تُخَلِّ عن موسى بن جعفر الساعة ، وإلا نحرتك بهذه الحربة ! فاذهبْ فخلّ عنه !
فقلت : يا أمير المؤمنين أطلقُ موسى بن جعفر ؟ ! ثلاثاً ، قال : نعم ، إمض الساعة حتى تطلق موسى بن جعفر ، وأعطه ثلاثين ألف درهم ، وقل له : إن أحببت المقام قِبَلَنَا فلك عندي ما تحب ، وإن أحببت المضيَّ إلى المدينة ، فالإذن في ذلك إليك ! قال : فمضيت إلى الحبس لأخرجه ، فلما رآني موسى وثب إلي قائماً وظن إني قد أمرت فيه بمكروه ! فقلت : لا تخف ، وقد أمرني أمير المؤمنين بإطلاقك ، وأن أدفع إليك ثلاثين ألف درهم وهو يقول لك : إن أحببت المقام قبلنا فلك ما تحب ، وإن أحببت الانصراف إلى المدينة فالأمر في ذلك مُطْلَقٌ إليك وأعطيته الثلاثين ألف درهم وخليت سبيله وقلت له : لقد رأيت من أمرك عجباً ! قال : فإني أخبرك : بينما أنا نائم إذ أتاني النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا موسى حُبست مظلوماً فقل هذه الكلمات ، فإنك لا تبيت هذه الليلة في الحبس ! فقلت : بأبي وأمي ما أقول ؟ فقال : قل يا سامع كل صوت ، ويا سابق الفوْت ، ويا كاسي العظام لحماً ومنشرها بعد الموت أسألك بأسمائك الحسنى ، وبإسمك الأعظم الأكبر المخزون المكنون ، الذي لم يطلع عليه أحد من المخلوقين ، يا حليماً ذا أناة لا يُقْوي على أناته يا ذا المعروف الذي لا ينقطع أبداً ، ولا يُحْصَى عمداً ، فرِّجْ عني . فكان ما ترى » !
أقول : وروى نحوه في وفيات الأعيان : 5 / 308 ، وتأتي روايته من مصادرنا ، وهو يدل على أمور عديدة :
منها : عنف هارون وقسوته حتى أن كبار وزرائه وموظفيه يتوقع أحدهم أن يُحضره نصف الليل ويقتله ، دون أن يعرف السبب !
ومنها ، يدل تعجب رئيس الشرطة وسؤاله لهارون ثلاثاً عن أمره بإطلاق الإمام ( عليه السلام ) ، على أن هارون كان أحضره ليقتله !
ومنها ، أن ذلك كان في حياة والدته خيزران لأنها ماتت سنة 173 ، وأنها لم تتدخل لإطلاق الإمام ( عليه السلام ) ، وقد تكون وافقت على رأي يحيى البرمكي بضرورة قتل الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) .
كما تدل على أن الأمر بإطلاقه ( عليه السلام ) كان في الليالي الأولى لسجنه ( عليه السلام ) في تلك المرة وربما في الليلة الأولى ، ففي مناقب آل أبي طالب : 3 / 422 : « لما حبس هارون الكاظم ( عليه السلام ) جَنَّ عليه الليل فجدد موسى طهوره ، فاستقبل بوجهه القبلة وصلى أربع ركعات ثم دعا فقال : يا سيدي نجني من حبس هارون وخلصني من يده ، يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ، ويا مخلص النار من بين الحديد والحجر ، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص الروح من بيت الأحشاء والأمعاء ، خلصني من يد هارون الرشيد ! قال : فرأى هارون رجلاً أسود بيده سيف قد سله . . . الخ . »
وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 87 : « لما حبس الرشيد موسى بن جعفر ( عليه السلام ) جَنَّ عليه الليل ، فخاف ناحية هارون أن يقتله ، فجدد موسى بن جعفر طهوره فاستقبل بوجهه القبلة وصلى لله عز وجل أربع ركعات ، ثم دعا بهذه الدعوات فقال : يا سيدي نجني من حبس هارون وخلصني من يده . يا مخلص الشجر من بين رمل وطين ، ويا مخلص اللبن من بين فرث ودم ، ويا مخلص الولد من بين مشيمة ورحم ، ويا مخلص النار من الحديد والحجر ، ويا مخلص الروح من بين الأحشاء والأمعاء ، خلصني من يد هارون . قال : فلما دعا موسى ( عليه السلام ) بهذه الدعوات أتى هارون رجل أسود في منامه ، وبيده سيف قد سله فوقف على رأس هارون وهو يقول : يا هارون أطلق موسى بن جعفر وإلا ضربت علاوتك بسيفي هذا ! فخاف هارون من هيبته ، ثم دعا الحاجب فجاء الحاجب فقال له : إذهب إلى السجن فأطلق عن موسى بن جعفر ! قال : فخرج الحاجب فقرع باب السجن فأجابه صاحب السجن فقال : من ذا ؟ قال : إن الخليفة يدعو موسى بن جعفر فأخرجه من سجنك وأطلق عنه ، فصاح السجان : يا موسى إن الخليفة يدعوك فقام موسى ( عليه السلام ) مذعوراً فزعاً وهو يقول : لا يدعوني في جوف هذا الليل إلا لشر يريده بي ، فقام باكياً حزيناً مغموماً آيسا من حياته ، فجاء هارون وهو ترتعد فرائصه ، فقال : سلام على هارون فرد عليه السلام ، ثم قال له هارون : ناشدتك بالله هل دعوت في جوف هذا الليل بدعوات ؟ فقال : نعم . قال : وما هن ؟ قال : جددت طهوراً وصليت لله عز وجل أربع ركعات ورفعت طرفي إلى السماء وقلت : يا سيدي خلصني من يد هارون وشره ، وذكر له ما كان من دعائه فقال هارون : قد استجاب الله دعوتك ! يا حاجب أطلق عن هذا ، ثم دعا بخلع عليه ثلاثاً وحمله على فرسه وأكرمه وصيره نديماً لنفسه ، ثم قال : هات الكلمات فعلمه قال : فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه الدار ويكون معه فصار موسى بن جعفر ( عليه السلام ) كريماً شريفاً عند هارون ، وكان يدخل عليه في كل خميس ، إلى أن حبسه الثانية فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي شاهك وقتله بالسم » .
وروى الصدوق في عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 73 ، والمفيد في الإختصاص / 59 رواية مشابهة عن وزير الرشيد الفضل بن الربيع ، وأنه طلب من الإمام ( عليه السلام ) أن يعلمه الصلاة والدعاء اللذين علمه إياهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) في منامه .
خلط الرواة بين أخبار حبسه ( عليه السلام ) في المرة الأولى والثانية
ينبغي التنبيه على أن بعض الرواة خلطوا بين أحاديث سجن الإمام ( عليه السلام ) في المرتين ، وقد تخللهما فرض الإقامة الجبرية عليه في بغداد .
وعلامة المرة الأولى : أنها كانت في أول خلافة هارون كما نص المسعودي ، ولم يكن الفضل بن الربيع يومها وزيراً ، بل في المرة الأخيرة .
وعلامتها : أن هاروناً ناظر الإمام ( عليه السلام ) فيها في وصف أبناء علي وفاطمة ( عليهما السلام ) بأنهم أبناء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وذريته ، فاستدل الإمام ( عليه السلام ) بآيات القرآن واقتنع هارون .
وبعد تسع سنين جاء هارون فسلم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم سلم عليه الإمام ( عليه السلام ) وقال : السلام عليك يا أبت ، فقال هارون : أشهد أنه أبوه حقاً ، وهو يدل على أن مناظرة الإمام ( عليه السلام ) معه في الموضوع كانت قبل ذلك .
وعلامتها : أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) دعا لما جن عليه الليل بالخلاص من سجن هارون ، فرأى هارون مناماً مرعباً وأطلقه ، ولم يرد ذلك في حبسه في المرة الثانية .
وعلامتها : أنها لم يرد فيها اسم الفضل بن الربيع ، وأمر هارون للإمام بثلاثين ألف درهم ، ووافق على طلبه أن يرجع إلى المدينة ولم يرد ذلك في المرة الثانية .
وعلامتها : أن مدة فرض الإقامة الجبرية عليه ومدة سجنه كانت أقل من الثانية ، فقد قال هارون في آخر مناقشته للإمام ( عليه السلام ) كما سيأتي : « أحسنت يا موسى إرفع إلينا حوائجك ! فقلت له : إن أول حاجة لي أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده وإلى عياله ! فقال : ننظر إن شاء الله » .
ومعنى « ننظر » أنه لم يأذن له وفرض عليه الإقامة الجبرية في بغداد ، وفرض عليه وأن يحضر مجلسه كل خميس ، فمكث ( عليه السلام ) مدة على ذلك ، ثم سجنه بقصد قتله ، فدعا الله تعالى فرأى هارون المنام المرعب وأطلقه .
وعلامة الثانية : أنه مدتها كانت نحو أربع سنوات ، منها نحو سنة في البصرة وثلاث سنوات في بغداد ، وكان الإمام ( عليه السلام ) في أكثرها في الإقامة الجبرية ، وكان ملزماً بالحضور في مجلس هارون كل يوم خميس أيضاً !
قال في الإرشاد : 2 / 240 ، يصف هذه المرة : « فوجه الرشيد من تسلمه من عيسى بن جعفر ، وصير به إلى بغداد ، فسلم إلى الفضل بن الربيع ، فبقي عنده مدة طويلة فأراده الرشيد على شئ من أمره فأبى ، فكتب إليه بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه . . . فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه ، فاتصل ذلك بالرشيد وهو بالرقة ، فكتب إليه ينكر عليه توسعته على موسى ويأمره بقتله ، فتوقف عن ذلك ولم يقدم عليه ، فاغتاظ الرشيد لذلك ودعا مسروراً الخادم فقال له : أخرج على البريد في هذا الوقت إلى بغداد . الخ . » .
فقد كان في المرتين إقامة جبرية وسجن ، وكانت الثانية أطول ، وفي المرة الأولى أطلق سراحه ( عليه السلام ) وسمح له بالعودة إلى المدينة ، وفي الثانية سجنه في آخرها وقتله وكان الفاصل بين المرتين تسع سنوات ، ومدة الثانية أربع سنوات .
وقد روي عن الإمام ( عليه السلام ) مجموعة أحاديث ومناظرات مع هارون ، والقاضي أبي يوسف ، والبرمكيين ، وأحاديث مع هشام بن الحكم ، وغيرهم ، وكانت في الفترتين اللتين أجبر فيهما الإمام ( عليه السلام ) على الإقامة في بغداد ، لكن يصعب التمييز بين ما كان منها في المرة الأولى والثانية ، خاصة وأن الرواة خلطوا بين أخبارهما .
وقد تعنت ابن تيمية فأنكر أن يكون الإمام ( عليه السلام ) مرَّ من أمام بيت بشر الحافي وتاب على يده ، بحجة أنه ( عليه السلام ) كان في بغداد محبوساً ! وهذا دأب ابن تيمية في مسارعته لإنكار أي فضيلة لأهل البيت ( عليهم السلام ) . ( راجع : شرح منهاج الكرامة : 1 / 176 ) .
الإمام الكاظم ( عليه السلام ) يصارح هارون !
نقلت الرواية التالية ( عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 79 ، والاحتجاج : 2 / 161 ) مناظرة هارون للإمام الكاظم ( عليه السلام ) عندما أحضره إلى بغداد قبل أن يسجنه ، وقد تضمنت مصارحة الإمام ( عليه السلام ) له وقرعه إياه بأقوى الحجج !
قال ( عليه السلام ) : « لما أدخلتُ على هارون سلمت عليه فرد عليَّ السلام ثم قال : يا موسى بن جعفر خليفتان يجئ إليهما الخراج ؟ !
فقلت : يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تبوء بإثمي وإثمك ، فتقبل الباطل من أعدائنا علينا ، فقد علمت بأنه قد كذب علينا منذ قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلم ذلك عندك ! فإن رأيت بقرابتك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن تأذن لي أحدثك بحديث أخبرني به أبي عن آبائه عن جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : قد أذنت لك ، فقلت : أخبرني أي عن آبائه عن جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : إن الرحم إذا مست تحركت واضطربت ، فناولني يدك جعلني الله فداك !
قال : أدن مني ، فدنوت منه فأخذ بيدي ثم جذبني إلى نفسه وعانقني طويلاً ، ثم تركني ، وقال : أجلس يا موسى ! فليس عليك بأس ، فنظرت إليه فإذا به قد دمعت عيناه فرجعت إلى نفسي ، فقال : صدقت وصدق جدك ( صلى الله عليه وآله ) ، لقد تحرك دمي واضطربت عروقي حتى غلبت عليَّ الرقة وفاضت عيناي ، وأنا أريد أن أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين ، لم أسأل عنها أحداً ، فإن أنت أجبتني عنها خليت عنك ولم أقبل قول أحد فيك ، وقد بلغني أنك لم تكذب قط ، فأصدقني فيما أسألك ما في قلبي !
فقلت : ما كان علمه عندي فإني مخبرك به إن أنت أمنتني ! قال : لك الأمان إن صدقتني وتركت التقية التي تعرفون بها معاشر بني فاطمة !
قلت ليسأل أمير المؤمنين عما يشاء . قال : أخبرني لم فضلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة ، وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد ، إنا بنو عباس وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقرابتهما منه سواء ؟
فقلت : نحن أقرب . قال : وكيف ذاك ؟ قلت : لأن عبد الله وأبا طالب لأب وأم وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله ، ولا من أم أبي طالب .
قال : فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي ( صلى الله عليه وآله ) والعم يحجب ابن العم وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد توفي أبو طالب قبله ، والعباس عمه حي ؟ !
فقلت له : إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن هذه المسألة ، ويسألني عن كل باب سواه يريده ! فقال : لا ، أو تجيب ! فقلت : فآمني . قال : آمنتك قبل الكلام . فقلت : إن في قول علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : أنه ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو أنثى لأحد سهم إلا الأبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب العزيز والسنة ، إلا أن تيماً وعدياً وبني أمية قالوا : العم والد ، رأياً منهم بلا حقيقة ، ولا أثر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) !
ومن قال بقول علي ( عليه السلام ) من العلماء قضاياهم خلاف قضايا هؤلاء ، هذا نوح بن دراج يقول في هذه المسألة بقول علي ( عليه السلام ) وقد حكم به ، وقد ولاه أمير المؤمنين المصرين الكوفة والبصرة وقضى به ! فأْمُرْ بإحضاره وإحضار من يقول بخلاف قوله منهم : سفيان الثوري ، وإبراهيم المازني ، والفضيل بن عياض !
فأحضرهم فشهدوا أنه قول علي ( عليه السلام ) في هذه المسألة ، فقال لهم فيما بلغني بعض العلماء من أهل الحجاز : لم لا تفتون وقد قضى نوح بن دراج ؟ فقالوا : جَسُرَ وجَبُنَّا !
وقد أمضى أمير المؤمنين قضيته بقول قدماء العامة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : أقضاكم علي . وكذلك عمر بن الخطاب قال : علي أقضانا ، وهو اسم جامع لأن جميع ما مدح به النبي ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه من القرابة والفرائض والعلم داخل في القضاء ! قال : زدني يا موسى ! قلت : المجالس بالأمانات وخاصة مجلسك ؟
فقال : لا بأس به . فقلت : إن النبي لم يورث من لم يهاجر ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر ! فقال : ما حجتك فيه ؟ قلت : قول الله تبارك وتعالى : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيء حَتَّى يُهَاجِرُوا ، وإن عمي العباس لم يهاجر !
فقال لي : إني أسألك يا موسى هل أفتيت بذلك أحداً من أعدائنا ، أو أخبرت أحداً من الفقهاء في هذه المسألة بشئ ؟ فقلت : اللهم لا ، وما سألني عنها إلا أمير المؤمنين !
ثم قال لي : جوَّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله ويقولوا لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو علي ، وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة إنما هي وعاء والنبي جدكم من قبل أمكم ؟ !
فقلت : يا أمير المؤمنين لو أن النبي نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه ؟ قال : سبحان الله ولم لا أجبه بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك ؟ فقلت له : لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه ! فقال : ولم ؟ فقلت : لأنه ولدني ولم يلدك !
فقال : أحسنت يا موسى ! ثم قال : كيف قلتم إنا ذرية النبي والنبي لم يعقب ، وإنما العقب الذكر لا الأنثى ، وأنتم ولد الابنة ولا يكون ولدها عقباً له !
فقلت : أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه ، إلا أعفيتني عن هذه المسألة !
فقال : لا أو تخبرني بحجتكم فيه يا ولد علي ! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أنهي إلي ، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه ، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله ، وأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شئ ألف ولا واو إلا تأويله عندكم ، واحتججتم بقوله عز وجل : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيء ، واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم !
فقلت : تأذن لي في الجواب ؟ قال : هات ، فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم : وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ .
مَن أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ليس لعيسى أب . فقلت : إنما ألحقناه بذراري الأنبياء ( عليهم السلام ) من طريق مريم ( عليها السلام ) ، وكذلك ألحقنا بذراري النبي ( صلى الله عليه وآله ) من قبل أمنا فاطمة ( عليها السلام ) !
أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال : هات . قلت : قول الله عز وجل : فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ . ولم يدَّع أحد أنه أدخله النبي ( صلى الله عليه وآله ) تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وفاطمة والحسن والحسين . أبناؤنا الحسن والحسين ، ونسائنا فاطمة ، وأنفسنا علي بن أبي طالب . على أن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد : يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي قال : لأنه مني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا منكما يا رسول الله ، ثم قال : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، فكان كما مدح الله عز وجل به خليله ( عليه السلام ) إذ يقول : قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ . إنا نفتخر بقول جبرئيل إنه منا .
فقال : أحسنت يا موسى إرفع إلينا حوائجك ! فقلت له : إن أول حاجة لي أن تأذن لابن عمك أن يرجع إلى حرم جده وإلى عياله ! فقال : ننظر إن شاء الله » .
فهذه المناقشة كانت في حبس الإمام أول مرة أوائل خلافة هارون ، لأن هارون حج بعد تسع سنوات ، وقال كما تقدم : أشهد أنه أبوه حقاً !
وفي تفسير العياشي : 2 / 29 ، أن هارون سأله : « حين أدخل عليه ما هذه الدار ؟ قال : هذه دار الفاسقين ! قال وقرأ : سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ! فقال له هارون : فدار من هي ؟ قال : هي لشيعتنا قرة ولغيرهم فتنة ! قال : فما بال صاحب الدار لا يأخذها ؟ قال : أخذت منه عامرة ، ولا يأخذها إلا معمورة . فقال : أين شيعتك ؟ فقرأ أبو الحسن : لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ . قال له : فنحن كفار ؟ قال : لا ولكن كما قال الله : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ! فغضب عند ذلك وغلظ عليه » ! والاختصاص / 262 .
الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ينسف أساس نظام العباسيين !
روى الخطيب في تاريخ بغداد : 13 / 32 : « حج هارون هارون ، فأتى قبر النبي ( ص ) زائراً له ، وحوله قريش وأفياء القبائل ، ومعه موسى بن جعفر ، فلما انتهى إلى القبر قال : السلام عليك يا رسول الله ، يا ابن عمي ، افتخاراً على من حوله ! فدنا موسى بن جعفر فقال : السلام عليك يا أبت ! فتغير وجه هارون وقال : هذا الفخر يا أبا الحسن حقاً » وتهذيب الكمال : 29 / 49 ، وابن خلكان في وفيات الأعيان : 5 / 308 ، وابن الأثير في الكامل : 6 / 163 ، والذهبي في سير أعلام النبلاء : 6 / 273 .
وعلق عليه الذهبي في تاريخه : 12 / 417 : « ولعل هارون ما حبسه إلا لقولته تلك : السلام عليك يا أبَهْ ! فإن الخلفاء لا يحتملون مثل هذا » !
وقال ابن كثير في النهاية : 10 / 197 : « فقال هارون : هذا هو الفخر يا أبا الحسن ! ثم لم يزل ذلك في نفسه حتى استدعاه في سنة تسع وسبعين وسجنه فأطال سجنه ، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها : أما بعد يا أمير المؤمنين إنه لم ينقض عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك يوم من الرخاء ، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون » .
ورواه من مصادرنا الكافي : 4 / 553 : « عن علي بن حسان ، عن بعض أصحابنا قال : حضرت أبا الحسن الأول ( عليه السلام ) وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة ، قد جاؤوا إلى قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هارون لأبي الحسن ( عليه السلام ) : تقدم فأبي فتقدم هارون فسلم وقام ناحية ، وقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن : تقدم فأبى ، فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون ، فقال : جعفر لأبي الحسن : تقدم فأبى ، فتقدم جعفر فسلم ووقف مع هارون . وتقدم أبو الحسن ( عليه السلام ) فقال : السلام عليك يا أبه ، أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك ، أن يصلي عليك . فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال ؟ قال : نعم ، فقال هارون : أشهد أنه أبوه حقاً » . وكامل الزيارات / 55 ، وتهذيب الأحكام : 6 / 6 .
أقول : نلاحظ أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) احترم عيسى بن جعفر وكان والي البصرة كما احترم جعفر بن يحيى البرمكي رئيس وزراء هارون ، وقدمهما على نفسه ليسلما على النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبله . ثم تقدم وقال : السلام عليك يا أبهْ ، يقول بذلك للعباسيين أنتم تدعون الحق بالخلافة لأنكم أبناء عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بينما نحن أبناؤه !
أما قول هارون : « أشهد أنه أبوه حقاً » ! فلأنه كان ناقش الإمام ( عليه السلام ) عندما حبسه في أول خلافته وأثبت له أن أبناء فاطمة ( عليها السلام ) أبناء النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنص القرآن !
حبس هارون للإمام الكاظم ( عليه السلام ) - المرة الثانية
اتفقت المصادر على أن هارون حج في سنة 179 ، واعتقل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وتقدم قول الذهبي وابن كثير أن سبب ذلك قول الإمام ( عليه السلام ) أمام هارون : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبت !
ولكن السبب الحقيقي برأيي هو تأثير الإمام ( عليه السلام ) العميق والواسع على جمهور المسلمين وشخصيات الدولة ، ومنهم وزراء هارون وخاصته ، فكان هارون يرى فيه خطراً كبيراً من جهة ، وكان يعرف أنه ليس من مذهبه ولا مذهب أبيه الصادق ( عليهما السلام ) الخروج عليه والعمل لتسلم الخلافة ، لكنه يحتمل أن يغير رأيه !
وقد حرص الإمام ( عليه السلام ) في حبسه الأول ولقاءاته في بغداد على طمأنة هارون وبلاطه بأنه لا يعمل للثورة وإسقاط النظام العباسي !
بل كان ذلك معروفاً عن الإمام الكاظم وأبيه الصادق ( عليهما السلام ) من زمن المنصور ، ففي مهج الدعوات / 217 : « لما قتل الحسين بن علي صاحب فخ ، وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن وتفرق الناس عنه ، حمل رأسه والأسرى من أصحابه إلى موسى بن المهدي . . . ثم أمر برجل من الأسرى فوبخه ثم قتله . . . وجعل ينال منهم إلى أن ذكر موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فنال منه ثم قال : والله ما خرج حسين إلا عن أمره ولا اتبع إلا محبته ، لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت ، قتلني الله إن أبقيت عليه ! فقال له أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي وكان جريئاً عليه : يا أمير المؤمنين أقول أم أسكت ؟ فقال : قتلني الله إن عفوت عن موسى بن جعفر ، ولولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور ما كان به جعفر من الفضل المبرز عن أهله في دينه وعمله وفضله ، وما بلغني من السفاح فيه من تعريضه وتفضيله ، لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقاً !
فقال أبو يوسف : نساؤه طوالق ، وعتق جميع ما يملك من الرقيق ، وتصدق بجميع ما يملك من المال وحبس دوابه ، وعليه المشي إلى بيت الله الحرام ، إن كان مذهب موسى بن جعفر الخروج ، ولا يذهب إليه ولا مذهب أحد من ولده ولا ينبغي أن يكون هذا منهم » !
لكن مع ذلك ، قرر هارون حبس الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وحاول قتله ، لأنه كان يعيش عقدة من تأثيره العجيب على شخصيات المجتمع ، وخاصة كبار وزرائه !
قال الكليني ( قدس سره ) في الكافي : 1 / 476 : « وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة تسع وسبعين ومائة ، وقد قدم هارون المدينة منصرفه من عمرة شهر رمضان ، ثم شخص هارون إلى الحج وحمله معه ، ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر ثم أشخصه إلى بغداد ، فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفي ( عليه السلام ) في حبسه ودفن ببغداد في مقبرة قريش » . والاحتجاج : 2 / 165 .
وفي غيبة الطوسي / 23 : « وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله إني أعتذر إليك من شئ أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسى بن جعفر ، فإنه يريد التشتيت بأمتك وسفك دمائها ، ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده » !
وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 82 : « عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال : سمعت أبي يقول : لما قبض الرشيد على موسى جعفر ( عليه السلام ) قبض عليه وهو عند رأس النبي ( صلى الله عليه وآله ) قائماً يصلي فقطع عليه صلاته ، وحُمل وهو يبكي ويقول : أشكو إليك يا رسول الله ما ألقى ! وأقبل الناس من كل جانب يبكون ويصيحون ، فلما حمل إلى يدي الرشيد شتمه وجفاه ، فلما جن عليه الليل أمر ببيتين فهُيِّأ له ، فحُمل موسى بن جعفر ( عليه السلام ) إلى أحدهما في خفاء ودفعه إلى حسان السروي ، وأمره بأن يصير به في قبة إلى البصرة فيسلم إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر وهو أميرها ، ووجه قبة أخرى علانيةً نهاراً إلى الكوفة معها جماعة ليُعَمِّي على الناس أمر موسى بن جعفر ( عليه السلام ) . فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم فدفعه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر نهاراً علانية حتى عرف ذلك وشاع خبره ، فحبسه عيسى بيت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه وأقفل عليه ، وشغله العيد عنه فكان لا يفتح عنه الباب إلا حالتين حالة يخرج فيها إلى الطهور وحالة يدخل فيها الطعام . قال أبي : فقال لي الفيض بن أبي صالح وكان نصرانياً ثم أظهر الإسلام وكان زنديقاً ، وكان يكتب لعيسى بن جعفر وكان بي خاصاً ، فقال : يا أبا عبد الله لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها ، من ضروب الفواحش والمناكير ما أعلم ولا أشك أنه لم يخطر بباله !
قال أبي : وسعى بي في تلك الأيام إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر علي بن يعقوب بن عون بن العباس بن ربيعة ، في رقعه دفعها إليه أحمد بن أسيد حاجب عيسى قال : وكان علي بن يعقوب من مشايخ بني هاشم وكان أكبرهم سناً ، وكان مع كبر سنه يشرب الشراب ويدعو أحمد بن أسيد إلى منزله ، فيحتفل له ويأتيه بالمغنين والمغنيات ، يطمع في أن يذكره لعيسى ، فكان في رقعته التي رفعها إليه : إنك تقدم علينا محمد بن سليمان في إذنك وإكرامك وتخصه بالمسك وفينا من هو أسن منه ، وهو يدين بطاعة موسى بن جعفر المحبوس عندك !
قال أبي : فإني لقائل يوم قايظ إذ حُركت حلقه الباب عليَّ فقلت : ما هذا ؟ قال لي الغلام : قعنب بن يحيى على الباب يقول : لا بد من لقائك الساعة ! فقلت : ما جاء إلا لأمر إئذنوا له فدخل فخبرني عن الفيض بن أبي صالح بهذه القصة والرقعة ، قال : وقد كان قال لي الفيض بعد ما أخبرني : لا تخبر أبا عبد الله فتحزنه ، فإن الرافع عند الأمير لم يجد فيه مساغاً وقد قلت للأمير : أفي نفسك من هذا شئ حتى أخبر أبا عبد الله فيأتيك ويحلف على كذبه ؟ فقال : لا تخبره فتغمه فإن ابن عمه إنما حمله على هذا الحسد له ! فقلت له : يا أيها الأمير أنت تعلم أنك تخلو بأحد خلواتك به فهل حملك على أحد قط ؟ قال : معاذ الله ! قلت : فلو كان له مذهب يخالف فيه الناس لأحب أن يحملك عليه . قال : أجل ومعرفتي به أكثر .
قال أبي : فدعوت بدابتي وركبت إلى الفيض ساعتي فصرت إليه ومعي قعنب في الظهيرة ، فاستأذنت فأرسل إليَّ وقال : جعلت فداك قد جلست مجلساً أرفع قدرك عنه ، وإذا هو جالس على شرابه فأرسلت إليه : والله لا بد من لقائك فخرج إليَّ في قميص رقيق وإزار مورَّد فأخبرته بما بلغني ، فقال لقعنب : لا جزيت خيراً ألم أتقدم إليك لا تخبر أبا عبد الله فتغمه ؟ ثم قال لي : لا بأس فليس في قلب الأمير من ذلك شئ . قال : فما مضت ذلك إلا أيام يسيره حتى حمل موسى بن جعفر سراً إلى بغداد وحبس ثم أطلق ، ثم حبس ثم سلم إلى السندي بن شاهك فحبسه وضيق عليه ، ثم بعث الرشيد بسم في رطب وأمره أن يقدمه إليه ، ويحتم عليه في تناوله منه ، ففعل فمات صلوات الله عليه » !
أقول : تدل هذه الرواية على خوف هارون من ردة فعل الشيعة ، واحتمال أن يحاولوا تخليص الإمام ( عليه السلام ) من يده ، ولذلك موَّه مكانه وأخفى مقصد إرساله .
كما تدل الرواية على فساد الجهاز الإداري العباسي ، ومنه بلاط حاكم البصرة ، وهو حفيد المنصور الدوانيقي .
كما تدل على أن بقاء الإمام ( عليه السلام ) في سجن البصرة كان أياماً ، لكن ورد أنه بقي فيها سنة ، ففي غيبة الطوسي / 23 : « فحبسه عنده سنة ، ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلا خليت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة فلم أقدر على ذلك حتى أني لأتسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة . فوجه من تسلمه منه » !
ويحتمل أن يكون هارون قد حبسه في البصرة أكثر من مرة ، فقد كان مرتبكاً في أمر الإمام ( عليه السلام ) لما رأى من آياته ! فقد حبسه مرات وأطلقه وأبقاه في بغداد ، ثم قتله بالسم ! وهذا يشبه ارتباك جده المنصور عندما كان يستدعي الإمام الصادق ( عليه السلام ) ويحاول قتله !
فرض عليه هارون الإقامة الجبرية في بغداد
استمر سجن الإمام والإقامة الجبرية في هذه المرة أربع سنوات ، ففي الكافي : 1 / 381 : « عن مسافر قال : أمر أبو إبراهيم ( عليه السلام ) حين أخرج به ، أبا الحسن ( عليه السلام ) أن ينام على بابه في كل ليلة أبداً ما كان حياً إلى أن يأتيه خبره !
قال : فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز ، ثم يأتي بعد العشاء فينام ، فإذا أصبح انصرف إلى منزله ! قال : فمكث على هذه الحال أربع سنين ، فلما كان ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له فلم يأت كما كان يأتي ، فاستوحش العيال وذعروا ، ودخلنا أمر عظيم من إبطائه ، فلما كان من الغد أتى الدار ودخل إلى العيال ، وقصد إلى أم أحمد فقال لها : هات التي أودعك أبي ، فصرخت ولطمت وجهها وشقت جيبها ، وقالت : مات والله سيدي ، فكفها وقال لها لا تكلمي بشئ ولا تظهريه حتى يجيئ الخبر إلى الوالي ، فأخرجت إليه سفطاً وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار ، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره ، وقالت : إنه قال لي فيما بيني وبينه وكانت أثيرة عنده : إحتفظي بهذه الوديعة عندك ، لا تطلعي عليها أحداً حتى أموت ، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك ، فادفعيها إليه واعلمي أني قد متُّ . وقد جاء ني والله علامة سيدي . فقبض ذلك منها وأمرهم بالإمساك جميعاً إلى أن ورد الخبر ، وانصرف فلم يعد لشئ من المبيت كما كان يفعل ، فما لبثنا إلا أياماً يسيرة حتى جاءت الخريطة بنعيه ، فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت فإذا هو قد مات في الوقت الذي فعل أبو الحسن ( عليه السلام ) ما فعل ، من تخلفه عن المبيت وقبضه لما قبض ! » .
وروى الطبري في دلائل الإمامة / 372 : « فمكث على هذه الحال نحو أربع سنين ، وأبو إبراهيم ( عليه السلام ) مقيم في يد السلطان ذاهباً جائياً في حال رفاهة وإكرام ، وكان الرشيد يرجع إليه في المسائل فيجيبه عنها ! ثم كان من البرامكة ما كان في السعي على دمه والإغراء به ، حتى حبسه في يد السندي بن شاهك ، وأمره الرشيد بقتله في السم . فلما كان في ليلة من الليالي وقد فرشنا لأبي الحسن الرضا على عادته ، أبطأ عنا فلم يأت كما كان يأتي ، فاستوحش العيال وذعروا وداخلنا من إبطائه أمر عظيم ، فلما أصبحنا أتى الدار ، ودخل قاصداً إليها من غير إذن ، ثم أتى أم حميد فقال لها : هات الذي أودعك أبي وسماه لها فصرخت ولطمت وشقت ثيابها وقالت : مات والله سيدي ! فكفها وقال لها : لا تكلمي بهذا ولا تظهريه حتى يجئ الخبر إلى والي المدينة . . . » .
أقول : لاحظ قوله : « وأبو إبراهيم ( عليه السلام ) مقيم في يد السلطان ذاهباً جائياً في حال رفاهة وإكرام ، وكان الرشيد يرجع إليه في المسائل فيجيبه عنها . . الخ . » !
وقد فرض عليه أن يحضر مجلسه كل يوم خميس : « قال : فأطلق عنه وسلمه إلى الحاجب ليسلمه الدار ويكون معه ، فصار موسى بن جعفر ( عليه السلام ) كريماً شريفاً عند هارون ، وكان يدخل عليه في كل خميس ، إلى أن حبسه الثانية ، فلم يطلق عنه حتى سلمه إلى السندي شاهك ، وقتله بالسم » ( أمالي الصدوق / 461 ، والعيون : 2 / 88 ) .
وكان الإمام الكاظم ( عليه السلام ) يقضي وقته في بغداد في عبادة ربه عز وجل ، ويلتقي بهارون ووزرائه وغيرهم ، ويلتقي ببعض خاصته علناً أو سراً .
ففي رجال الطوسي : 2 / 790 : « عن محمد بن سالم قال : لما حُمل سيدي موسى بن جعفر ( عليه السلام ) إلى هارون ، جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي فقال له : يا سيدي قد كتبت لي صك إلى الفضل بن يونس فسله أن يروج أمري . قال فركب إليه أبو الحسن ( عليه السلام ) فدخل إليه حاجبه فقال : يا سيدي أبو الحسن موسى بالباب ، فقال : إن كنت صادقاً فأنت حرٌّ ولك كذا وكذا ! فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتى خرج إليه فوقع على قدميه يقبلهما ، ثم سأله أن يدخل ، فدخل فقال له : إقض حاجة هشام فقضاها ، ثم قال : يا سيدي قد حضر الغذاء فتكرمني أن تتغدى عندي ، فقال هات فجاء بالمائدة وعليها البوارد ، فأجال أبو الحسن ( عليه السلام ) يده في البارد وقال : البارد تجال اليد فيه ، فلما رفعوا البارد وجاءوا بالحار ، فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : الحار حمى » .
وفي المحاسن : 2 / 451 : « عن الفضل بن يونس الكاتب قال : أتاني أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) في حاجة للحسين بن يزيد ، فقلت : إن طعامنا قد حضر ، فأحب أن تتغدى عندي ، قال : نحن نأكل طعام الفجاء ، ثم نزل فجئته بغداء ووضعت منديلاً على فخذيه فأخذه فنحاه ناحية ، ثم أكل » .
فهذه الروايات تدل على أنه ( عليه السلام ) كان طليقاً نسبياً في بغداد ، في المرتين .
سكن الإمام ( عليه السلام ) في بغداد في بيت متواضع
اختار الإمام ( عليه السلام ) أن يسكن في بيت متواضع ، ففي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 75 ، عن الفضل بن الربيع قال : « كنت أحجب الرشيد فأقبل عليَّ يوماً غضباناً وبيده سيف يقلبه فقال لي : يا فضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بابن عمى الآن لآخذن الذي فيه عيناك ! فقلت : بمن أجيؤك ؟ فقال : بهذا الحجازي . فقلت : وأي الحجازي ؟ قال : موسى جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . قال الفضل : فخفت من الله عز وجل أن أجئ به إليه ثم فكرت في النقمة فقلت له : أفعل . فقال : آتيني بسوطين وهسارين وجلادين !
قال : فأتيته بذلك ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرايد النخل ، فإذا أنا بغلام أسود فقلت له : استأذن لي على مولاك يرحمك الله ، فقال لي : لُجْ فليس له حاجب ولا بواب ، فولجت إليه فإذا أنا بغلام أسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده ! فقلت : له السلام عليك يا بن رسول الله ، أجب الرشيد !
فقال : ما للرشيد وما لي ، أما تشغله نعمته عني ؟ ثم وثب مسرعاً وهو يقول : لولا أني سمعت في خبر عن جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن طاعة السلطان للتقية واجبة إذاً ما جئت ! فقلت له : إستعد للعقوبة يا أبا إبراهيم رحمك الله ! فقال ( عليه السلام ) : أليس معي من يملك الدنيا والآخرة ؟ ! ولن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء الله تعالى ! قال فضل بن الربيع : فرأيته وقد أدار يده ( عليه السلام ) يلوح بها على رأسه ثلاث مرات ، فدخلت على الرشيد فإذا هو كأنه امرأة ثكلى قائم حيران ! فلما رآني قال لي : يا فضل ، فقلت : لبيك . فقال جئتني بابن عمي ؟ قلت : نعم . قال : لا تكون أزعجته . فقلت : لا ، قال : لا تكون أعلمته أني عليه غضبان فإني قد هيجت على نفسي ما لم أرده ! إئذن له بالدخول فأذنت له فلما رآه وثب إليه قائماً وعانقه وقال له : مرحباً بابن عمي وأخي ووارث نعمتي ، ثم أجلسه على فخذيه فقال له : ما الذي قطعك عن زيارتنا ؟ فقال سعة مملكتك وحبك للدنيا فقال : إيتوني بحُقَّة الغالية ، فأتيَ بها ، فغلفه بيده ثم أمر أن يحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير ، فقال موسى بن جعفر : والله لولا أني أرى من أزوجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله أبداً ما قبلتها . ثم تولى عليه وهو يقول : الحمد لله رب العالمين . فقال الفضل : يا أمير المؤمنين أردت أن تعاقبه فخلعت عليه وأكرمته ! فقال لي : يا فضل إنك لما مضيت لتجيئني رأيت أقواماً قد أحدقوا بداري بأيديهم حراب قد غرسوها في أصل الدار يقولون : إن آذى ابن رسول الله خسفنا به ! وإن أحسن إليه انصرفنا عنه وتركناه ! فتبعته ( عليه السلام ) فقلت له : ما الذي قلت حتى كفيت أمر الرشيد ؟ فقال دعاء جدي علي بن أبي طالب ، كان إذا دعا به ما برز إلى عسكر إلا هزمه ولا إلى فارس إلا قهره ، وهو دعاء كفاية البلاء . قلت : وما هو ؟ قال قلت : بك أساور وبك أحاول وبك أجاور ، وبك أصول وبك أنتصر وبك أموت وبك أحيا ، أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . اللهم إنك خلقتني ورزقتني وسترتني عن العباد بلطف ما خولتني وأغنيتني ، وإذا هويت رددتني ، وإذا عثرت قومتني وإذا مرضت شفيتني ، وإذا دعوت أجبتني . يا سيدي إرض عني فقد أرضيتني » .
محاولات هارون الاستخفاف بالإمام ( عليه السلام ) وإهانته
« قال علي بن يقطين قال : استدعى الرشيد رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن ( عليه السلام ) ويخجله في المجلس ، فانتدب له رجل مُعَزِّم ، فلما أحضرت المائدة عمل ناموساً ( سحراً ) على الخبز ، فكان كلما رام خادم أبي الحسن تناول رغيف من الخبز طار من بين يديه ! واستفز هارون الفرح والضحك لذلك ، فلم يلبث أبو الحسن أن رفع رأسه إلى أسد مصور على بعض الستور فقال له : يا أسد الله خذ عدو الله ! قال فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترس ذلك المعزم ! فخرَّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشياً عليهم ، وطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه ! فلما أفاقوا من ذلك بعد حين ، قال هارون لأبي الحسن : أسألك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد الرجل . فقال : إن كانت عصا موسى ردت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيهم فإن هذه الصورة تردُّ ما ابتلعته من هذا الرجل . فكان ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه » ! ( مناقب آل أبي طالب : 3 / 417 ) .
أقول : في العبارة الأخيرة خلل ، وروتها بعض المصادر بلفظ : أعمل الأشياء في إماتة نفسه ( الحدائق : 18 / 180 ) ، أي أن هذه المعجزة كانت السبب في قرار هارون بقتل الإمام ( عليه السلام ) . وكلا المعنيين غير مقنع !
قال المحقق البحراني ( رحمه الله ) في الحدائق الناضرة : 18 / 180 : « ونحو ذلك روى في كتاب الخرائج والجرايح عن الإمام الهادي ( عليه السلام ) مع المتوكل . وفي كتاب الثاقب في المناقب عن الصادق ( عليه السلام ) مع المنصور .
ثم قال ( رحمه الله ) في هامشه : وملخص الأول : أنه وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل فأمره أن يخجل الإمام الهادي ( عليه السلام ) وأحضر على المائدة خبزاً رقاقاً فكان كلما مد الإمام يده إلى قرص من ذلك الخبز طيرها ذلك المشعبذ ، فتضاحك الناس ، وكان على مستورة صورة أسد ، فضرب الإمام ( عليه السلام ) يده على تلك الصورة وقال : خذه . فوثبت تلك الصورة من المستورة فابتلعت الرجل ، وعادت في المستورة كما كانت ، فتحير الجميع ونهض الإمام ! فقال المتوكل : سألتك بالله إلا جلست ورددته فقال : والله لا يرى بعدها ، أتسلط أعداء الله على أولياء الله ، وخرج من عندهم فلم ير الرجل بعدها .
( مدينة المعاجز / 548 حديث 52 ) .
وملخص الخبر الثاني : أن المنصور وجه إلى سبعين رجلاً من أهل بابل ، فدعاهم وقال : إنكم ورثتم السحر من آبائكم من أيام موسى بن عمران ، وإنكم لتفرقون بين المرء وزوجه ، وأن أبا عبد الله جعفر بن محمد كاهن ساحر مثلكم ، فاعملوا شيئاً من السحر فإنكم إن أبهتموه أعطيتكم الجائزة العظيمة ! فقاموا إلى المجلس الذي فيه المنصور فصوروا سبعين صورة من السباع ، وجلس كل واحد منهم جنب صاحبه ، وجلس المنصور على سرير ملكه ووضع التاج على رأسه وقال لحاجبه ابعث إلى أبي عبد الله وأحضره الساعة ، قال : فلما أحضره دخل عليه ، فلما نظر إلى ما قد استعد له غضب ( عليه السلام ) فقال : يا ويلكم أتعرفوني ، أنا حجة الله الذي أبطل سحر آبائكم في أيام موسى بن عمران ، ثم نادى برفيع صوته : أيتها الصور الممثلة ، ليأخذ كل واحد منكم صاحبه بإذن الله تعالى ، فوثب كل سبع إلى صاحبه وافترسه وابتلعه في مكانه ، ووقع المنصور مغشياً عليه من سريره ! فلما أفاق قال : الله الله يا أبا عبد الله ، أقلني ، فإني تبت توبة لا أعود إلى مثلها أبداً ! فقال ( عليه السلام ) : قد عفوتك . ثم قال : يا سيدي قل السباع أن تردهم إلى ما كانوا ، فقال : هيهات هيهات ، إن أعادت عصى موسى سحرة فرعون فستعيد هذه السباع هذه السحرة . ( مدينة المعاجز / 362 حديث : 23 ) . انتهى .
« وفي رواية أن الرشيد أمر حميد بن مهران الحاجب بالإستخفاف به ( عليه السلام ) فقال له إن القوم قد افتتنوا بك بلا حجة ، فأريد أن يأكلني هذان الأسدان المصوران على هذا المسند ! فأشار ( عليه السلام ) إليهما وقال : خذا عدو الله ، فأخذاه وأكلاه ! ثم قالا : وما الأمر ، أنأخذ الرشيد ؟ قال : لا ، عودا إلى مكانكما » ! ( مناقب آل أبي طالب : 3 / 417 ) .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة