أئمة أهل البيت "ع" في بغداد
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الكاظم "ع" سيد بغداد
الجزء والصفحة:
ص29-34
2025-07-27
365
تشرفت بغداد بثلاثة من أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) هم : الإمام الصادق والكاظم والجواد ، فقد أحضر المنصور الإمام الصادق ( عليه السلام ) إلى بغداد أكثر من مرة ، وأراد أن يقتله ، مع أنه يعرف حق المعرفة أنه إمام رباني ، ويشهد بذلك !
قال العلامة الحلي ( قدس سره ) في منهاج الكرامة / 56 : « وكان عبد الله بن الحسن جمع أكابر العلويين للبيعة لولده ، فقال له الصادق ( عليه السلام ) : إن هذا الأمر لا يتم ! فاغتاظ من ذلك فقال ( عليه السلام ) : إنه لصاحب القباء الأصفر ، وأشار بذلك إلى المنصور ! فلما سمع المنصور بذلك فرح لعلمه بوقوع ما يُخبر به ، وعلم أن الأمر يصل إليه . ولما هرب المنصور ( من جيش إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ) كان يقول : أين قول صادقهم » !
وقد أحضر المنصور الإمام الصادق ( عليه السلام ) في حج سنة 142 إلى مقره في الربذة ، وسنة 147 عندما زار المدينة ، وقبلها وبعدها إلى الأنبار والحيرة وبغداد .
وفي مهج الدعوات / 198 : « دعاء مولانا الصادق ( عليه السلام ) . . . لما استدعاه المنصور مرة سادسة ، وهي ثاني مرة إلى بغداد » .
وكان في كل مرة ينوي قتله فيحدث له مانع بمعجزة وكرامة للإمام ( عليه السلام ) ، حتى تمكن من دس السم له بعد اثنتي عشرة سنة من حكمه !
وفي هذه السنوات الإثنتي عشرة مع الأربع سنوات في عهد السفاح استطاع الإمام ( عليه السلام ) أن يبث العلوم ويُخرٍّج العلماء ، ويعمق الإيمان في الخاصة والعامة .
وقد وصف الإمام الصادق ( عليه السلام ) قرار المنصور بإبادة العلويين بعد انتصاره على الحسنيين ! فقال كما في مقاتل الطالبيين / 233 : « لما قُتل إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بباخمرى ، حُسٍرْنا عن المدينة ولم يُترك فيها منا محتلم ، حتى قدمنا الكوفة ، فمكثنا فيها شهراً نتوقع فيها القتل ! ثم خرج إلينا الربيع الحاجب فقال : أين هؤلاء العلوية ؟ أدخلوا على أمير المؤمنين رجلين منكم من ذوي الحجى . قال : فدخلنا إليه أنا والحسن بن زيد ، فلما صرت بين يديه قال لي : أنت الذي تعلم الغيب ؟ قلت : لا يعلم الغيب إلا الله . قال : أنت الذي يجبى إليك هذا الخراج ؟ قلت : إليك يجبى يا أمير المؤمنين الخراج . قال : أتدرون لم دعوتكم ؟ قلت : لا . قال : أردت أن أهدم رباعكم وأروع قلوبكم وأعقر نخلكم ، وأترككم بالسراة لا يقربكم أحد من أهل الحجاز وأهل العراق فإنهم لكم مفسدة » !
وتراجع المنصور يومها عن قتله ، وقال أحد أصحابه : « فدخلت يوماً على أبي جعفر الدوانيقي وإذا هو يفرك يديه ويتنفس تنفساً بارداً ، فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذه الفكرة ؟ فقال : يا محمد إني قتلت من ذرية فاطمة بنت رسول الله ألفاً أو يزيدون ، وقد تركت سيدهم ! فقلت له : ومَن ذلك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ذلك جعفر بن محمد » ! ( دلائل الإمامة / 298 ، ومهج الدعوات / 18 ، وعيون المعجزات / 80 ) وفي إحدى المرات أحضر المنصور الإمام ( عليه السلام ) إلى بغداد في جو إيجابي عندما كان يرتب الخلافة لابنه المهدي ! قال محمد بن إبراهيم الإمام العباسي : « أرسل المنصور بُكراً واستعجلني الرسول وظننت أن ذلك لأمر حادث ، فركبت إذ سمعت وقع الحافر فقلت للغلام : أنظر من هذا فقال : هذا أخوك عبد الوهاب فرفقت في السير فلحقني فسلمت عليه وسلم علي فقال : أتاك رسول هذا ؟ قلت : نعم ، فهل أتاك ؟ قال : نعم ، قلت : فيمَ ذاك ترى ؟ قال : تجده اشتهى خلاً وزيتاً يريد الغداء ، فأحب أن نأكل معه ! قلت : ما أرى ذلك وما أظن هذا إلا لأمر ! قال : فانتهينا إليه فدخلنا فإذا الربيع واقف عند الستر وإذا المهدي ولي العهد في الدهليز جالس وإذا عبد الصمد بن علي ، وداود بن علي ، وإسماعيل بن علي ، وسليمان بن علي وجعفر بن محمد بن علي بن حسين ، وعبد الله بن حسن بن حسن ، والعباس بن محمد . قال الربيع : إجلسوا مع بني عمكم ، قال فجلسنا فدخل الربيع وخرج فقال للمهدي : أدخل أصلحك الله ، ثم دخل فقال : أدخلوا جميعاً فدخلنا وسلمنا وأخذنا مجالسنا ، فقال للربيع : هات دوياً وما يكتبون فيه ، فوضع بين يدي كل واحد منا دواة وورقاً ، ثم التفت إلى عبد الصمد بن علي فقال : يا عم حدث ولدك وإخوتك وبني أخيك حديث البر والصلة ، فقال عبد الصمد : حدثني أبي عن جدي عبد الله بن العباس عن النبي ( ص ) أنه قال : إن البر والصلة ليطيلان الأعمار ويعمران الديار ويكثران الأموال ولو كان القوم فجاراً . . . . ثم التفت المنصور إلى جعفر بن محمد فقال : يا أبا عبد الله حدث إخوتك وبني عمك بحديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما من ملك يصل رحمه وذوي قرابته ويعدل على رعيته ، إلا شد الله له ملكه وأجزل له ثوابه وأكرم ما به وخفف حسابه » ( تاريخ دمشق : 36 / 242 ، والمنتظم : 9 / 106 ) . فكان إحضار المنصور لشخصيات بني العباس وبني علي ( عليه السلام ) ليروي لهم أحاديث صلة الرحم ويجمعهم حول ولي عهده الذي سماه بالمهدي !
الإمام الجواد في بغداد ( عليه السلام )
في مناقب آل أبي طالب : 3 / 490 : « لما بويع المعتصم ( ابن هارون ) جعل يتفقد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقي ( عليه السلام ) وأم الفضل ، فأنفذ ابن الزيات علي بن يقطين إليه ، فتجهز وخرج إلى بغداد فأكرمه وعظمه ، وأنفذ أشناس بالتحف إليه والى أم الفضل ، ثم أنفذ إليه شراب حماض الأترج تحت ختمه على يدي أشناس وقال : إن أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي دؤاد وسعد بن الخصيب ، وجماعة من المعروفين ، ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج . . . » .
وفي الإرشاد : 2 / 298 : « لما أخرج أبو جعفر ( عليه السلام ) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولة من خرجتيه ، قلت له عند خروجه : جعلت فداك ، إني أخاف عليك من هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟ قال : فكرَّ بوجهه إلي ضاحكاً وقال : ليس حيث ظننت في هذه السنة . فلما استدعي به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك أنت خارج ، فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ثم التفت إلي فقال : عند هذه يخاف عليَّ ، الأمر من بعدي إلى ابني علي » .
وفي الإرشاد : 2 / 289 : « أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين ومائتين إلى بغداد ، فأقام بها حتى توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة ، فدفن في ظهر قبر جده أبي الحسن موسى ( عليه السلام ) » .
وفي المناقب : 3 / 487 : « قال ابن بابويه : سَمَّ المعتصم محمد بن علي . وأولاده : علي الإمام ، وموسى وحكيمة وخديجة وأم كلثوم . . وقد كان زوجه المأمون ابنته ولم يكن له منها ولد . وسبب وروده بغداد إشخاص المعتصم له من المدينة ، فورد بغداد لليلتين من المحرم سنة عشرين ومائتين وأقام بها حتى توفي في هذه السنة » .
رسالة الإمام الهادي ( عليه السلام ) إلى شيعته في بغداد
في رجال الطوسي : 2 / 800 ، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال : « نسختُ الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها ، والمدائن ، والسواد ، وما يليها : أحمد الله إليكم على ما أنا عليه من عافيته وحسن عادته ، وأصلي على نبيه وآله أفضل صلواته ، وأكمل رحمته ورأفته ، وإني أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومن كان قبله من وكلائي ، وصار في منزلته عندي ، ووليته ما كان يتولاه غيره من وكلائي قبلكم ليقبض حقي ، وارتضيته لكم وقدمته على غيره في ذلك ، وهو أهله وموضعه ، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك والي ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علة ، فعليكم بالخروج عن ذلك والتسرع إلى طاعة الله وتحليل أموالكم ، والحقن لدمائكم ، وتعاونوا على البر والتقوى واتقوا الله لعلكم ترحمون . . نحن وأنتم في وديعة الله وحفظه . وكتبته بخطي والحمد لله كثيراً .
وفي كتاب آخر : وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي وأن يلزم كل واحد منكما ما وُكل به وأمر بالقيام فيه بأمر ناحيته ، فإنكم إذا انتهيتم إلى كل ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي . وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرتك يا أيوب ، أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ، ولا تلي لهم استيذاناً عليَّ ، ومُرْ من أتاك بشئ من غير أهل ناحيتك أن يُصَيِّره إلى الموكل بناحيته . وآمرك يا أبا علي في ذلك بمثل ما أمرت به أيوب ، وليقبل كل واحد منكما قبل ما أمرته به » .
ورواه في غيبة الطوسي / 351 ، وفيه : « وروى محمد بن يعقوب رفعه إلى محمد بن فرج قال : كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد ، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم ، وعن ابن بند ، وكتب إلي : ذكرت ابن راشد ( رحمه الله ) فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ، ودعا لابن بند والعاصمي ، وابن بند ضرب بعمود وقتل ، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاث مائة سوط ورميَ به في الدجلة ! فهؤلاء جماعة المحمودين ، وتركنا ذكر استقصائهم لأنهم معروفون مذكورون في الكتب » .
أقول : تدل هذه الرسالة على وجود الشيعة من يومها وانتشارهم في بغداد وضواحيها وعلى أن نظام الوكلاء الذي اعتمده الأئمة ( عليهم السلام ) كان دقيقاً وفعالاً وحديثاً . وتشير إلى ظروف المراقبة للإمام ( عليه السلام ) ووكلائه ، وبطش السلطة بخواص الشيعة والناشطين منهم .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة